fbpx

استخدام المجتمع الأفغاني
و”قيمه” للدفاع عن “طالبان”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“طالبان” ليست نتيجة حتمية للمجتمع الأفغاني ولو أنها خرجت من جزء منه. تاريخية الظاهرة، أمر شديدة الأهمية، ليس لتبرئة المجتمعات، إنما، لوضع سياق يفسّر الظواهر، بدل أن يبررها، ويطبع معها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ساجل عدد من الكتاب العرب في مقالات وتعليقات على مواقع التواصل، خصوصاً المتحمسين لحركة “طالبان”، في أن الأخيرة ليست حالة غريبة على المجتمع الأفغاني، بل هي أصيلة، سواء لناحية، مطابقتها طموحات عرقية الباشتون كثيرة العدد، أو لامتلاكها توجهاً إسلامياً، هو “روح الحياة” لدى الناس في أفغانستان. فغيّر هؤلاء، من وظيفة، العوامل والأسباب التي أدت إلى صعود الحركة سواء الانقسامات العرقية، أو عدم تفاعل الدين مع البنى الحديثة. وبدل أن تصبح، العوامل والأسباب، عناصر تفسير، باتت، حججاً للتبرير، وتأصيلاً للحركة التي صارت تعبيراً أوحد عن المجتمع، وليس نتاج خلل وتناقض فيه.

عرقية الباشتون، التي وجدت الحركة في تحولاتها التي انتهت بالإحيائية الدينية، بيئة خصبة لبداية التمدد، سيناريو غالباً ما يتكرر مع معظم الحركات الإسلامية المتطرفة التي تبحث عن سند مجتمعي يعاني غبناً أو تهميشاً، في ظل انعدام الدولة العادلة وانهيار المجتمع وانقسامه. تنظيم “داعش” لعب على مظلومية السنّة في العراق وسوريا ولبنان ليبني قاعدة، ويتمدد من خلالها، و”حزب الله”، لعب على مظلومية الشيعة في لبنان، ليأخذ المسار ذاته، وكذلك فعل الحوثيون في اليمن. واختلاف تجارب هذه الحركات مع بيئاتها الحاضنة، وتراكيبها، لا يغير كثيراً في النتيجة، وهي بحث الراديكاليين الإسلاميين، أو خروجهم من داخل حساسية مقموعة في مجتمع ما، للتغلب

والسيطرة، وبناء نموذج للحكم. أي أن، التناقضات التي في كل المجتمعات، تتحول أحياناً إلى بيئات للتطرف، وتتصلب وتصبح عصية على الحل.

وبذلك تُنقل وظيفة الأسباب، لتصبح تبريرات، يمكن إسقاطها على ظاهرة الاستبداد، الذي يجد، خصوصاً في المشرق، سنداً مجتمعياً له، فجزء واسع من العلويين وأجزاء من أقليات أخرى، يؤيدون النظام السوري، بمعنى آخر، إن الاستبداد مثل الحركات الإسلامية المتطرفة يخرج من ذلك الخلل المرتبط بفشل مشاريع الدول، وتحول الجماعات إلى ولادات للاستبداد والتطرف، وفي الوقت نفسه بيئات تُستغل لتصليب الاستبداد والتطرف. العلاقة شديدة التداخل بين الأمرين، وما يبدأ استثماراً في تناقض مجتمعي أو مظلومية سرعان ما يتحول إلى بيئة لصناعة سلطة. في كل الأحوال، لا يمكن تبرير الاستبداد بسبب تلازم تكوينه مع غبن تعاني منه جماعة ما، وتداخله معها.

الاستبداد هو نتيجة الخلل في مسار بناء الدولة وانعكاس ذلك على الجماعات وخوفها من بعضها بعضاً، وليس أمراً طبيعياً وأصيلاً، تماماً كما أن “طالبان”، ليست نتيجة حتمية للمجتمع الأفغاني ولو أنها خرجت من جزء منه. تاريخية الظاهرة، أمر شديدة الأهمية، ليس لتبرئة المجتمعات، إنما، لوضع سياق يفسّر الظواهر، بدل أن يبررها، ويطبع معها.

غير أن هذه العلاقة بين مظلمة ما وبين تطرف أو استبداد، تدور ضمن بنى تقليدية، فلـ”طالبان” بعد قبلي، وكذلك للاستبداد في منطقتنا أبعاد طائفية. اليمين في الغرب، يجد مثلاً في التحولات الاقتصادية، كانهيار التصنيع لمصلحة الخدمات وتأثر الأطراف لمصلحة المركز، بيئة خصبة، ليتصلب ويقوى، لكن هذه، العوامل الاقتصادية قد تتبدل، لتضعفه من جديد. أي أن صعود اليمين وهبوطه، يحصلان ضمن بنى حديثة، بينها الاقتصاد. بعكس التفاعل السلبي الذي حصل في أفغانستان، بين البنى التقليدية والحركة الرديكالية، والذي تحول، لدى بعض الكتاب العرب، إلى تبرير جديد حول تأصل “طالبان” في المجتمع الأفغاني، من بوابة الدين باعتبار الأخير من البنى التقليدية، وإغفال علاقة الحركة به، وتحويلها له، من وعي فطري مؤثر في حيوات الناس، إلى وعي أوحد، يصوغ حياتهم، انطلاقاً من فهم الحركة وتأويلها للدين، واستخدامه لبناء سلطة.

إقرأوا أيضاً:

 لكن المطابقة بين الدين والحركة، لتبرير سيطرة الأخيرة على البلاد، تجد جذرها في التسليم بدور البنى التقليدية، في صوغ وعي الأفغان، وليس الإيمان بتصديعها، لمصلحة أخرى حديثة، تمنح أهل هذا البلد المعذب فرصة التعرف إلى ذواتهم عبر الاحتكاك الطبيعي لا الأصلي، والانفتاح على العالم، وليس الانغلاق على الذات. من هنا، فإن تعريف الأفغان بدلالة بناهم، له وظيفة خادعة، وهي التركيز على علاقة الحركة بهذه البنى وابتلاعها أو بناء تسويات معها، لتصبح “طالبان” العنصر الأوحد، الذي يحدد طبيعة المجتمع الأفغاني ويختصر تنوعه، ويصير التمييز بين البنى التقليدية والحركة معدوماً، ما يفسر بروز عبارات في الكتابات الصحافية خلال الأيام الماضية، مثل “الدين روح الحياة”، في أفغانستان و”هذه قيم المجتمع الأفغاني”، وذلك في معرض الدفاع عن مشروعية “طالبان”.

هكذا، تستخدم أسباب صعود “طالبان” عبر حوامل تتعلق بتناقضات مجتمعية، والتسليم بالبنى التقليدية، وتوظيفها من قبل الحركة، لتصبح تبريرات لوجودها، وهي باتت، في عرف المبررين، تطابق المجتمع الأفغاني نفسه، وتمثل قيمه. والتطابق والتمثيل الزائفان يترتب عليهما، تخوين كل من يخشى على نفسه من انتقام الحركة، وهو ما يسهل الانتباه له مع كل تعليق، يصف العائلات التي تكافح للهروب من مطار كابول بـ”العملاء”، فهذا التصنيف لا يعود حصراً إلى عمل هؤلاء الباحثين عن خلاص، مع الأميركيين أو أي من القوات الأجنبية، بل وأيضاً، اختصار أفغانستان بـ”طالبان”، عبر ترسانة من المبررات، حيث تتحول الأسباب، إلى “حقائق”.   

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.