fbpx

لبنان: عن ليليان التي قُتلت ثلاث مرّات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليليان ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، التي تُقتل بذريعة “الشرف” وبدمٍ بارد. رجال أسرتها الذين قتلوها بهدوءٍ ثم تجوّلوا في الشارع، هم وجه آخر لذاك الرجل الذي هشّم رأس ابنته أحلام وجلس بجوار جثتها يشرب الشاي في أحد شوارع الأردن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“الموضوع حسّاس، اعذرينا ما فينا نحكي”.  

رددّ هذا الجواب أكثر من مرة أشخاص من منطقة الهرمل في لبنان، حاولنا التواصل معهم لسؤالهم عن تفاصيل مقتل ليليان علوه على يد أفراد من عائلتها.

التعتيم على القضية يكاد يكون جريمة توازي جريمة قتلها، التي لفلفها زوجها وأخوتها بهدوءٍ بلا جنازة ولا عزاء في قريتها حتى، لأن العادات السائدة هناك تحرم الأسرة من الجنازة إذا كان سبب القتل “جريمة شرف”. 

ليليان، الأستاذة الجامعية التي كرّست حياتها لتربية أطفالها الثلاثة، قُتلت داخل سيارة بسلاح ثقيل هو “بي كي سي”، فتحوّل جسدها إلى أشلاء. ووفق الطبيب الشرعي، “أصيبت الضحية بجروحٍ يصل قطر بعضها إلى 30 سنتيمتراً، إلى درجة أن قدميها كادتا تنفصلان عن جسدها، كما قطع جزء من يدها بسبب الرصاص القريب والعنيف”، فيما لم “يُصب أحد من الذين كانوا معها بأي طلقة”، وفق نتائج التحقيقات. حصل ذلك بعدما استدرج زياد زوجته ليليان برفقة شقيقها شادي إلى منطقة غير مأهولة بذريعة ملاقاة شيخ سيتمّم أوراق الطلاق بين الزوجين، بحسب المعلومات عن القضية. 

اتفق معظم أفراد عائلة ليليان على تنفيذ حكم الإعدام بحقها، خططوا للنهاية بعناية، اصطحبوها إلى جرد مرجحين في شمال لبنان، وهناك ارتكبوا جريمتهم، التي حاولوا بداية إخفاءها للإيهام بأنها ليست وحدها المقصودة بإطلاق النار، وبأن زوجها وشقيقها نالا نصيباً منها، فنشروا الخبر على أنهم تعرّضوا لـ”كمين في السيارة”. إلا أن الحقيقة سرعان ما ظهرت، 5 من أسرة ليليان تناوبوا على قتلها، هم زوجها زياد الضناوي وشقيقه أحمد، كما شقيقاها شادي وفادي علوه، وابن شقيقها، الشاب الذي أكمل المهمة بتفريغ خزّان رصاصه في جسدها. 

تقول المحامية في منظمة “كفى” ليلى عواضة لـ”درج” إن “جرائم القتل ضد النساء تقع في مختلف المجتمعات، إلا أن وقوعها في بيئة حاضنة للعنف يجعلها مضاعفة، إذ تُصبح البيئة مُشاركة بالجريمة عبر محاولة إخفائها وتهريب المرتكب من العقاب”، مشيرةً إلى أن “المشكلة تكمن في غياب قوانين رادعة ومحاكمات جدية وسريعة للمجرم”. 

“الكل بيعرف ليليان بالضيعة، محبوبة من الكل بس معروف قديه تعذّبت بحياتها”، تقول إحدى نساء القرية لـ”درج”، مفضّلةً عدم ذكر اسمها لأن “ليليان بنت عشيرة والكل يُفضّل الابتعاد عن الموضوع فالقتل متل شربة المي عند أخوتها”. تروي الأخيرة أن ليليان ذاقت عذاباً كبيراً في حياتها، بدأ مع سجن زوجها 10 سنوات بسبب قضية تتعلّق بتجارة المخدرات، وهو ما دفعها إلى تربية أطفالها الثلاثة، أكبرهم محمد وأصغرهم لا يتجاوز السابعة، وتأمين حاجاتهم المادية. 

لم تكتفِ ليليان بذلك، إذ تابعت علمها وحصلت على ماجيستر باللغة العربية، كما علّمت في إحدى الجامعات وكانت شاعرة وكاتبة، فيما كان زوجها ينهي عقوبته في السجن. ليس هذا وحسب، “فليليان كانت شبه مشلولة في أيامها الأخيرة، أُصيبت بالتصلّب اللويحي وبدأت تفقد السيطرة على أجزاء من جسدها”، تُضيف السيدة. 

قتلوها وتجوّلوا في شوارع البلدة…

الساعات الأولى التي أعقبت شيوع خبر الجريمة كانت كافية لبثّ الذعر في الهرمل. الصور التي تمّ تداولها للسيارة التي كانت فيها ليليان والروايات المتضاربة حول الجريمة لإبعاد الشبهات من كونها جريمة عنف أسري، خلقت مخاوف بين أهل المنطقة، لكن سريعاً ما نُشرت العبارة التي تنفّس معها كثر الصعداء… إنها “جريمة شرف”. وهو ما أكّدته عواضة، التي قالت إن “كفى دعمت أشخاصاً وتكلّمت باسم مصادر مقرّبة من ليليان، عجزوا عن التصريح بأسمائهم الحقيقية”. 

هكذا وببساطة قتلت عائلة امرأة ثلاث مرّات. المرة الأولى كانت بجريمة قبيحة شارك فيها 5 ممن كان يُفترض أن يكونوا ملاذ أمان لها، الثانية عندما شوّهوا صورتها أمام أطفالها والعالم قائلين إنها “جريمة شرف”، والمرة الثالثة تمثّلت في طمس حقّ ليليان ومحاولات الأسرة التكتم على الجريمة وتفاصيلها حتى في نطاق العائلة الضيّق، حتى إن أي عزاء لم يجرَ للضحية. وفي إحدى الروايات التي نُقلت عن شقيقها في معرض سؤاله عن أسباب قتل شقيقته، قال “هيدي أختي وحرّ فيها”. في إشارة إلى أن مصدراً من البلدة أكّد لـ”درج” أن الزوج والأخوة كانوا يتنقّلون بين الأحياء بشكلٍ طبيعي من دون أي اعتبار لجريمتهم في الأيام الثلاثة الأولى، إلى أن تواروا عن الأنظار أخيراً، عدا أحمد الضناوي، وهو شقيق زوجها والقاتل الأول، الذي أوقفته قوى الأمن في ظلّ غموضٍ كامل حول مكان توقيفه أو مصيره.  

تمّت تبرئة القتلة اجتماعياً، وقد يصوّرون بعد حين كأبطال شهامة، لأنهم دافعوا عن “شرفهم”.

وفي هذا السياق، تقول الناشطة النسوية مايا العمّار لـ”درج” إنه “عادةً ما ينفّذ جرائم قتل النساء رجال من عائلة واحدة، اللافت في جريمة ليليان أن التخطيط كان مشتركاً بين رجال ممثلين للعائلتين، وهو ما يدلّ على حقد ذكوري عميق تجاه ليليان التي كافحت من أجل النجاح… أرادوا قطع أي نفس حرية تريده ليليان”.  

هكذا إذاً تمّت تبرئة القتلة اجتماعياً، وقد يصوّرون بعد حين كأبطال شهامة، لأنهم دافعوا عن “شرفهم”. لم يسأل أحد عن السلاح الذي بات منتشراً بيد كثيرين ولا عن الذكورية المقيتة في الثقافة والممارسة والقوانين، إنما رميت أسباب الجريمة على كاهل الضحية باعتبار أنها المذنبة وأنها تستحق هذا المصير.

ليليان ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، التي تُقتل بذريعة “الشرف” وبدمٍ بارد. رجال أسرتها الذين قتلوها بهدوءٍ وعن سابق إصرار ثم تجوّلوا في الشارع، هم وجه آخر لذاك الرجل الذي هشّم رأس ابنته أحلام وجلس بجوار جثتها يشرب الشاي في أحد شوارع الأردن. وهم أيضاً ذاك الذي فقأ عيني زوجته أمام أطفالها الثلاثة بمنتهى الهدوء والأريحية، والذي قتل امرأة وجاهر بذلك في فلسطين، والذي أنهى حياة زوجته وجلس يشاهد التلفزيون في لبنان… إنه سيناريو واحد ووجوه كثيرة لذكورية مقيتة واحدة، تقتل النساء ولا يحاسبها أحد.

إقرأوا أيضاً: