fbpx

لبنان: ضحايا المرفأ بين فكي وحش نديم كرم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المدخل إلى عدالة قضية كجريمة المرفأ، لا تؤسس لها مشهديات طفيلية تنامت فوق ركام المقتلة، كما لو أن الوجع الذي فاقمته السلطة في أولياء الدم، سيجد سكينته في  جناس لغوي لمارد من رماد يحاول نديم كرم بخفة عابرة رتق الدم المراق بصنيعته المبتذلة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نحن لسنا في دولة، هذه مُسلَّمة، ولسنا في مزرعة بما هي مكان لا يتسع للتوحش، لكنها تأتي غالباً كمجاز غير واقعي عن تحلل النظام وسيادة العبث، وعندما لا نكون في هذه ولا تلك يصير السؤال الملح اين نحن إذاً حين تتولى مصائرنا هذه الوجوه التي تواري الافتراس في قسماتها؟

    انفجار الرابع من آب/ أغسطس 2020 وحده كفيل باستدراج المرء إلى السؤال المحتوم. فكيف لشعب ومدينة عصف بهما هكذا انفجار، وخلف ما خلف من قتل ودمار، وعلى بعد عام من ملامحه القاتلة والراسخة في وعينا، أن يبقيا محكومين بسلطة متوحشة لم يعد المرء يحتاج  إلى فراسة لاستقراء طقوس توحشها. 

    رد المنظومة الحاكمة إلى الوحشية ، يفضي بالمرء ربما إلى العثور على حيز مكاني ليستقي من تلك السمة عنواناً. نحن في الغاب إذاً، لكن أي غاب تدرجنا إليه لنستحق الإقامة القسرية فيه والخضوع لشرعه وشريعته؟

   هو أولاً توحش يشتبك أثره في وعيين متداخلين ومتشاركين في الوجع، أحدهما ينوء به والآخر يصفق له، وفيما الأول على رغم خضوعه القسري لسلطوية المتوحشين، يبدو عاجزاً عن الإفلات من مخالبهم القاتلة، والممعنة في افتراسه، يتنكبها الآخر مُسلِّماً ومُستسلِماً لها، ويمنحها كل يوم قوت ديمومتها من جسده وجسد أطفاله، واجسادنا وأجساد أطفالنا، وموته وموتنا، وجوعه وجوعنا، ويتحمل بوعيه المسلوب تكثيف حصانة دائمة يستمد منها التوحش إيغاله في قهرنا، اكثر من حصانته المحكومة بالنظام ومدده الزمنية.

   والتوحش الملازم للسلطة لا ضرورة لأن ينقلنا إلى غاب يسود فيه أسد أو نمر او ذئب او حتى غول مقيم كوهم في عقل طفولي، لكنه مجاز شديد الواقعية عن مثيل بشري يمنح الأصل تخففاً من سيرته المتوحشة طالما الأخيرة مرهونة لحيوانية  تخفف عن كاهله غريزة التوحش لمصلحة شريحة بشرية محكومة بعقل استشرى فيه الشر.

   عام على جريمة الرابع من آب/ أغسطس، ولا شيء يشي بأننا نقترب من عدالة تمنح نفوس الضحايا راحتهم الأبدية، وتمنح ذويهم، وهو المهم، ما يخفف وجعهم الذي كثفه توحش السلطة في استثمار الدم الذي قاموا على ولايته، وذلك منذ وعد الأيام الخمسة بكشف ملابسات الجريمة، وانتهاءً بصراع الحصانات التي وجدت فيها أطراف المنظومة الحاكمة مادة لحشر بعضها بعضاً، والهروب من تبعاتها، وهو صراع لا مكان فيه لحسن ظننا الذي تطيح به السياسة كأداة من أدوات توحشها. 

     المدخل إلى عدالة قضية كجريمة المرفأ، لا تؤسس لها مشهديات طفيلية تنامت فوق ركام المقتلة، كما لو أن الوجع الذي فاقمته السلطة في أولياء الدم، سيجد سكينته في  جناس لغوي لمارد من رماد يحاول نديم كرم بخفة عابرة رتق الدم المراق بصنيعته المبتذلة، أو في فولكلور غنائي عاجز عن محاكاة المأساة، وهو في أحسن الظن رداءة( فنية) تبقى قاصرة عن ملامسة فعل الموت الجمعي الذي خلفه الانفجار في وجدان الرأي العام. 

تظهر تلك المشهديات في حالة عزلة تامة عن السياق الذي رسمه أهل الضحايا لعدالة قضيتهم، أو ثأرهم المؤجل ربما.

عموماً، يبقى القضاء هو المدخل الطبيعي للعدالة، وهو ما باشر فيه القاضي فادي صوان، في مسار تسده راهناً لعبة كيد الحصانات التي يتقاذفها ميشال عون وجبران باسيل مع سعد الحريري، وتضاعف انسداده عريضة نواب العار، ثم تكثفه الحصانات السياسية والمذهبية لرؤساء الأجهزة الأمنية. وقدرة المحقق العدلي على الذهاب بعيداً في ملف جريمة تؤشر الكثير من مدلولاتها إلى تداخل محلي إقليمي، وكان صوان وقع في ثغرات قضائية أتاحت للمدعى عليهم التشاطر بالتصويب عليها، لنكون بالتالي أمام انسداد قضائي لا يتيح فتح مسالكه غالباً إلا تكثيف المشهديات التي باشرها ذوو الضحايا من أمام اوكار السلطة.

    الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء من بعدهم على ما قال محمود درويش، والعبارة في  زمنها ومفاعيلها أكثر ما تليق راهناً بذوي ضحايا جريمة الرابع من آب وهم يحملون وجعهم  في نعوش رمزية لقتلاهم، وكتعبير هو الأكثر صدقاً عن حتمية مآل الألم الذي ينتظر الموجوعون أن ينتهي تحت قوس العدالة لا في نعشٍ ترقد فيه الأخيرة كآخر ضحايا المقتلة.

إقرأوا أيضاً: