fbpx

تعرفوا إلى الأخوين ميقاتي:
إمبراطورا الاتصالات الجدد في ميانمار 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ثمّة ما يكفي من أسباب للقلق من دخول “مجموعة أم 1” المملوكة من آل ميقاتي إلى ميانمار كبديل عن شركة “تيلينور” النرويجيّة، خصوصاً أن علاقة العائلة مع الأنظمة المستبدة والأسواق غير الشفافة لم تقتصر على الربح السريع الناتج عن انعدام المنافسة والشروط المجحفة بحق المستخدمين…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
أنجز هذا التحقيق بالتعاون مع موقع  myanmar-now.org المستقل في ميانمار 

اشترت مجموعة M1، ومقرها لبنان الشهر الماضي شركة Telenor للاتصالات في ميانمار. ولكن ما هو سجل المجموعة M1 ، وهي شركة مملوكة من قبل نجيب ميقاتي، الرجل الذي من المقرر أن يكون رئيس وزراء لبنان الجديد؟

في الثامن من شهر تموز/ يوليو، أعلنت شركة الاتصالات النرويجيّة “تيلينور” بيع عملياتها في ميانمار إلى “مجموعة أم 1” المملوكة من الأخوين ميقاتي (نجيب وطه) بقيمة 105 ملايين دولار أميركي، منها نحو 55 مليون دولار سيتم تقسيطها على مدى السنوات الخمس المقبلة. عمليّة البيع كانت مقابل مبلغ زهيد جداً قياساً بقيمة الموجودات الفعليّة، التي تناهز حدود الـ600 مليون دولار أميركي، وفقاً لبيان الشركة نفسه، ما يدل على حجم الضغوط التي عانت منها قبل اتخاذ هذا القرار. علماً أن الشركة أعلنت قبل أيام من إصدار هذا البيان أنها بصدد تقييم خياراتها بخصوص حضورها في ميانمار، نتيجة تدهور الظروف الأمنيّة وأوضاع حقوق الإنسان في الدولة.

بيان الشركة ربط خبر بيع العمليات بالتحديات التنظيميّة والأمنيّة التي مرّت بها الشركة خلال الأشهر الماضية، أي منذ حصول الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في شهر شباط/ فبراير الماضي. لكن من الناحية العمليّة، كان من الواضح أن أبرز هذه التحديات ارتبط بإجبار الشركة على تقديم بيانات مستخدميها وداتا اتصالاتهم، إضافة إلى استخدام تطبيقات تسمح للسلطات بالتنصّت على المستخدمين وتعقّب اتصالاتهم، ومنع كبار الإداريين في شركات الاتصالات من مغادرة البلاد إلا بأذونات رسميّة.

فيما كانت “تيلينور” مرغمة على بيع عمليتها بأي ثمن ممكن، لتضارب هذه الأجواء مع معايير عملها الأخلاقيّة، كان الأخوان ميقاتي على استعداد لاغتنام الفرصة والاستحواذ على عملياتها بسعر زهيد، بالاستفادة من خبرتهما الطويلة في العمل في هذا النوع من البيئات الملتبسة، من اليمن إلى سوريا والسودان ولبنان. 

الأخوان ميقاتي، تخصصا تاريخيّاً في الاستحواذ على عقود الاتصالات في البيئات الاقتصاديّة التي لا تحكمها قواعد المنافسة النزيهة والشفّافة، وتلك التي تتداخل فيها الحسابات السياسيّة والأمنيّة للأنظمة غير الديموقراطيّة، بحسابات الأوليغارشيّة الماليّة الممسكة بخيرات هذه الدول. في الواقع، يمثّل قطاع الاتصالات بالتحديد مكاناً مثالياً لمواءمة طموحات الأنظمة في مجال الرقابة، مع سعي النخبة الماليّة لتحقيق الربح السريع من خلال العقود غير الشفافة والغامضة، وهنا تكمن براعة آل ميقاتي تاريخيّاً. 

في حالة لبنان، تمثّل أكبر صفقات الأخوين ميقاتي في مشاركة “فرانس تليكوم” بملكيّة أسهم شركة “سيليس”، التي تولّت بدورها استثمار قطاع الاتصالات الخليويّة في لبنان مع شركة “ليبونسيل” بين منذ عام 1994 ولغاية إلغاء الدولة اللبنانية العقد عام 2001. خلال هذه السنوات، دخلت جميع العقود العموميّة في لبنان في أتون منظومة محاصصة منافع نظام ما بعد الحرب، التي أشرفت على تقاسمها وصاية النظام السوري، وما عُرف في ذلك الوقت بالنظام الأمني السوري- اللبناني المشترك. علماً أن ميقاتي نفسه دخل الحكومة عام 1998 متولياً حقيبتي الأشغال العامّة والنقل، واستمرّ في هذا المنصب في أربع حكومات متعاقبة حتّى عام 2004، في دلالة على اتساع حضوره السياسي داخل تلك المنظومة بالتوازي مع اتساع نفوذه المالي.

صفقات قطاع الخليوي في تلك المرحلة اتسمت بانعدام الشفافيّة ومخالفة جميع معايير النزاهة، إلى الحد الذي دفع مجموعة من نواب البرلمان اللبناني إلى استجواب الحكومة حول تلك الصفقات. من بين المخالفات التي قامت بها الشركتين كان قيامهما بالاستفادة من عوائد بيع أكثر من 800 ألف خط هاتفي، فيما أعطت العقود الشركتين الحق في بيع 250 ألف خط هاتفي فقط، وتم على هذا الأساس تحديد عوائد الشركتين. وبذلك، تمكنت الشركتان من تحقيق كسب غير مشروع على حساب الدولة اللبنانيّة بقيمة 600 مليون دولار جرّاء هذه المخالفة فقط.

تضمّنت المخالفات في ذلك الوقت أيضاً الكثير من الممارسات الاحتكاريّة، من قبيل قفل باب المنافسة وحصر الخدمات بهاتين الشركتين لمدة 8 سنوات، وتقاسم مغانم القطاع بالتساوي والتفاهم على تسعيرة متشابهة للخدمات التي يتم تقديمها. كما اتهم النوّاب في ذلك الاستجواب نجيب ميقاتي نفسه بمخالفة قانون الإثراء غير المشروع، من خلال تضارب المصالح الناشئ عن استثماره في الشركة المشغلة في القطاع الخليوي، المستفيدة من التلزيم الذي أعطتها إياه الحكومة، وشغله في الوقت نفسه لمنصب وزاري داخل الحكومة.

حكاية الأخوين ميقاتي في سوريا مشابهة لحكايتهما في لبنان، إذ تختلط فيها الممارسات الاحتكاريّة والتلزيمات غير الشفّافة بنسج العلاقات الوثيقة مع النظام الحاكم. ففور وصول الرئيس السوري الحالي بشار الأسد إلى الحكم عام 2000، قام بتلزيم استثمار قطاع الاتصالات الخليويّة لشركتين: “سيرياتل” المملوكة من إبن خاله رامي مخلوف، و”انفستكوم” التي يملكها الأخوان ميقاتي. علماً أن رامي مخلوف كان يُعد في ذلك الوقت ممثلاً لمصالح عائلة الأسد الماليّة، حيث شهدت رقعة سيطرته الماليّة اتساعاً سريعاً بالتوازي مع وصول بشار الأسد إلى الحكم. 

في كل الحالات، لم تشهد عمليّة منح التراخيص لآل ميقاتي ورامي مخلوف أي منافسة جديّة، ما مكّن الشركتين من فرض شروط أفضت إلى تحقيق أرباح قياسيّة خلال وقت قصير جداً. فبحلول عام 2005، أصبحت قيمة أصول شركة “إنفستكوم” في سوريا تناهز الـ340 مليون دولار، فيما بلغ حجم أعمالها السنوي نحو 60 مليون دولار. وبعد كل هذا التوسّع السريع في سوق مقفل لا يشهد أي منافسة تُذكر، قررت عائلة ميقاتي بيع شركة “إنفستكوم” التي كانت تنشط بشكل موازٍ في كل من السودان واليمن وأفغانستان. لكن العائلة قررت الاحتفاظ بجزء من ملكيّة هذه العمليات، من خلال تملّك 10 في المئة من حصص شركة “أم. تي. أن.”، التي اشترت شركة “إنفستكوم”.

في اليمن، تورطت شركة “انفستكوم” و”أم تي أن” بشبكة من الشركات المسجلة في الجنات الضريبيّة، التي تم تأسيسها للالتفاف على العقوبات المفروضة على ميليشيات الحوثي، ولتقاسم أرباح العمليات التجاريّة مع رجال الأعمال المحسوبين على الجماعة. أما في السودان، وفي أوج الضغوط الدوليّة على نظام عمر البشير على خلفيّة مجازر دارفور، دخلت شركة “انفستكوم” السوق السودانيّة بحصولها على ترخيص لتشغيل شبكة اتصالات خليويّة ثانية، مقابل نحو 150 مليون يورو.

لكل هذه الأسباب، ثمّة ما يكفي من أسباب للقلق من دخول “مجموعة أم 1” المملوكة من آل ميقاتي إلى ميانمار كبديل عن شركة “تيلينور” النرويجيّة، خصوصاً أن علاقة العائلة مع الأنظمة المستبدة والأسواق غير الشفافة لم تقتصر على الربح السريع الناتج عن انعدام المنافسة والشروط المجحفة بحق المستخدمين، بل أيضاً من خلال تمكين الحكومات من استخدام شبكات الاتصال المحليّة لفرض رقابة على المستخدمين.

 تماماً كما حصل في سوريا خلال الثورة عندما تم استخدم شبكات الاتصال الخليوي لعرقلة وصول المستخدمين إلى مواقع أو محتويات معينة على الانترنت. من هنا، يمكن فهم حماسة الأخوين ميقاتي لدخول سوق ميانمار، التي تتناسب ظروفها الأمنيّة مع خبرتهما في العمل، وحاجة شركة “تيلينور” للخروج من هذه السوق بأي ثمن.

إقرأوا أيضاً: