fbpx

“خادم السلطة” الذي عشقه المصريون
رغم خطاياه… هل عادل إمام في خطر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يؤثر فنان في المصريين قدر تأثير عادل إمام، حتى بات السؤال الذي يطارده بلا انقطاع، هل كان بوقاً للسلطة أم فناناً مستقلاً؟ هل كان أداة في يد نظام مبارك، أم أن عادل كان يبحث عن نجاحه فقط؟ هل كان قريباً من الحكومة أم يصنع أفلاماً تفضح النظام؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انقبضت قلوب المصريين إثر شائعة إصابة الفنان المصري عادل إمام بفايروس “كورونا” وعزله في فيلته في الساحل، وعلى رغم تكذيب الشائعة لكنها كانت كافية لاختبار مكانة الزعيم لدى جمهور يواجه بحزنٍ طاغ شائعات وفاته أو إصابته بـ”كورونا”، وتسود حالة غضب عامة، وكأن المصريين لا يقبلون أن يموتَ عادل إمام. يجب أن يظل خالداً، فهو واحد منا، ويشبهنا أكثر من أنفسنا، بكل عيوبنا وخطايانا.

لم يترك عادل إمام شخصاً مصرياً من دون أن يتقمَّصه أو يعيد تقديمه في أحدِ أعماله، كان الفلاح الساذج والفلاح الخبيث والمتسوّل والحالم والمحامي الفهلوي ورجل الأعمال الفاسد، والمسؤول “المديوكر”، والشاب المحطّم، والفنان، والعالم، والنصَّاب، والزوج الخائن، والزوج الوفي، والطالب البليد، والفنان العظيم، والسجين العاشق، والهلفوت، وصبي السياسي، والسياسي الانتهازي، والضاحك، والحزين، والمنسي، ورجل الشرطة المنحاز للناس، والإرهابي، والإرهابي التائب، والغول، والقس المسيحي، وخط الصعيد، والصعيدي، والفلاح الغشيم، والفلاح الذي يفقد عذوبته في روما.

وجوه لا تنتهي لعادل إمام، وخلف كل وجه مصري يبحث عن ذاته ويطارد أحلامه ويعبر عن نفسه وظروفه وغضبه بطريقته الخاصة، مهما اختلفت الأحلام والأساليب والظروف. 

يختلف كثيرون حول آرائهم في أعماله ومواقفه السياسية والمحتوى الذي يقدمه، لكن لا أحد يجرؤ على إنكار أهمية عادل إمام في مصر والعالم العربي، فهو الوحيد الذي استمر على القمة لأكثر من نصف قرن متصلة، ولم يكتفِ بخط درامي أو نوعية أعمال واحدة، غادر مساحة “الكوميديان” إلى الدراما والتراجيديا والأفلام الواقعية والخيالية والتاريخية حتى أصبح حضوره ساحراً، مهما كان ما يقدمه، ومن هنا بدأ رحلة التأثير والتأثُّر.

الزعيم الذي يشبهُنا 

في الأساس كان التأثير في الناس هو هدف عادل إمام، فمكّنه الوصول إليهم من توجيه رسائل وتغيير أفكار ونشر الكثير من الأكاذيب والمساوئ التي صارت بسببه عادات تجتاح المجتمع حتى الآن كالتنمر والتحرش وتسليع المرأة. سُئل عام 1983 عن الزواج، فقال: كويس، وعن العزوبية، فرد: كويس برده، وبماذا تنصح الأعزب والمتزوج؟ يجيب: أقول للأعزب تزوج وللمتزوّج طلّق.. كيف؟.. يقول: “علشان لما المتزوج يطلق يصبح عازب فأقول له اتجوز، ولما يتزوج أقول له طلق، ولما يطلق يبقى عازب فأقول له تزوج وهكذا أفضل وراه لحد ما أجننه!”.

وكان يشبه المصريين العاديين في معظم مشاهد حياته، يقول: “أنا أحب أسلي الناس. أموت وأسلي الناس… لم يكن لي مصروف فأسرتي كانت فوق مستوى الفقر بشوية ولم يكن لدينا مدخرات والعكس صحيح، فقد كان احتياطنا صفراً، وكان إيجار شقتنا فى حي الخليفة 120 قرشاً، وعندما وجدنا شقة بشارع الحلمية واجهتنا مشكلة إيجارها الشهري وهو ثمانية جنيهات، ولم يكن أمامنا غير تدبير المبلغ بعد قرار هدم بيت الخليفة. كنت أتمنى امتلاك أشياء كثيرة ولا أستطيع، وجاء أحد زملاء الفصل ببسكلتة لامعة للمدرسة، وبقيت طوال الحصص أسأل نفسي: لماذا يستطيع هذا الولد شراء بسكلتة وأنا لاء. وفى نهاية اليوم وجدتني أركب تلك البسكلتة وأعود بها إلى بيتنا ويقع اللي يقع… لم يكن مسموحاً حتى سن الشباب أن أحمل مفتاحاً خاصاً لمنزلنا، فالمفتاح الوحيد في جيب أبي وعودتي يجب ألا تتجاوز الثامنة. زواج ممثل كوميدي من حي الحلمية الشعبي من ابنة عائلة ارستقراطية من غاردن سيتي، قلت لها يا بنتي أنا مش بتاع جواز وتزوجنا، قلت لها أولاد مافيش وجاء رامي بعد ثلاث سنوات وسارة بعده بسنتين، وبعدها بسبع سنوات محمد”. 

هذا التشابه الشديد سهّل عليه مهمته، فكان يسرق من المصريين انفعالاتهم وقضاياهم، ليصنعَ منها أفلاماً تسخر من الوضع القائم، وتسخر من المصريين أنفسهم ليضحكوا من خيباتهم، وهزائمهم، ويتصالحوا مع الفساد الذي يحيط بهم من كل جانب.

لم يؤثر فنان في المصريين قدر تأثير عادل إمام، حتى بات السؤال الذي يطارده بلا انقطاع، هل كان بوقاً للسلطة أم فناناً مستقلاً؟ هل كان أداة في يد نظام مبارك، أم أن عادل كان يبحث عن نجاحه فقط؟ هل كان قريباً من الحكومة أم يصنع أفلاماً تفضح النظام؟

الاقتراب من عادل إمام يضاعف مساحات الحيرة، فلم يكن على اليمين طوال الوقت، ولم يكن على اليسار دائماً، كان يشبه المصريين إلى حدٍ كبير، يخافون من السلطة ويتَّقون شرها ويتقرَّبون منها، ثم يداعبونها ويلعنونها في الغرف المغلقة.

وهذا التشابه خلق ارتباطاً أبدياً بين المصريين وعادل إمام، لقد صنع الكثير من بهجتهم وقدرتهم على التعايش مع الظروف الصعبة وتحول من مجرَّد ممثل عابر إلى مؤرخ لحياتهم. وبطبيعة المصريين، يمثل الضحك لهم الكثير، ومن هذا الباب الواسع أصبح عادل إمام “زائراً يومياً”. وبقدرته الجبارة على الإضحاك، واجه الإرهاب كما دعم الخيال الجنسي الشعبوي والذكورة الطاغية، وفضح الأنظمة السياسية كما شجّع التنمر.

كان لكل شيء في أفلام عادل إمام وجهان، الوجه المتمرّد والوجه القبيح… وتحوّلت تلك إلى خلطة سحرية تسيَّدت معظم أعماله الفنية، فانقلب عليها المصريون خلال السنوات الأخيرة، وهجروها، لكنهم احتفظوا بمحبة باقية للنسخة القديمة منه، وعلى رغم أنه عاش عمراً طويلاً وتجاوز الثمانين، فإنهم لا يتقبّلون سماع خبر وفاته.

إقرأوا أيضاً:

هل كان عادل إمام لسان السلطة؟

عمل ايه مبارك عشان يتشتم؟” ظل عادل إمام لسنوات معارضاً كرتونياً يقدم في أفلامه وجوهاً فاسدة من الدولة العميقة، وتحار الأقلام في وصفه، هل هو معارض أم مؤيد؟ حتى قال هذا التصريح الذي أعقب سقوط مبارك. 

لم يكن يرى أن الرئيس المخلوع فعل شيئاً ليثور عليه المصريون، وربما صدَّق أنه “الزعيم” وتوحَّد مع الوصف واعتبرها ثورة ضده، فلم يكن مبارك شخصاً إنما عصراً انتهى بسقوطه، فخفت عادل منذ ذلك اليوم، لم تعد أفلامه مهمة، ولم يعد سوى فنان قدير يعرف المشاهدون أنه مهم وعظيم وينتظرون إطلالته دائماً، لكنهم لا يشاهدون مسلسله أو فيلمه حتى النهاية. حتى مسرحية “بودي جارد” التي عرضت على منصة “شاهد” بعد اختفاء قارب العشرين عاماً لم تحصد اهتماماً أو إعجاباً كالمتوقع. نعم عادل إمام اسم كبير، لكنه ذكرى تزور المصريين دائماً، ولا يستسلمون لها. 

ومن الأفلام التي لا تُنسى “اللعب مع الكبار“، الذي يكشف فساد المسؤوليين، و”الإرهاب والكباب” الذي يقترب من البيروقراطية ودورها في صناعة الإرهاب، ويقدم بطلاً متمرداً يمكن أن يقود بمفرده ثورة، و”النوم في العسل” الذي يركّز على انعدام الشفافية، و”مرجان أحمد مرجان” الذي يدور حول الفساد المتبادل بين رجال الأعمال والدولة، و”طيور الظلام“، الذي يروي سيرة تعاون الدولة مع الإسلاميين وصراعها معهم على السلطة، و”عمارة يعقوبيان” الذي جسَّد فساد أهم رجل في نظام مبارك وطريقة توزيع كراسي مجلس الشعب، و”بوبوس” الذي قدم طفلاً هو نجل مسؤول كبير يحصل على نسبة من جميع الصفقات وقيل- في ذلك الوقت- إنه يقصد جمال مبارك.

يمكن أن تصفَ تلك الأفلام بالثورية، والحقيقة التي ظهرت في ما بعد أنها لم تتجاوز كونها تنفيساً عن الغضب، نافذة صغيرة يصرخ من خلالها الناس ويرون من يصرخ باسمهم، كتلك الصرخة التي قدمها عادل في فيلم “النوم في العسل” وكانت في ميدان التحرير أيضاً، لأن تلك الصرخات إن لم تحدث بانتظام ستنفجر الأمور.

ولم يكن هناك فنان محبوب ويملك الشعبية التي يتمتَّع بها عادل إمام حتى يكون متنفساً رسمياً، وإلى جانب التعبير عن غضب الناس، كان يطيح بآخرين، ليضرب عصفورين بحجر واحد: “التنفيس” الذي كان يتَّبعه النظام المصري مع بداية الألفية كأسلوب للسيطرة مع تزايد الخصوم واللاعبين السياسيين كالإخوان المسلمين وأيمن نور وحصولهم على دعمٍ دولي، وتشويه خصم سياسي وإظهار مصر “الديموقراطية” التي تسمح بالأفلام المعارضة.

في فيلم “السفارة في العمارة”، انحاز للقضية الفلسطينية وهاجم الطغيان الصهيوني وقتل الأطفال، وفي “مرجان أحمد مرجان” انتقد الإخوان ودلل على تناقضهم. وفي “عمارة يعقوبيان” استهدف الإسلاميين، وفي “الإرهاب والكباب” أبرز الدور الإخواني في تعطيل مصالح المواطنين داخل المؤسسات الحكومية، وأظهر عنف السلفيين وتشدّدهم في “حسن ومرقص”. 

وتماشياً مع ذلك الخط، سهلت الدولة حصول الصحف المعارضة والحزبية على تراخيص، وظهرت قنوات تلفزيونية خاصة مثل “دريم” و”المحور”، وانطلق محللون كمحمد حسنين هيكل للحديث على “دريم” ثم فضائية “الجزيرة”، وافتُتحت مكاتب للقنوات الأجنبية في القاهرة، وعاد إبراهيم عيسى إلى صحيفة “الدستور” بعد غلقها، وجميع القضايا التي طاولت صحافيين متهمين بـ”سب الرئيس” حُفظت، وكان عادل إمام يكمِّل تلك الصورة من جانب الفن.

اقترب من رجال دولة مبارك، صار صديقاً لهم، وبفضل ذلك، نجح في إنقاذ نجله رامي من السجن حين صدم فتاة بسيارته فماتت، وبقى مديناً للنظام بالجميل، لكنه لم ينجح في إنقاذ صديقه سعيد صالح الذي ألقي في السجن متهماً بتعاطي المخدرات وذلك لسخريته المبطنة من مبارك في إحدى المسرحيات، فكان دائماً شعور عادل إمام بالسلطة ناقصاً ورغبته في الحماية مستمراً، فلم يخلُ أحد أفلامه، مهما كان ينتقد الدولة، من هدمٍ لفكرة أخرى تنمو داخل المجتمع المصري، في إطار “خلخلة الأمور” لمنع الجماعات والتنظيمات من التقدم. فلم يقدم فنان مصري الوجوه الحقيقية والقاسية للشخصيات المتشدِّدة والمنتمية لجماعات إسلامية كما فعل عادل إمام، ليستحوذَ حتى الآن على كراهيتهم، ونتيجة لذلك لم ينجُ من التيار الديني في أوج سطوته، حين طارده في المحاكم باتهامات “ازدراء الأديان”، القضية التي ظلت منظورة طويلاً وتهدد الزعيم بالسجن، حتى حصل على البراءة عام 2012. 

الإرهابي… الذي صنع الزعيم

كان عادل إمام بطلاً في الحرب على الإرهاب.

وهذه البطولة تكشف سرّ علاقته بالدولة، فكان ذراعها الفني في المعركة التي كانت تهدد الجميع في مصر بدءاً من المواطنين حتى رأس الدولة.

ولم يكتفِ عادل بالأفلام التي قدمها كـ”الإرهاب والكباب” و”الإرهابي” و”طيور الظلام”، إذ يخلع عادل في الأفلام الثلاثة رداء الكوميديان ويتصدّى للرصاص بالتراجيديا والدراما، علماً أن هذه الأفلام تكشف مستويات مختلفة من الإرهاب ونشأته وصناعته وخباياه، وتشرحها للجمهور بشكل لم يبرزه عمل سينمائي من قبل، وبفضل الفنان الأكثر شعبية في مصر وقتذاك، أصبحت كراهية التطرف في كل بيتٍ. الإرهابي يقتل المفكر المسالم الطيب، ويرهِب المسيحيين، ويعكر صفو أسرة متفتحة بسيطة، ويطارد إرهابياً سابقاً عرف خطأه وقرر التوبة ويتلاعب بعموم المسلمين ويتاجر بهم حتى يصلَ إلى السلطة. هذه الرسائل كان يوجهّها الزعيم في الأفلام الثلاثة حتى خلق رأياً عاماً يمقت الإرهاب، في ظل حوادث متصاعدة مثل مهاجمة حافلات السياح المعروفة باسم “مذبحة الأقصر“، واغتيال المفكر الكبير فرج فودة، وحرق نوادي الفيديو، وتهديد الفرق المسرحية في الصعيد.

كان عادل مؤثراً بحق، فجعلته السلطة مقرَّباً منها ورجلها الأول في الفن، حتى أنه كان- في ذروة قوته ونجوميته- يصلُ إلى حسني مبارك مباشرة باتصال هاتفي، على رغم أنه من عادات السلطة ألا تقرِّب الفنانين الرومانسيين والكوميديين وأبطال المشاهد الساخنة وكذلك الفنانات “غير الملتزمات”، إلا أن عادل إمام كان استثناءً للخدمات الجليلة التي قدّمها للنظام السياسي. حتى مسرحياته العادية بدأ يطوّعها للتنديد بالإرهاب والحديث عن جرائمه ليحوّل القضاء على الإرهاب إلى مشروعه الذي يجري بالتوازي مع الحملات الأمنية، ففي أحد أيام عرض مسرحياته، وبعد العرض مباشرة، شهدت مصر تفجيرات شرم الشيخ، لتدوي صرخته تنديداً بها في قلب المسرح: لا للإرهاب… لا لطيور الظلام!

وقاد تظاهرة انطلقت من ميدان التحرير، عندما اغتيل المفكر فرج فودة، وذهب إلى أسيوط لعرض مسرحيته “الواد سيد الشغال” لمدة يومين مجاناً، على رغم الأوضاع الأمنية السيئة في صيف 1988، اعتراضاً على هجوم متطرفين على فرقة هُواة مسرحية. 

تلك المواقف الشجاعة هي التي أهّلته لاحقاً ليصبح سفيراً للنوايا الحسنة بالأمم المتحدة، فعادل إمام تخرج في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وقدم أعمالاً في مسرح الجامعة وكان يتولى إدارة فريق المسرح لوقت طويل، قرأ لروائيين ومسرحيين كبار وجسّد مسرحياتهم، ونما وعيه، حتى صار رقماً صعباً في المعادلة، فكان يدير معاركه وأموره بذكاء حتى صار نجماً… فلم يكن ذهابه إلى أسيوط وتركيزه على قضية الإرهاب مصادفة، إنما كان بتخطيط لتجهيز طريق النجومية.

يروي ما حصل قائلاً: “شعرت بحالة من الخوف على مصر والغضب من أجل صورتها ومستقبلها، وظلت هذه الغصة بداخلي أياماً، وأنا لا أعرف ماذا يمكن أن أفعل. لكنني تذكرت بداياتي الأولى في المسرح، وقلت لنفسي هؤلاء الشباب على مسافة بعيدة جداً من العاصمة وأضوائها، ونحن هنا نتعارك على القانون (103) بينما هم يتحملون القتل والضرب بالجنازير دفاعاً عن الفن، وكان لا بد أن أفعل شيئاً ما، فقررت أن أذهب إلى أسيوط، وأواجه هذا الموقف مباشرة، واعتبرت ذلك دفاعاً عن نفسي وأسرتي ووطني، قبل الدفاع عن الفنانين الهواة. لقد ذهبت لأدافع عن نفسي، وعن الفن الذي أحبه، وتذكرت تاريخي وتاريخنا كله، وذهبت لأدافع عن صورتي أمام أولادي لكي يعرفوا جيداً أن مهنتي ليست حراماً في حرام. ولكي يدركوا أنني أكسب أموالي من عمل شريف ومحترم وليس من حرام، في اليوم التالي أعلنت أنني على استعداد للذهاب إلي معقل المتطرفين، مهما كان الثمن، والتقط الصحافي الكبير مكرم محمد أحمد رئيس تحرير مجلة المصور، ورئيس مجلس إدارة دار الهلال هذه الدعوة، وكان وقتذاك نقيباً للصحافيين المصريين، وسألني: هل تفضل أن تدعوك جهة معينة؟ قلت على الفور: جامعة أسيوط حتى تكون للزيارة واجهة ثقافية.لكن رئيس الجامعة وقتها تردد وتهرب، فتحدثنا إلى وزير الداخلية، وأجريت اتصالات بالمحافظة التي وافقت على استضافتي، وعندما عرفت بدعوة المحافظة وافقت على الفور، لأنني كنت مصمماً على السفر، وقلت: أنا موافق أن أذهب إلى هناك حتى لو كانت الدعوة من بائع خضار”.

وكانت أفلام عادل إمام تنال استعدادات خاصة، فهي تكتب بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية على يد السيناريست وحيد حامد، ومن إخراج شريف عرفة. كان تعاوناً ثلاثياً بين أهم ممثل، وأهم كاتب، وأهم مخرج، وتم التصوير في حراسة الشرطة وسط استعدادات مكثفة، فعلى سبيل المثال، تم تصوير فيلم “الإرهابي” سراً وفي أماكن لا يتم الكشف عنها لوسائل الإعلام، خوفاً على أرواح أبطاله من انتقام الجماعات الإرهابية، ولدى عرضه، كانت قوات الأمن تتولى حراسة دور العرض خوفاً من تنفيذ عمليات إرهابية. وحين تلقى عادل إمام تهديدات من إرهابيين، عيَّنت له الدولة حراسة أمنية لحمايته. وحين عرض الفيلم، كوفئ بجائزة أحسن ممثل من المهرجان القومي للسينما.

كانت أفلام عادل إمام تنال استعدادات خاصة، فهي تكتب بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية على يد السيناريست وحيد حامد، ومن إخراج شريف عرفة.

نهاية “رجل السلطة” الأول

احتفظ عادل إمام بدفعة معنوية قوية طوال سنوات عصر مبارك، فلم يكن رجل السلطة، إنما كان جزءاً منها، لا تجرؤ الرقابة على حذف أحد مشاهده، سواء كان جنسياً أو حميمياً أو سياسياً، ليس لكون نقده هو نقد من الداخل، أو كوميديا “تفريغ الغضب”، وحسب، إنما لكونه عادل إمام الذي يمكن أن يتصل بالرئيس ليشكوَ الرقيب.

وهكذا مارس نفوذه لرفع نسب القبلات والتحرش والذكورة في الكثير من أفلامه وفي السينما المصرية، وكذلك نسب النقد السياسي والسخرية من الفئات التي تفرض كهنوتاً يجعلها فوق النقد… على رغم أن معظم المصريين في أحاديثِهم الجانبية يسخرون منها ويحلمون بالانتقام من أفرادها… فخاض معارك ضارية مع المحامين والدعاة والنقاد والمشايخ واليساريين… ومع مرتضى منصور والشيخ خالد الجندي وحسن شاه وفتحي العشري وخيرية البشلاوي، وغيرهم… ولم يخف يوماً من أحد أو يتراجع في مواجهته، ليس إيماناً بالفكرة، إنما إيماناً بالتمرد الذي هو سمة أساسية من سماته، وفي ذلك وجد “عاملاً مشتركاً” يجمعه بالمصريين.

تلك الجرأة، التي أعانته عليها علاقاته وخدماته الرسمية، قرَّبته من الجمهور، فبدلاً من أن تتحرش بإحداهنّ في الشارع، عادل إمام يتحرش في الأفلام نيابة عنك، وبدلاً من أن تسخرَ من مديرك، عادل إمام سيفعلها لتشعر بالراحة، وسيرفع عنك أيضاً عبء التظاهر ضد إسرائيل، لديه فيلم كامل يعادي سفارتها في القاهرة، على رغم أن مصر كانت- في ذلك الوقت- تتمتع بـ”تهدئة كاملة” مع تل أبيب.

وحين أتى عصر السيسي، اعتقد عادل أنه سيحافظ على مكانته، فنان في مكانة زعيم ويقف رأساً برأس مع الرؤساء، لكن ذلك لم يحدثْ، فلم يكن الفن من أولويات السيسي، ولم يكن عادل إمام في لياقته الكاملة حتى يعتبره النظام نجماً يجب تطويعه وإرضاؤه حتى أنه حين غالى في الأجر الذي يطلبه من إحدى شركات الدولة للإنتاج السينمائي، قررت أن تعاقبه بمنع إنتاج مسلسله “فالنتينو”، حتى عرض متأخراً في العام التالي، وقررت ألا تنتج له مرة أخرى، ووجّهت له رسالة: آن للأسد العجوز أن يخلد إلى كهفه.

إقرأوا أيضاً: