fbpx

هل الفلسطينيون شعب واحد؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما يعزز مصدر القلق، أو التخوف، أن مسار تفكك مفهوم الشعب الفلسطيني، بات له أكثر من سبعة عقود (1948)، وقد ترتب عليه نشوء حاجات ومطالبات وسرديات جديدة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يفترض هذا العنوان، أو السؤال، إجابة بدهية أو يقينية مريحة، تفيد بأن الفلسطينيين شعب، بدلالات كثيرة، فشعوب كثيرة ضيّعت إدراكاتها لذاتها كشعب، أو باتت محتارة إزاء هويتها، أو أضحت تفتقد الروح الجمعية، بحكم ظروف وتعقيدات وعواصف تاريخية مختلفة. 

مناسبة هذا الكلام أن الكثير من الحوادث الفلسطينية، وهي حوادث وطنية عامة بامتياز، باتت كحوادث محلية، يغيب عنها التضامن العام، يأتي في ذلك حوادث الدفاع عن هذه المنطقة أو تلك ضد اعتداءات المستوطنين، أو التعاطف مع الفلسطينيين الذين تهدم بيوتهم في القدس والضفة الغربية، أو التضامن مع الأسرى الفلسطينيين، أو مع معاناة المحاصرين في غزة، على سبيل المثال. ولا يخفّف من ذلك بعض ردود الفعل التي تأتي على شكل هبّات، بهذا القدر أو ذاك، فحتى تلك أضحت جزئية، وموضعية، وموقتة، يعزز ذلك النقاش المستمر حول توقع اندلاع انتفاضة ثالثة لم تأت بعد (الانتفاضة الثانية لعام 2000 أتت بعد سبعة أعوام من انتهاء الأولى 1987ـ 1993).

لكن أوضح مثال عن حال الافتراق بين الفلسطينيين، سواء في فلسطين التاريخية (48 والضفة وغزة) وفي بلدان اللجوء والشتات، يأتي الافتراق بين فلسطينيي فلسطين التاريخية والفلسطينيين اللاجئين، كما بين الفلسطينيين اللاجئين أنفسهم. 

ثمة ظواهر كثيرة تبعث على القلق في حال الفلسطينيين الذين يعيشون من الأساس في أوضاع سياسية وقانونية متباينة، وكوحدات مختلفة، أيضاً، في حاجاتها، ونمط عيشها، وتعليمها، وثقافتها، ومطالبها، وشكل تعبيرها عن ذاتها.

فإذا أخذنا مثلاً المحنة التي تعرض لها فلسطينيو لبنان وما زالوا (بعد عام 1982)، أو محنة فلسطينيي العراق بعد عام 2003، التي تمثلت بقيام الميليشيات الطائفية بالتنكيل بهم، وتشريدهم، أو محنة فلسطينيي سوريا (وبخاصة مخيم اليرموك)، منذ أواخر عام 2012، سنجد أن تلك التجارب المأساوية كلها لم تلق استجابة تذكر، أو تتناسب معها، لا من المجتمع السياسي (المتمثل بمنظمة التحرير والسلطة والفصائل)، ولا حتى من المجتمع الفلسطيني، وهذا يشمل الكتاب والمثقفين والأكاديميين، فقلائل جداً امتلكوا الجرأة السياسية والأخلاقية لتناول تلك الأحداث، ووضعها في إطارها الصحيح. 

ربما يمكن تفسير ذلك بأن السلطة الفلسطينية بنمط ثقافتها، وبحكم انحيازها للنظام العربي السائد، عممت خاصيتها على المجتمع، وعلى الطبقة السياسية السائدة، وضمنها المثقفون والأكاديميون والسياسيون، ما عزز ضمور مفهوم وحدة الشعب الفلسطيني، أو تفككه، ووحدة الرواية التاريخية، والذاكرة الجمعية، وانحسار مشاعر الألم والأمل المشتركين.

الملاحظة هنا أن الفلسطينيين في مجتمعات اللاجئين (في لبنان وسوريا خصوصاً)، وأنا أدعي هنا بأنني أعكس واقع مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، من مخيمي النيرب وحندرات في أقصى الشمال السوري إلى مخيم اليرموك في دمشق ومخيم درعا في أقصى الجنوب السوري، كانوا على الدوام أكثر تحسساً وإدراكاً لقضيتهم الوطنية، وأكثر استعداداً لاستثارة ضميرهم الوطني، من التجمعات الأخرى، لا لسبب جيني خاص بهم، وإنما بحكم واقعهم، كونهم الأكثر تمثلاً أو تجسيداً، لجوهر القضية الفلسطينية (النكبة والاقتلاع واللجوء)، ولأن أنظارهم منذ ذلك الوقت (النكبة 1948) ظلت ترنو إلى فلسطين التاريخية، إلى بيوتهم، أو بيوت أهلهم، وإلى حاراتهم، وقراهم ومدنهم، التي نقلوا أسماءها إلى شوارع مخيماتهم، وأسماء مدارسهم، ولأنهم ظلوا يعيشونها في ذاكرتهم، ومخيلتهم الجمعية. هذا يفسر أن “يوم الأرض” كان يوماً وطنياً في مخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان والأردن، وأن أي حدث في القدس أو غزة أو حيفا أو يافا أو النقب أو في نابلس أو جنين يحركهم، كأنه يحدث في حارتهم، ومخيمهم، كما يفسر ذلك حملهم عبء النهوص الوطني الفلسطيني في منتصف الستينات في الأردن وسوريا ولبنان. 

إقرأوا أيضاً:

أقصد أن هذه هو التفسير الحقيقي، أو الموضوعي للوعي السياسي الفطري الذي يحرك الفلسطينيين اللاجئين، في حين أن الفلسطينيين في فلسطين التاريخية (الضفة والقطاع و48) يعيشون حياتهم في قلب الصراع المستمر مع إسرائيل، على كل حجر وزاوية، ما يجعلهم لا يلتفتون إلى أي شيء أخر، لا أوضاع الأجزاء الأخرى من شعبهم، أي اللاجئين، ولا حوادث “الربيع العربي”، وهو أمر لافت طبعاً، وغير مقبول، فإبداء التعاطف الأخلاقي، على الأقل، لا يكلف شيئاً، ناهيك بأن ما يحصل، في معظم الأحوال، هو عكس ذلك، أي تناسي مأساة هذا الجزء من شعبهم (اللاجئين)، ومحاباة أنظمة الاستبداد (نظام الأسد مثلاً). طبعاً ثمة تفسير آخر، وهو أن ذلك هو تحصيل حاصل لغياب ثقافة الحرية، الفصام بين معنى التحرير ومعنى الحرية، في الفكر السياسي الفصائلي الفلسطيني، ثم إن تهميش الإطار الوطني العام للفلسطينيين، أي المنظمة، ساهم بدوره في ضمور الحس الوطني العام، ناهيك بشبهة وضع هدف إقامة كيان فلسطيني في الضفة والقطاع كأولوية مقابل هدف حق العودة.

ما يفترض إدراكه هنا أن ثمة ظواهر كثيرة تبعث على القلق في حال الفلسطينيين الذين يعيشون من الأساس في أوضاع سياسية وقانونية متباينة، وكوحدات مختلفة، أيضاً، في حاجاتها، ونمط عيشها، وتعليمها، وثقافتها، ومطالبها، وشكل تعبيرها عن ذاتها. فثمة فلسطينيو 48، وفلسطينيو الضفة، وفلسطينيو غزة، وفلسطينيو القدس، وطبعاً ثمة هويات فرعية في كل جزء من تلك الأجزاء في فلسطين التاريخية. وفي الخارج فإن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين مختلفة، ومتباينة، فثمة فلسطينيو الأردن (المواطنين)، وفلسطينيو سوريا ولبنان وبقية بلدان اللجوء والشتات. 

هناك 3 مسارات تفاقم هذا التمزق، وذلك التباين، أولها، غياب أو تغييب منظمة التحرير الفلسطينية، المفترض أنها الكيان الوطني لكل الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم. وثانيها، افتقاد الفلسطينيين لمشروع وطني جامع يمثلهم ويعبّر عنهم. وثالثها، إقامة سلطة فلسطينية في جزء من الأرض لجزء من الشعب مع جزء من الحقوق (تحت الاحتلال)، على حساب المنظمة، وعلى حساب السردية التاريخية المؤسسة للهوية الوطنية الفلسطينية والقائمة على النكبة، أي إقامة إسرائيل وولادة مشكلة اللاجئين (1948). 

أوضح مثال عن حال الافتراق بين الفلسطينيين، سواء في فلسطين التاريخية (48 والضفة وغزة) وفي بلدان اللجوء والشتات، يأتي الافتراق بين فلسطينيي فلسطين التاريخية والفلسطينيين اللاجئين، كما بين الفلسطينيين اللاجئين أنفسهم. 

القصد أن ما من شيء ثابت ومطلق ودائم بخصوص الهويات، ويغدو ذلك أكثر صعوبة، وخطورة، ومدعاة للقلق، في حال الشعوب التي لم تتجسّد ذاتها الوطنية بعد، كحال الفلسطينيين (الكرد يدخلون ضمن تلك الحالة أيضاً)، لا سيما أن ثمة شغلاً إسرائيلياً، مدعوماً من أنظمة عربية، أيضاً، ينحو نحو طمس الهوية الوطنية الفلسطينية، أو تجويفها، وهو الأمر الذي ازدادت خطورته بعد أفول منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت الباعث والحاضن لتلك الهوية.

ما يعزز مصدر القلق، أو التخوف، أن مسار تفكك مفهوم الشعب الفلسطيني، بات له أكثر من سبعة عقود (1948)، وقد ترتب عليه نشوء حاجات ومطالبات وسرديات جديدة، وإنه خلال تلك الفترة نشأت أجيال جديدة من الفلسطينيين، لم تعش تجربة النكبة، ولا تجربة منظمة التحرير، أو تجربة صعود الهوية الوطنية الفلسطينية (اتفاق أوسلو بات عمره 28 عاماً)، هذا كله مع أفول الإطارات الوطنية الجامعة، وهذا لا يقتصر على منظمة التحرير، إنما يشمل أيضاً المنظمات الشعبية الفلسطينية (من اتحادات العمال والمرأة والطلاب والكتاب والمعلمين والمهندسين والأطباء والفنانين)، وغياب مؤسسات فلسطينية (بالمعنى الوطني العام) ثقافية وإعلامية وتعليمية، وضمن ذلك عدم تبلور طبقة وسطى فلسطينية متجانسة، على أهمية هكذا طبقة في تجارب كل الشعوب، في استنهاض هويتها الوطنية والقومية، وحمل الهم العام.

وكانت الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ انطلاقها في منتصف الستينات، تعاطت مع مفهوم وحدة الشعب الفلسطيني انطلاقاً من بدهية الشعب الواحد، باعتبارها بدهية مطلقة، وثابتة، من دون أن تلحظ أو تدرك أبعاد تمزق المجتمع الفلسطيني وتداعياته، وخضوعه لأنظمة سياسية ولمحددات قانونية مختلفة، والمشكلة أنها، أيضاً، لم تستوعب كل الفلسطينيين في إطاراتها، فمنذ البداية استثناء فلسطينيي 48، الذين بقوا في أرضهم، إضافة إلى أنها عرفتهم بدلالة مواطنيتهم في إسرائيل، وليس بدلالة انتمائهم لشعبهم، كأن لهؤلاء قضية، وسيرة تاريخية، مختلفة! وإذا أضفنا إلى كل ما تقدم المسار التاريخي لتبلور الوعي بالهوية الوطنية الفلسطينية، كهوية مستقلة، إزاء الهويات الأخرى، السورية، كجزء من سوريا الكبرى، أو بلاد الشام، العربية، كجزء من الانتماء إلى الأمة العربية، سنجد أن الهوية الوطنية الفلسطينية نشأت ملتبسة، وزادت من ذلك التعقيدات الجديدة.

هذا يبين أهمية الفكرة التي يحث عليها “ملتقى فلسطين”، بخصوص التركيز على وحدانية الشعب والأرض والقضية والرواية التاريخية، على المستويين المتعلقين ببناء الكيانات السياسية، وصوغ رؤية وطنية جامعة، فهذا ما يعطي معنى لقضية شعب فلسطين.

إقرأوا أيضاً:

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 27.03.2024

“بنك عودة” في قبضة الرقابة السويسرية… فما هو مصدر الـ 20 مليون دولار التي وفّرها في سويسرا؟

في الوقت الذي لم ينكشف فيه اسم السياسي الذي قام بتحويل مالي مشبوه إلى حساب مسؤول لبناني رفيع المستوى، والذي امتنع بنك عودة سويسرا عن ابلاغ "مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال" عنه، وهو ما ذكره بيان هيئة الرقابة على سوق المال في سويسرا "فينما" (FINMA)، تساءل خبراء عن مصدر أكثر من 20 مليون دولار التي…