fbpx

“مدرسة الروابي للبنات”:
تحطيم صنم الصورة المثالية للمجتمع الأردني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إيقاع المسلسل بدا سريعاً بمشاهد جريئة لفتيات مراهقات تخلّلتها “فلاش باك” لخلفياتهن الطبقية في بلد يشهد ارتفاعاً مطرداً في معدلات الفقر والبطالة إلى جانب فوارق الصورة النمطية بين خريجي المدارس الخاصّة والحكومية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عاصفة رقمية ضربت مواقع “التراشق الاجتماعي” في الأردن عقب بث مسلسل “مدرسة الروابي للبنات” على منصّة “نتفليكس” في بلد يشهد اشتباكاً بين الثقافات وصراعاً طبقياً ضامراً.

 انقسم الأردنيون بين مشيد بهذه الدراما التي طرحت قضايا مجتمعية مسكوتاً عنها كالتنمّر، التحرش و”جرائم الشرف”، وبين مقرّع لمشاهد عدّت جريئة ومنافية لعادات المجتمع وتقاليده، لجهة اللباس وبعض الألفاظ التي تضمّنها المسلسل.

أحداث المسلسل الذي قدحت فكرته وأخرجته الأردنية تيما الشوملي، تدور في مدرسة راقية للفتيات، حيث تتعرض إحداهن للتنمّر على يد ثلاث زميلات. وبدا مسرح مدرسة الروابي، وكأنه إسقاط ذكي على جبال عمّان وخفايا المجتمع.

كما تعكس الحبكة تضارباً في منابع القيم وازدواجية في معايير مجتمع يتجاذبه الوثب نحو العصرنة مقابل الأعراف وتقاليد الأجداد. ويلاحظ المشاهد/ة مفارقة سريالية بين شرائح مجتمع “معصرن” بنمط حياة غربي وبين ظواهر مترسبة من روح القرية وظلال البداوة، في بلد يحيي سكّانه السبعة ملايين مئوية استقلاله الأولى. يتجلى التناقض الفكري في مغزى مقولة معلقة على حائط غرفة البطلة مريم: “المستقبل هو امرأة”/ The future is female، وبين التضحية بالشخصية الشريرة “the villain”، في ما يسمى بـ”جريمة شرف” في نهاية المسلسل.

ويضيء هذا العمل على مستوى النفاق في المجتمعات وتزاوج السلطة مع رأس المال. يتجلّى ذلك في ومضة في نهاية المسلسل لصورة عائلة مديرة المدرسة، تضم نجلها الذي أغوى ضحية ما يسمى “جريمة شرف”، وهي “المتنمرة الشريرة” ابنة مسؤول كبير في السلطة.    

إيقاع المسلسل بدا سريعاً بمشاهد جريئة لفتيات مراهقات تخلّلتها “فلاش باك” لخلفياتهن الطبقية في بلد يشهد ارتفاعاً مطرداً في معدلات الفقر والبطالة إلى جانب فوارق الصورة النمطية بين خريجي المدارس الخاصّة والحكومية. وطارت الكاميرا لتسرق مشاهد خلاّبة في العاصمة الأردنية ومناطق سياحية في البحر الميت.  

في البداية تواجه الطالبة المجتهدة مريم تنمراً على يد ثلاث من زميلاتها، لتباشر بعدها رحلة الانتقام ضمن حبكة منسوجة عبر ست حلقات، استعرض خلالها صنّاع العمل- بتوقيع نسائي: الشوملي كتابة وإخراجاً وشيرين كمال كتابة أيضاً- قضايا مجتمعية متشابكة، مثل التفكّك الأسري والتحرش الجنسي، فضلاً عن المشكلات النفسية التي ترافق مرحلة المراهقة.

شارك الصبايا الجديدات في التمثيل ركين سعد والنجمتان الأردنيتان ريم سعاده ونادرة عمران. 

 “جن” إلى الواجهة مجدداً

 هذه المرة الثانية التي تواجه فيها منصّة “نتفليكس” سهام نقد نشطاء عبر منصّات التواصل الاجتماعي في الأردن، بعدما عرضت أول مسلسل أردني بعنوان “جن” عام 2019. لكن سهام النقد تبدو أكثر لطفاً هذه المرّة مقارنة بالحرب على محتوى “جن” ولغته التي صدمت المجتمع آنذاك.

فبعدما وصم الجمهور “جن” بأنه مناف للآداب العامة، بدعوى تضمنه ألفاظاً نابية ولقطات جريئة جداً، أمر المدعي العام بوقف عرضه في عمّان آنذاك. كما، صرّح مفتي عام المملكة بأن المسلسل لا يمثل عادات الأردنيين والتعاليم الإسلامية.

 وتردّد في ذلك الوقت أن أبطالاً من “جن”، الذين لم تتجاوز أعمارهم 20 سنة، غادروا البلاد فيما حرص آخرون على التزام البيت خشية تعرضهم لأذى.

 اليوم انخرطت شخصيات عامّة في حملة للمطالبة بوقف عرض “مدرسة الروابي” أسوة بـ”جن”، على رغم موافقة الهيئة الملكية للأفلام- الجهة الحكومية المعنية بتسهيل تصوير الأعمال الدرامية وإصدار التصاريح الرسمية- علماً أن “نتفلكس” ذاتها ليست وسيلة إعلام محلية، ولا تمكن مشاهدتها إلا من خلال اشتراك شهري برسوم مدفوعة.

 لكن الهيئة تؤكد أن مراقبة سيناريو العمل الفنّي ومضامينه لا تدخل ضمن صلاحيّاتها وفقاً لأحكام قانون الإعلام المرئيّ والمسموع النافذ، بحسب ما أكد مكتبها الإعلامي لـ”درج”.

 حلّق “مدرسة الروابي” على رأس أكثر الأعمال مشاهدة في الأردن ودول عربية وأوروبية وصولاً إلى البرازيل، علماً أن العمل ترجم إلى 32 لغة وعرض في 192 دولة.

 صاحبة فكرة المسلسل ثيما الشوملي -المتحدرة من عائلة فنّية – قالت في تصريح صحافي: “كنت أحلم منذ سنوات بتأليف وإخراج مسلسل عن هذه المرحلة العمرية، وتقديمه بوجهة نظر وصناعة نسائية تامة”.  

لماذا هذا الجدل؟

النوّاب في البرلمان الأردني خليل عطّية وعمر عياصرة وسليمان أبو يحيى يجادلون، بأن محتوى المسلسل غريب عن المجتمع الأردني. ويقول أبو يحيى “لا مش هيك مجتمعنا، المجتمع الأردني مجتمع محافظ”، فيرد العياصرة: “هذا حكي خيال لمجتمع بشع”. ثم يقول الأول: “ما دخلني اذا بتقعد بعمان أو بعبدون (إحدى المناطق الراقية غرب العاصمة) أنا ما بشوف هيك”، فيعلّق العياصرة: “مش بعبدون بمناطقنا يا زلمة”. هنا يعلّق خليل عطية، وفق ما أظهره مقطع فيديو آخر على قناة “رؤيا” الإخبارية وهو يشاهد مقطعاً من مسلسل “الروابي”: “مش هيك قيمنا ولا هيك تعودنا، المفروض يتحاسب اللي سوا هيك شغلات”.

هذا مشهد يحاكي في مضمونه ودلالاته جدالات ساخنة على منصّات التواصل الاجتماعي، بين من شاهد العمل والتقط الرسالة وفهم المقصود منها وبين من شاهد مقاطع منه على منصّة “تكتوك” بدعوى أنه “لا يمثل مجتمع الأردن”. وفي الخلفية تبرز اسطوانة “نظرية المؤامرة الكونية التي تستهدف شاباتنا وشبابنا”. 

لا نحتاج سوى إلى نظرة على بيانات الأمن العام وتصاعد مؤشر الجريمة والعنف الأسري المتداخلة بمظاهر الفقر والبطالة على وقع فساد مستشرٍ وسوء الإدارة في البلاد، لندرك أن القضايا التي استعرضها “مدرسة الروابي” ليست بعيدة تماماً من “مجتمعنا المحافظ”.

ولا نحتاج أيضاً للتذكير بأن مشهداً ترويجياً يظهر خمس فتيات بـ”الشورت”، يمكن أن يزعج الرأي العام الأردني أكثر من صورة مدرسة لا تتوفر فيها أبسط مقومات العملية التعليمية أو مشهد اعتقال أعضاء في نقابة المعلمين اعتصموا أمام مجلس الأمّة، الذي ينشغل أعضاء فيه في تحديد إذا كان “الروابي” يشبه قيمنا أم لا!

الأصنام المثالية

الجدل الممتد على مساحات السوشيال ميديا- وسم #مدرسة_الروابي_للبنات بات “التريند” الأبرز في المملكة ودول عربية أخرى- ينبّه إلى أن واقع المجتمع الأردني لا يزال يمثّل ساحة للصراع بين من يعتقد أنه مثالي فعلاً، وفئة مقابلة تقرّ بوجود ظواهر ومشكلات اجتماعية كالتي تناولها “الروابي”.

يرى الناشط الأردني ضياء العبادي أن شطراً من ردود أفعال الجمهور مدفوعة برغبة في الحفاظ على الصورة النمطية للمجتمع الأردني أمام العالم. هناك منتقدون يدركون وجود مشكلات اجتماعية، لكنهم يرفضون ويهاجمون تسليط الضوء عليها، خصوصاً إذا أنتجت العمل كوادر أردنية، كما حصل مع “جن” و”الروابي”.

ويلفت العبادي إلى وجود ظاهرة “المبالغة” في ادعاء الفضيلة. لذلك من الممكن جداً أن يهاجم أحدهم عملاً فنياً يتناول قضّية العنف الأسري، وهو في الواقع يعنّف  شقيقته أو زوجته، أو أن يهاجم آخر مشهداً تمثيلياً يظهر فتيات بلباس “غير محتشم”، في المقابل يمارس التحرش أو مضايقة فتيات باللباس ذاته في الشارع.

شريحة واسعة من المنتقدين، يضيف العبادي، لا تمارس نقدها إلا إذا كان لا يعرضها للمسؤولية ولا يمس مصلحة ما؛ لذا قد ينتفض اعتراضاً على مسلسل مثل “جن”، لكنه لا يجد أي حرج في صمته عن اعتقال صاحب رأي أو معلم، ولا ينتقد فساد مسؤول ما.

ولا ننسى العامل الاقتصادي الضاغط على شريحة واسعة من الجمهور، التي تجد في الانتقاد وسيلة للتنفيس عن غضبها أو رغبتها في اتخاذ موقف تجاه شيء ما- أي شيء- في ظل انخفاض سقف الحريات وتكميم الأفواه بقانون الجرائم الإلكترونية وكتم وسائل الإعلام المحلية.

وتتفق الناشطة دعاء البو مع رأي العبادي. ففي منشور لها على “فايسبوك”، رأت أن وقائع المسلسل ليست مرفوضة، بل المرفوض هو إصرار البعض على العيش في قوقعة هم وحدهم عناصرها وموجوداتها، ودعت إلى الخروج مما وصفته “بوتقة المثالية” التي يصر عليها أفراد في المجتمع.

مسؤولية الرقابة

وبينما لا تتوقف مطالب برلمانيين ونشطاء بضرورة وقف بث العمل في الأردن ومحاسبة القائمين عليه، يؤكد لـ”درج” مصدر مسؤول فضّل عدم ذكر اسمه، أن أي جهّة رسمية في الأردن لا تملك صلاحية وقف عرض الأعمال على “نتفلكس” لأنها منصة عالمية.

ويلفت المصدر إلى أن هيئة الإعلام المرئي والمسموع التابعة لوزارة الإعلام هي الجهة الرقابية المسؤولة عن محتوى أي عمل فنيّ لكن بشرط عرضها على شاشة محلية. كذلك لا توجد “رقابة” مسبقة على أي عمل مرئي أو مقروء بخلاف واقع الأمر قبل عام 1989.

إقرأوا أيضاً: