fbpx

يوم تنصّتت علينا دولة المغرب…
الصحافية هاجر الريسوني تروي قصة اختراق هاتفها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم محاولة الحكومة المغربية نفي استعمال المخابرات برمجيات “بيغاسوس” للتجسس على الصحافيين والحقوقيين والسياسيين، إلا أن الكل يعلم أن كل من غرد خارج السرب تصبح حياته الشخصية مستهدفة، يبحثون له عن عثرة للإيقاع به وإن لم يجدوها يختلقونها…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أكثر من 10 آلاف رقم حاول التنصّت عليهم مشغّل تابع لدولة المغرب التي اشترت برنامج التجسّس الشهير “بيغاسوس” من شركة NSO الإسرائيليّة، بحسب تسريبات حصلت عليها مؤسسة Forbidden Stories، وشاركتها مع “درج” و16 مؤسسة إعلاميّة أخرى في سياق مشروع “بيغاسوس” (The Pegasus Project). 

واحدة من الفئات التي برز استهدافها كانت النساء اللواتي تم التلاعب بخصوصياتهن وابتزازهن وتهديدهن. هاجر الريسوني صحافية مغربية كانت من بين ضحايا الاختراق هذا. وهاجر كانت تعرضت للحبس والملاحقة في المغرب قبل ان تخرج بعفو ملكي. هنا تروي هاجر قصتها.

هاجر الريسوني

عندما تواصلت معي منظمة “فوربيدن ستوري” لتخبرني أن أرقام هاتفي وهاتف زوجي الحقوقي السوداني رفعت الأمين وردت من لائحة أرقام مسربة كانت هدفاً لتطبيق التجسس الاسرائيلي “بيغاسوس”، لم أفاجأ لأنني كنت أعلم أن هاتفي كان مراقباً وأن البوليس السياسي في المغرب يراقب كل تحركاتنا وأنفاسنا حتى بعدما غادرنا المغرب.

 عند اعتقالي عام 2019 والتحقيق معي من طرف أشخاص لا أعرف الجهة التي يمثلونها لحدود الساعة، كانوا يخبرونني أشياء عني لا يمكن أن يعرفها أي أحد إلا إذا كان يشاركني يومياتي لحظة بلحظة، الشيء ذاته حصل مع زوجي الذي سألوه عن علاقاته بأشخاص وعن أحداث معينة لا يمكن أن يعرف بها إلا من يراقب كل تحركاتك ومكالماتك. كان التحقيق الذي دام ساعات حول كل شيء إلا التهمة التي لفقوها لنا.

ليس هذا فقط بل توقيت خروجي من العيادة واعتراض طريقي كعصابة، عرفوه بدقة بعدما اتصلت بزوجي لأطلب منه المجيء إلي، على رغم محاولتهم القول إنهم كانوا يراقبون الطبيب الذي نزل أمام أعينهم بنصف ساعة قبل أن أغادر العيادة من دون أن يعتقلوه لأنهم لم يتعرفوا إليه من الأساس وكانوا ينتظرونني لأنني كنت الهدف.

التجسس والمراقبة لم يتوقفا بعدما خرجنا من السجن، بل زاد الأمر إلى مضايقات في الشارع ومراقبة البيت، وفي بعض الأحيان ما نتحدث عنه في البيت أو في الهاتف نجده منشوراً في صحافة التشهير القريبة من السلطة، ما دفع أصدقاءنا الذين كانوا يزوروننا في البيت إلى التوقف عن ذلك بسبب انزعاجهم وخوفهم على خصوصياتهم وحريتهم، وقلّل آخرون التواصل معنا لأننا من “المغضوب عليهم” وقد نسبب لهم مشكلات هم في غنى عنها.

هذا الوضع زاد حدة بعد اعتقال عمي سليمان الريسوني رئيس تحرير الجريدة التي كنت أعمل فيها “أخبار اليوم”، أصبحت حياتنا تنشر في صحافة التشهير مع التضخيم والتلفيق والكذب حتى يصورونا للرأي العام على أننا عائلة فاسدة أخلاقياً وتفعل عكس ما تدعي.

أمام المضايقات التي كنا نتعرض لها والخوف والرعب اللذان أصبحنا نعيش فيهما، لم يبقَ أمامنا إلا خيار المغادرة، على رغم أنه في ذلك الوقت كان المستقبل مجهولاً بالنسبة إلينا، لكن المجهول في ذاك الوقت كان أرحم من الجحيم الذي نعيشه، لأننا نتعامل مع بنية لا أخلاق لها يمكن أن تلفق لك أي تهمة في لحظة وتزج بك في السجن وتشوه سمعتك وتقتلك معنوياً.

قرار المغادرة الذي اتخذناه لم يرق هذه البنية، فرفضوا منحي الإذن الاستثنائي للخروج من المغرب والرسالة التي وصلتني “يمشي هو وتبقى هي”، ولولا تدخل أحد المسؤولين مشكوراً في اللحظة الأخيرة لكنت اليوم ما أزال محبوسة في وطني فقد أصبح المغرب بالنسبة إلي سجناً كبيراً الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.

للأسف على رغم مغادرتي المغرب، استمرت حملات التشهير بي وبعائلتي كلما نشرت مقالاً أو كتبت تدوينات عن الانتهاكات الحقوقية في المملكة، وفيما كانت السلطات تحاول أن تصور نفسها في صورة الدولة المدافعة عن حقوق النساء، فإن هذه المواقع والجرائد حاولت تشويه سمعتي كامرأة، ولأننا نعيش في مجتمع محافظ فأسهل طريق لقتل أي امرأة رمزياً هو السمعة.

في البداية كان الأمر يزعجني وكنت لا أعلم كيف أتعامل مع الأمر، كنت أفكر دائماً كيف ينظر إلي الآخرون حين يقرأون ما ينشر عني من تلفيق وكذب، وبما أن صوري انتشرت وأصبح معظم المغاربة يعرفون من أكون بعد خروجي من السجن، انطويت على نفسي ولم أعد أحب الخروج وحين كان ينظر إلي أي شخص وأنا في مقهى أو في الشارع أو يلقي التحية، كنت اشعر بالحرج. لا أعلم ما الصورة التي كونها عني، هل الحقيقة أم الشخص الذي لا أعرفه وصوره إعلام السلطة على أنه “أنا”. حتى حين قررت العودة إلى العمل كنت أشعر بالإحراج وفقدان الثقة في النفس عند لقاء مصادري أو شخصيات عامة، لأنني كنت دائماً أفترض أنهم قرأوا ما نشر عني. وعندما قررت السلطة حظر التجول بعد انتشار فايروس “كورونا”، كنت أشعر بشيء من الراحة، عكس كل المغاربة،  لأنني لن اضطر للخروج ولقاء الناس.

بعد ما عشته من مآسٍ وصدمات، اكتسبت مناعة ضد كل الأكاذيب والتشهير والتلفيق، أصبحت أملك القدرة على المواجهة والوقوف ضد كل حملات التشويه التي تخوضها هذه البنية بالاستعانة بإعلامها والذباب الإلكتروني الذي تدفع له من جيوب المغاربة لمحاربة المغاربة.

على رغم محاولة الحكومة المغربية نفي استعمال المخابرات برمجيات “بيغاسوس” للتجسس على الصحافيين والحقوقيين والسياسيين، إلا أن الكل يعلم أن كل من غرد خارج السرب تصبح حياته الشخصية مستهدفة، يبحثون له عن عثرة للإيقاع به وإن لم يجدوها يختلقونها، ثم يطلقون إعلامهم ليتوعد ويجهز الرأي العام للاعتقال والتنكيل بالهدف، وهذا ما حدث مع الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي والمؤرخ معطي منجب، فبعد حملة تشهير واسعة والتنبؤ بالاعتقال اعتقلوا في التواريخ ذاتها التي سطرتها هذه الماكينات الإعلامية.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!