fbpx

تسويق الفضاء: الرغبة بالأدرينالين وهوامات على حواف درب التبانة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يصعُب تخيل السيناريو البورنوغرافي الذي سيدور في الفضاء، فالاحتمالات هناك محدودة، لكن التسويق المستجد لسياحة الفضاء لا يكل عن ابتذال أي محاولة للكسب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عاد مؤخراً  المليونير جيف بيزوس (57 عاماً) من رحلته القصيرة إلى الفضاء (11 دقيقة) وسط تهليل وسخرية لا نعلم أيهما يزيد على الآخر، ذات الأمر مع  المليونير ريتشارد بينسون (70 عاماً) والذي أمضى 4 دقائق بدون جاذبية داخل كبسولته الفضائيّة،. 

أول ما يثير الضحك حين نحاول البحث عن تفاصيل الرحلتين هو قرار إدارة الطيران الأمريكية تجريد الاثنين من لقب “رائد فضاء”،  والسبب  هو التالي: “على رواد الفضاء أن يساهموا في السلامة العامة ورفع معايير الحفاظ على سلامة المسافرين من البشر”، وهذا بالطبع ما لم يحققه الاثنان، بل طبّعا فرضية إمكانية سفر أي شخص إلى “الأعلى”. 

لابد أن نشير هنا أن الاثين حلقا على حافة الفضاء، إن افترضنا أن الفضاء هو تلك المساحة اللامتناهية،  أي ما قام به الاثنان، حققته “البشريّة” منذ سنوات، أي لا شيء ولا شيء جديد تمت إضافته إلى أفق أحلام البشريّة، سوى أنها المرة الأولى التي تقوم بها شركات خاصة وأفراد عاديين بالسفر “خارجاً”. 

المفارقة في تجريد الاثنين من لقب رائد الفضاء هو محاولة الحفاظ على نموذج رائد الفضاء الذي يحمل أملاً وطنياً، ويدلل أحلام الأطفال في المدارس، أما المغامر الذي يسافر على حسابه الخاص من أجل “تغيير نظرته إلى العالم حين يراه من بعيد” كما قال بيزوس، فليس إلا صورة نرجسية عما يمكن للمال أن يفعله، إلا وهو التمتع بإطلالة شديدة التكلفة، واستعراض أشكال مضحكة للمركبات الطائرة. 

كلا الشركتين (blue origin و Virgin Galactic) تهدفان ظاهراً إلى تحويل الفضاء إلى مساحة سياحيّة، و فتح الباب أمام الأفراد للسفر خارجاً وهذا ما يهمنا في الأمر، لا العقود التي يتم إنجازها من أجل تنظيم نقل المعدات بين المحطات الفضائية وبين الأرض والفضاء، فالسياحة الفضائيّة موجهة للأثرياء والأصحاء، بوصفها تحدياً للذات ودعوة لتفوق الفرد على نفسه! وضمنها  لا مساحة للمهندسين والعلماء والمبرمجين المختفين دوماً، فالبطولة للمُغامر وحده، وحكايته الذاتيّة، التي لا يتجاوز جهده فيها التمارين الرياضية ودفع المال والجلوس في الكبسولة محدقاً من الشباك، كون كل شيء حرفياً يعمل لوحده دون تدخل بشري في هذه الرحلات. 

لكن، ما هو المتخيّل التجاري/ الترفيهي الذي “يُباع” للأفراد العاديين في هذه الرحلات التجاريّة ؟ وكيف تحول الأدرينالين وانعدام الجاذبيّة إلى “سلعة” ؟ 

“هل ينتصب النجم الإباحي على حواف المجرّة؟”، نطرح هذا السؤال في محاكاة ركيكة وساخرة لعنوان رواية الخيال العلميّ “هل يحلم الأندرويد بخرفان الكترونيّة ؟”  للأمريكي فيليب ك.ديك الصادرة عام 1968، أي قبل عام من هبوط نيل أرمسترونج على سطح القمر. يمكن أن يتشعب السؤال ويصبح، بماذا يحلم من سيستمني في الفضاء ؟ وما هو الفانتازم الذي يحكم مؤديين بورنوغرافيين إن قررا الرهز خارج غلافنا الجويّ ضمن شريط إباحي؟. 

 هذه التساؤلات سببها خفوت الأضواء حول للـSexplorations، أو استكشافات الفضاء الجنسيّة، إذ سبق وأن أعلن موقع بورن هاب عام 2015 عن فتحه باب التبرعات من أجل تصوير فيلم إباحي في الفضاء، من بطولة المُحترف جونيس سينز، ومرنة الفتحات إيفا لوفيا، لكن إلى الآن، لم نجد/ نرى شيئاً.   

ما لفت أنظار الكثيرين في الإعلان هو تجربة “انعدام الجاذبية”، وكثرت التعليقات والمقالات عن خصائص الأداء الجنسي في الفضاء في ظل هذا الشرط، وبدأت المتخيلات عن طبيعة هذه التجربة الجنسية/ البورنوغرافية التي يطفو ضمنها المؤديان، لكن حتى على الصعيد العلمي، لم تقدم ناسا أي أجوبة، لكن، هناك من اسعفته مخيلته وطارد السؤال طوال عدة سنوات. 

 أشار عالم الفلك الفرنسي بيير كوهلر منذ حوالي 20 عاماً في كتاب له بعنوان “المهمّة الأخيرة”، أنه اطلع على تقرير سريّ لوكالة الفضاء الأمريكيّة (ناسا)، مفاده أن رائديّ فضاء من أمريكا وروسيا، مارسا الجنس عام 1996 في ظل تجربة سريّة هدفها اختبار إمكانية التكاثر البشري في الفضاء.   

المخيب للأمل أن التقرير السري الذي استند عليه الكاتب غير موجود، بل مبتدع، إذ أنكرت ناسا وجوده، لكن المثير للاهتمام، أن كوهلر يجيب عن سؤال الجنس في ظل شروط انعدام الجاذبية، في تركيز على الجسد والتهديد الذي تتعرض له مكوناته في ظل الطفو، وأفاد  كوهلر إلى  إمكانيّة ممارسة الجنس بـ20 وضعية، 4 منها فقط لا تحتاج إلى مساعدة ميكانيكيّة، أي حبال وسيور جلدية، أما الباقية فلابد من أدوات كي تتم العمليّة، ولم تنشر أي من الفيديوهات التي توثق التجربة الوهميّة.   

الترويج لتجربة انعدام الجاذبية في الفضاء، يتضمن تجاهلاً تاماً للعقبات التي تقف بوجه جسد المؤدي، كهجرة الدماء نحو الرأس بسبب انعدام الجاذبية، ما يعني صعوبة الانتصاب، وبالرغم من أن هناك مزاعم عن توافر نوع من البنطلونات التي تساعد حركة الدماء وتعيدها للأسفل وتتجاوز قدرتها الفياغرا، لكن لا أثر لأي تجربة إباحيّة في الفضاء، ناهيك  عن ضرورة  الاستغناء عن “يد” أثناء الأداء وذلك لأجل التمسك والحفاظ على التوازن ومنع أجساد المؤديين من الطفو في كل مكان.   

المثير للاهتمام أيضاً حسب الكتاب أن وضعية الـmissionary  الكلاسيكية، المرأة على ظهرها والرجل فوقها، ليست الأسهل، بعكس ما نشهده على الأرض، السبب أن لا جاذبية لتثبيت الجسد على سطح ما ، ما يعيق حركة الأوراك، هناك أيضاً أعراض أخرى كتباطؤ  دقات القلب، والتعب السريع، وزيادة في التعرق والجهد ما يعني تطاير  حبات العرق في كل مكان، وظهور أعراض الجفاف والعطش الشديد.  

الواضح أن التجربة الإباحيّة ليست “بيّاعة”، فلا ربح من ورائها سوى اشتراكات متابعي البورنوغرافيا، كما أنها لا تعد البشريّة بشيء، حتى إطار التجربة الجدي، أي التكاثر في الفضاء تحت إشراف علمي، ليس إلا محاولة لحلّ مشكلة ما زال أمامنا الكثير لمواجهتها، ولم يتطرق لها الكثيرون.  

لكن المثير للاهتمام هو الهالة التسويقيّة المحيطة بتجربة انعدام الجاذبيّة، التي دفعت علم فلك للتشكيك بمصداقيته العلميّة وتزوير تقرير رسميّ، فغواية أن نطفوا، و أن “نلعب” دون أن يكون لنا ثقل تغذي الفضول وتنويعات المخيلة، لكن هذا التسويق لفرادة التجربة يحمل داخله استحالتين، أو خدعتين تسويقيتين، الأولى، أن هذه “السلعة” غير متوافرة للجميع، والثانية، هي استحالة تحقيق المتخيل المفترض لأسباب جسديّة بحتة، مع ذلك تبقى غواية انعدام الجاذبيّة قائمة، تجذب المغامرين والمشاهدين على حدّ سواء.

إقرأوا أيضاً:

اللياقة الروسيّة والفردانيّة الأمريكيّة 

المعروف أن توم كروز (59 عاماً) يقوم بتنفيذ مشاهده الخطرة بنفسه، إلى حد أنه كسر كاحله أثناء تصوير واحد أجزاء سلسلة “المهمة المستحيلة”، والمتتبع مسيرة كروز المهنيّة يلاحظ أنه في كل مرة، يحاول أن يختار سطح أعلى ليقفز منه، بدأ الأمر في “المهمة المستحيلة 1″، حيث علق نفسه من سقف غرفة، و ازداد بعدها الارتفاع، إذ قفز من سطح بناء إلى آخر، ثم من طائرة مروحيّة، ثم من طائرة نفّاثة، ثم من أعلى برج خليفة، وحالياً وبالتعاون من سبايس أكس، يجهز كروز لتصوير فيلم في الفضاء، ولا نعلم من بدقة من أين سيقفز، من المحطة الفضائية الدوليّة  أو من سطح مذنب يعبر الفضاء؟. 

نطرح هذه التساؤلات لنشير إلى السباق الجديد نحو الفضاء، الذي لا تقوده الدول في محاولة لترسيخ حكاياتها الوطنيّة و”توسيع حدودها” خارج الأرض، بل ذلك الذي يمكن وصفه بسباق تجاري/ سينمائي يحاول إشباع الفضول البشريّ والرهان على دفق الأدرينالين لدى المشاهدين، فمن سيكون فيلمه أشد إثارةً وتشويقاً، الأمريكي أو الروسي ؟. 

ما إن أعلن كروز عن مشروع فيلمه سابق الذكر، حتى سارع “الروس” إلى الإعلان بأنهم في صدد اختيار فريق من أجل تصوير فيلم في الفضاء بعنوان “التحدي”، وبعكس الاخبار عن فيلم كروز والثقة العمياء بمهارته كممثل، أعلن “الروس” عن المواصفات المطلوبة للمثلة التي ستؤدي في الفيلم الروسي، إذ يجب أن يكون عمرها بين 25 و40 عاماً، وزنها بين 50  و70 كغ، وذلك لضمان نجاحها في الفحوص والاختبارات الجسديّة. 

تتضح من المقارنة السابقة أساليب “استعراض العضلات” بصورة حرفيّة، فالمشروعان لا يهدفان إلى استكشاف الفضاء العميق، أو نقل المعدات أو حتى إنجاز ما لا يمكن القيام به على الأرض، بل الهدف هو التحدي، وما يهمنا هو جانب واحد منه، وهو الرهان على تدفق الأدرينالين، وأي من البلدين قادر على “تشويق” المشاهدين أكثر. 

يظهر توم كروز ضمن الصيغة السابقة كنموذج عن الممثل/ المؤدي المتفاني في سبيل صنعته، هو ليس برائد فضاء، ولم يقض سنوت في التدريب من أجل القيام برحلته، الأمر أشبه بمغامرة شخصيّة، تحد فردي لا يحمل حكاية وطنيّة، نعم هو أمريكي و يتعاون مع شركة أمريكية، لكن الصورة التي تقدم للجمهور والتي يتبناها ايلون موسك صاحب الشركة التي تصنع الصاروخ الذي سيحمل كروز، تتجلى في عقلية الـ” entrepreneur”، الفرد القادر على تحقيق أحلامه و تجاوز التحديات الصعبة والمخاطر وحده، لا لأجل رفع علم بلاده، أو تحقيق إنجاز للبشرية جمعاء، بل ببساطة،  انتصاراً لمتعة اللعب ودفع حدود الفردانيّة المتوهمة التي تتلخص بعبارة “بإمكانك تحقيق أي شيء إن آمنت به”. 

تُباع العبارة السابقة للمشاهدين المهددين من كورونا، ونقص الموارد، وارتفاع درجات الحرارة والحرائق، تلك الفئة التي ستشاهد بأسف ملايين الدولارات تهدر كي يتمكن توم كروز من القفز في الفضاء، والطفو والقتال دون الجاذبيّة، كل هذا لأجل دفقة أدرينالين ستمتد لعدة ثوان، لا تتجاوز ثمن المشاهدة، وهذا بالضبط ما يروج له، الحماسة بأن توم كروز “سيفعلها”، أما نحن الباقون فـ” بإمكاننا تحقيق أي شيء إن آمنا به”، الإرادة فقط هي ما نحتاجه، لا أكثر ولا أقل. 

 الحكاية الروسيّة مختلفة، فبالإضافة إلى الشروط السابقة التي تتعلق بمواصفات “الممثلة”، لم تطلب الشركة المنتجة أي خبرة في التمثيل، بل مهارات رياضيّة، كأن تكون الممثلة قادرة على الركض لمسافة 1 كم خلال ثلاث دقائق ونصف، و السباحة لـ800 متر بعشرين دقيقة، و تستطيع الغطس من ارتفاع 3 أمتار، هذه الشروط انطبقت على الممثلة يولا بيرسيلد – Yulia Peresildذات ال36 عاماً، والتي سبق أن كرّمها فلاديمير بوتين بنفسه عام 2013 بجائزة أفضل ممثلة شابة. 

تتضح المقارنة هنا، مهارة النجم الهوليوودي وفردانيّته، أمام مقدرات الممثلة الروسيّة الجسديّة، في استعادة لأبطال الاتحاد السوفيتيّ و”قوّتهم” كأفراد ذوي مهارات يمكن لأي شخص أن يحققها في حال تمرّن، لا آمن. 

“الترفيه” في كلا الحالتين قناع للسباق السياسي والتجاري، أما القيمة المضافة للسلع التي تعرض أو الأفلام، فلا تتم مشاركتها بين الجميع، هي فقد مداعبة لغدد الجسد وإفرازاتها (الأدرينالين)، ذات الأمر  على المستوى الرمزي، كروز وبيرسلند فقط من ستكون عليهما الأضواء، وهذا “إنجازهما”، ونحن المشاهدون لن يختلف الأمر علينا، فنحن نشتري “الأدرينالين” ومتخيليّن اثنين: الأول أمريكي، ينتصر للشركات الخاصة والفردانيّة و إمكانيّة تحقيق أي شيء إن عزم عليه الفرد، والثاني روسي، مفاده أن الكدّ والعمل وتحقيق الشروط المطلوبة لا بدّ أن يكافأ من الرئيس نفسه. 

مفارقة الأرض المسطحة 

نطرح هنا سؤالاً ساذجاً، ما الاختلاف بين ممارسات المؤمنين بالأرض المسطحة وممارسات المغامرين في الفضاء ؟ 

الفريقان يدفعان المال ويبذلان الجهود  من أجل اكتشافات لا علميّة، كلاهما، يخوضان مغامرات فرديّة وجماعيّة من أجل “أنفسهم”، وكلاهما يطرحان حكايات ويستفزان الأدرينالين فينا لثوان دون أن يعرفونا على ما هو “جديد” ، هي فقط أساليب للـ”تسلية” تختلف تكلفتها من فريق لآخر، لكن النتائج واحدة، أو بصورة أدق، لا يوجد نتائج، مجرد بديهات، فالسياحة واللعب في الفضاء يكشف عن ارتفاع تكلفة السفر إلى “الخارج” وأن الكثيرين لن يقوموا بالرحلة، بل سيستمتعون بالمشاهدة. 

ذات الأمر مع التجارب التي تحاول إثبات أن الأرض مسطحة، تكلفتها أكثر مما تحاول إثباته، ولن يقوم بها أحد بها، بل سنكتفي بالضحك والمشاهدة.

إقرأوا أيضاً: