fbpx

السيسي مُلْزَم بالإجابة:
ما مسؤولية مصر عن مأساة أفغانستان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“إننا على استعداد بأسرع ما يمكن لكي نساعد في أفغانستان، وأن نتدخل لنصرة إخواننا المجاهدين هناك سواء طلبوا منا المساعدة أم لم يطلبوها…”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليس مهماً، كثيراً، أن يصدق المصريون كلام الرئيس عبد الفتاح السيسي، أو يتشككوا في مراميه، أو يكذبوه، فإرادته نافذة في أصغر تفاصيل حياتهم وأدقها؛ حكومته تقرر في المساء رفع أسعار الوقود، وفي الصباح يتشاحن المصريون: سائقو سيارات الأجرة يرفعون تعريفة الانتقال، تلقائياً، والركاب يدفعون وكأن الحكومة لم ترفع تعريفة النقل بعد.

وليس مهماً، على الإطلاق، أن يصدقوا أن السيسي جاد في دعوته مواطنيه، كل واحد منهم، إلى مراجعة عقيدته الدينية، والسعي إلى “الوعي الشامل”، المهم أن ينتهزوا هذه “الفلتة”، لا لكي يستوضحوا منه ما يقصده من هذا الكلام الكبير، فمقصده ليس بيت القصيد، بيت القصيد، والمهم في كلامه، أن مجرد دعوته تستوجب مطالبته بتهيئة الأجواء لهذه المهمات “الجليلة”، مهمات قال الرئيس إن على كل واحد أن ينجزها بنفسه.

دعوة السيسي جاءت ضمن مداخلة تلفزيونية أجراها في 23 آب/ أغسطس 2021، ضمن برنامج تبثّه قناة خاصة، وكان يستضيف الكاتب والسينارست عبد الرحيم كمال، وتطرق السيسي خلال المداخلة، بصورة عابرة للغاية، إلى التطورات الأخيرة في أفغانستان، مدللاً من خلالها على “الخطر” الذي يستهدف بعض الدول، “المخطط هو إسقاط الدول لا الأنظمة”.

لا وعي؛ لا جزئي، ولا شامل، من دون معلومات، معلومات موثقة من مصادرها الأصلية، وأي حديث عن وعي من غير ذلك سيكون محلاً للريبة والظن.

أنا شخصياً صدقت أن الرئيس جاد في دعوته، وتعاقب “لمحة” أفغانستان والدعوة إلى “الوعي الشامل”، هو ما أَستندُ إليه في ما سيلي.

أبسط تعريف لغوي لكلمة “الوعي”، في المعاجم والقواميس العربية تذكر لبيان معنى الكلمة الآتي: “وعى الشخص الأمر: أدركه على حقيقته”، ”وعى أهميّة المشروع- وعَوْا كُنْهَ الموضوع”، “وعى الشخص حديثاً: حَفِظهُ وقبِلَهُ وفَهِمَه وتدبَّره”.

وسأفترض أن الرئيس يدرك ما حصل في أفغانستان (خلال نصف القرن المنصرم) وأنه فهمه وتدبره، ولأنه دعا المصريين إلى أن يقوموا بأنفسهم (كل واحد منهم) بمسعى مماثل، فإن ذلك يستوجب منه، بصفته رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، أن يتيح للمصريين المعلومات الضرورية كي يعوا ما حصل، وأن يكون الأمر محصوراً في دور مصر، دولة وجماعات وهيئات وأفراداً، في ما حدث في أفغانستان.

حكاية مصر- أفغانستان كما روتها كتب وأفلام

هناك كم هائل للغاية، من الكتب والأفلام والمقالات التي تتناول الدور الرسمي المصري في أفغانستان، وهذه بعض الأمثلة: نشر الكاتب الصحافي، سعيد الشحات، مقالاً في موقع “اليوم السابع”، في مطلع نيسان/ أبريل من العام الماضي، بعنوان “1 أبريل 1980 الرئيس السادات يعلن رسمياً التدخل في أفغانستان ضد الاحتلال السوفياتى”، ويستند الشحات في مقاله، بصورة رئيسة، على ما كتبه محمد حسنين هيكل في كتابه “الزمن الأميركي، من نيويورك إلى كابول”. ويشير هيكل في تقديمه للكتاب إلى أن فصوله كتبت ما بين خريف 2001 وشتاء 2002، ويذكر، هيكل، أن السادات قال في حديثه في ذلك اليوم، “إننا على استعداد بأسرع ما يمكن لكي نساعد في أفغانستان، وأن نتدخل لنصرة إخواننا المجاهدين هناك سواء طلبوا منا المساعدة أم لم يطلبوها…(و) حين سُئل متحدث رسمي من (هيئة) الاستعلامات المصرية عن تصريح الرئيس، وهل تتضمن مساعدته مجاهدي أفغانستان، شحنات أسلحة؟ كان رده بالإيجاب، ثم أضاف: ما سوف نعطيه لإخواننا من الأسلحة هو بعض ما كان عندنا ولم نعد في حاجة إليه، وذلك أبسط واجب نؤديه نحو إخواننا فى الإسلام”.

ثم يذكر هيكل، أنه “سبقت هذا الإعلان مفاوضات وتحركات، بدأت بلقاء بين السادات وبريجنسكي مستشار الرئيس الأميركي جيمى كارتر لشؤون الأمن القومي، يوم 3 يناير 1980، نقل خلاله رسالة من كارتر تدعو  (مصر الإسلامية)، أن تقوم بدور فى جهاد إسلامي ضد الاتحاد السوفياتى الذى غزا بجيوشه بلداً إسلامياً هو أفغانستان”.

ويبرز، هيكل، حجج بريجنسكي: مصر بمكانتها الخاصة في العالم الإسلامي مؤهلة لدور في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وإنه لا يصح ترك شعارات الإسلام العظيمة يحتكرها آية الله الخميني لنفسه أو للإسلام الشيعي، وإن دخول مصر في هذا العمل الجهادي يعطي محمد السادات نفوذاً أوسع في المنطقة إزاء أطراف عربية تعارض سياسته في السلام مع إسرائيل ومنها سوريا والعراق وليبيا… وأن قيام السادات بدور في “الجهاد الإسلامي” يرد بشدة على أولئك الذين يتهمونه بـالتفريط في فلسطين، ويهيئ له قاعدة إسلامية أوسع من “الحيز المحدود” لدول الجامعة العربية. 

لكن أهم، حجج المسؤول الأميركي، إذ كانت: مصر تملك مؤهلات تُيسر لها العمل في أفغانستان، بينها أنها بلد الأزهر الذي يقبل المسلمون مرجعيته، وموطن جماعة الإخوان المسلمين، التي تفرعت منها جماعات إسلامية عاملة في باكستان وأفغانستان، والرئيس السادات كرئيس لمصر يملك سلطاناً على الأزهر، وكسياسي فهو يحتفظ بعلاقة طيبة مع بعض زعماء الإخوان، (و) برغم حساسيات أعرفها فإن ميدان “الجهاد الإسلامي” يستطيع جمع السلطة المصرية والأزهر والإخوان على عمل مشترك يواجه شرور الإلحاد من ناحية، ومن ناحية أخرى تذوب به حساسيات- مع الإسلام السياسي- مترسبة من ظروف سابقة أو تلين معه مفاصل في العلاقات بين الطرفين متصلة- في الوقت الراهن”.

وينقل الشحات من كتاب هيكل تأكيده أن “كل المصادر، ومنها مذكرات بريجنيسكى نفسه تجمع، على أنه توجه إلى السعودية، ومعه رسالة من السادات للملك وولي العهد ووزير الدفاع فى السعودية، مؤداها أنه “جاهز ومستعد للعمل، والتعاون معهم اليوم قبل الغد فى عمل جهادي ضد الإلحاد”.

ثم ينقل، الشحات، عن كتاب “العائدون من أفغانستان” لحسني أبو اليزيد، أنه بعد هذه الزيارة مباشرة، بدأت التحركات “الشعبية” في مصر، فترأس السادات اجتماعاً للمكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم، يوم 6 كانون الثاني/ يناير 1980، تقرر فيه تنظيم أسبوع للتضامن مع الشعب الأفغاني، وفي افتتاحه ألقى كمال حسن على، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، كلمة نيابة عن السادات. وانتهت فعاليات هذا الأسبوع باقتراحات أبرزها، خصم 2 في المئة من المرتب أو المعاش لجميع موظفي الدولة، على ألا يقل المعاش أو المرتب عن 50 جنيهاً، وفرض ضريبة جهاد لمصلحة أفغانستان، ودعوة الجمعيات الخيرية إلى جمع التبرعات للشعب الأفغانى، وفتح المساجد لتلقي التبرعات، وبعد ذلك تم السماح للمتطوعين بالذهاب إلى أفغانستان.

أغلب الظن أن الرئيس السيسي قرأ هذه الكلمات، سواء أعبر الشحات أو هيكل، وقد قرأها ملايين المصريين والعرب، كما قرأوا الكثير غيرها، وشاهدوا أفلاماً وثائقية للسادات وهو يستقبل “المجاهدين الأفغان”، وأفلاماً وثائقية أميركية عن الموضوع (موضوع الدور المصري في أفغانستان)، ثم هناك كتب وأفلام روائية كثيرة، يكفي منها، مثالاً، نبذة سريعة عن كتاب وفيلم.

كتاب “حرب تشارلي ويلسون”، نشره عام 2003 كاتبه جورج كرييل (1945- 2006)، الصحافي الأميركي، ومنتج البرنامج التلفزيوني الشهير “60 دقيقة”. وتم إنتاج فيلم مأخوذ عن الكتاب، ويحمل العنوان ذاته، وقد عرض للمرة الأولى في كانون الأول/ ديسمبر 2007. أما من هو تشارلي؟ فهو عضو مجلس النواب السابق، تشارلي ويلسون (1934- 2010)، المعروف بدوره في دعم المسلحين الأفغان ضد القوات السوفياتية، مستغلاً عضويته في لجنة التخصيصات واللجنة الفرعية للعمليات الخارجية التابعتين لمجلس النواب في تحويل أموال بلغت مليارات الدولارات لـلمجاهدين، معظمها بطرائق سرية، وقد اشتهر من بين ما اشتهر به بولعه بالنساء وحفلات الأنس، وأطلق عليه لقب “تشارلي اللعوب”.

وأظن، أيضاً، أن كل هذا، يعرفه الرئيس السيسي، كما يعرف ما تضمنه الكتاب والفيلم عن المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة (1930- 2008)، الذي كان قائداً عاماً ووزيراً للدفاع في مصر (1981- 1989)، فقد تطرق إليه، كرييل، في فصل كامل من الكتاب حمل عنوان “عضو الكونغرس يأخذ راقصته الشرقية إلى الجهاد”، حيث نجد أن تشارلي كانت تربطه علاقة صداقة شخصية بالمشير، وأنه ضمن زيارته القاهرة، عام 1983، لترتيب كيفية تكثيف تدفق الأسلحة المصرية، وأشياء أخرى، إلى المجاهدين، اصطحب معه الراقصة كارول شانون. وهي راقصة لُقبت بـ”ملكة تكساس في الرقص الشرقي”، أُعجب بها تشارلي، وأصبحت عشيقته. وبهذه المؤهلات حضرت لقاءً غير رسمي بين المشير وتشارلي، وخلاله قدمت مفاجأتها الخاصة للمضيف، فظهرت بملابس رقص شرقية، ثم توجهت نحوه (المشير) وهمست في أذنه: “لا تتنفس”، ثم أخرجت سيفاً وأخذت تهزه على بعد بوصات من وجهه. وتكرر اللقاء، لكن ليس في القاهرة، فقد وجه تشارلي دعوة للمشير ليمضي معه عطلة نهاية الأسبوع في منتجعٍ تحيط به غابات الصنوبر شرق تكساس، وكانت كارول حاضرة، وكان الهمس هذه المرة من نصيب تشارلي: “هنا لا يسترق أحد السمع، ولا تُلتقط الصور”. ولكن ذلك لم يكن صحيحاً، إذ نُشرت، ضمن الكتاب، صورة للمشير والابتسامة تملأ وجهه، وهو يتابع كارول ترقص له في المنتجع.

إقرأوا أيضاً:

الرئيس يعرف كل هذا… وأكثر

قلت: أظن أن الرئيس السيسي يعرف كل هذا، أي يعرف أن هذا كُتب ونُشر وبُث، كما أظن أنه يعرف أن عشرات الملايين من المصريين قرأوا هذا وشاهدوه، وأكثر منه، ولتبديد ظني أدعو الرئيس في حال أنه لم يعرف كل هذا أن يسعى لذلك، وعندها سأكون متأكداً أنه بات يعرف، بات يعرف أن كل هذا متداول منذ عقدين من الزمن على الأقل، وبهذا تحل قضيتي الرئيسة: هذا كله في دائرة “الظن”، وأنا أريد وعياً حقيقياً بالموضوع: ما هو الدور المصري في أفغانستان؟

 صدقت دعوة الرئيس، ولذلك فهو ملزم تجاهي، شخصياً، بنشر الوثائق الرسمية المتاحة لدى مختلف الأجهزة الرسمية المصرية عن الموضوع، الوثائق كافة: محاضر الاجتماعات، القرارات، التقارير، من مختلف أجهزة الدولة، وبخاصة تلك التي تجيب على هذا السؤال: ما دور جماعة الإخوان المسلمين في الأمر؟ هل حضر أحد من قيادييها اجتماعات رسمية اتخذت فيها قرارات؟ وما هو دورهم، وكيفية التنسيق بينهم وبين أجهزة الدولة، وما تأثير ذلك في الانتخابات البرلمانية (1984- 1987)؟

من دون إتاحة الوثائق الرسمية لن يكون هناك وعي، ستكون هناك ظنون وشكوك، وصور مخجلة، صور تحط من مكانة الدولة ومواطنيها، هناك من كتب أن المشير أبو غزالة، القائد العام للقوات المسلحة المصرية أخذ عمولة عن كل حمار تم تصديره إلى أفغانستان، شخصياً أعلق تصديقي هذا على موقف الرئيس، فإن تماشى مع دعوته، وكشف الوثائق، سأكون على ثقة بأن مسيرة “الوعي الشامل” ستكون ظافرة، لأنني، بعدها مباشرة، سأطالبه بإتاحة الوثائق عن اللحظات الحاسمة في تاريخ المصريين منذ 1952، وبخاصة وثائق حروب: 1948، 1956، حرب اليمن، 1967، 1973.

لا وعي؛ لا جزئي، ولا شامل، من دون معلومات، معلومات موثقة من مصادرها الأصلية، وأي حديث عن وعي من غير ذلك سيكون محلاً للريبة والظن.

قد يستغرق التفكير في هذا بعض الوقت والدراسة، وهذا مقدر بلا شك، ولكن حتى تتحرك مسيرة الوعي الشامل خطوات ملموسة، وإن كانت بسيطة، فليصدر الرئيس قراراً، هو بمثابة حق قرره الدستور: تتاح لكل المصريين إمكانية الاطلاع على الوثائق الموجودة في الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، وأرشيف رئاسة الجمهورية في قصر عابدين، فلا يمكن أن يكون هناك وعي وكل مصري ممنوع من الاطلاع على المعلومات من مصادرها المباشرة.

هذا ما هداني إليه وعيي الشخصي، وشجعتني دعوة الرئيس على إعلانه، وأنا في انتظار الوثائق التي تجيب على هذا السؤال: ما هو دور مصر (دولة وجيشاً وأزهر وإخواناً) في مأساة أفغانستان؟، أو على الأقل: كم كان ثمن الحمار الواحد، وكم كانت عمولته، ومن أخذها؟ ولا يهمني موضوع كارول وتشارلي، كثيراً.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.