fbpx

عن شيطان القصر والجحيم
وألم الحروق الذي لا يحتمل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إنه الجحيم. والشيطان يضحك في القصر. يقهقه. والجرحى المحترقون في مستشفيات مهترئة تفتقد للأدوية والتبريد، يتأوّهون من الألم. أصوات تأوّهاتهم لا تصل إلى القصر. لكن قهقهات الشيطان تملأ الأرجاء. والنار تلتهم كل شيء. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يحدث مع المدخّنين مثلاً أن يتطاير شيء من نار سجائرهم وهم يشعلونها فيصيب أطراف أصابعهم بنقطة نار. نقطة نار واحدة صغيرة كفيلة بإشعار من تقع عليه بهول أثر النار في الجسد. يحدث ذلك عرضياً في خلال الطبخ أيضاً، فتلسع النار أصابع الطاهي أو الطاهية، أو تتطاير نقاط زيت مغلي وتحطّ على اليد لتحرق مكانها، ويكون الألم عظيماً، لا يضاهيه ألم. يحدث ذلك حينما يقع فنجان شاي أو قهوة، بأقل من درجة الغليان على ثيابنا، فيحرق موضعه بحروق من الدرجة الأولى، والتي غالباً ما تكون طفيفة، لكنّ ألمها يكون هائلاً لا يمكن تحمّله إلا بالتبريد والمراهم والمسكّنات. 

قليلون من لم يختبروا، ولو لمرّة واحدة بسيطة، أثر النار في الجسد. وهؤلاء سيكون صعباً عليهم تخيّل الألم الذي يشعر به من يموت احتراقاً، أو من ينجو من الموت احتراقاً، فيعاني لوقت طويل من آثار الحروق وآلامها وندوبها في جسده. 

يكون الألم الناتج عن الحروق، بحسب دراسة لـ”كليفلاند كلينك” من أشدّ أنواع الألم ويستغرق وقتاً طويلاً حتى يلتئم، “كما أنه من الصعب السيطرة على ألم الحروق بسبب خواصه الفريدة وأنماطه المتغيّرة ومكوناته المتعددة. إضافة إلى ذلك قد تنطوي مُعالجة الحروق على شعور المريض بالألم، ذلك أنها تتطلب تنظيف الجُروح وتغيّر الضمادات”. ومِن النتائج التي توصلت إليها الدراسات البحثية، أن “سبل التعامل مع آلام الحروق قد لا تكون كافية”، مشجّعةً على اللجوء إلى وسائل علاجية أكثر شراسة في علاج آلام الحروق، ومنها الذهاب إلى تخدير المرضى وتنويمهم لفترات طويلة لتجنيبهم الشعور اليقظ بالألم الهائل الناتج عن حروقهم الشديدة.​ 

28 شخصاً قضوا احتراقاً. ذاقوا أشدّ أنواع الألم قبل أن يُريحم الموت من استمرار آلام النجاة مع حروق بالغة.

ولا عجب في أن تكون النار، في الديانات السماوية، هي العقاب الإلهي الخالد على المعاصي، وهي المادة التي يتكوّن منها الجحيم، المعروف بشدّة حرارته وبلهيبه الذي لا ينضب. فهي، بحسب السرديات الدينية، دار للكافرين يبقون فيها خالدين، وفي النار صنوف من العذاب الأليم مما لا يستطيع البشر تخيّله أو تحمّله. 

هكذا تحضر النار كعقاب. كتهديد إلهي. وتدخل في السياسة كـ”وعد صادق”، حين “بشّرنا” رئيس جمهوريتنا ميشال عون بأننا ذاهبون إلى الجحيم. ولم يكن ذلك كلاماً مجازياً، بل تبيّن أنه توصيف حرفي للعقاب الذي ينوي الرئيس ومعه الطبقة السياسية، إنزاله على اللبنانيين الذين انتفضوا ضد سوقهم جماعة إلى المحارق المجازية والفعلية، منذ ما قبل انفجار مرفأ بيروت والمدينة بأسرها، وحتى محرقة عكار. يعدنا الرئيس بالحريق وينفّذ وعيده، كما لو كان إعداماً بالحرق على طريقة “داعش” الوحشية، ثم يذهب مع صهره جبران باسيل إلى اتهام منطقة بأسرها بأنها “متشددة” و”خارج الدولة”، ويدعوان إلى إعلانها منطقة عسكرية. يضرمان تهمة الإرهاب بمنطقة بأسرها، لدفع تهمة الإرهاب عنهما، وعن بقية الطبقة السياسية التي ارتكبت جرائم يمكنها أن “ترقى” إلى “جرائم ضد الإنسانية”. 

28 شخصاً قضوا احتراقاً. ذاقوا أشدّ أنواع الألم قبل أن يُريحم الموت من استمرار آلام النجاة مع حروق بالغة. أكثر من سبعين شخصاً أيضاً يعانون في المستشفيات من درجات حروق مختلفة، كلها مؤلمة بشكل لا يطاق، وكلها تترك أثاراً جسدية ونفسية لا يمكن محوها. أثر النار يبقى في الندوب، والتشوهات التي يتركها في الجسد، ليتحول الألم الجسدي إلى ألم نفسي لا ينضب، إذ تشير الدراسات إلى أن أصحاب الإصابات بحروق بالغة ينتهون غالباً إلى التفكير في الانتحار بعد النجاة من الموت. 

إنه الجحيم. والشيطان يضحك في القصر. يقهقه. والجرحى المحترقون في مستشفيات مهترئة تفتقد للأدوية والتبريد، يتأوّهون من الألم. أصوات تأوّهاتهم لا تصل إلى القصر. لكن قهقهات الشيطان تملأ الأرجاء. والنار تلتهم كل شيء. 

إقرأوا أيضاً: