fbpx

اليمن: التجويع كسلاح يفتك باليمنيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تنوعت الانتهاكات من إعاقة المساعدات إلى منع المنظمات الإنسانية، ومنع عمل مسح ميداني مستقل لمعرفة الأسر الأكثر احتياجاً في صعدة، إلى إجبار المنظمات على تسجيل الأشخاص التابعين والموالين لها، وحرمان كثيرين من الأكثر احتياجاً من المساعدات لا سيما غير الموالين للجماعة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ فترات طويلة اليمن يعاني من انعدام الأمن الغذائي. وإلى ما قبل الحرب احتل البلد عام 2011 المرتبة الحادية عشرة في مؤشر الجوع العالمي، وكان حوالى 45 في المئة من المواطنين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، 22 في المئة منهم يعانون من أزمة حادة، بحسب منظمات دولية كثيرة.

حافظت تلك المؤشرات على نموها في الأعوام التالية مع ظهور بعض علامات التحسن البسيطة جداً، إلى أن بدأ الصراع القائم منذ عام 2014، ارتفعت خلاله هذه الأرقام بشكل مهول، ما قاد اليمن ليشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فأصبح 80 في المئة من السكان بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، وأدى الصراع القائم في اليمن، إضافة إلى الهجمات المتكررة على المدنيين والسياسات الاقتصادية الموجهة من أطراف النزاع إلى تدهور الوضع بشكل كبير وملحوظ. 

صدر راهناً تقرير حقوقي تضمن تحقيقات معمقة أعدها فريق من الباحثين المختصين لدى “منظمة مواطنة لحقوق الإنسان” و”مؤسسة الامتثال لحقوق العالمية” (GRC)، استمرت لمدة عام كامل، وعمليات بحث وتوثيق طيلة 8 سنوات في جميع أنحاء اليمن، أظهر أن أطراف النزاع استخدموا التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وأعاقوا وصول المدنيين إلى الغذاء والماء.

وأشار تقرير “صناع الجوع” إلى أن أطراف النزاع قاموا بهذه الانتهاكات، على رغم معرفتهم بالوضع الإنساني المزري في اليمن، وارتكبوا- أيضاً- انتهاكات كثيرة من شأنها إعاقة وصول المدنيين إلى الغذاء والمياه، وهي من المحظورات المنصوص عليها في القانون الإنساني الدولي. 

ووثق التقرير الصادر عن المنظمتين الانتهاكات بحق المدنيين التي قام بها أطراف النزاع، وتعتبر انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، كما وثق هجمات وتصرفات حالت دون إمكانية حصول المدنيين على الغذاء والماء في محافظات حجة وصعدة والحديدة وتعز بين عامي 2015 و2021.

وأجرت “مواطنة” 101 مقابلة إضافية في جميع أنحاء اليمن لإدراجها في الدراسة، وقد ركزت بشكل رئيس على إمكانية وصول الأفراد والمجتمعات إلى الغذاء والماء والأراضي الزراعية، إضافة إلى أعيان أخرى لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة.

وناقشت هذه المقابلات احتمال أن تكون أطراف النزاع قد قامت بهذه الانتهاكات عن قصد، على رغم أنها بعيدة من مناطق الصراع والثكنات العسكرية، وقد تكررت هذه الانتهاكات في أماكن محددة.

استهداف مزارع حجة 

في صباح السبت 8 نيسان/ أبريل 2017، استهدف طيران التحالف العربي بقيادة السعودية، مزرعة علي جلحوف الواقعة في قرية بغتة في منطقة الجر التابعة إدارياً لمديرية عبس محافظة حجة، وعلى رغم أنها بعيدة من المناطق العسكرية بنحو 30 كيلومتراً، أدى القصف إلى تدمير مضخة مياه وجرح 4 مدنيين بينهم أطفال.

وتقدر مساحة المزرعة بنحو 132 ألف متر مربع، وتوفر فرص عمل لـ30 شخصاً، إضافة إلى أنها كانت مملوكة لـ15 شخصاً، ما يعني أن إجمالي عدد المستفيدين من هذه المزرعة يبلغ 250 شخصاً، بحسب “مواطنة”.

أدى هذا الاستهداف إلى فرار العمال وجميع ملاك المزرعة، واستيلاء سلطات الحوثيين عليها ولم يتمكن أي من ملاكها استعادتها حتى الآن، وبات المستفيدون يعيشون وضعاً إنسانياً صعباً، كما أن كثراً منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي ولا يستطيعون الوصول إلى الغذاء والماء.

وفي السياق، وثقت “مواطنة” نحو 90 هجمة جوية للتحالف على مزارع وماشية وأراض زراعية وأدوات ومعدات زراعية وأغذية في متاجر ومركبات منذ عام 2015، من بينها 31 هجمة استهدفت أعياناً في محافظة حجة، ومن بين الهجمات الموثقة 23 هجمة كانت على منطقة عبس، التي تعاني من شح شديد في المياه، والتي يعتمد سكانها على الزراعة من أجل توفير القوت الضروري.

وتسببت الهجمات العشوائية على المزارع والأعيان بنزوح كثيرين من أصحاب المزارع والمواطنين خوفاً من الموت الآتي من السماء، تاركين وراءهم مزارع كبيرة كانت تعتبر مصدراً وحيداً لهم للغذاء، إضافة إلى أنها كانت توفر مصدر رزق للكثير من الأسر والأشخاص.

إقرأوا أيضاً:

الانتهاكات في صعدة 

لم يتوقف الأمر عند استهداف المزارع التي يعتمد عليها السكان من أجل الغذاء، إذ وثقت “مواطنة” في هذا التقرير، ومنذ عام 2015، 25 هجمة جوية من التحالف، على مواقع آبار وبنية تحتية للمياه ووسائل نقلها، منها 17 هجمة جوية استهدفت مصادر المياه فيمح محافظة صعدة، و11 هجمة استهدفت بشكل مباشر مصادر المياه الرئيسية والآبار.

وأجرت “مواطنة” مقابلات مع شهود عيان وجمعت أدلة وصوراً فوتوغرافية وتحليلات أخرى، ويعتقد كثيرون من هؤلاء أن التحالف قام بهذه الهجمات عن قصد.

وتعتبر صعدة إحدى المحافظات اليمنية التي تعاني من ندرة في المياه، إضافة إلى كونها منطقة زراعية وتعتمد بشكل كبير على المياه من أجل تزويد المزارع بها.

وتسببت تلك الهجمات ومئات أخرى وثقتها منظمات دولية ومحلية بتفاقم الوضع الإنساني وحرمان كثر من المواطنين والمزارعين من المياه والوصول إليها، ويقول التقرير إن كثير من الهجمات الجوية التي استهدفت مصادر المياه قد تكررت من وقت إلى آخر واعتبرتها هجمات قصدية.

وفي صعدة أيضاً، وثق تقرير “صنّاع الجوع”، ممارسات وانتهاكات وعراقيل تنتهجها جماعة أنصارالله (جماعة الحوثيين) ضد منظمات العمل الإنساني عملت على إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى المواطنين.

أشار التقرير إلى أن الجماعة المسلحة قامت بعرقلة عمل المنظمات الإنسانية ومارست العنف المتكرر ضد العاملين، كما أنها قامت بتحويل مسار طريق القوافل الإغاثية ونهب المساعدات وتوزيعها للمقاتلين ولشخصيات محسوبة عليها منذ عام 2017، ما دفع “منظمة الأغذية العالمية” إلى تعليق عملها في مناطق سيطرة الجماعة في عام 2019.

واستند التقرير على معلومات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن هناك ما يقارب 90 في المئة من سكان محافظة صعدة بحاجة إلى الغذاء والمساعدات الإنسانية. وتعتبر صعدة من المناطق التي يصعب الوصول إليها وهذا يعني وجود تحدٍ حقيقي أمام المنظمات العاملة في المجال الإنساني ووصول المساعدات إليها، إضافة إلى العقبات التي يفرضها الحوثيون على المنظمات. 

ووثقت “مواطنة” 118 واقعة قام بها الحوثيون لعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى صعدة، منها 84 في مديريتي صعدة وسحار، منذ 2015 حتى مطلع عام 2021.

تنوعت الانتهاكات من إعاقة المساعدات إلى منع المنظمات الإنسانية، ومنع عمل مسح ميداني مستقل لمعرفة الأسر الأكثر احتياجاً في صعدة، إلى إجبار المنظمات على تسجيل الأشخاص التابعين والموالين لها، وحرمان كثيرين من الأكثر احتياجاً من المساعدات لا سيما غير الموالين للجماعة.

ولم تقتصر عرقلة وصول المساعدات الإنسانية على صعدة فقط، إذ مارس الحوثيون الانتهاكات ذاتها على بقية المحافظات التي يسيطرون عليها، وقد وثقت مواطنة 98 عملية انتهاك أخرى قامت بها الجماعة في مناطق أخرى بجانب ما قامت به في صعدة، من ذلك منع توزيع مساعدات نقدية في محافظات مختلفة. 

ويقول التقرير إن سلطات أنصار الله قامت بإنشاء “الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والاستجابة للكوارث”، عام 2017، وهي الجهة المخولة الإشراف على مهمات المنظمات غير الربحية بما فيها منظمات الإغاثة ومنحها التصاريح.

وتستخدم الهيئة كأداة لتعزيز مصالح الجماعة وللتدخل في عمل المنظمات الإنسانية بما في ذلك تنفيذ المشاريع والسعي للوصول إلى معلومات المنظمات وبياناتها.

وفي وقتٍ آخر من عام 2019، قامت سلطات الحوثيين باستبدال “الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والاستجابة للكوارث”، بالمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، الذي وضع الكثير من العراقيل ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وقد وثق فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الكثير من هذه العراقيل، من ضمنها منع منح التصاريح لبعض المنظمات عام 2020.

قال عاملون في المجال الإنساني لـ”مواطنة”، إن المجلس يتدخل في مناقصات المنظمات وعملية الشراء في محافظة صعدة ومناطق أخرى، كما فرض مقدمي خدمات وشركاء محليين على المنظمات، من جهات ومنظمات يملكها الحوثيون.

وتدخل المجلس- كما الهيئة السابقة- بشكل مباشر في عملية التوظيف في المنظمات في صعدة، ووثق التقرير حالة إجبار قامت خلالها الجماعة بفرض مدير لمكتب إحدى المنظمات، كما أن المجلس قام بتعليق عمل إحدى المنظمات بداية الربع الأول من عام 2021، بسبب رفض المنظمة توظيف أشخاص كان فرضهم المجلس على المنظمة. وكانت هذه المنظمة توزع أكثر من 4000 سلة غذائية لمواطنين في صعدة، بينهم نازحون وذوو دخل محدود وأطفال.

استهداف الصيد 

يشكل الصيد الحرفي مصدراً اقتصادياً مهماً لكثيرين من سكان المناطق الساحلية في اليمن. وإلى ما قبل الحرب كان الصيد يعود بالدخل على أكثر من 1.7 مليون شخص، ويعمل فيه أكثر من نصف مليون في المناطق الساحلية.

وانعكس النزاع الدائر على هذه الفئة بشكل كبير، إذ تم استهداف صيادين وأماكن ومعدات الصيد بضربات عسكرية مباشرة، ما أحدث دماراً كبيراً في مصدر دخل كثيرين أدى إلى حرمانهم منه. 

ووثقت “مواطنة” 16 هجمة جوية نفّذها التحالف استهدفت بشكل مباشر قوارب الصيد والصيادين وأسواق السمك خلال الفترة ما بين 2015 إلى 2020، من بينها 13 هجمة وقعت على محافظة الحديدة.

أدت هذه الهجمات وغيرها إلى اعطاب آليات صيد، ومقتل صيادين، كما أنها ساهمت بسوء الوضع الإنساني في محافظة الحديدة وقد تكون أحد أسباب انعدام الأمن الغذائي هناك ودخول المدنية مرحلة المجاعة.

زرع الألغام في تعز 

يستند التقرير إلى معلومات فريق الخبراء البارزين التابع لمجلس حقوق الإنسان، والذي يقول إن الأمين العام لوحده وثق 728 ضحية من الأطفال من بينها 149 قتيلاً و579 جريحاً، بين عامين 2013 و2018. وقام الحوثيون بزرع كميات كبيرة من الألغام المضادة للأفراد والمركبات، على مناطق واسعة وأماكن مختلفة.

لم تضع الجماعة خرائط لتلك المناطق لتجنيب السكان والمدنيين من أن يقعوا ضحاياها. وأعاقت هذه الألغام وصول الأهالي إلى الأعيان والمياه التي من شأنها أن تبقيهم على قيد الحياة. كما تمت زراعتها في الحقول والطرق من دون إشارات إلى وجودها ما يعني إعاقة وصول المواطنين والمزارعين للغذاء.

وثقت “مواطنة” 269 انفجاراً لألغام في اليمن منذ 2014، أسفرت عن مقتل 240 مدنياً، وإصابة 282 آخرين، من بينها 83 انفجاراً أثرت في مدنيين كانوا يحاولوا الوصول إلى الغذاء والماء والمراعي، وتوصلت “مواطنة” عبر تحقيقاتها إلى أن “جماعة أنصار الله” هي التي زرعت هذه الألغام.

ويشير التقرير إلى أن محافظة تعز من أكثر المناطق التي زُرعت فيها الألغام، مستنداً إلى معلومات من منظمة “أوكسفام” التي تشير إلى أن الألغام تسببت بمقتل 160 شخصاً وإصابة 1040 آخرين، بين عامي 2015 و2019.

تسببت الألغام بتفاقم الوضع الإنساني بسبب عدم قدرة كثيرين على الوصول إلى الغذاء، كما أنها تسببت بعدم قدرة وصول المنظمات الإنسانية والإغاثية إلى مديرية ذوباب في محافظة تعز منذ عام 2017 إلى 2019، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني هناك بشكل كبير ونزوح الكثير من الأشخاص إلى مناطق أخرى بحثاً عن الغذاء والماء.

ويعتمد كثير من سكان ذوباب على الرعي والزراعة من أجل تأمين قوتهم اليومي. وقال مواطنون لـ”منظمة مواطنة” إن جماعة الحوثيين كانت تزرع مئات الألغام على مناطق زراعية خاصة بهم ما جعلهم يتخلون عن الزراعة ودخول المناطق.

ومنذ دخول القوات المشتركة إلى منطقة ذوباب قبل نحو ثلاثة أعوام، قامت بإزالة كميات كبيرة من الألغام المزروعة على الطرق العامة، إلا أن المواطنين يؤكدون لـ”مواطنة” أن القوات المشتركة لم تنزع الألغام المزروعة على الأراضي الزراعية حتى الآن.

إقرأوا أيضاً: