fbpx

قصة كولي الإيزيدية التي قتلت أميراً داعشياً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كانت كولي تخفي سلاحاً داخل ملابسها، وقد أتقنت التصويب والرماية مستفيدة من خبرة زوجها الذي كان عسكرياً قبل 2003، فحملته أثناء محاولتها الهروب من مدينة سنوني مع مجموعة عائلات اعترضتها مفرزة لـ”داعش”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أعادها إلى بيته في ديار أجداده في سنوني في قضاء سنجار غرب محافظة نينوى شمال العراق، لكن هذه المرّة من خلال صورةٍ معلّقة على جدار متهالك لم يبقَ منه إلا الوعد بالصبر مهما ازدادت عليه اللكمات، يُشير إليها وفي قلبه غصة لا دمع لها. دموعه كلها كانت صُبّت على غيابها: “لم تكُن زوجتي فحسب، بل ومثلي الأعلى”، هكذا يقول العم رشو عن رفيقة دربه كولي، أي “وردة” في اللغة الكردية، لكن يد الإرهاب كانت الأقوى قبل سبع سنوات حين انتزعتها من عائلتها الى مقابر مجهولة لم يعرف لها أيّ أثر.

انشغل رشو داخل محله الصغير في مدينته بمهنة تصليح ماكينات الخياطة بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وكان قبل ذلك عسكرياً. استمر في مهنته حتى انقلب كل شيء: “كنّا نعيش أنا وزوجتي مع أطفالنا بهدوء، لكن الهدوء لم يعد يحالفنا بعد العام المشؤوم 2014″، في إشارة منه إلى ما تعرّض له الإيزيديون من قتل وتهجير واغتصاب وسبي للنساء على يد تنظيم “داعش” الإرهابي، وعلى رغم تأكيده أنه من سابع المستحيلات أن تعود له كولي، لكنّ مع ذلك يشحن صبره في كلّ لحظة بالاشتياق لها وتذكّر الأيام الخوالي: “كانت الأقرب إلى قلبي ونفسي وجسدي من كل سُكان العالم”.

16 شخصاً رافق العم رشو أثناء الخروج من بيتهم في الثالث من آب/ أغسطس 2014، لكن بدون زوجته وابنته وابنه لعدم اتساع السيارة التي كانت تقلّهم للجميع، “كانت تنتظرنا أملاً حتى نعود لأخذها بعد نقل المجموعة الأولى إلى مكان آمن، لكن يبدو أن الموت كان أسرع منّا”، يمسح دموعه ويُكمل: “سبقتنا مجموعة من عناصر التنظيم الى الحيّ الذي كنا نسكنه، حاولت زوجتي وابني وابنتي الخروج مشياً إلى منطقةٍ أخرى، لكن العناصر كانوا لهم بالمرصاد، منعوهم من الخروج كما الحال مع الكثير من العائلات الإيزيدية”.

وقتذاك، كانت كولي تخفي سلاحاً داخل ملابسها، وقد أتقنت التصويب والرماية مستفيدة من خبرة زوجها الذي كان عسكرياً قبل 2003، فحملته أثناء محاولتها الهروب من مدينة سنوني مع مجموعة عائلات اعترضتها مفرزة لـ”داعش”.

قال الأمير الذي كان يرأس المفرزة إنه يجب فصل الفتيات والنساء عن الرجال والأُمهات، وهذا ما لم تقبله كولي، فأخرجت سلاحها من تحت ملابسها بكل ثقة وأطلقت النار على الأمير الداعشي الذي كان يلقب بـ”سليم الجزراوي”، وأردته.

على رغم مرور 7 سنوات على تلك الأحداث، إلا أن شريهان (23 سنة) ما زالت تتذكر تلك اللحظات مع والدتها: “عناصر المفرزة الآخرون فتحوا نيران أسلحتهم صوب والدتي وأفرغوا مخازنهم في جسدها لتقع على الأرض طريحةً، ورأيت بعيني كيف ارتفعت أنفاسها الى أعالي السماء وهي في الـ54 من عمرها”.

بعد ذلك، اختطفت شريهان مع شقيقها الذي بقي مصيره مجهولاً حتى الآن، وتم نقلها إلى إحدى المدارس في قرية كوجو، لتُنقل لاحقاً مع مجموعة من النسوة إلى مدينة الرقة السورية، وتُباع خمس مرات في فترات مختلفة من الزمن لعناصر من التنظيم عراقيين وسوريين وأردنيين.

في نيسان/أبريل 2018 تم تحرير شريهان بعد ذهاب شقيقها إلى مدينة القامشلي السورية وتلقي العائلة اتصالاً من شخص قال لهم إنه يستطيع أن يساعدهم في العثور عليها، وبالفعل تم الاتفاق مع وسيط لتحريرها مقابل 13 ألف دولار أميركي لأحد المهربين من مدينة إدلب من جبهة “النصرة” بعد بيعها الى القيادي في الجبهة الإرهابية أبو عمر الادلبي.

التجارة بالإيزيديات لم تقتصر على “داعش”، إذ مارستها مختلف المجموعات الإرهابية في سوريا، وعلى رغم العداء بين “النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة الإسلامية في أفغانستان و”داعش” المنشق عنها قبل سنوات، إلا أنهما متفقين على تبادل النساء والفتيات الإيزيديات عبر البيع والشراء، والى يومنا هذا يتم تحرير إيزيديات من المناطق التي تسيطر عليها جبهة “النصرة” وفصائل أخرى تسمي نفسها الجيش السوري الحر وتدعمه تركيا.

دليمان وهي شقيقة شريهان تقول إنه “بعد تحرير الجزء الشمالي من قضاء سنجار في بداية عام 2016، ذهبنا للبحث عن رفات والدتي في سنوني، لكننا لم نعثر على شيء، وانتظرنا حتى تحرير شقيقتي شريهان لتدلنا على المكان الذي قتلت فيه والدتنا وعثرنا على الرفات بين البيوت المهدمة. كنا نعيش أثناء النزوح في ناحية باعذرة في محافظة دهوك، وبعد تحرير سنجار عدنا الى منزلنا مرة أخرى ورفعنا صورة كبيرة لوالدتنا فيه، ونفخر بما قامت به ونعتز بموقفها الخالد”.

على رغم تحرير ابنته، والتئام جزء من عائلته، لكن العم رشو ما زال يعيش أوجاع مصير أحد أبنائه المجهول إلى الآن، كما حال أكثر من 2700 ايزيدي آخرين، اختطفهم مسلحو “داعش”: “نعيشُ في ظروفٍ صعبة، معنا خمسة من أطفال ابني المفقود، متى ترفع الحياة عنا ستار الهم والحزن لنرى من خلف شباك الصبر مناظر الجمال والهدوء كما كنا في السابق”، يقول العم رشو والحسرات تهزّ قفص صدره.

المختطفات الايزيديات اللاتي عدن، غالباً تم تحريرهن عبر دفع مبالغ مالية لوسطاء أو دفع فدية للخاطفين (أي شراء الفتيات)، والمبالغ كانت تبدأ من 5000 دولار للشخص الواحد، ووصلت أحياناً إلى 50 الف دولار بحسب نشطاء ايزيديين.

وكشفت “منظمة العفو الدولية” في تقرير من 87 صفحة، نشرته في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، أن الإيزيديات تم بيعهن على أساس أنهن “عبيد جنس”. وجاء في التقرير، أن الأطفال قدمن للجهاديين على أساس أنهن “هدايا”!

وأعلن فريق التحقيق الأممي عن جرائم داعش “يونايتد”، في أيار/ مايو الماضي، تورط فيها 1444 عنصراً من “داعش”، بينهم 469 عنصراً تم تحديد أماكنهم، ارتكبوا جرائم في سنجار، مثل تخيير السكان بين الموت وتغيير الديانة والقتل، والاستعباد والانتهاكات الجنسية بحق النساء.

تكريماً لموقفها البطولي، ارتفع نُصب تمثال لكولي في ناحية سنوني في قضاء سنجار بتبرعٍ من أقربائها وأهالي القضاء في الثالث من آب، وهي الذكرى السنوية السابعة لإبادة الإيزيديين، والتمثال من عمل النحات العراقي الأشوري نينوس ووالده ثابت ميخائيل. 

سنجار كانت سقطت في 3 آب 2014 تحت سيطرة “داعش”، الذي ارتكب جرائم وصفتها منظمات دولية بـ”الإبادة الجماعية” في حق أهالي المدينة ذات الأغلبية الإيزيدية.

إقرأوا أيضاً: