fbpx

عكار في مهبّ الحرائق والدفاع المدني
يعاني من “جفاف” الإمكانات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بطبيعة الحال كان يمكن تفادي المزيد من الضحايا لو أن الدولة اللبنانية استجابت لاستغاثة عكار بسرعة، أو لو أن السلطات المحلية في البلديات تمتلك المعدات اللازمة لمواجهة الكوارث.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بموازاة مآسي شح المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي، وعلى مقربة من الفشل السياسي والاستعصاء الحكومي، هنا على بعد ثلاث ساعات من بيروت أو أقل، تعيش محافظة اسمها عكار، وإن كان فعل “تعيش” مجازفة غير موضوعية في هذه الحالة. لكن فلنكن متفائلين.

تواجه عكار مأساة الحرائق في كل عام، وتلتهم النيران مساحاتها الخضراء والبيوت والمزروعات. إلا أن آخر حرائق عكار كان انفجاراً من نوع آخر، إذ اشتعل خزان وقود في بلدة التليل، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وهي مجزرة ترافقت مع ضعف واضح في إمكانات إطفاء الحرائق والاستجابة السريعة في وقت الكوارث. وهذا الضعف تُرجم أيضاً قبل أسابيع من الانفجار، في الحرائق التي امتدت إلى مساحات حرجية وزراعية واسعة في المحافظة الشمالية، بسبب تأخر وصول آليات الإطفاء وعدم قدرتها على تلبية الحاجة الكبيرة.

في جولة على مراكز الدفاع المدني في المنطقة، يفهم المرء الامتداد الجغرافي الذي يمكن أن تصل إليه الحرائق في غياب الآليات المناسبة، واعتماد الأهالي وكذلك الدفاع المدني على العنصر البشري والطرائق التقليدية في مكافحة الحرائق وإخمادها. فبعض المراكز يفتقد إلى وجود حمامات أو أسرّة أو خزائن، أو حتى إنارة. وتفتقد مراكز كثيرة إلى معدات الإسعافات الأولية الضرورية لمساعدة عناصر الدفاع المدني في حال احترق أحدهم مثلاً. ومعظم المراكز الـ17 (تتوزع من العبدة حتى الحدود السورية)، لا يملك واحدها سوى آلية واحدة أو اثنتين، ما يوضح سبب عدم الاستجابة السريعة وتمدد الحرائق وخسارة الناس أرزاقهم وأحياناً حياتهم. ففي حال تعطلت آلية تابعة لمركز ما، فهو غالباً لا يملك سواها، فمن يطفئ الحرائق؟ يسأل الناشط محمد دهيبي. هذا عدا النقص العميق في العنصر البشري، إذ لا يتخطى عدد الأجراء في الدفاع المدني الـ47 عنصراً، ويتم الاعتماد على المتطوعين وسواعد الأهالي.

أما بالنسبة إلى مراكز الأحراج، ففي عكار خمسة مراكز فقط هي: مركز القموعة، حرار، عين يعقوب، عندقت والعبدة، وهي أيضاً تعاني نقصاً في الكادر البشري، إذ يقتصر عدد عناصرها على 7، فضلاً عن النقص الكبير في التجهيزات والمعدات اللازمة للتنقل في الغابات ومكافحة الحرائق.
وحال عكار ليس استثناء في ما خص تقاعص الدولة وعدم اهتمامها في القضايا البيئية وانعكاسات تغيّر المناخ. ففي كل عام تحترق أشجار معمرة ويخسر كثيرون أرزاقهم وبيوتهم بسبب عدم توفر الآليات والخطط لمكافحة الحرائق التي تتزايد في السنوات الأخيرة بسبب الاحترار والتغيّر المناخي. وهي أمور غالباً ما لا تلحظها الموازنة العامة، ويقتصر الاهتمام بالمسائل البيئية الملحة على بعض الجمعيات والمبادرات الفردية.
بقيت النيران مشتعلة في بلدة التليل حتى ساعات متأخرة من يوم الأحد 15 آب/ أغسطس، ما أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا والجرحى، الذين لم تستطع المستشفيات استقبالهم ومعالجتهم كما يجب، نظراً إلى عمق الجروح وخطورتها. 

وبطبيعة الحال كان يمكن تفادي المزيد من الضحايا لو أن الدولة اللبنانية استجابت لاستغاثة عكار بسرعة، أو لو أن السلطات المحلية في البلديات تمتلك المعدات اللازمة لمواجهة الكوارث.

وكذلك قبل أسابيع كانت عكار حوصرت بالنيران بعدما اندلعت حرائق في بلدتَي القبيات وعندقت، وامتدت إلى جبل أكروم والحدود السورية المتاخمة، إضافة إلى حرائق في بينو والدورة في منطقة الجومة. وهي حرائق مرشحة لتتجدد في المرحلة المقبلة لا سيما في شهرَي أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر، كما في كل عام. لذلك من الضروري التفكير في خطة لمجابهة الخطر الداهم، لكنّ التفكير في الخطط مسألة استقالت منها الدولة اللبنانية التي باتت تمرّر أيامها “على ما يقدّر الله”، كما يقول المثل الشعبي.

ففي أيام الحرائق الأخيرة، وعلى رغم المساعدة القبرصية وآليات الدفاع المدني والجيش اللبناني التي أتت من كل لبنان لمساعدة عكار، إلا أن النيران قضت على أهم الغابات الحرجية المعمّرة، إضافة إلى الخسائر الزراعية والفردية.

إقرأوا أيضاً:

ماذا عن التعويضات؟

يوضح الناشط العكاري إيلي كلداني لـ”درج” أن “وفداً من وزارة الزراعة أتى إلى المنطقة لإجراء مسح والتعويض. المشكلة أن منطقة أكروم وجزء من منطقة عودين يعانيان من خسائر في سبل عيش المواطنين، كوصول الحرائق إلى بساتين الزيتون، الشجر، شبكات الري… هذا ما لم يلحظه المسح، الذي ركّز على الحياة الحرجية والبرية، حيث يحكى عن 3000 هكتار خسائر من شجر الصنوبر والسنديان وغيرهما”.

في المقابل، تحاول بلدية القبيات مع بعض النشطاء العمل على مكافحة الحرائق، لا سيما أن موسم الحرائق يتركز في أيلول وتشرين الأول من كل عام. وتركز هذه المبادرة على إدارة الأزمة بعد نشوب الحرائق للحفاظ على الثورة الحرجية والمساحات الخضراء، إضافة إلى العمل على شق الطرق والتشحيل وغير ذلك، علماً أن إحدى النقاط التي ساهمت في تمدد الحريق تكمن في عدم قدرة السيارات والآليات على الوصول إلى هناك، يشرح كلداني وهو مشارك في هذه المبادرة.

لكن هذه المبادرة وسواها لا تكفي، لأن مواجهة آثار التغيّر المناخي وكذلك الكوارث المفاجئة كالانفجار الأخير، تحتاج إلى خطة شاملة، كون خطر الحرائق يهدد كل المناطق اللبنانية، ما يؤدي إلى خسارة المزيد من الأرواح والغابات والمساحات الخضراء. وقد أدت حرائق عكار الأخيرة إلى وفاة شاب، إضافة إلى إصابة أكثر من 20 شخصاً بسبب النيران وغازاتها السامة، فيما سقط حوالى 22 شخصاً وجرح 100 في انفجار خزان الوقود. 

نظرة إلى فيضانات أوروبا

هذا العام أيضاً، واجهت دول شمال أوروبا فيضانات هائلة بسبب السيول، فكان أن وزعت حكومات عدة (ألمانيا، بلجيكا…) المساعدات وأودعتها فوراً في حسابات المواطنين الذين يسكنون في مناطق السيول، وهذه المساعدات أتت من باب الاستجابة السريعة للكارثة، ودعم الأهالي، قبل التفكير بالمسح والتعويضات تبعاً للخسائر. أما في لبنان فنعجز عن إخماد حريق، والتعويض للمتضررين إما أن يأتي متأخراً جداً أو “من الجمل دينتو” أو لا يأتي أبداً. أما أرواح الناس فرخيصة وليس من يسأل عنها، فحتى المراهم المخصصة لمداواة الحروق مقطوعة! وكان على الجرحى أن يتحمّلوا آلاماً لا تطاق في انفجار بلدة التليل.

والسؤال موجّه إلى المعنيين، ما خطتكم لمواجهة الحرائق الموسمية الوشيكة خلال الأسابيع المقبلة والكوارث التي يسببها إهمالكم وفسادكم، كانفجار خزان وقود مصادر في أجساد الناس؟ وهل سيبقى الاعتماد على سواعد المواطنين والمتطوعين؟

إقرأوا أيضاً: