fbpx

“ميليشيات السمع والطاعة”: ماذا خلف مطالبة
مثقفين برفع الحصانة عن شيخ الأزهر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يتحوّل طلاب الأزهر على المدى البعيد إلى سفراء لمصر في الخارج، إنما صاروا “ميليشيات دينية” تحمل أفكاراً متشدّدة تكفر الثقافة المصرية أحياناً ومهما درست علوماً تحتفظ بعقليتها الدينية المحافظة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لن يكون هناك إصلاح ديني طالما هناك حصانة لشيخ الأزهر، لا يجوز أن نكون في بلد ديموقراطي ينتخب رئيسه لفترات محددة، ولديه شيخ أزهر باق مدى الحياة، حتى الآن لا يكفر داعش، هو وعلماء الأزهر، على رغم أن بعضهم كفر الأقباط واستحل دماءهم”. – الكاتبة سحر الجعارة

لم تنجُ الكاتبة المصرية، سحر الجعارة، من النقد والهجوم الشرس رداً على تصريحاتها بحق الأزهر الشريف وإمامه الأكبر، فقد انتقدت سطوة الأزهر التي لا تعد دينية أو روحية .. يمتد الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فالأزهر “لاعب سياسي” ورأس شيخه برأس رئيس الجمهورية مباشرة، كلاهما يريد الآخر ويكتسب قوته من الآخر.

لم يدخل نظام سياسي مصر، سواء كان استعمارياً أو إسلامياً أو وطنياً، إلا وكان الأزهر جزءاً من معادلته في الحكم، إمّا يريد التخلص منه نهائياً والقضاء على مدّه الديني والسياسي أو يستعطفه ويدعمه ليكسب وده بحيث يصبح ذراعاً دينية ودعائية للنظام الحاكم. وفي الحالتين، تكتسب المشيخة زخماً هائلاً يمكّنها من أن تكون رقماً صعباً، سواء بالإطاحة بالنظام الذي حاول القضاء عليها، أو بالدعاية للنظام الذي زاد من رصيدها، وهو ما فطنه نظام ثورة 23 يوليو 1952، الذي كتب تاريخاً جديداً للأزهر على يمين السلطة، ليتحوّل إلى مركز للدعاية في عهد جمال عبد الناصر، الذي خطب من فوق منبره بعد هزيمة 1956 معلناً عدم استسلامه.

في عهد حسني مبارك كان مشايخُ الأزهر خاضعين إلى الدرجة، التي جعلت أحدهم- وهو الشيخ سيد طنطاوي- يعرض تأجيل رمضان أسبوعاً إذا أراد الرئيس، بحسب رواية د. مصطفى الفقي، سكرتير الرئيس الأسبق، حسني مبارك، الذي يحكي في مذكراته “سنوات الفرص الضائعة”، أنّ رمضان كان يبدأ يوم الجمعة بينما يزور مبارك الولايات المتحدة، فقال له: “أنا أقترح أن يكون رمضان أوله الخميس بدلاً من الجمعة”، سأله شيخ الأزهر: هذه رغبتك أم إرادة السيد الرئيس؟ ردّ: “رغبتي أنا”، فقال طنطاوي للفقي: “لو أراد الرئيس لأجلناه أسبوعاً”.

كان محمد نجيب، الرئيس الأول لمصر، يعرف أنّ الأزهر من كلمات سر الحاكم كي ينجح في السيطرة، فقال إنّ “من يريد أن يحكم مصر لا بد أن يكون بجواره الجيش والأزهر”، وفي أول لقاءاته مع شيخ الأزهر الجديد، محمد الخضر، قبَّل يده مرتيْن، وسأله: ماذا يريد الأزهر من الدولة؟ (في إشارة للميزانية الجديدة).

وصار هذا نهجاً وسُنة بين الحكام، فمن يريد أن يؤمِّن الجبهة الدينية يشتري ود الأزهر، ويزيد ميزانيته، ففي عام 2017، كانت ميزانية الأزهر 12 ملياراً فقط، وفي 2019، قاربت 16 مليار جنيه، ارتفعت – في موازنة 2021 – إلى 20 مليار جنيه (نحو 1.3 مليار دولار).

في كتاب “الدولة الضعيفة والنظام القوي” يحلل سامر سليمان تحولات الإنفاق على المجال الديني فى التسعينات ويربطها بسياسات حكومات مبارك في تخفيض الدعم بدون إثارة ردود أفعال عنيفة مثل التي حدثت مثلاً فى كانون الثاني/ يناير 1977، ويوضح أنّ نسبة الإنفاق على  الأجهزة الإيديولوجية للدولة- متمثلة في المؤسسات الثقافية والدينية (الأزهر والأوقاف) – ارتفعت من 6 في المئة عام 1986 إلى 8 في المئة لعام 1996 كنسبة من الإنفاق العام.

يتماثل مسار مبارك مع المسار الحالي، فميزانية الأزهر ترتفع تدريجاً بالمليارات بينما تخفض الدولة دعم المواد البترولية والكهرباء ورغيف الخبز، وترتفع جميع الأسعار على من يدفعون من ضرائبهم أموالاً لميزانية المشيخة. أمَّا ماذا يفعل الأزهر بتلك الميزانية، فهذه قصة أخرى. 

إقرأوا أيضاً:

عزل الإمام الأكبر؟

تدعو الكاتبة سحر الجعارة، إلى تعديل القوانين لتجيز عزل شيخ الأزهر، على غرار التعديلات التي أجازت عزل مسؤولي الجهات الرقابية من قبل رئيس الجمهورية، فلا يجوز أن يحكم رجل واحد مشيخة الأزهر مدى الحياة، هو الذي لم يكفر “داعش” حتى الآن، ويستند دائماً إلى نصوص ضعيفة، وتقول: “فضيلة الإمام أحمد الطيب يتحكم في 16 مليون جنيه سنوياً، ويدين له بالولاء عشرات الآلاف من طلبة جامعة الأزهر والمدارس والمعاهد الأزهرية بخلاف ملايين المريدين ممن يتبركون بالجبة والقفطان (ميليشيات تتبع منهج السمع والطاعة)… ضع فوقهم مواد دستورية تحصنه من العزل وتجعله المرجعية الوحيدة لكل التشريعات، وكتائب حبة تنكل بخصومه، ودولاً ترعى أبواقه الدعائية، كل فتاوى الدم من علماء ينتمون للأزهر، والأزهر يمتنع عن تكفير (داعش) ويكفر المجددين… تسقط وصاية التطرف الوسطي”.

يعودُ منصب شيخ الأزهر إلى عام 1522، في عهد الحكم العثماني، وأول نصّ قانوني نظم إدارة المشيخة صدر عام 1911، ونصّ على اختيار شيخ الأزهر من جانب جماعة كبار العلماء، ثم ألغيت الهيئة عام 1961، وحل محلها مجمع البحوث الإسلامية المكوّن من 50 عضواً ينتخبون شيخ الأزهر، وجاء النصّ صراحة على أن يتم اختياره من بين أعضاء المجمع ويعينه رئيس الجمهورية، وهو “المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، يتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل”.

وكانت تلك الصيغة مجاملة من عبد الناصر لشيخ الأزهر، الذي كان يشعر بغصة لكونه أقل من بابا الكنيسة، الذي ينتخب من جانب المجمع المقدّس، في إجراء لا تتدخّل فيه الدولة، ولا يمكن حسابه أو عزله، كما أنه- الشيخ عبد الرحمن تاج- حضر الخلاف بين ناصر ونجيب وانحاز إلى الأول، وأصدر فتوى بجواز عزل محمد نجيب إذا دعت الضرورة ومصلحة الأمة لذلك. وأعقب ذلك التعديل توسيع اختصاصات الأزهر ودعم أوضاعه البروتوكولية والفنية، بهدف مواجهة المد الإخواني، والقضاء على أفكار سيد قطب التي كانت تتوغّل بشدة في ذلك الوقت.

عشرات الجهاديين تخرجوا من الأزهر، أو آمنوا به واعتبروه مرشدهم الروحي والديني.

ويرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أنّه حتى عام 2011 كان الرئيس هو المعني بتعيين شيخ الأزهر، حتى اقترب محمد مرسي، صاحب الميول الإخوانية، من الحكم، فتم تعديل الأمر في الدستور عام 2014 ليصبح شيخ الأزهر مستقلاً غير قابل للعزل وينظم القانون اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، حتى لا يكون للرئيس دخل بعملية تعيين شيخ الأزهر أو اختياره. وهو ما منحه حصانة باعتباره شريكاً في الحكم، ورأساً برأس مع الرئيس، حتى إن السيسي في إحدى المناسبات، طرح مسألة الطلاق الشفوي للنقاش، وبدا أن الإمام أحمد الطيب معترض، فقال له علناً: أتعبتني يا فضيلة الإمام. 

منذ ذلك اليوم، بدا أن شيخ الأزهر يستغلّ سلطاته ليعطّل تجديد الخطاب الديني، ويوضح صادق أنّ الأزهر ينقسم إلى شقين، الشق الأول هو الديني المعني بالسياسات الخارجية ويرسل بعثات ويرعى معاهد دينية في دول أخرى ويصدر دراسات وفتاوى، والشق الثاني هو جامعة الأزهر، أكبر جامعات مصر، لاستقبالها نحو 650 ألف طالب سنوياً.

نشأت الجامعة، بشكلها العلمي القائم على تدريس علوم دنيوية إلى جانب العلوم الدينية، في عهد عبد الناصر أيضاً، فاستحدث كليات علمية كالطب والهندسة عام 1961، ويفسّر صادق رغبة عبد الناصر في دمج الديني بالدنيوي لاستخدام طلاب الأزهر في مواجهة التبشير الإسرائيلي في أفريقيا وآسيا، بحيث يؤدي طلاب الأزهر وخريجوه الدورين الديني والدنيوي معاً.

ولم يتحوّل طلاب الأزهر على المدى البعيد إلى سفراء لمصر في الخارج، إنما صاروا “ميليشيات دينية” تحمل أفكاراً متشدّدة تكفر الثقافة المصرية أحياناً ومهما درست علوماً تحتفظ بعقليتها الدينية المحافظة، ويفسّر أستاذ علم الاجتماع ذلك بأن “الطالب الأزهري الآتي من الأرياف بأفكار رجعية ومتشدّدة ومستوى دراسي ضعيف وحافل بكتب التراث التي تحمل أفكاراً تخريبية وتكفيرية وقديمة لتعزز الدراسة الأزهرية أفكاره بتفسيرات دينية تقود المجتمع للخلف، ثم يلتحق بكلية الطب، وبدلاً من أن يضع كتب الطب أمامه، يستعين بكتب عن الطب النبوي والختان، وبعضهم لا يؤمن بحق المرأة في التعليم… وحين أتكلم معهم، أشعر بأن كلامهم لا يختلف كثيراً عن خطب أبو بكر البغدادي”. 

هكذا تكوَّنت سطوة الأزهر، ما بين نفاق رسمي خشية أن تتحوّل المشيخة التي تملك ملايين التابعين إلى “مركز للتمرد” وأعداد ضخمة ومتزايدة من التابعين والمؤمنين الذين يمكن أن يشكّلوا تهديداً بتحركاتهم “المنظمة” وأفكارهم المفخخة، والكثير من العلاقات الدولية التي تكلَّلت برعاية كاملة من الإمارات.

إقرأوا أيضاً:

“جباية المشيخة”… أين تذهب 20 مليون جنيه سنوياً؟

16 مليون جنيه، أصبحت الآن 20 مليوناً سنوياً.. أين تذهب أموال الأزهر؟

يقدم الأزهر منحاً لدول أخرى على شكل معاهد دينية وبعثات ومشايخ يتم تمويلها بالكامل من ميزانيته الضخمة، وتعتبر قوته الناعمة، التي لا تخدم الدولة، إذ إن أغلب ما يدرّسونه يخالف الثقافة المصرية ويضاعف التشدُّد، فعام 2009، أنشأ الأزهر معهداً دينياً في العاصمة الأفغانية كابول، لتدريس العلوم الدينية.

وهو ما يثير شكوكاً حول ما يستفيده المصريون من تقديم أموالهم لشعوب أخرى ليتعلّموا بها في ظل ضغط اقتصادي هائل على المواطن المصري، بخاصة أن أموال الأزهر من جيوب دافعي الضرائب المصريين. فضلاً عن أن ما تدرسه المعاهد الأزهرية، التي يبلغ عددها نحو 10 آلاف في مصر، يخرج منها الآلاف سنوياً يحملون أفكاراً متطرفة وعامرة بالكراهية، والمثال الأبرز على ذلك هو عبد الله رشدي، الذي يتَّخذ من منصاته على السوشيال ميديا قواعد لإطلاق القذائف على المجددين والمتحررين والنساء، وكل من يخالف مناهج الأزهر وتعاليمه، بينما لا يقوى أحد على التعرض له لكونه شيخاً أزهرياً بارزاً اعتبرته المشيخة- يوماً ما- ممثلاً لها في إحدى مناظراتها. والحصانة التي يتمتّع بها شيخ الأزهر لا يملكها وحده، إنما يضم في عباءته شيوخاً أزهريين آخرين يبثون خطاباً متطرفاً طوال الوقت، بحيث يمكن أن يختفوا من الساحة قليلاً، ولكنهم لا يخضعون للمساءلة. 

المثال الأكثر وضوحاً وفداحة هو “رشدي”، ويليه سالم عبد الجليل، الذي قال- على الهواء مباشرةً – “عقيدة المسيحيين فاسدة”، وكفّرهم، وسخر منهم: “ينتظروا عيسى يخلّصهم بقى، وبنقولكم عقيدتكم فاسدة عشان متجيش يوم القيامة تقولوا محدش قال لنا، والنبي محمد سيتزوّج السيدة مريم في الجنة”.

هل نجح الأزهر في تطوير الفكر المصري أو تغييره أو تحريره، حتى ينجح في تغييره في دول أخرى؟ كما أن مناهج الأزهر، أصبحت مرفوضة من جانب دول كثيرة،  لاحتوائها على الكثيرِ من المخالفات والفتاوى والأفكار المتشددة، ويكشف مصدر لـ”درج” أن المشيخة حاولت فتح مراكز إسلامية وإرسال بعثات دينية في عدد من الدول الأوروبية لتصحيح صورة الإسلام في الدول الأجنبية، لكن الطلب قوبل بالرفض التام، على رغم أن هذه الدول تقبل بفتح مراكز تركية ومغربية صوفية وسعودية. وكشف المصدر، أنّ الأزهر لم يعد موجوداً سوى في 3 دول أوروبية فقط هي ألمانيا وإسبانيا وسويسرا، ومعظم مراكز الأزهر ومسجده هناك، يسيطرُ عليها مشايخ متشدّدون لا تتفق أفكارهم مع المنهج المعلن للأزهر، بينما تتركز 75 في المئة من بعثات الأزهر في دول أفريقية، والباقي في قارة آسيا. ويوضح أن “معظم تلك البعثات توقفت عن أي دور يخدم مصر، وقوتها الناعمة، أو يخدم الأزهر، واكتفت بإلقاء الخطب الدينية في أيام الجمعة وإقامة الصلوات الخمس يومياً والرد على استشارات المسلمين من دون أي أدوار أخرى”.

“الإمام الأكبر نعمة من الله”!

من المميزات التي تؤكد فكرة “الدولة” التي يحرصُ الأزهر عليها منذ سنوات، على غرار الكنيسة المصرية، أن تكون له وسائل إعلام رسمية، فأصدر صحيفة “صوت الأزهر” التي لا تربح شيئاً وتكلف ميزانيته كثيراً بسبب الصدور أسبوعياً كصحيفة ورقية ويومياً “كموقع إخباري” للتعبير عن آراء وأفكار الإمام الأكبر، وتسوّقه باعتباره ذات وجهات نظر حداثية- وأحدث خبر على صفحتها الرئيسية الآن بعنوان “الطلاب الوافدون في شهادة حق: الإمام الأكبر نعمة من الله” .

ربما لا ينطبق ذلك الموقف على الصحيفة وحدها، فهكذا يدير الأزهر معاركه الصغيرة دائماً، لا يتوانى عن الذهاب بمنتقديه والمختلفين معه إلى القضاء، فكان على وشك الإلقاء بالكاتب الصحافي المصري، أحمد الخطيب، في السجن بعد معركة قضائية كبيرة، رداً على موضوع صحافي انتقد به المشيخة، وقرر تشكيل لجنة قانونية دولية لتحريك دعوى قضائية ضد صحيفة “تشارلي إيبدو” الفرنسية التي نشرت رسوماً اعتبرت مسيئة للإسلام، رغم أنه لم يلتفت إلى دعوى قضائية أخرى تلزم “الأزهر” بتنقيح “صحيح البخاري” لما به من أحاديث مكذوبة وعنيفة وغير صحيحة، حتى رفضتها إحدى المحاكم باعتبارها شأناً داخلياً للمشيخة، وتجاهل حكماً قضائياً يلزم الإمام الأكبر بإعادة المدرسين المفصولين إلى عملهم بعدما تقدموا بـ150 دعوى قضائية ضده. نظّم المدرسون المفصولون احتجاجات وتظاهرات ليعودوا إلى أعمالهم تحت شعار “ألسنا أولى من المسلمين في أفريقيا وآسيا الذين يغرقهم الأزهر بتبرعاته”.

أصبحت مناهج الأزهر مرفوضة من جانب دول كثيرة،  لاحتوائها على الكثيرِ من المخالفات والفتاوى والأفكار المتشددة.

السم في مناهج الأزهر… اقتل “غير المسلم” أو أحسن إليه وذله فقط!

لم يخرج من الأزهر إرهابي واحد، بل كثيرون… الشيخ عمر عبدالرحمن، الزعيم الروحي لجماعات الجهاد الذي تخرج من كلية أصول الدين وكان معيداً فى جامعة الأزهر، ومحمد سالم رحال، منظر جماعات الجهاد، وأبو بكر شيكاو، خريج قسم الدراسات العليا فى كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر الذي أصبح بعد عودته إلى بلاده زعيماً لجماعة “بوكو حرام” النيجيرية، ومحمد أحمد علي المعروف بأبي أسامة الأزهري، مفتي تنظيم ولاية سيناء، وأبو ربيعة المصري زعيم تنظيم “القاعدة” في البصرة لفترة من الوقت، ونائب أبي مصعب الزرقاوى، وعبدالله عزام، رائد الجهاد الأفغاني، ومولوي قاسم حليمي، المرافق للملا عمر، إضافة إلى آخرين.

عشرات الجهاديين تخرجوا من الأزهر، أو آمنوا به واعتبروه مرشدهم الروحي والديني، والسر في المناهج.

يدرس الأزهر الطالب منذ صغره الأفكار والمنطلقات ذاتها التي خرجت في سياق اجتماعي وتاريخي وسياسي مغاير لما نحن عليه الآن، ولكن من دون توضيحها أو وضعها في سياقها أو نقدها أو تفنيدها وبيان عدم ملاءمتها لمفاهيم الدولة والمواطنة في العصر الجاري، فالمناهج الأزهرية عامرة بأحاديث من قماشة “من بدل دينه فاقتلوه”، و”أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله”. 

كارثة المناهج الأزهرية وضع شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي، يده عليها، فقام بإلغاء المناهج التاريخية واستبدل بها كتاباً ألفه وسماه “المُيسر”، وكان ذلك مزعجاً للكثير من الجهات الأزهرية والمشايخ، الذين طلبوا من شيخ الأزهر أحمد الطيب إلغاء الكتاب، وعودة المناهج القديمة مرة أخرى، فاستجاب ليعود الأزهر إلى اعتماده في تدريس الفقه لطلابه في المرحلة الثانوية- أعمارهم تتراوح بين 14 و16 سنة- على كتب تراثية عامرة بالخرافات والفتاوى المتطرفة، مثل “الروض المربع بشرح زاد المستنقع” و”الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع”، و”الاختيار لتعليل المختار” باعتبارها مصدراً للفقه والأحكام الشرعية والتأصيل الفقهي والضوابط الإسلامية، لا التأريخ لبعض الأزمنة والفترات.

وتلك الكتب تجيز أكل لحوم الإنسان إلا إذا كان نبياً، أما إذا كان المضطر لتناول الطعام كافراً فلا يجوز له أكل مسلم “حفاظاً على شرف الإسلام”، بحسب كتاب “الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع”، على رغم أن الله كرم بني آدم وسخر لهم الكون من حولهم وأحل لهم الطيبات وحرم عليهم ما دون ذلك.

لم يتحوّل طلاب الأزهر على المدى البعيد إلى سفراء لمصر في الخارج، إنما صاروا “ميليشيات دينية” تحمل أفكاراً متشدّدة تكفر الثقافة المصرية أحياناً ومهما درست علوماً تحتفظ بعقليتها الدينية المحافظة.

ويجوز للمسلم أيضاً- بحسب الكتاب سابق الذكر – “قتل المرتد وأكله وقتل امرأة وأكلها، لأنهما غير معصومين”.

وإلى جانب ذلك، هناك تحريض واضح على العنف والإرهاب، فتدعو كتب الفقه التي تدرس بالمعاهد الأزهرية لقتل المخالفين كتارك الصلاة والزاني والمرتد، ولو بغير إذن الإمام “لأن قتلهم مستحق، ثم بعد ذلك يأكل منه ما يشاء”، بحسب نصّ كتاب “الشرح الصغير” المقرر للصف الثانوي الثالث.

وفي كتاب “الاختيار لتعليل المختار”، نجد أنه “إذا ارتد المسلم يُحبس ويعرض عليه الإسلام، وإلا قتل” .

عفا النبي محمد عن كفار قريش بعد فتح مكة في مشهد يشير إلى تسامح الإسلام، فلم يجبر أحداً منهم على اعتناق الإسلام، لكن مناهج الأزهر تزايد على النبيّ، وتدعو إلى سفك دماء وسرقة أموال الآخر غير المسلم، وفي كتاب “الاختيار لتعليل المختار” فقرة تقول: “أما الأسارى فيمشون إلى دار الإسلام، فإن عجزوا قتل الإمام الرجال وترك النساء والصبيان فى أرض مضيعة حتى يموتوا جوعاً وعطشاً، لأنا لا نقتلهم للنهى”.

وفقرة أخرى تدعو إلى نهب البلاد: “إذا فتح الإمام بلدة عنوة إن شاء قسمها بين الغانمين، وإن شاء أقر أهلها عليها ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، وإن شاء قتل الأسرى، أو استرقهم، أو تركهم ذمة للمسلمين، ولا يفادون بأسرى المسلمين ولا بالمال إلا عند الحاجة، وإذا أراد الإمام العود ومعه مواش يعجز عن نقلها ذبحها وحرقها، ويحرق الأسلحة”.

ويتخصَّص كتاب “الإقناع” في تعليم المسلمين كيف يذلون أهل الأديان الأخرى، فيقول إن للمسلم “أن يفقأ عينه، أو يقطع يديه ورجليه، وكذا لو أسره، أو قطع يديه أو رجليه، وكذا لو قطع يداً ورجلاً”، ويقول الكتاب، «أعط الجزية يا عدو الله ويكون المسلم الجابي جالساً والذمي واقفاً ويأخذ بتلابيبه ويهزه هزاً ويقول: أعط الجزية يا عدو الله”، وكذلك “جواز الاستنجاء بأوراق التوراة والإنجيل”، أي استخدام كتب مقدسة “كأوراق تواليت”.

يعرفُ شيخ الأزهر كل ذلك بالتأكيد، فقد درسه ودرَّسه ويرتضي وجوده، وقد أعاده بعدما مُنع في عهود سابقة، لكن القوة التي يملكها كونه شخصية إسلامية عالمية وبارزة، يضمن له البقاء، والتوسع داخل مملكته الأزهرية من دون رقابة أو مساءلة أو تعديل من أحد. حتى السيسي، راجعه مرات عدة، فلم يتراجع، لتصبح المملكة الأزهرية أشبه بـدولة أخرى داخل مصر.

إقرأوا أيضاً: