fbpx

ملياردير مقرب من بوتين ومحتال ماليزي:
عن أصدقاء الرئيس القبرصي وجيرانه الذهبيون

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أشار مسؤولون حكوميون ووسائل إعلام قبرصية إلى العلاقة بين الرئيس نيكوس أناستاسيادس- الذي كان مكتب المحاماة الخاص بأسرته متورطاً بعمق في شراء جوازات سفر ذهبية للعملاء- وبين رجل الأعمال السعودي عبد الرحمن بن خالد بن محفوظ…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُعد برنامج “جواز السفر الذهبي” في قبرص برنامجاً مجانياً للجميع وفاسداً، إذ يُتيح للمختلسين والمجرمين والقلّة من ذوي النفوذ، إمكانية الحصول على جنسية أوروبية.

من الملياردير أوليغ ديريباسكا، المقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى المحتال الماليزي الهارب جو لو (Jho Low)، المطلوب بقضية فضيحة “الصندوق السيادي الماليزي” (1MDB)، كان استعداد قبرص لبيع الجنسية للأشخاص السيئين المُريبين وصمةَ عار للاتحاد الأوروبي فيما يُكثِّف جهوده لمكافحة الفساد.

توقفت قبرص عن قبول طلبات جديدة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إثر سبق إخباري نشرته قناة “الجزيرة”، بضبط سياسيين يعرضون المساعدة للحصول على جواز سفر لمجرم زائف من الصين. وقد تحرك الاتحاد الأوروبي أيضاً لمحاسبة قبرص على مخططها لمنح الجنسية للمستثمرين، من طريق قيام الاتحاد بتفعيل “إجراء التحقيق في الانتهاكات”، الذي يمكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات مالية من جانب محكمة العدل الأوروبية.

ومع أن الدولة الواقعة في البحر الأبيض المتوسط وعدت بالإصلاح ومعالجة الأمور، لا تزال الأسئلة قائمة بشأن الفساد المنتشر في أوساطها السياسية.

وافقت قبرص على 6679 جواز سفر ذهبياً منذ عام 2008، حين بدأ البرنامج، حتى آب/ أغسطس 2020؛ ومن بينهم 3100 من مقدمي الطلبات الأساسيين، فضلاً عن أزواجهم وأطفالهم وآبائهم.

أشار مسؤولون حكوميون ووسائل إعلام قبرصية إلى العلاقة بين الرئيس نيكوس أناستاسيادس- الذي كان مكتب المحاماة الخاص بأسرته متورطاً بعمق في شراء جوازات سفر ذهبية للعملاء- وبين رجل الأعمال السعودي عبد الرحمن بن خالد بن محفوظ، الذي شكك المراقب العام القبرصي في مسألة حصوله على الجنسية.

لم يتهم المراقب العام أي شخص بارتكاب نشاط إجرامي، لكنه صرّح بأن الظروف الغامضة التي تكتنف القضية تستدعي إجراء مزيد من التحقيق.

ولا يزال البرلمانيون القبارصة يشككون في صلة الرئيس برجل الأعمال السعودي، وقد قررت لجنة حكومية مخصصة لهذا الغرض في أواخر عام 2020، أن طلبات الحصول على الجنسية لأفراد أسرة بن محفوظ تتضمن “إقرارات مغلوطة” بشأن خطط الانتقال إلى قبرص. وخلص تقرير اللجنة، الذي نُشِر أواخر عام 2020، إلى أنهم لم ينتقلوا بعد.

قدَّم عبد الرحمن بن محفوظ وخمسة سعوديين آخرون طلباً للحصول على جوازات سفر قبرصية معاً عام 2014، وأنفقوا نحو 19.8 مليون يورو على عقارات تجارية وسكنية لاستيفاء الشروط المطلوبة للتأهل بموجب خطة الحصول على الجنسية.

حصول الآلاف على جوازات سفر ذهبية

وافقت قبرص على 6679 جواز سفر ذهبياً منذ عام 2008، حين بدأ البرنامج، حتى آب/ أغسطس 2020؛ ومن بينهم 3100 من مقدمي الطلبات الأساسيين، فضلاً عن أزواجهم وأطفالهم وآبائهم. وبلغ إجمالي ما جمعته البلاد عبر البرنامج ما لا يقل عن 6.6 مليار يورو وفقاً للأرقام الصادرة عن وزارة المالية.

في مطلع عام 2014، أجرت قبرص تغييرات على برنامجها الخاص بـ”الحصول على الجنسية من خلال الاستثمار”، بهدف اجتذاب المزيد من المستثمرين الأجانب. فبينما كان يتعين على الأفراد في السابق استثمار 5 ملايين يورو، انخفض هذا المبلغ إلى 2.5 مليون يورو لكل مساهم في “خطط الاستثمار الجماعي”، بما لا يقل عن 12.5 مليون يورو. كما صار يتعين على كل مساهم إنفاق ما لا يقل عن 500 ألف يورو للحصول على الإقامة في قبرص.

في حزيران/ يونيو، أصدر رئيس المحكمة العليا السابق، مايرون نيكولاتوس، تقريراً عن البرنامج، ووجد أنه تم انتهاك القانون عند منح جوازات سفر ذهبية في أكثر من 53 في المئة من الحالات، وبخاصة  مقدمي الطلبات الثانويين.

ووفقاً لما ذكره المراقب العام، بدت الصفقات العقارية مشبوهة: فقد دفع عبد الرحمن بن محفوظ وشركاؤه أكثر من ضعف القيمة السوقية لبعض العقارات.

وقد أُبرِمت صفقة لعقار يقع حرفياً بالقرب من منزل الرئيس أناستاسيادس؛ عبارة عن فيلا فاخرة وقطعتَي أرض للبناء مقابل مسكنه الخاص في مدينة ليماسول، وهي ثاني أكبر مدينة في قبرص.

لا دليل على تورط الرئيس أناستاسيادس في الصفقة، إلا أنه ترأس مجلساً حكومياً حكَم لمصلحة طلب التجنيس الذي قدمه عبد الرحمن بن محفوظ، وثمة صلات أخرى تجمع بين الرجلين.

يُعد برنامج “جواز السفر الذهبي” في قبرص برنامجاً مجانياً للجميع وفاسداً، إذ يُتيح للمختلسين والمجرمين والقلّة من ذوي النفوذ، إمكانية الحصول على جنسية أوروبية.

إذ يعتبر الرئيس أناستاسيادس بن محفوظ صديقاً، ولكنه صرح بأن مكتبه “لا يتحمل أي مسؤولية” في ما يخص حصوله على الجنسية.

إلا أن التقارير والوثائق الرسمية التي حصل عليها “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP) تُبين أن مجلس الوزراء الذي اختاره قد تجاهَلَ اعتراضات وزارة الداخلية على منح طالبي الحصول على التأشيرة الذهبية -ومنهم بن محفوظ- ما أرادوه.

ففي كانون الثاني/ يناير 2015، حصل عبد الرحمن بن محفوظ وأشقاؤه وشركاؤه في قطاع الأعمال على جوازات سفر قبرصية، ولكن كانت هناك عقبة. فقد صرّحت وزارة الداخلية بأن واحدة فقط من زوجتَيه يمكن أن تحصل على الجنسية القبرصية، لأن تعدد الزوجات في قبرص غير قانوني.

في المقابل، قدم ممثلوه في مكتب كريستوس باتساليدس للمحاماة طلبات منفصلة لزوجتيه. فقد تقدم المكتب في البداية بطلب نيابة عن ناهد حسين طالب، الزوجة الثانية لرجل الأعمال، في أيار/ مايو 2015. وقد استلمت جواز سفرها في آب/ أغسطس التالي؛ بُعَيد أيام فقط من استخدام الرئيس أناستاسيادس طائرة نفاثة تابعة لشركة بن محفوظ في أول رحلة من رحلتين غير رسميتين إلى سيشيل.

ثم قُدِّم طلب لأميمة ياسين الكعكي، الزوجة الأولى، في حزيران 2015، ومنحها مجلس الوزراء جواز السفر في نيسان/ أبريل من العام التالي. وتقدمت المرأتان بطلب للحصول على الجنسية بصفتهما زوجتين لعبد الرحمن بن محفوظ.

ولم يرُدّ مكتب كريستوس باتساليدس للمحاماة على طلب التعليق على الأمر. وعند السؤال عن سبب تجاهل مجلس الوزراء تقرير وزارة الداخلية، صرّح كيرياكوس كوشوس، المتحدث الرسمي باسم الحكومة القبرصية حتى وقت سابق من هذا الشهر، أن هذا الادعاء “عارٍ من الصحة ولا أساس له”.

غير أن المشكلات الأخرى مع ترتيبات جواز السفر الذهبي للأسرة، بما في ذلك الصفقات العقارية المشكوك فيها، لم تصبح علنية إلا بعد سنوات.

الأصدقاء الذهبيون

عبد الرحمن بن محفوظ رجل أعمال دولي من عائلة تجمعها علاقات وطيدة بأسرة آل سعود مذ أسس جده أول مصرف في المملكة العربية السعودية في خمسينات القرن الماضي.

تاريخ من النفوذ والجدل

كان سالم بن محفوظ، جد عبد الرحمن، يعمل في تحويل العملات للحجاج الذين يزورون مكة حتى الخمسينات من القرن العشرين، حين صُرِّح له بفتح أول بنك في البلاد، ما أدى إلى إنهاء حظر الأعمال المصرفية وفرض فوائد.

وكان الراحل خالد بن محفوظ، والد عبد الرحمن، المصرفي الشخصي للملك السعودي السابق فهد بن عبد العزيز آل سعود، الذي حكم البلاد من عام 1982 حتى وفاته عام 2005.

وكانت الظروف التي حصل فيها خالد بن محفوظ وأسرته على جوازات سفر أيرلندية بعد  استثمارات كبيرة هناك عام 1990،  أثارت جدلاً واسعاً في أيرلندا، وظلت موضع نقاش برلماني لسنوات. وأثبت تحقيق أن جوازات السفر صدرت قبل إتمام إجراءات التجنيس.

وعام 1993، وافق خالد بن محفوظ على دفع 225 مليون دولار لتسوية تهم الاحتيال المصرفي في الولايات المتحدة، التي تشمل ملكيته نسبة 30 في المئة في بنك الاعتماد والتجارة الدولي سيئ السمعة، وهو من المصارف الأكثر  فساداً في العالم، قبل أن يتم إغلاقه بتهم غسيل الأموال والاحتيال على نطاق واسع.

وفي الآونة الأخيرة، كان أفراد عائلة بن محفوظ من بين مئات من النخب السعودية المحتجزين كجزء من حملة مكافحة الفساد التي أمر بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2017. وقد جمعت الحكومة أكثر من 100 مليار دولار من العقوبات المفروضة على المحتجزين. ومن غير المعروف إذا كان أفراد أسرة بن محفوظ قد اتُّهموا رسمياً أم أجبروا على دفع غرامة للإفراج عنهم.

على مدى سنوات، كان رجل الأعمال مساهماً في “مجموعة المرجان”، وهي تجمُّع شركات عائلي أسسه خالد بن محفوظ عام 1994، بوجود شركات قابضة تعمل في العقارات والخدمات المالية والرعاية الصحية والطيران في كلٍّ من المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة.

زار بن محفوظ قبرص بحثاً عن فرص استثمارية في حزيران 2014، أي بعد ثلاثة أشهر من إعلان أناستاسيادس تغييرات في مخطط جواز السفر الذهبي، الساعي إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. التقى حينها بالرئيس القبرصي وأسقف كنيسة قبرص، كريسوستوموس، وجون هوريكان الذي كان حينها الرئيس التنفيذي لبنك قبرص، إلى جانب آخرين

بعد مرور ثلاثة أشهر، قدم خالد بن محفوظ وأخوه سلطان وأخته إيمان طلباً مشتركاً للحصول على الجنسية القبرصية من طريق الاستثمار. فقد تحالفوا معاً في ما كان يُعرف بـ”خطة الاستثمار الجماعي”، التي كانت تعني أن بإمكان كل منهم أن يستثمر أقل من الحد الأدنى الحقيقي الذي يصل إلى 5 ملايين دولار، طالما أن استثماراتهم المشتركة تصل إلى 12.5 مليون دولار على الأقل وطالما استوفوا بعض المتطلبات الأخرى.

شمل طلبهم الجماعي أيضاً عبد الإله بن عبدو مكرد علي وهاني عثمان باعثمان، وهما رجلان مرتبطان بشركة “سدرة للمالية”، وهي شركة خدمات مالية تابعة لخالد بن محفوظ وتتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها. وكان آخر من تقدم هو عبد الحكيم حامد وَزْنة الذي لا تتوفر عنه معلومات عامة كثيرة. ووفقاً لوثائق مسربة، يقيم هؤلاء الستة في جدة، وهي مدينة باذخة على ساحل البحر الأحمر.

وقد مُنِح أيضاً 36 آخرون من أقارب المديرين التنفيذيين للمجموعة الاستثمارية الجنسيةَ القبرصية، من خلال الطلب نفسه أو طلبات مرتبطة به. وقد شملت استثمارات المجموعة في قبرص إقامة فيلا وأربع شقق ومكاتب وأراضٍ غيرَ مطورة وثلاثة عقارات للبيع بالتجزئة.

إقرأوا أيضاً:

الجيران الذهبيون واستثمارات مشكوك فيها

راجَع ديوان المحاسبة القبرصي في أواخر 2019 وثائقَ حصول بن محفوظ على الجنسية من خلال الاستثمار، وذلك بعدما أثار الإعلام القبرصي وقادة سياسيون مخاوف بشأن علاقته بالرئيس أناستاسيادس. وفي تقرير صدَر في كانون الثاني 2020، أُشير إلى مخالفات، ومنها أسئلة جدية حول دفع مبالغ زائدة للعقارات.

وفي المجمل، دفع المستثمرون السعوديون أكثر من 10 ملايين يورو زيادة عن القيمة المقدَّرة للعقارات في ذلك الوقت. وربما ينبغي لهذا الأمر أن يمثل إنذاراً لـ”وحدة مكافحة غسيل الأموال” (MOKAS) في الجزيرة، كما قال مراجعو الحسابات.

ملف المشكلة

شملت الاستثمارات الجماعية لهؤلاء السعوديين ما يلي:

* فيلا فاخرة وباحتين (قطعتي أرض) ملحقتين بها في مدينة ليماسول، مقابل الفناء الخلفي للرئيس أناستاسيادس؛ وقد قامت المجموعة بشرائها بقيمة 7.5 مليون يورو، ولكن قيمتها السوقية تُقدَّر بـ3.5 مليون يورو.

* شقتين في مرتفعات أماثوزا الساحلية في بلدة أغيوس تيكوناس، بقيمة نصف مليون يورو للشقة، وتم شراؤهما من شركةٍ تُدعى “سيباركو المحدودة” (Cybarco Limited). تُقدَّر القيمة السوقية لإحداهما بـ 236400 يورو، وللأخرى بـ 245500 يورو. وقد قِيل إن إحداهما كان يستخدمها حصراً عبدُ الإله بن عبدو مكرد علي، فيما كان يستخدم الأخرى عبدُ الحكيم حامد وَزْنة.

* شقة فيها غرفة نوم واحدة وأخرى فيها غرفتا نوم، وكلتاهما في مرتفعات أبولو في كوكليا، بقيمة نصف مليون يورو، بينما قيمتهما 414500 يورو، وتم شراؤهما من شركة ذات صلة بشركة سيباركو. وقيل إن الشقتين كان يستخدمهما هاني عثمان باعثمان.

* أجزاء من مبنى مكتبي في لاتسيا، إحدى ضواحي نيقوسيا، بقيمة 7.5 مليون يورو، في حين أن القيمة السوقية تُقدَّر بأقل من 3.7 مليون يورو.

* ثلاثة محالّ في شارع برودرومو في العاصمة نيقوسيا، خلف مقر الإقامة الرئاسية الرسمي، بقيمة 1.8 مليون يورو مقابل قيمة سوقية تُقدَّر بأقل من 1.3 مليون يورو.

غير أن رئيسة “وحدة مكافحة غسيل الأموال” القبرصية، إيفا باباكيرياكو، قالت أمام جلسة برلمانية مغلقة في شباط/ فبراير 2020 إنها لم تعرف سوى في الفترة الأخيرة عن هذا الخلاف من خلال التقارير الصحافية، وفقاً لمحضر الجلسة الذي حصل عليه “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد”. ولا يُعرَف إن كانت الوحدة أو المدعي العام للجزيرة، الذي يشرف عليها، قد قامت بالتحقيق في هذا الأمر أصلاً. ولم يحصل “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” على جواب من كوستاس كليرايدس، المدعي العام في ذلك الوقت، حين تواصل معه “المشروع” حول المسألة.

وقال مراجعو الحسابات أيضاً إنه كان يجب رفض طلب الحصول على جواز السفر الذهبي، نظراً لأن المجموعة لم تقدم ما يثبت أن كل متقدّم للحصول على الجواز يمتلك إقامة بمفرده في قبرص، كما يطلب البرنامج.

وأشار مراجعو الحسابات إلى وجود مخالفات في عمليات شراء الفيلا والأراضي الملحقة بها، مقابل السكن الخاص للرئيس أناستاسيادس في جيرماسوجيا، إحدى ضواحي ليماسول الراقية.

وقال مراجعو الحسابات إنه كان مثيراً للريبة أن يدفع المستثمرون 4 ملايين يورو زيادةً عن القيمة السوقية للفيلا والأراضي المحيطة بها. فقد كان المستثمرون ليعرفوا أن سعرَ 7.5 مليون يورو مُبالَغ فيه، لأن هناك بياناً مالياً يوضح أن القيمة الحقيقية للعقار كانت مُضمَّنة في اتفاقية الشراء، على حد قولهم.

ربما يشير دفع مبالِغ زائدة إلى احتمال وجود عُمُولات غير قانونية أو “ممارَسات غير صحية أخرى”، وفق ما جاء في تقرير مكتب مراجعة الحسابات.

وقد ابتاع السعوديون أيضاً العقار بطريقة معقدة، بدلاً من مجرد شرائه مباشرة، الأمر الذي أشار مراجعو الحسابات إلى أنه قد ينطوي على مخالفة أخرى.

كانت الفيلا عند شرائها مملوكةً لمطوّر عقارات قبرصي، امتلك أيضاً شركة تُدعى “ميريفيل المحدودة” (Merryvale Limited)، وهي شركة لم تكن لديها عمليات أو أصول بخلاف قطعتَي الأرض الملحقتَين بالفيلا.

اشترى بن محفوظ ورفاقه المستثمرون شركة “ميريفيل” في تشرين الأول 2014، وفي الوقت نفسه جعلوها تستحوذ على ذلك العقار في ليماسول.

وقد دفعوا 5.5 مليون يورو للشركة ومليونَين آخرَين للمساهمين فيها، وهما المطوِّر وزوجته، كتسوية وتعويض عن قرض أعطته الشركة لمساهم سابق.

وقاموا بإتمام الشراء عبر شركة أخرى كانوا يملكونها بشكل جماعي، تُدعى “بيلامور المحدودة” (Pelamore Limited).

يصعّب الافتقار إلى الشفافية في سجلات الأراضي القبرصية، عملية تتبُّع تاريخ ملكية هذه الفيلا الفاخرة في ليماسول، ولكنها ارتبطت من وقت بعيد ببرنامج جواز السفر الذهبي.

وتشير السجلات العامة المحدودة إلى أنها بُنيت عام 1999، وعام 2002 استحوذ الملياردير الروسي راليف سافين على قطعتَي الأرض الملحقتَين بها. وقد صرّح أحد وكلاء سافين في قبرص لوقت طويل لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” بأن سافين استحوذ أيضاً على الفيلا في العام ذاته.

وكان سافين، أحد مؤسسي الشركة الروسية متعددة الجنسيات “لوكويل” (Lukoil) والعضو السابق في المجلس الاتحادي الروسي، من بين أوائل الأجانب الذين حصلوا على جواز سفر ذهبي قبرصي عام 2008. وهو اليوم المساهم الوحيد في شركة “براتو فيردي المحدودة” (Prato Verde Limited)، وهي وكيل مسجل يساعد الأجانب الأثرياء في الحصول على الجنسية القبرصية. ولكنه لم يرد على طلباتنا للتعليق.

وقد بِيع العقار في شباط 2014 إلى المطور الذي باعه إلى بن محفوظ من خلال شركة “ميريفيل”.

وكانت الأعمال القانونية المرتبطة بالشركة في السنوات الأخيرة، قبل أن يبيعها سافين، تتم من خلال مكتب سوتيريس بيتاس وشركائه للمحاماة، ذات الصلات العميقة بمكتب المحاماة السابق للرئيس أناستاسيادس: “نيكوس أناستاسيادس وشركاؤه”.

وقد صرح سوتيريس بيتاس لـ”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” بأن شركته لم تعرف المستثمرين السعوديين ولم تقدم أي خدمات لهم.

لم يرد كبير الأساقفة عندما حاول “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” التواصل معه للتعليق على القضية.

صفقة أخرى مثيرة للجدل

في شباط/ فبراير 2014، شاركت عائلة أناستاسيادس في صفقة عقارية كبيرة خاصة بها، وذلك عندما وافقت أندري، زوجة الرئيس، على دفع 500 ألف يورو لِكنيسة قبرص مقابل قطعة أرض شاغرة بجوار قصر العائلة الخاص.

ويقال إن قيمة قطعة الأرض كانت تقدر بـ695600 يورو عام 2013. وقد انتقدت وسائل الإعلام القبرصية شروط البيع، التي وافق عليها رئيس أساقفة قبرص كريسوستوموس الثاني شخصياً، واعتبرت أنها تمثل صفقة وديّة تحيّزية.

لم يرد كبير الأساقفة عندما حاول “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” التواصل معه للتعليق على القضية.

خصم ذهبي

بدأ ديوان المحاسبة التدقيق في الإقامة الذهبية التي حصل عليها بن محفوظ بعد نشر تقارير إعلامية عن استخدام أناستاسيادس طائرة بن محفوظ الخاصة خلال رحلة رسمية.

لكن قال مكتب الرئيس لمراجعي الحسابات إن بن محفوظ قدم الطائرة بسعر مخفض، وغطت أملاك الراحل كريس لازاري، رجل الأعمال القبرصي الذي كوّن ثروته من الاستثمار في العقارات في المملكة المتحدة، المستحقات المتبقية من الفاتورة. وأضاف المكتب أن هذه التسوية وفرت على دافعي الضرائب 3.5 مليون يورو تقريباً، كان يفترض أن تنفق على الرحلات المتعددة التي قام بها الرئيس من عام 2016 إلى أيلول/ سبتمبر 2019. 

وقال أناستاسيادس إن الصداقة التي تجمعه ببن محفوظ هي سبب حصوله على هذا الخصم، الذي يصل إلى نحو 600 ألف يورو على مدار ثلاث سنوات.

لم يعثر ديوان المحاسبة على أيّ تجاوزات في الهدايا، لكنه أوصى بفرض قيودٍ على حجم هذه الهبات والتدقيق في جنسية المانحين أو إقامتهم، والنظر كذلك في أيّ عقود عامة قد تكون مبرمة مع أولئك المانحين، لتحاشي شبهة الرشوة.

كان بن محفوظ مهتماً إلى حدٍّ ما بمشاريع الأشغال العامة القبرصية. فقد شاركت شركة مملوكة لعائلته في مشروع مقترح لبناء صالة وصول لكبار الشخصيات بالتعاون مع شركة “مطارات هيرميز المحدودة” (Hermes Airports Ltd)، وهي الشركة المسؤولة عن إدارة المطارات التجارية المملوكة للدولة في مدينتي لارنكا وبافوس. لكن منذ ذلك الحين، انسحبت الشركة السعودية من المشروع.

رفضت شركة “هيرميز” التعليق على الأمر، ولم يرد متحدث باسم الحكومة على أسئلتنا حول مشروع صالة الوصول.

إضافة إلى الخصومات المتعلقة بالرحلات الرسمية، سمح بن محفوظ باستخدام الطائرة في الرحلات الشخصية الخاصة بالرئيس أناستاسيادس، من بينها رحلة واحدة على الأقل كانت مجانية تماماً، على رغم تكاليفها الباهظة.

في آب 2018، سافر الرئيس وعائلته الكبيرة إلى جزر سيشيل على متن طائرة بن محفوظ، بوصفهم ضيوفاً لرجل الأعمال. كانت هذه الرحلة المجانية موضعاً لشكةك ديوان المحاسبة.

في رسالة يرجع تاريخها إلى 20 كانون الثاني 2020، قال أناستاسيادس لمراجعي الحسابات إن الطائرة الفاخرة التي أقلعت من لارنكا كان من المقرر لها بالفعل أن تحلق إلى جزر سيشل، حيث كانت عائلة بن محفوظ تمضي إجازتها، مضيفاً أنه بسبب “علاقتهما الودية” اقترح اصطحاب عائلة الرئيس أيضاً. ضم الضيوف زوجة الرئيس وبناته الكبيرات: شريكاته في مكتبه القديم للمحاماة.

أرسل كوسوس بياناً إلى “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” كتبه الرئيس في 2020، يقول فيه إن الرحلة المجانية لا تنتهك المعايير الأخلاقية التي حددها لحكومته، لكن “كان يمكن تجنب استخدام الطائرة في الرحلة موضع التساؤل”.

يمنع ميثاق الشرف هذا قبول أيّ دعوات أو استضافات شخصية من الجهات الأجنبية سواء أكانت حكومات أم هيئات قانونية أم أفراداً ممن ترتبط أنشطتهم بالحقيبة الوزارية للمسؤول. ويجب الإفصاح عن أيّ هدايا تزيد قيمتها عن 150 يورو. 

إقرأوا أيضاً:

عادة ما تكلف رحلة الطيران المستأجرة من قبرص إلى جزر سيشل ما يزيد عن 800 ضعف هذا المبلغ.

لا يزال استخدام الرئيس طائرة بن محفوظ الخاصة محلَّ جدلٍ مستمر في البرلمان القبرصي، الذي استجوب موظف طيران مدنياً خلال جلسة خاصة للجنة مراجعة الحسابات في 14 شباط. 

قال الموظف للمشرعين إن طائرة بوينغ 767 تديرها شركة طيران “جت ستريم” المملوكة لعائلة بن محفوظ قد حلقت من قبرص إلى جزر سيشل في 3 آب 2015، وعادت بعد 10 أيام. مضيفاً أن الطائرة أُدرجت تحت “الكود 1” للإشارة إلى وجود رئيس دولة على متنها، لكن لم يتم تقديم بيان بأسماء الركاب الأربعة عشر بحسب اشتراطات الاتحاد الأوروبي.

برزت تلك الرحلة تحديداً لأن مكتب الصحافة والإعلام القبرصي لم يُعلن عنها، في حين أُعلن عن الرحلات الرئاسية الأخرى التي تمت خلال الفترة نفسها. التقى أناستاسيادس مع جيمس ميشيل، رئيس سيشل السابق، في 7 آب، لكن لا يزال الغموض يكتنف بقية أنشطته خلال هذه الزيارة.

سابقاً، أخبر أناستاسيادس لجنة أخرى أنه دفع تكاليف رحلة 2015 من حسابه الخاص، لكنه لم يقدم تفاصيل إضافية.

منذ ذلك الحين، أرسل أعضاء البرلمان قائمة أسئلة طويلة للرئيس، تتضمن مطالبات بمعرفة هوية مَن دفع تكاليف الرحلة ومَن كان على متنها، بل وحتى عدد الحقائب التي نُقلت.

في كانون الثاني، قال الرئيس أناستاسيادس في مقابلة مع صحيفة “بوليتيس” القبرصية إنه لم يُقدم أيّ خدمات أو امتيازات لصديقه السعودي، مضيفاً أنه بعد انتشار الفضيحة، سعى بن محفوظ فعلياً إلى إعادة جنسيته القبرصية. لكن ليس واضحاً ما إذا كان فعل ذلك أم لا.

نشر هذا التحقيق في موقع OCCRP وللاطلاع على المادة الأصلية زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: