fbpx

ذكرى جريمة مرفأ بيروت: الإعلام إذ يكثف الجريمة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الانتصار لضحايا التفجير يتطلب مقاربات مغايرة غير شعبوية. مقاربة تحترم حرمة المقتول وتتيح لأهالي الضحايا مساحة للشفاء تمر أولاً عبر مشاركتهم في قرارات تعنيهم وتمس بضحاياهم ولا تكتمل من دون إحقاق العدالة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ اللحظة الأولى لواقعة انفجار (أو تفجير) مرفأ بيروت، تتالت مشهديات الجثث، والوجوه الملطخة بالدماء، والناس الراكضين في كل اتجاه طلباً لمعلومة عن مفقود أو سعياً لإيصال مصاب إلى المستشفى. كاميرات مفتوحة على وحشية تقاطع عليها فساد مزمن، وانعدام مسؤولية، وكوما معرفية انقطع نظيرها. لا إثم يوازي آلام الخسارات العميقة المفتوحة على ظلم وقح يتستر على الفاعل، وينتصر لطمس الحقائق على حساب قهر أم فقدت وحيدها، وحبيب ما زال في انتظارها في ثوبها الأبيض، وأطفال قُتل والدهم، وزوجة تستفيق من كوما على منعها من رؤية طفلها.

لا شيء يعادل جنون القاتل عمداً، والمتستر، والمتواطئ والحقير الخائف على افتضاح أمر ما ينال منه. آثروا كلهم الانتصار لمصلحة الحصانات على حساب إمكانية، ولو ضئيلة، فضح القاتل الوحش. لا شيء يعادل الجرم بحق أناس وأطفال ومدينة. تفجير بيروت جريمة كراهية ضد الإنسانية تستحق متابعة أممية لكشف شبكة دولية تهرب القتل على شكل نيترات أمونيوم، وأسلحة محرمة دولياً، ومخدرات. هي الشبكات الممتدة ذاتها التي تجد في بؤر الفساد مرتعاً لعملها الإجرامي، والتي لا تقتصر على صفقات الأسلحة وأدواتها المتنوعة، لتشمل تجارة الرقيق والأطفال، لا سيما لأغراض التبني الدولي. هي الشبكات ذاتها التي تحترف أعمال التهريب على أنواعه والتي تمتد أعمالها من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي، ومروراً بكل شواطئ العالم التي وطأها المستعمر. هي نفسها تلك الشواطئ والمعابر والممرات المحملة بكل ما يدر بالمال الوسخ على رؤوس الأطفال والنساء والفقراء. المعادلة المطلوبة معروفة: بقعة فساد، وقضاء مغيب وميليشيات تحل مكان الدولة وتنتصر على منطقها. عناصر ملائمة وكافية لتشتغل مكنة التهريب، وهي واحدة وأبطالها معروفون وأساليبها مكشوفة لمن يريد أن يرى. 

هكذا شكل لبنان مساحة خصبة لأنشطة القتل وتهريب الأسلحة والمخدرات والأطفال لأغراض التبني الدولي. 

تفجير بيروت هو وصمة عار لفاسدي لبنان. حتماً! 

ولكنه نقطة سوداء في تاريخ العمل الأممي الذي ساهم إلى حد كبير في تأجيج الفساد عوضاً عن مكافحته. ولكن هذا ليس موضوع ما أكتبه اليوم.

لا شيء يوازي ألم الخسارة المتمثلة بصرخات أهالي الضحايا الذين نظموا أنفسهم في إطار قانوني حقوقي مطلبي واضح المعالم ليرعى تحركهم. في خط مواز، لا بد من تناول احتفاليات تشييء وجع المفجوعين على فقدان أحبتهم بصفتها (أي الاحتفاليات) امتداداً لاستباحة حرمة الموت وتسليعه عبر استدرار دمعات الشفقة بحجة التضامن وتخليد الذكرى.

من اليوم الذي تلى الانفجار بدأت الأعمال الفنية بالظهور كفطر مسموم، لا ذائقة فيه، ينبت في كل مكان وعلى حساب أي شيء. أغان تسرق كلمات الأم المحروقة على ابنها وأخرى تتباكى على بيروت، ونصب تذكارية ترفع في كل مكان، ومهرجانات فنية، واحتفالات تكريم، وصولاً إلى إعادة تدوير الزجاج المكسور…

فن لا فن فيه مفتوح على استرخاص الدماء وتمييع هول الكارثة.

تحركت الجمعيات الأهلية ونصبت خيمها. حسناً! 

توالت حملات تجميع الأموال وتوزيع المساعدات وصناديق الإعاشة وإعادة الإعمار. حسناً!

تنافست الجهات في ما بينها على كتابة المشاريع والفوز بالمساعدات. حسناً!

تم توظيف المساعدات على المستوى السياسي، والطائفي، وحتى النقابي.

وهذا أيضاً ليس موضوع اليوم.

في إحدى حلقات برنامج المقدم طوني خليفة، استبق المقدم حديثه مع أهالي الضحايا بعرض تقرير مصوّر كمدخل للحديث عن تحركات الأهالي، اعتراضاً على موضوح الحصانات. أجهشت الأم المفجوعة على قتل وحيدها بالبكاء بعدما شاهدت للمرة الأولى وعلى الهواء مباشرة جنازة ابنها الوحيد. لم تتمكن من قول ما أتت لقوله وهو المطالبة برفع الحصانات. استسلمت لألم الصورة بعدما رددت أكثر من مرة أنها فوجئت بعرض جنازة وحيدها… بكت هي، وبكى الحاضرون، وبكينا نحن أيضاً.

فكيف لهم تعذيب الأم هكذا على الهواء مباشرة؟ لماذا لم يعلموها مسبقاً بمحتوى التقرير؟ لماذا لم يستشيروها عند إعداده؟

وهنا إشكالية أخلاقية كبرى ومفصلية سقط فيها المقدم ومن خلفه معدو البرنامج والفقرات. أقول إنها سقطة أخلاقية لأن الانتصار لضحايا التفجير يتطلب مقاربات مغايرة غير شعبوية. مقاربة تحترم حرمة المقتول وتتيح لأهالي الضحايا مساحة للشفاء تمر أولاً عبر مشاركتهم في قرارات تعنيهم وتمس بضحاياهم ولا تكتمل من دون إحقاق العدالة.

إعلامياً، لم تقتصر الأخطاء على طوني خليفة، والأمثلة تعد ولا تحصى، لكنني مصدومة بمجموعة تنويهات عنوانها كل يوم 4 آب/ أغسطس. فبغض النظر عن أن العنوان بحد ذاته مرعب، كيف لهم أن يستخدموا وجه بطلة الإطفاء وأن يقوموا بحيلة إخراجية لتظهر علينا، وكأنها تتحدث مطالبة بالعدالة لها بعد موتها. لست أمها ولا أختها ولا خطيبها، لكنني ارتعبت من صورتها وكأنها ما زالت حية. هل قام مصممو الإعلانات هذه باستئذان أهالي الضحايا؟ 

فلنتخيل معاً أم الشابة المقتولة تفتح التلفزيون لترى ابنتها تتحدث عن قتلها وتطالب لنفسها بالعدالة! أي وحشية هذه!

في عودة إلى العمل الأهلي الذي تلا الانفجار، استوقفتني احتفالية إعادة تدوير الزجاج، على رغم أنني من مناصري مشاريع من هذا النوع. سؤال واحد لم يفارقني أبداً من حين عرض تلك المنتوجات الزجاجية:كيف لنا أن نشرب بكأس ذبح زجاجها طفلة؟

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.