fbpx

لبنان: الرئيس لم ينتحر!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نعم إنه زمن ميشال عون، هذا الذي نمضي أيامنا الكالحة في رحابه، واليوم أضيفت إلى وقائعه فاجعة جديدة، هي عجز المدارس الرسمية عن استقبال التلامذة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 استيقظت هذا الصباح على خبر مفجع. ميشال عون لم ينتحر! ذاك أنني ليلة أمس وقبل أن أستسلم لنومي المبكر، أُتحفت بخبر مفصل عن خمسة أسباب تجعل من إمكان أن تفتح المدارس الرسمية أبوابها هذا العام مهمة صعبة، لا سيما في ضوء انتقال عشرات آلاف الطلاب من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية. الخبر مصدره “مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت”، ما يعني أنه خبر مقنع وصحيح، وفي لبنان، هذه الأيام، أي خبر سيئ هو خبر صحيح. وحقيقة أن الرئيس لم ينتحر هو خبر سيئ، وصحيح أيضاً.

حضرني احتمال انتحار الرئيس بسبب ما يعنيه إقفال المدارس، الرسمية تحديداً، في عهده. هذا الاحتمال المرجح يوازي بفداحته كل أخبار الانهيار اللبناني، ذاك أن ما ترمز إليه المدرسة الرسمية من حدٍ أدنى لحضور الدولة في حياة الناس، يجعل من إقفالها إعلاناً نهائياً لموت لبنان، وموت لبنان يجب أن يترافق رمزياً مع انتحار رئيسه. 

حين قرأت خبر “مرصد الأزمة” عُدت بذاكرتي إلى تجاربي مع الدول الفاشلة. زرت أفغانستان عام 2001، أي في ذروة الحرب هناك. لم يكن ثمة أثر للدولة، وكانت مرت سنوات طويلة من حكم طالبان الذي أتى على الأخضر واليابس في ذلك البلد. في حينها كانت المدارس الرسمية تعمل، وزرت أكثر من مدرسة في كابول وفي جلال آباد. في العراق لم تتوقف المدارس يوماً عن العمل. كنا هناك عام 2003، وما أن أكمل الأميركيون احتلالهم، حتى عادت المدارس وفتحت أبوابها. وهذه حال سوريا أيضاً، للنظام مدارسه ولـ”قسد” في شمال شرقي سوريا مدارسها، وحتى جبهة “النصرة” أبقت على المدارس في إدلب، أما قضية مناهج التعليم، فهذا نقاش آخر! أما القول بأن المدارس ستجد صعوبة في فتح أبوابها، وهذا لا يعني أنها ستقفل، فهذا ما لم نعد نصدقه. كل الأخبار بدأت بهذا النوع من التمهيد، لتعود وتتوج بنتيجة مأساوية. حصل ذلك في الكهرباء والبنزين والمازوت والأدوية. 

لكن لطالما تكرر معي في السنتين الفائتتين أن استيقظت على خبر عدم إقدام رئيسنا على الانتحار. وتوقعي انتحاره ليس مرده إلى أنني أعتقد أنه مسؤول عن كل الكوارث التي حلت بنا. باعتقادي أن ثمة من يتقدمه في المسؤولية، لكن على المستوى الرمزي يقف الرجل على رأس أبشع تجربة سياسية وإنسانية شهدتها الدول المعاصرة. فلنتخيل مثلاً، وهذا ليس محض خيال، أن ميشال عون على رأس دولة تضم نحو 4 ملايين مواطن تعرض نصفهم إلى عملية سطو معلن على مدخراتهم خلال ترؤسه جمهوريتهم، وبقي الرجل يستيقظ وينام ويبتسم ويصرح ويمارس الرياضة! وذات مساء من العام الفائت وقبل أن يتوجه إلى فراشه بقليل، شهدت عاصمة الدولة التي يترأسها ثالث أكبر انفجار في العالم. تابع الرئيس الخبر، وآوى بعدها إلى فراشه، واستيقظت في ذلك الصباح على خبر عدم إقدام ميشال عون على الانتحار! 

نعم إنه زمن ميشال عون، هذا الذي نمضي أيامنا الكالحة في رحابه.

ليس ميشال عون عقبة وحيدة تحول دون مباشرة حل ما للكارثة اللبنانية، “حزب الله” هو العقبة الأساسية على هذا الصعيد، لكن الرئيس هو صورة الكارثة، والأخيرة تتكثف فيه على نحو يجعل من توقع انتحاره واقعياً. الموت على أبواب المستشفيات، والنوم بلا كهرباء وسط حر شهر آب/ أغسطس، والانتظار لساعات أمام محطات البنزين، كل هذا وقائع يومية لم يعشها اللبنانيون إلا في زمن ميشال عون. 

نعم إنه زمن ميشال عون، هذا الذي نمضي أيامنا الكالحة في رحابه، واليوم أضيفت إلى وقائعه فاجعة جديدة، هي عجز المدارس الرسمية عن استقبال التلامذة. المدارس التي باشرت عملها منذ ما قبل الاستقلال، نشهد اليوم أفولها، ليس على يد الرئيس، ولكن في زمنه وفي ظل صورته المركونة في مكاتب إدارات المدارس، وهو لا يحرك ساكناً حيال ذلك.

سؤال الانتحار يصح على ميشال عون أكثر من غيره من المسؤولين عن الكارثة، الذين قد يفوقونه ارتكاباً، ذاك أن الرئيس أكثر تخففاً من مسؤولياته حتى حيال من يمثل بالمعنى الطائفي. فـ”حزب الله”، وهو الشريك الأكبر في المسؤولية عن الكارثة، قدم لبيئته ما لم يقدمه عون. آلاف الوظائف في أسلاكه، ومؤسسات رعاية وحصص غذائية، ناهيك بالنفوذ الذي يشعر به محازبوه ومؤيدوه في الشارع وعلى محطة البنزين وفي دوائر الدولة. أما العونيون فهم أيتام كحالتنا، وتقتصر النعم التي يقدمها جبران باسيل على دوائر ضيقة منهم.

نعم، “الرئيس لم ينتحر” هو الخبر في لبنان، ذاك أنه إذا ما أقدم عليه، فسيكون امتداداً لقصة الانهيار، وربما تتويجاً لها. أما إذا لم يفعلها، وهو لم يفعلها، فسنبقى نستيقظ كل صباح على هذا الخبر!     

إقرأوا أيضاً: