fbpx

هل تقطع سياسات إيران المياه عن العراقيين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تقتصر سياسات حبس إيران المياه الدولية على إيقاف التدفق بهدف ملء السدود المقامة على نهر سيروان، بل تتجاوز ذلك وتظهر على أشكال من شأنها تغيير طبيعة الحوض النهري، وذلك بسبب تحويل اتجاهات المياه عبر أنفاق عملاقة تحت الأرض إلى خارج الأرض.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدت آثار المياه والخطوط التي تركتها تدفقاتها على الصخور واضحة. بقايا جريان اليوم السابق للمياه في الحفر الصخرية لم تتبخر بعد، تلوح صورة عجل صغير ميت إلى غرقه جراء قوة التدفق في اليوم السابق أو قبله، بينما مع نهاية شهر تموز/  يوليو 2021، فبإمكان المرء عبور نهر سيروان من أعالي بحيرة دربنديخان 64 كلم جنوب مدينة السليمانية، وذلك جراء إيقاف إيران التدفق من دون علم الجهات العراقية. 

لم تتجاوز كمية المياه الجارية 2.5 متر مكعب في الثانية، وهي كمية تتشكل من المنابع الداخلية وبقايا المياه المتسربة من سد داريان الإيراني، ذلك أن التدفق أوقف كلياً من قبل إيران. وقد جاء في اليوم نفسه وفد من وزارة الموارد العراقية وهيئة الخزانات والسدود العراقية للاطلاع على الآثار الناتجة عن سياسات حبس المياه الإيرانية.

بحسب جميع المسؤولين العراقيين الذي التقيت بهم، ليس هناك أي تنسيق بين إيران والعراق بخصوص إطلاقات المياه، يقوم الجانب الإيراني بحبس المياه وإطلاقها كما يحلو له بحسب مدير سد دربنديخان رحمان خاني. وقد بدت ملامح هذه السياسة الإيرانية واضحة منذ بداية شهر آذار/ مارس الماضي حيث قامت الجمهورية الإسلامية بإيقاف التدفق المائي في أهم نهر دولي مشترك بين البلدين وهو نهر سيروان النابع من جبال زاغروس، يبلغ طوله 445 كلم ويصب في نهر دجلة جنوب العاصمة العراقية بغداد. 

ولا تقتصر سياسات حبس إيران المياه الدولية على إيقاف التدفق بهدف ملء السدود المقامة على نهر سيروان، بل تتجاوز ذلك وتظهر على أشكال من شأنها تغيير طبيعة الحوض النهري، وذلك بسبب تحويل اتجاهات المياه عبر أنفاق عملاقة تحت الأرض إلى خارج الأرض. ويعد نفق “نَوسود”، مؤخر سد داريان، من الأنفاق التي تلحق أضراراً هائلة بحوض النهر، وذلك سبب طوله (48 كلم) وقدرته على تحويل كميات هائلة من مياه سيروان الى مناطق إيران الداخلية. 

المخاوف من سياسات إيران المائية

ولا يخفي وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني مخاوفه من صعوبة التوصل الى حلول مناسبة مع الجانب الإيراني الذي يؤذي العراق بسياساته المائية من جانب وبخططه التشغيلية على الأنهر المشتركة من جانب آخر. ان المشكلة الرئيسية بحسب الوزير العراقي في ملف المياه هي أن سلطات إيران المائية لا تزود العراق بالبيانات حول كميات إطلاق المياه، ولا عن الكميات الموجودة في الخزانات والمؤسسات التي أنشأتها على روافد نهر سيروان ونهري الكرخة والكارون من دون أخذ رأي الجانب العراقي في الحسبان، قائلا:ً “وكأن العراق أصبح تحت رحمة مطرقة سياسات إيران المائية”. وركز المسؤول العراقي في السياق ذاته على مشكلة تحويل مجاري الحوض الطبيعية إلى مناطق أخرى في إيران عبر الأنفاق، ما يلحق أضراراً كبيرة بالعراق والنظام البيئي للنهر.  

إقرأوا أيضاً:

ويشير مدير سد دربنديخان رحمان خاني في السياق ذاته إلى أن حوض التغذیة لأي نهر، من المنبع الی المصب، له كیان طبیعي وقانوني، قد تقطع فيه حدود جغرافیة وسیاسیة كثيرة، تشترك فیه دول كثيرةوأقوام وأدیان وأعراق مختلفة. يسمى هذا الكيان الطبيعي الذي يشبه كيان دولة سيادية باسم النهر، وتشكّل جراء التغیرات الطبیعیة والجیولوجیة الارض منذ ملایین السنین، ولن تٲتیه قطرة میاه سطحیة من الاحواض المجاورة. يعد الحوض ملكاً لجميع القاطنین فيه، منذ آلاف السنین حيث أنشأوا حضاراتهم، ولهم الحق في استغلال ثرواته والاستفادة منها بشكل عادل. ويقول خاني حول سيادة أحواض النهر الطبيعية، “إن هذا الكیان الطبیعي للنهر تحمیه قوانين سماویة ودولیة وطبیعیة، لیس بامكان دول المنبع ان تلغي الكیان لمصلحتها وتحويل المجری الطبیعي للنهر وروافده عبر الأنفاق والقنوات الاصطناعية إلى أحواض أخری، ما يؤدي إلى حرمان السكان من مصادر عيشهم”. يذكر أن عدد السكان القاطنين في حوض التغذیة لنهر سیروان- دیالی والذي تبلغ مساحته 32 ألف كلم 2، يصل إلى أكثر من مليونين ونصف المليون نسمة من الكورد والفرس والعرب والتركمان والمسلمين والمسیحیین والكاكائيین، وتتغذى منه ملایین الدونمات من الاراضی الزراعیة والبساتین.

تجاهل العراق

وفي سياق الحديث عن طبيعة حوص نهر سيروان وأشكال الحياة الناتجة عنه يقول الوزير العراقي مهدي الحمداني: “هناك مدن وبلدات نشأت على الأنهر والأحواض المائية، مثل المدن والبلدات التي تأسست وتعيش في حوض نهر سيروان، أي اختلال في المياه يؤدي إلى انهاء الحياة في هذه المناطق، انما لن يقف البلد مكتوف الأيدي وسيبذل كل جهوده مع الأطراف الدولية من أجل الضغط على الجارة الإيرانية بغية الحصول على حقوق العراق المائية”. ويشير الوزير العراقي للموارد المائية في جوابه على سؤال طرحته عليه إلى أن العراق لا يريد تدويل قضية المياه قائلاً: “ولكن حين لا نلمس الصدق ولا يتم تزويدنا بالبيانات حول إطلاقات المياه وتتعرض مدننا وسكاننا للعطش، نضطر أن نلجأ إلى المجتمع الدولي والضغط على الجانب الإيراني لإطلاق حصة العراق المائية. قد يمكننا التوقف عن الزراعة ولكن يستحيل أن نتوقف عن الشرب”. 

ويؤكد مهدي الحمداني الذي نستنتج من كلامه تجاهل مطالب العراق من قبل الجارة الإيرانية، ضرورة إبرام اتفاقية مائية تضمن حقوق الطرفين ليس في الحصول على كميات المياه فحسب، بل في رسم السياسات المائية ووضع قاعدة بيانات مشتركة وخطط تشغيلية شفافة للمياه العابرة للحدود. كما أن العراق برأيه يحتاج الى ابرام اتفاقية ثنائية مع تركيا وسوريا أيضاً، عاى رغم أن الجانب التركي يزود العراق بالبيانات المتعلقة بكميات المياه الموجودة في الخزانات والسدود وآليات توزيع كميات المياه التي يتم اطلاقها، ناهيك بالخطة التشغيلية. ويساعد ذلك العراق على إدارة المياه المتدفقة من تركيا. أي أن عدم وجود اتفاقية مائية ثنائية مع تركيا لم يؤثر في أشكال التعاون بشأن إطلاق كميات المياه بحسب قوله. 

مياه آسنة 

إضافة إلى كل ذلك، يكمن جانب آخر من أزمة العراق المائية في إدارة عشوائية للري وعدم معالجة المياه الآسنة، إذ يتم تفريغها في الأنهر الطبيعية العذبة من دون المعالجة، ما يؤدي إلى تلوث الهواء والمياه والتربة. وأشار وزير الموارد المائية الى أن المياه مسألة وجودية وبحاجة إلى قوانين جديدة. وتطرق في هذا السياق الى المياه المستخدمة التي تستوجب إدارتها ومعالجتها قرارات قانونية حاسمة وصارمة. والخطوة الأولى بهذا الاتجاه بحسب رأيه هي: وضع سياسات مائية- بيئية تقوم الحكومات المحلية بتنفيذها، إنما تكمن المخاوف في تأثير السياسات المحلية (المحافظات) والصراعات العشائرية في مجمل السياسات المائية وإعاقة مشاريع المياه المستقبلية. ويعود سبب ذلك كما تحدث المسؤول العراقي إلى هيمنة النفوذ العشائري على سياسات مجالس المحافظات والحكومات المحلية في العراق، ما يحول دون تطبيق القانون المتعلق بإدارة المياه وحمايتها. ولكن لا مفرّ من تشريع قوانين مائية صارمة تضمن مستقبل البلد. بخلاف ذلك ستتعرض الصحة والحياة العامة (أزمة البصرة الصحية صيف 2018 مثالاً) الى مخاطر جمة في العراق، ناهيك بصراعات عشائرية وهجرة داخلية جراء ندرة المياه.

إقرأوا أيضاً: