fbpx

حكم بالإعدام لقاتل مدير بلدية كربلاء
وسجن عناصر أمنيين أخفقوا في حمايته

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لحظة الحادث، لم يجرؤ أحد من الموجودين على التدخل أو ردع القاتل والإمساك به، لا سيما أن الحادث كان سبقه تهديد عشائري واضح وثقته بعض وسائل الاعلام بالفيديو…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شاركت في إعداد التحقيق غفران رؤوف

تودع الأم المفجوعة ثالث أبنائها، بعدما فقدت شقيقيه رافع وأمجد عام 1991، حين أُعدما أمامها، في الانتفاضة الشعبانية. وحيدة مع دموعها، تحاول السيدة زهراء أن تتغلب على حزنها بعد قتل ابنها، مدير بلدية كربلاء عبير الخفاجي. ثلاث رصاصات قتلت عبيرها. 

عبير الخفاجي

قتل الخفاجي في وضح النهار، أثناء تأديته واجبه الرسمي، بالإشراف على إزالة الأبنية العشوائية في منطقة “المعملجي” حيث كان مع اللجنة المختصة بإزالة التجاوزات وحشد غير قليل من المتجمهرين، ليخرج القاتل المدعو حسين حنوش السعدي، من خلف الأبنية التي تستحوذ على أرض البلدية المجاورة لمنزله، ويتجه بهدوء نحو الخفاجي، حاملاً سلاحه، أمام المواطنين، مصوباً الرصاص بشكل عشوائي لتفريق الحشود، لتصيب رصاصة يد سائق في البلدية، ويختم استعراضه، بثلاث طلقات في أحشاء عبير، فترديه قتيلاً. 

أربع دوريات للشرطة كانت موكلة حماية لجنة إزالة العشوائيات، ولكن الجميع اكتفوا بالفرجة فلم تحاول أي دورية منها، أو شرطي واحد، ردع القاتل أو القبض عليه. وعلى رغم نقل الخفاجي الى المستشفى ومحاولة إسعافه، إلا أنه فارق الحياة قبل وصوله، كما اكد الاطباء، فيما غادر المجرم مسرح الجريمة، وكأنه يغادر مطعماً بعدما أنهى طعامه. 

القاتل طالب شريعة! 

في فترة زمنية قصيرة، تمكنت القوات الأمنية من إلقاء القبض على القاتل في منطقة “الجمالية” الواقعة ضمن الحدود الإدارية للمحافظة وبحوزته أداة الجريمة، وهو مسدس من عيار  9 ملم. وكانت المفاجأة: القاتل موظف في ديوان مجلس المحافظة وهو أيضاً طالب دكتوراه في قسم الشريعة.

محكمة جنايات كربلاء حكمت بالإعدام شنقاً على القاتل، بعد محاكمة أجريت في 22 آب/ أغسطس 2021. وسبقها حكم من محكمة قوى الأمن الداخلي بالسجن 12 عاماً والطرد من الخدمة بحق القوة الأمنية التي كانت مكلفة بحماية مدير البلدية.

“عبير كان غالباً ما يخبرني بمحبة الآخرين له، فما الحاجة لحمل سلاح وهو الذي لا يؤذي نملة ولا يملك أعداء؟ “

الخوف من العشيرة 

أحد الشهود الذي يرفض الكشف عن هويته، خوفاً من النزاعات العشائرية والثأر، يؤكد أن لحظة الحادث، لم يجرؤ أحد من الموجودين على التدخل أو ردع القاتل والإمساك به، لا سيما أن الحادث كان سبقه تهديد عشائري واضح وثقته بعض وسائل الاعلام بالفيديو: “عند أول محاولة لإزالة التجاوزات قبل خمسة أشهر، كانت قد اشتبكت مجموعة من عشيرة تدعى “آل شبل” مع لجنة الإزالة، ثم نُظمت بتظاهرة طالبت المحافظ بإقالة عبير الخفاجي، وهدد المحتجون بقتله إذا لم يخضع المحافظ لمطالبهم”. 

وبعد انتشار الفيديو رفع الخفاجي شكوى نيابية بحقهم، لكنهم سرعان ما تراجعوا عن كلامهم وقدموا الاعتذار من مدير البلدية. 

وتوضح شقيقة الخفاجي، أشواق الربيعي، أن الموضوع حينها انتهى بتسوية ودية مع زيارة عبير المنطقة، حيث أبدى إيجابية في التعامل مع  مخالفات عمرانية على الأرض التي كان من المقرر لها يمر من خلالها مشروع طريق عام يسمى طريق “دوّار الامام الحسين”، ولذلك تابعت البلدية بإشراف المدير إزالة تلك العشوائيات وشق الطريق الجديد خدمة لأهالي المدينة. 

سيرة ذاتية للحزن 

فيما تحاول زوجة المغدور كبح دموعها المنهمرة، وهي تحدثنا عن زوجها الذي كان مدنياً، يرفض حمل السلاح أو حتى اللجوء للعشيرة لمواجهة التهديدات التي كانت تصله، تقول لـ”درج”، “عبير كان غالباً ما يخبرني بمحبة الآخرين له، فما الحاجة لحمل سلاح وهو الذي لا يؤذي نملة ولا يملك أعداء؟”، وكانت كلما ألحّت عليه من أجل إبقاء سلاح صغير بحوزته، يجيبها بهدوء وابتسامة: “انا لا اجيد استخدامه حتى وهل سأستخدمه مع أبناء مدينتي؟”. 

وتؤكد أنه رفض حتى وضع مجموعة من حرس الحمايات عند باب بيته، كما يفعل أي مسؤول آخر  في العراق، وكان يثق كثيراً بأهالي المدينة الذين كانوا غالباً ما يبدون حبّهم واعتزازهم به، لكونه متواضعاً ويهتم بهم.

يذكر، أن المهندس المغدور، من مواليد عام 1975 في منطقة باب السلالمة الواقعة وسط كربلاء، كما توضح شقيقته أشواق: “عبير كان شابّاً متواضعاً وخلوقاً وشغوفاً، كان يحلم بالالتحاق بكلية الطب العسكري وسعى جاهداً لتحقيق امنياته، معتمداً على نفسه، وعمل في مهن شتى، إضافة إلى التزامه بدراسته”. 

إقرأوا أيضاً:

 الملاحقات والتضييق 

وعلى رغم قسوة الوضع الاقتصادي للعائلة آنذاك، إلا أن عبير، تمكن من تحقيق حلمه والالتحاق بكلية الطب العسكري، لكن “السعادة لا تدوم في بلاد النهرين أو القهرين”، بحسب شقيقته: “كل هذه الأحلام تلاشت عند عبير، إذ سرعان ما رفضته الكلية بحجّة الدور السياسي ضد النظام السابق الذي لعبته والدتنا وأخوانا اللذان قتلا في الانتفاضة الشعبانية، لينتقل عبير على أثرها إلى كلية الهندسة المدنية ليتخرّج منها بآمال وأحلام جديدة. لكن مرة جديدة خذلته الحياة، فهذا الشاب الطموح والباحث عن الامل في بلد يائس، لم يتمكن من الحصول على وظيفة، وهو الذي كان مسؤولاً عن عائلة كبيرة، فانتقل لبيع الألبسة النسائية مرّة والعمل كمساعد في مكاتب هندسية أخرى”، تتابع شقيقته أشواق، “وبعد عمر من الجهد، تم قبوله في دائرة مجاري كربلاء وبسبب حرصه ومثابرته وسيرته الحسنة، استطاع نيل الترقية، شيئاً فشيئاً، وخلال سنوات حتى أصبح مديراً لدائرة المجاري ووصولاً إلى منصبه الأخير في إدارة بلدية المحافظة”. 

 .

المنصب الذي قتله 

تولى الخفاجي قبل عام ونصف العام من مقتله، منصب مدير البلدية، واستطاع تنفيذ الكثير من المشاريع التي كانت معلّقة بسبب حيتان الفساد التي تولّت عرقلة المشاريع وإيقافها قبل تسلّمه المنصب، لكنه استطاع وفي فترة زمنية قصيرة، إكمال مشاريع كان من المستحيل إنجازها في ظل وجود حكومات الفساد الإداري والمالي، من رصف الأرصفة والشوارع وتبليطها وتشجير قسم كبير منها، إلى ربط منظومات إنارة الشوارع وافتتاح طرق جديدة فضلاً عن مشاريع لإنتاج الأسمدة وفرز النفايات على غرار ما هو معمول به عالمياً.

والراحل كان، بحسب العاملين معه، مثالاً للنزاهة ودماثة الخلق، فلم يسبق لهم أن رأوا مديراً يحتفي بإنجازاتهم ويثني عليهم  كما فعل الخفاجي، الذي كان يحرص على بقاء الدائرة خالية من المشكلات، وتركّز على العمل الجاد. والراحل، كما يقول عارفوه، لم يكن يتمتع بأي مزايا مادية مستندة إلى الفساد في المشاريع والصفقات كما يفعل معظم المسؤولين الإداريين العراقيين، إذ كان يسكن في “حي الموظفين” وهو أحد الأحياء الشعبية داخل المدينة في منزل متواضع.

إقرأوا أيضاً: