fbpx

قمة بغداد: تعريب العراق في خطاب الكاظمي!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في ما يتعلق بأطروحة أن يكون خطاب تعريب العراق للتضامن مع ثورة شباب تشرين في الجنوب والوسط – فلا أعتقد أن ذلك منطقي. فشعار ثورة تشرين هو “نريد وطناً” بعدما شعر الناس بأنهم يعيشون في جغرافية مسلوبة الهوية يتحكم فيها الغرباء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما نمسك بين أيدينا الدستور العراقي لنتصفحه، فأول ما نراه، هو المادة الأولى التي تتضمن تعريف الدولة العراقية “اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملةـ  نظام الحكم بها جمهوري برلماني ديمقراطي”.

إذاً، العراق ليس دولة عربية او إسلامية أو شيعية أو سنية، مثل جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية أو الإمارة الإسلامية في افغانستان. كما أضاف الدستور في المادة الثالثة، شرحاً أكثر وضوحاً ودقة، العراق “بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب”.

بالتالي استناداً إلى الشرعية الدستورية، على قادة البلد من سياسيين ومسؤولين أن يعرفوا العراق أرضاً وشعباً بما أوصى به الدستور حصراً، بخاصة في المؤتمرات والاجتماعات الدولية والمحلية، لأن الدستور هو العقد الاجتماعي بين العراقيين، الضامن للوحدة وللتعايش المشترك، فيما يمر العراق في أوج التحديات لتقسيمه إلى دويلات صغيرة تضم مجتمعات متشابهة طائفية وعرقية.

إلا أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لم يلتزم في مؤتمر “قمة بغداد للتعاون والشراكة” في تقديم العراق كما هو مكتوب في الدستور. إذ تجاوز ذلك مورداً في كلمته الترحيبية بالضيوف المشاركين أن “العراق أرض العروبة”، معطياً صورة إعلامية مضادة للدستور وللإرادة المجتمعية عن العراق تاريخياً، كأرض الحضارات – سومر – بابل – واكد -اشور واختزل ارض العراق على طريقة ساطع الحصري منظّر القومية العربية، الذي روج الى أن العروبة أيضاً سنية المذهب!

خطاب تعريب العراق لا يستفيد منه أحد، إلا الأحزاب الكردية الساعية إلى انفصال الإقليم عن العراق.

أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة عن الغاية من تعريب العراق في “قمة بغداد للتعاون والشراكة”.

1/ هل كان الكاظمي يفكر في كسب رضا الغالبية العراقية من العرب بهذا الخطاب؟

2/ هل يعتقد أن الجماعات السياسية والفصائل المسلحة الشيعية الموالية لطهران بخاصة تلك المتحاملة عليه شخصياً وعلى إقليم كردستان، يمكن أن يدغدغ مشاعرها بالخطاب العروبي وينجح في محو الانطباع السابق عنه، كصديق ومؤيد مطيع لخيارات السياسيين الكرد.

3/ هل كان يعتقد أن تعريب العراق بكلمته يتناسب مع خطاب مرجعية النجف التي تتوسل الرب في كل صلاة جمعة بألا يدخل العراق في الحرب الأهلية ويكون له سيادة وامان.

4/ هل كان يريد إظهار حماسته العروبية حتى يرضي شباب احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر المناهضين للوجود الإيراني؟ 

5/ هل كان يريد إرضاء رؤساء دول عربية مثل مصر والأردن والسعودية والإمارات، التي تتنافس مع إيران في صوغ الهوية العراقية بعد الغزو الأميركي؟

حقيقة لم نفهم إلى الآن ما الغاية السياسية أو الشخصية من “تعريب العراق”. وأقصد بالتعريب هنا الأرض العراقية لأن التاريخ يقول إن العراق هو بلاد الرافدين أو بلاد ما بين النهرين بالآرامية: ܒܝܬ ܢܗܪܝܢ بين نهرين، وتعني “بلد النهرين”، بالإغريقية: Μεσοποταμία ميسوپوتاميا، بمعنى ما بين النهرين.

وليس العراق أرض العروبة! 

حتى إن العراقيين القدماء كانوا يتحدثون لغة غير العربية، هي الآرامية ثم تطورت إلى السريانية والعبرية وصولاً إلى العربية!  وفق الرواية الإسلامية، فإن سفينة النبي نوح رست في الكوفة، قرب بابل من هناك قام أول مجتمع بشري بعد الطوفان ثم انتشر البشر إلى بقية البلدان. 

وبهذا الاستدلال فإن العراق هو منشأ جميع السلالات البشرية الموجودة حالياً على سطح الأرض.

 بالتالي من غير المنصف وصمه حصراً بمرحلة الخلافة الإسلامية العباسية العربية، وهارون الرشيد، وابي جعفر المنصور، وبيت الحكمة، والمدرسة المستنصرية. العراق أكبر من هذا الاختزال…

 أصغر مدينة عراقية من حيث عدد السكان هي  المثنى “السماوة”، التي ظهرت في بداية العصر البرونزي قبل نحو 4000 سنة قبل الميلاد وفي مدينة كانت تسمى بالوركاء “اوروك”، اخترعت الكتابة، ومن هذه المدينة ظهر الحرف الأول في العالم، وذلك في حدود عام 3100 ق.م ويقال إن أوروك كان طول محيطها نحو 6 كلم وبذلك كانت أكبر مدينة في العالم في تلك الفترة وظهرت فيها أيضاً ملحمة غلغامش. 

إقرأوا أيضاً:

في كل الأحوال، لا أعتقد أن الغالبية العربية بخاصة الشيعية يتعاطفون أو ينسجمون مع خطاب “العراق- أرض العروبة”، لأنهم الأكثر تضرراً من سياسة التعريب في منطقة الشرق الأوسط في الماضي والحاضر، بخاصة أنهم عاشوا ظلماً بعد انتهاء الحكم العثماني. فعرب آسيا وأفريقيا، لا يزالون يشككون بعروبة المحافظات الجنوبية والوسطى في العراق بسبب انتمائها المذهبي الجعفري الذي تعتنقه إيران أيضاً.

أما الكوادر السياسية والمسلحة الموالية لإيران فلديها عقيدة واستراتيجية استنساخ التجربة الإسلامية الإيرانية في العراق، وتجربة الامارة الإسلامية في أفغانستان، ليس إلا.

يُقال إن الكاظمي مجبر على إضافة هذه الجملة في كلمته الترحيبية إرضاءً لمصر والإمارات وقطر والسعودية، لضمان مشاركة رؤسائهم في المؤتمر. وإذا كان الهدف من تعريب ارض العراق هو المصلحة العليا، طيب ما هي الفائدة من إرضاء رؤساء دول عربية في مؤتمر لم يستغرق اجتماعه ساعتين، وانتهى بدون نتائج ومعطيات ملموسة حتى يستحق التجاوز على الدستور واستفزاز مشاعر العراقيين في الداخل من قوميات كرد وتركمان؟

أما بخصوص مرجعية النجف، فهي لا تريد أن يكون العراق دولة عربية أو إسلامية لأنها تعتقد أن مشكلة العراق تكمن في العقلية المتحكمة في بغداد، التي تتسابق بين خطين، تعريب العراق سنياً وأسلمة العراق شيعياً. وطالبت بشكل ملح حتى بح صوتها، بأن يختار العراقيون هوية للدولة تكون “مدنية وطنية جامعة لكل المكونات والأعراق والأجناس” كما جاء في الدستور، للمحافظة على أمن العراقيين بقومياتهم ودياناتهم وطوائفهم كافة، لتفادي الحروب والصراعات. 

في ما يتعلق بأطروحة أن يكون خطاب تعريب العراق للتضامن مع ثورة شباب تشرين في الجنوب والوسط – فلا أعتقد أن ذلك منطقي. فشعار ثورة تشرين هو “نريد وطناً” بعدما شعر الناس بأنهم يعيشون في جغرافية مسلوبة الهوية يتحكم فيها الغرباء، بالتالي هي “ثورة للانتقام” من الأحزاب القومية والإسلامية. ثورة ينبش شبابها عراة عن أحزاب وطنية قادرة على احتواء العراق “بأمة واحدة “، لذا فمن الغباء، أن ينسى الكاظمي ومستشاروه أن شباب تشرين قد انتزعوا ثوب العروبة وارتدوا ثوب العراق والأمة الواحدة. 

الكوادر السياسية والمسلحة الموالية لإيران فلديها عقيدة واستراتيجية استنساخ التجربة الإسلامية الإيرانية في العراق، وتجربة الامارة الإسلامية في أفغانستان، ليس إلا.

 وطالما أننا لم نجد أجوبة من الحكومة ومستشاريها، فيمكن أن نطرح  تفسيرات لهذا الخطاب، منها:

1/ خطاب تعريب العراق لا يستفيد منه أحد، إلا الأحزاب الكردية الساعية إلى انفصال الإقليم عن العراق. ولا يتضرر منه سوى الكرد الوطنيين الطامحين إلى الاندماج مع الامة العراقية الجديدة مع العراق العربي والعراق الكردي والعراق الشيعي والعراق السني، وإلى آخره من المكونات والطوائف.

2/ الانطباع الوارد عن الخطابات المضادة، فهي تضمن تخادم مصالح شخصية مشتركة، على رغم الخصام الدعائي، لكن الأهم، أن الطرفين يستفيدان بالتعبئة والتحشيد الاجتماعي انتخابياً وغير وذلك. واستناداً إلى هذا التفسير يمكن أن يكون وارداً جداً أن هناك اتفاقاً خفياً بين جماعات كردية والكاظمي لإعادة الحراك المناهض للوحدة مع بغداد، والمطالبة مجدداً في الانفصال لأهداف انتخابية كما تستفيد بذلك الجماعات العربية سوى السنية والشيعية المتشددة للاستفادة من الشحن القومي ضد الكرد، والطائفي في ما بينها، في ظل أجواء تشجع على فيدرالية الانبار كمنطقة عربية سنية!

3/ التفسير الآخر، أن رئيس الوزراء ربما كان يحاول أن يرد على طهران بعدما تجاوزت القيم الديبلوماسية برفع علم إقليم كردستان حصراً، اثناء استقبالها رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني في مطار الإمام الخميني، الذي أثار حفيظة العراقيين الذين علت أصواتهم دولياً في الشكوى من الاستفزاز والتدخلات الإيرانية. وإذا كان هذا هو الهدف، فهذه كارثة كبرى، لأن طهران هنا نجحت في إثبات حرصها على الدفاع عن كرد العراق ورسخت قناعة لدى اربيل بأن الإيرانيين هم الجهة الوحيدة المدافعة عن كردستان من بغداد، ما يشجع  الكرد على الإيمان بالمقولة الإيرانية، “إقامة دولة قوية في العراق يعني إبادة الكرد ويعني الحرب مع طهران”. لهذا الإيرانيون دائماً يرددون على المسؤولين الأكراد هذه الجملة في أكثر من مناسبة.

بعيداً من الاحتمالات أعلاه، يبقى السؤال الأهم، هو كيف تريد من الكردي في إقليم كردستان ومن التركماني في كركوك ومن الايزيدي في سنجار، أن يندمجوا مع العراق الاتحادي الفيدرالي أو مع مشروع “الأمة العراقية” في ظل خطاب تعريب العراق أرضاً وشعباً؟!

إقرأوا أيضاً: