fbpx

بانتظار 4 آب 2021

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إنها مهمّة شاقة أن نحاول كل يوم تحويل حزننا إلى غضب لنقاتل به رجال الحصانات و”الكرافاتات” والمواربات. إنه يوم صعب، صعب جداً. كل واحد سيستعيد صعقته عند السادسة مساءً…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كنا نريد أن نمحو يوم 4 آب/ أغسطس من روزناماتنا، كنا نريده ألا يتكرر مرّة أخرى، وألا تشير إليه هواتفنا وصفحاتنا الافتراضية، إذ تذكّرنا بما نحاول اجتيازه أو نسيانه. ولكن فيما ما زال ذنب أننا بقينا أحياء يلازمنا كلّما حضرنا تقريراً عن أحد الضحايا أو شاهدنا شارع الجميزة بلا روح، يسقط 4 آب آخر علينا.

كنا نريد حقاً أن نستعيد وجوهنا ونقابل الحياة وقد غسلنا دمنا من الحزن، لكننا نعيش في مدينة لا تنفك تواصل انفجارها. زجاج بيروت ما زال يجرحنا، و”النايلون” الذي حلّ مكانه في عدد من الأبنية، يكفي لنرى خيالاتنا الهزيلة.

من تضرر أكثر؟ الذين رحلوا أم نحن الذين رمِيت على أكتافهم قضية الدفاع عن العدالة في بلاد كل ما فيها ظالم؟ إنها مهمّة شاقة أن نحاول كل يوم تحويل حزننا إلى غضب لنقاتل به رجال الحصانات و”الكرافاتات” والمواربات. إنه يوم صعب، صعب جداً. كل واحد سيستعيد صعقته عند السادسة مساءً، وسيبكي حتى إن لم يجد دموعاً تنزل على وجنتيه. البكاء لا يعني دوماً الدموع. إننا نعيش في مربّع القتلة والجناة، نعيش في دولتهم، في البلاد التي احتلوها ولم نقاوم بما يكفي يومها. كيف تصارع الضحية إن كانت تعيش مع القاتل في غرفة واحدة، بلا عازل، بلا عدالة، بلا شخص أو قانون يحكم بينهما؟ إننا نقاتل قاتلينا بندوبنا، بانكساراتنا، بهشاشتنا، فكل شيء قادر على تحطيمنا، حتى علبة حليب مفقودة، أو حبّة دواء سرقها أحدهم وقال إنها اختفت، الأشياء التي لم نعد نستطيع اقتناءها، الإرهاق الفاضح في عيوننا، ابتساماتنا التي تحاول أن تخرج إلى العالم من دون أن يظهر زيفها…

“الطغاة كالأرقام القياسية، لا بدّ أن تتحطّم ذات مرّة”، تأتيني جملة محمد الماغوط فيما أفكّر كيف سأمضي 4 آب بأقل أضرار نفسية ممكنة. ثم تتبعها جملة أخرى: “أيها النساجون أريد كفناً واسعاً لأحلامي”. نعم أريده حقاً، أحلامي تؤلمني، تحوّلت إلى كوابيس متقطّعة من الخيبات والدمل.

لقد ودّعت شقيقتَي بعد انتهاء إجازة الصيف، انتهى الصيف بنظري. وانتهى الوطن في مكان. الجميع سيودّعون أهاليهم من أجل راتبٍ محترم أو من أجل إنسانية وجدوها في مكانٍ آخر، مهما بدا موحشاً. هكذا نستقبل 4 آب 2021، بتوديع الذين نحبّهم مرّةً أخرى، ثم نعيش بشكل ما لننتظرهم. لقد سأل أحد الصغار أمه، “لماذا لا نبقى في لبنان؟”. فكّرنا جميعاً بإجابة مقنعة لنسعفها من دون أن ندمّر في الطفل لهفته على الحياة. والده قال: “حياتنا هناك. علينا العودة”. وعادوا.

كيف سيمرّ 4 آب؟ القتلة يشعرون ببعض الانزعاج لأن أحدهم يتحدّث عن كشف الحقيقة ومعاقبة المجرمين. لكن لا بأس، القتلة ما زالوا محصّنين حتى الآن إن عبر الطائفة أو الحزب أو المصالح المشتركة مع رأس كبير يدير المؤامرة، ويمسك بزمامها. 

كيف سيمرّ 4 آب؟ سننزل من أجل الصراخ والصلاة، سننزل لنطالب بحقّنا، ليرفعوا في وجهنا ورقة حصاناتهم ويخبرونا أن العدالة مسألة غير قانونية. لكننا سنقاوم بما تبقّى فينا من أصوات، وبمن تبقّى في البلد، لأنّ كثيرين أكلهم الحزن واليأس حتى رحلوا. “حزن على حزن” قال علي مطر ذات قصيدة، حزن على حزن سيمرّ 4 آب. لكن مع المزيد من الغضب، لا شيء أمامنا سوى الغضب. 

باب غرفتي المخلوع منذ 4 آب الماضي، لم أستطع إصلاحه، أسمعه يتخبّط مع الهواء، إنه صوت الانفجار في رأسي يدوّي طوال الوقت. وهو الصوت الذي يدفعني إلى الكتابة والرفض. لهذا ربّما لم أستطع إصلاحه، إنه علاج أعتمده من أجل ألا أنسى أنني والجميع نستحق أن نعرف من قتلنا ونراه يُعاقب.

لا نملك أسلحتهم، لا نملك شرّهم ولا بلادتهم وقلوبهم الميتة أمام مشاهد الدماء، لا نملك وسائل إعلامهم ولا أموالهم، لا نملك سوى الحزن وهذا الغضب.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.