fbpx

الأقيال في مواجهة الهاشمية…
وجه جديد للحرب في اليمن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

امتدادات كثيرة صنعتها الحرب العسكرية التي طال أمدها لتُفتح جبهات جديدة قد لا تنتهي بانتهاء المعارك العسكرية، ولن يدفع ثمنها سوى المواطن اليمني الذي لا ناقة له ولا جمل في هذا الصراع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أفكار ومصطلحات كثيرة طرأت على الثقافة اليمنية، أفرزتها الحرب الدائرة منذ سنوات، فيما اندثرت مصطلحات أخرى وتراجع استخدامها، وهو تغيير يعكس أحد وجوه الحرب التي لم تكن عسكرية وحسب، بل سياسية أيضاً.

“الأقيال” المسمى القديم للملوك

“القيل” مصطلح يمني قديم يشير إلى أبناء وأحفاد الملوك من الممالك اليمنية التاريخية المذكورة في القرآن، أمثال مملكة سبأ وقوم تبع ذوي الصلاحيات الأكبر. ويعني الأعظم ومن تكون له المشورة والكلمة الأولى في الحديث، وهو ابن الملك. وجمعها أقيال، أي أبناء الملوك.

يرى كثر أن دعم فكرة الأقيال في هذا التوقيت يأتي للتصدي للهاشمية السياسية “في إشارة إلى الحوثيين”، الذين ينتمون إلى الهاشميين. يقول الكاتب حفظ الله العميري لـ”درج” إن “مصطلح الأقيال ليس جديداً او طارئاً بالنسبة إلى اليمنيين فهو يعني (كبار القوم) عند الأجداد وبلغتنا القديمة، ما حصل هو انبعاث هذا التيار الآن نتيجة لتغول السلالة الهاشمية وتجريفها التاريخ والهوية اليمنية، وعودتها بالحديد والنار من جديد، مكررة ما فعلته باليمنيين من جرائم قاسية لمدة ألف عام سابقة من تاريخ الإمامة. الجرائم التي ارتكبها الهاشميون بدءاً من تغولهم داخل الجمهورية وتدميرها من الداخل، حتى بداية حروبهم ضد اليمنيين في صعدة وما تلاها من انقلاب على الدولة، كانت هي السبب الرئيس في توسع هذا التيار وانتشاره بالشكل الذي نراه اليوم”.

يضيف العميري أن “الحركة امتداد لنضالات اليمنيين ضد السلالة الهاشمية منذ دخولها اليمن عام 893، بقيادة يحيى الرسي القادم من طبرستان، هذه النضالات التي كانت أبرز نتائجها ثورة السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر العظيمة”.

ويحيى الرسي هو الإمام الهادي إلى الحقّ المبين، أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم ابن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. ولد في المدينة المطهرة عام 859، ينتمي الزيديون إلى زيد النجل الثاني للإمام الرابع علي ابن الحسين السجاد، ودخل يحيى اليمن آتياً من الحجاز في محاولة لبناء قاعدة قوية للزيدية. في هذا الوقت كان يحكم تهامة سلالة الزياديين (بين عامي 819 و1018) الذين يدينون بالولاء للخلفاء العباسيين.

“الحركة امتداد لنضالات اليمنيين ضد السلالة الهاشمية منذ دخولها اليمن عام 893، بقيادة يحيى الرسي القادم من طبرستان، هذه النضالات التي كانت أبرز نتائجها ثورة السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر العظيمة”.

الهاشمية في مواجهة الأقيال 

مع سيطرة “جماعة أنصار الله” (الحوثيين) على العاصمة صنعاء في 21 أيلول 2014 وانطلاقهم نحو بقية المحافظات، عاد مصطلح الهاشمية للظهور من جديد، وهو مصطلح يشير إلى من ينتمي إلى آل البيت من ذرية الحسن والحسين أبناء فاطمة وعلي بن أبي طالب.

ومع سيطرة الحوثيين العسكرية على مناطق الشمال اليمني باستثناء أجزاء واسعة من مأرب، عاد مصطلح الأقيال للظهور من جديد، حتى تشكيل “حركة القومية اليمنية”، واختصارها “أقيال” لمواجهة ما سمّي الهاشمية التي تسعى إلى السيطرة على اليمن وإسقاط الجمهورية التي أسقطت المملكة المتوكلية عام 1962.

وهي حركة شبابية وإعلامية شكلت مطلع عام 2017 أسستها مجموعة من الكتاب والإعلاميين والنشطاء المقيمين خارج اليمن، لا سيما في مصر وتركيا وبعض الدول الأوروبية. يقول مؤسسوها إنها لا تتبع أي جهة سياسية أو دينية، ومن أبرز الكتاب والنشطاء فيها محمد المقبلي وهمدان العليي وسام الغباري وكامل الخوداني و وضحى مرشد وغيرهم.

ويدعو الأقيال في أهدافهم إلى إعادة إحياء مفهوم الهوية اليمنية وتجريم الهاشمية السياسية والمجابهة الفكرية والثقافية للمشروع العنصري الطائفي القرشي والهاشمي الذي أخرج اليمن جبراً عن إرادة معظم أبنائه، كما تسعى الحركة إلى تأسيس الدولة القومية الوطنية لليمنيين بمضامينها الحديثة واستناداً إلى أن لليمن هويته وشخصيته التاريخية المستقلة التي ميزت مجتمعه المدني منذ خمسة آلاف عام.

الناشط في حركة “أقيال” موسى قاسم يقول إن “الحركة ليست وليدة اللحظة ولم تكن انطلاقتها مجرد رد فعل على انقلاب الميليشيات الهاشمية عام 2014، وبروز النزعة العنصرية في خطابها وممارساتها ضد اليمنيين، ذلك أن التاريخ اليمني يعج بالأحداث التي سجلت الرفض القومي اليمني للسلالة الهاشمية وممارساتها الإرهابية تجاه القبائل اليمنية وأقيالها منذ الأيام الأولى للتوغل الهاشمي في اليمن بقيادة ابراهيم بن موسى الكاظم عام 814، الذي لقبه اليمنيون بالجزار بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق اليمنيين، ثم بقيادة يحيى حسين الرسي الذي تنحدر منه معظم الأسر السلالية التي تقتل الشعب اليمني اليوم”.

ويضيف موسى لـ”درج”، “هذا الرفض القومي اليمني الذي قاده أقيال اليمن ضد الوجود الهاشمي في بلدهم جاء نتاج عدم تقبّل اليمنيين حكم الوافدين على بلدهم، وتلك سجية يمنية ضاربة في القدم، ففي السنوات الأولى للحرب اليمنية الهاشمية التي قادها آل يعفر الذين كانوا يحكمون صنعاء وما إليها، من جهة، ويحيى حسين الرسي والطبريين من جهة أخرى، خرج اليمنيون في صنعاء في تظاهرات كان شعارها (لا نريد هذا العلوي يدخل بلادنا) في إشارة إلى يحيى الرسي الهاشمي وجنوده الطبريين”.

إقرأوا أيضاً:

عنصرية في مواجهة عنصرية 

يرى الكاتب محفوظ الشامي أن ظهور هذه الحركة يزيد من انقسام اليمنيين ويغزّي الخطاب المتطرف،: “الدمار البالغ الذي أنتجته الحرب في اليمن ليس دماراً مادياً، وإن كان كذلك فإن إصلاحه ممكن، إنما البالغ حقاً هو الدمار المعنوي وهو الأخطر فقد أوغل في تمزيق نسيج المجتمع وعمل على ترويج العنصرية واستدعاء المواريث التي تفرق ولا تسود. لعل التفرقة المجتمعية ونشوء خطاب الكراهية وبروز الخلافات أتت بفعل إحياء ما يسمى بحراك الأقيال وأمجاد قوميات مضت، ليس بغرض الفخر بتجارب تستحق التأمل بل لاستعراض خيارات سخيفة عفا عنها الزمن تتحدث بمنطق الغاب عن من هو الأجدر في البقاء في الجغرافيا اليمنية وتشير بشكل مفضوح إلى إقصاء فئات مجتمعية يمينة ونفيها”.

الشامي يرى أن “وجود عنصر متطرف لا يستدعي مقاومته بالمثل، إنما بمعركة وعي تُهذب لا تهدم، لعل حركة الأقيال القومية التي تحيي خطاب الكراهية وتؤسس لهدم التلاحم اليمني هي رد فعل لبروز الهاشمية السياسية، فالظروف التي ساعدت الهاشمية السياسية لتولي الحكم لو أنها ساعدت هؤلاء لكان الواقع أسوأ بآلاف المرات. أقول هذا من خلال ما اشاهده من حقد وغل في قلوبهم ولا أتفق مع أمر الوصاية الإلهية التي يتحدث بها الهاشميون”.

ويضيف الشامي، “على افتراض أن خطاب تطرف حركة الأقيال رد فعل لخطاب الهاشمية السياسية، في المقابل على رغم حدة الأولى لكن أليس الأجدر بأن يكون النضال سلمياً وألا يشمل ذاك التحامل كل الهاشميين؟”، ويتابع: “صادمة هي نيات الأقيال وأنت تقرأها وهم يتوعدون بالويل والإبادة والتهجير بحق الهاشميين”.

ومع الأسباب التي طرحها “الأقيال” لتكوين أنفسهم والإعلان عن فكرتهم، هناك أطراف كثيرة غير الهاشميين تنتقد توجههم وخطابهم، وتعتبرهم مجرد رد فعل على الحرب. 

“الحركة ليست وليدة اللحظة ولم تكن انطلاقتها مجرد رد فعل على انقلاب الميليشيات الهاشمية عام 2014”

يرى الكاتب عصام الأحمدي أن “الخطاب المتشدد والفرز على أساس السلالة والنسب والمعاداة بناء على ذلك أمر خاطئ، فلا يمكن أن تواجه العنصرية بعنصرية والتمييز بتمييز مضاعف، فهذا يزيد الشرخ الحاصل في النسيج الاجتماعي ويقضي على أي فرص لحل سياسي وسلام دائم كما أنه يؤسس لثارات وفرز طبقي وسلالي يهدد قيم التعايش في المجتمع اليمني”. ويضيف الأحمدي لـ”درج”: “بعض خطابات الاقيال يخالف بشكل واضح وصريح مبادئ حقوق الإنسان ومقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق ذات الصلة، وهذا يفقدهم الأساس الصلب الذي يمكن أن يرتكزوا عليه في مواصلة نشاطهم وإقناع المجتمع المحلي والدولي بأهدافهم وبأنهم أصحاب حق يواجهون فكراً سلاليا عنصرياً”.

يقول الكاتب همدان العليي لـ”درج”: “حراك الأقيال نتيجة طبيعية لاستفزاز المشروع السياسي الهاشمي لليمنيين وتهجير وقتل ونهب الملايين من أحرار اليمن، بهدف فرض هوية الأسر الهاشمية- التي لا تتجاوز نسبتها في اليمن 5 في المئة- على اليمنيين تحت مسميات عدة منها الهوية القرآنية والهوية الإيمانية”. ويشير إلى أن القومية اليمنية لا تنادي بتميز أعراق بعينها بل تنادي بالحفاظ على هوية اليمنيين  الجامعة والتي تحافظ على التنوع الثقافي والمجتمعي اليمني”.

ويردف العليي: “في اليمن تجد يمنيين من أصول تركية أو هندية أو حبشية، تجد مسلمين ويهود وغير ذلك، وهذا التنوع يجب أن يقابل باحترام. لكن الحوثيين يحاولون فرض معتقداتهم العنصرية التي تميز سلالة الهاشميين وتزدري السكان الأصليين وبقية مكونات الشعب، وبناء على فكرهم المتطرف يمارسون العنصرية السياسية فيحصرون الحكم بهم، وهذا أحد أسباب تكون حراك الأقيال الفكري الرافض للعنصرية والذي يعمل من أجل الحفاظ على الهوية اليمنية المستمدة من حضارته وتاريخه العريق”.

امتدادات كثيرة صنعتها الحرب العسكرية التي طال أمدها لتُفتح جبهات جديدة قد لا تنتهي بانتهاء المعارك العسكرية، ولن يدفع ثمنها سوى المواطن اليمني الذي لا ناقة له ولا جمل في هذا الصراع.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.