fbpx

العراقية فاطمة البهادلي تخسر ابنها الثاني
في صراعها النسوي ضد الميليشيات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذا الاستهداف لن يكون الأخير، وهو يستهدف فاطمة البهادلي كما يستهدف ابنها علي الذي كان ناشطاً سياسياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بقلب منكسر ودموع منهمرة وصرخات يائسة ومخنوقة، رافقت عينا فاطمة البهادلي نعش ابنها علي الذي نقلته سيارة دفن موتى إلى مثواه الأخير في مدينة النجف. “أين العدالة يا رب؟”، توجّهت بصوت عال إلى السماء، ولم يرجع الصدى. قتل ابنها الناشط علي كريم بعد اختطافه برصاصتين في الرأس وواحدة في الصدر. قتل ولم يبلغ من العمر 26 ربيعاً بعد. وانضم إلى شقيقه الآخر أحمد الذي وجد مشنوقاً عام 2019. 

والبهادلي ليست أماً عادية. موت ابنيها لا يحيد عن محاولة قتلها هي أيضاً. قتلهما هو قتل لها ولنشاطها ونضالها النسوي في مجتمع ذكوري يقتل الذكور ليحرق قلوب الإناث. والبهادلي ليست أماً لأبنائها فحسب، بل هي أم رمزية لعراقيين وعراقيات يؤمنون بقضيتها، ويتمثّلون بسيرتها العصامية التي جعلتها ترفع على اكتافها مسؤوليات عائلتها بعد وفاة أبيها في سن مبكّرة. صمّمت فاطمة منذ تلك اللحظة على البحث  عن سبل لمساعدة أمها واخوتها لتحسين مستواهم المعاشي وسط الظروف الاجتماعية والتقاليد والأعراف العشائرية الحاكمة في مدينتها البصرة. وما أن تقدمت  في مراحل دراستها الاكاديمية حتى بدأت بالإعلان عن إعطاء دروس تعليميه للأطفال في المنازل، مقابل بدلات مالية بسيطة كانت تعينها على إعالة عائلتها. 

انخرطت فاطمة في العمل النسوي بعد عام 2003 في مدينة البصرة، حيث أنشأت تجمعاً خاصاً بالمرأة يعمل على دعم النساء المهمشات والمغبونة حقوقهن، وتوعيتهم وتعليم بعضهن القراءة والكتابة. وأسست بعدها جمعية “الفردوس” بشكل رسمي عام 2004 وحازت الصفة القانونية وهدفها هو تمكين المرأة البصرية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وبناء قدراتها في المشاركة بصنع القرار والحصول على حقوقها والتحرر من القيود التي يفرضها المجتمع الجنوبي كالعادات والتقاليد التي تحاول إضعاف شخصية المرأة والحدّ طموحاتها.

وكان للبهادلي دور كبير في أعمال دعم القوات الأمنية في الحرب ضد تنظيم “داعش”، إذ تطوع آلاف المقاتلين آنذاك للحرب ضد التنظيم، وهم غالباً من المناطق الجنوبية. فكانت تقوم بزيارات متكررة لعائلاتهم وتقف إلى جانبهم، كما عملت على احتضان العائلات النازحة من المحافظات الشمالية والغربية وإقامة برامج مختصة بالنازحين سمتها برامج التماسك الاجتماعي والتي يتم من خلالها جمع النازحين في المجتمع المضيف البصري لزيادة الأواصر المجتمعية ودعمهم لحين تحرير مدنهم والعودة إليها.

العمل المدني التي خاضته البهادلي كان محفوفاً بالمخاطر، إذ خطفتها عام 2012 جهات مسلحة مجهولة الهوية، ليتم الافراج عنها لاحقاً، كما تعرضت لحملات “تسقيط” من طريق منصات إلكترونية اتهمتها بالعمالة للقنصلية الأميركية في البصرة، وهي التهم ذاتها التي طاولت عشرات النشطاء خلال الحراك التشريني من قبل الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة.

عُرف عن البهادلي الإصرار الكبير على إنجاح المشاريع النسوية وسط مجتمع تكثر فيها النزاعات العشائرية والصدامات المسلحة، وبدل الاستسلام للأمر الواقع، كانت تزداد مع كل تهديد عزيمة على إكمال مسيرتها في سبيل حرية المرأة والبلد. 

تعد البهادلي واحدة من بين 5 سيدات تم تكريمهن بجائزة منظمة “فرونت لاين ديفندرز” الأيرلندية بمناسبة اليوم العالمي للمدافعين عن حقوق الإنسان عام 2020، و تأسست هذه الجائزة في دبلن، عاصمة إيرلندا، عام 2001 ، لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون الأخطار.

نشطاء ومقربون منها ذكروا أنها تعرضت وتتعرض لتهديدات مستمرة بسبب عملها الحر ودعمها الحراك التشريني عام 2019، وهذا ما وضعها تحت رقابة الميليشيات التي تعمل على تصفية النشطاء والمتظاهرين، فكان استهدافهم  لابنيها هو الثمن الباهظ الذي تدفعه البهادلي، إذ وجد ابنها احمد كريم في أيار/ مايو 2019 مشنوقاً بحبل مربوط بسقف غرفته وسط ظروف غامضة، واعتبرت السلطات الحكومية العراقية مقتله انتحاراً، فيما أشار مقرّبون من العائلة إلى أن الحادثة مدبّرة، إذ إنه كان مدعواً لحضور إحدى الفعاليات المقامة في مدينة الصدر، ووجد مشنوقاً وهو “بكامل أناقته”. وتتكرر مأساة فاطمة اليوم مع دفنها ابنها الثاني علي بعدما خطفته ميليشيات وقتلته.

حافظت البهادلي على شيء من تقاليد مجتمعها البصري والأعراف العامة في بيئتها، فبقيت مرتدية العباءة السوداء حالها كحال الاف البصريات الجنوبيات، ولم يمنعها هذا التقليد المجتمعي من تحقيق النجاحات المتواصلة في عملها واستمرار تعاونها مع المنظمات الدولية لدعم النساء الجنوبيات على وجه التحديد.

التحذيرات التي تلقتها بحسب مقربين لم تمنعها من أداء عملها، فاليوم الذي سبق حادثة اغتيال ابنها علي، كان مقر جمعيتها مركزاً للقاء وفد من المفوضية العليا لحقوق الانسان للتباحث في واقع المرأة والمشكلات التي تواجهها والطموحات المستقبلية.

نشطاء بصريون قالوا إن التهديد الأخير وصل الى البهادلي منذ شهر تقريباً، وحمل تحذيراً لها بضرورة مغادرة مدينتها البصرة التي ولدت فيها وعاشت وتعايشت مع مجتمعها، وكان جوابها لمن حولها أن قتل ابنها بعد خطفه هو تنفيذ لتهديدهم، فهي لم تغادر مدينتها التي لم تشهد أي فترة وازنة من الهدوء منذ عام 2003، فالاغتيالات التي تنفذها الميليشيات المسلحة مستمرة، والرصاص الحاقد يحصد خيرة أبنائها. 

الباحث صلاح الموسوي يرى أن هذا الاستهداف لن يكون الأخير، وهو يستهدف فاطمة البهادلي كما يستهدف ابنها علي الذي كان ناشطاً سياسياً. نجاحات فاطمة تهدد نفوذ المتسلطين الخارجين عن الدولة، بحسب الموسوي، في مدينة تتصارع الأحزاب والميليشيات على تطويعها، لما تمتلكه من مؤهلات اقتصادية كبيرة، ولن تتوانى الميليشيات عن ازاحة كل من يقف في طريقها عبر التصفية، فهؤلاء لا يفهمون إلا لغة السلاح والقتل. 

إقرأوا أيضاً: