fbpx

بعد 20 عاماً من الحرب على الإرهاب:
تورا بورا تنتصر على الغرب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الحقيقة المرة هي أن “انتصار طالبان سيمهد الطريق أمام الجماعات الإسلامية المتطرفة لتكثيف تجنيد الإرهابيين على مستوى العالم، ما يعيدنا إلى نقطة الصفر في هذه الحرب”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نشر الصحافي الأفغاني بلال سرواري فيديو تم تداوله بعد ذلك على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيه حارس بن لادن وأحد رجاله المشهورين، أمين الحق، يتقدم بسيارته الفارهة موكباً من سيارات رباعية الدفع قبل أن يدخل إحدى البوابات الأفغانية شديدة الحراسة، وسط استقبال حافل من حشود ومسلحين من”طالبان”. وقال سرواري، “عاد الدكتور أمين الحق، وهو لاعب رئيس في قاعدة أفغانستان، والمسؤول الأمني عن حماية أسامة بن لادن في تورا بورا، إلى مسقط رأسه في إقليم ننغرهار بعد سقوطها في أيدي طالبان”.

النهايات السعيدة يمكن أن نعيشها في الاحلام أو في السينما، فعالم هوليوود يسعى إلى خداعنا، لكننا نكتشف بألم براعته في صنع الخيال، حينما نتواجه وجهاً إلى وجه مع الواقع المرير وآلامه.

مرارة الحدث الأفغاني بعد عشرين عاماً من الحرب على الإرهاب التي شنتها  الولايات المتحدة، وما زالت تديرها حتى الآن، تلخصها هذه النكتة التي انتقلت بسرعة البرق من أميركا، ووصلت إلى كل مكان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، “إذا كنت تشعر بأنك عديم الفائدة، فتذكر 20 عاماً وتريليونات من الدولارات وأربعة رؤساء جمهورية من أجل إبدال طالبان بطالبان”.

هل التاريخ هو مجموعة من الحماقات كل واحدة منها تفتح دائرة تدمير تنتج المزيد من الدوائر التي لا نهاية لها؟ الجواب نعثر عليه في ما يحدث يومياً في كل مكان من العالم. كشف تقرير لجامعة براون الأميركية أن 20 عاماً من الحروب بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، كلفت الولايات المتحدة ما يقدر بنحو 8 تريليونات دولار، وخلفت  أكثر من 900 ألف شخص من بينهم عسكريون أميركيون وأطلسيون ومدنيون في أفغانستان والعراق واليمن وصحافيون وعمال إغاثة. وقالت كاثرين لوتز، أستاذة الشؤون الدولية والعامة في  جامعة براون: “لقد كانت الحرب طويلة ومعقدة ومروعة وفاشلة. والحرب ما زالت مستمرة في أكثر من 80 دولة”. وأضافت: “لقد استنزف البنتاغون والجيش الأميركي حتى الآن الجزء الأكبر من  الميزانية الفيدرالية، ومعظم الناس لا يعرفون ذلك”.

حرب الطريق المسدود

 هكذا أصبحت الحرب على الإرهاب أطول صراع مسلح ليس في تاريخ الولايات المتحدة وحدها، بل والعالم كله، فلقد تجاوزت فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية، إضافة الى حرب فيتنام، وكلفت الولايات المتحدة وحدها أكثر من 8 تريليونات دولار، وآلاف الجنود بين قتلى وجرحى ومعوقين، إضافة إلى مئات الضحايا من المدنيين جراء هجمات الإرهاب والعمليات العسكرية ضد أوكارهم وملاذاتهم في مختلف دول العالم.

ها هي الحرب على الإرهاب تفتح بوابة عقدها الثالث بحيث تضغط وبقوة على الولايات المتحدة التي بدأتها رداً على إرهاب 11 يلول 2001، بأكبر حربين في أفغانستان والعراق، للبحث عن أسباب وصولها الى  هذا الطريق المسدود بانتصار طالبان على القوة الأعظم عسكرياً واقتصادياً في العالم. أبعد من هذا الفشل المريع ما زالت هناك آفاق لتحقيق النصر على جماعات الإرهاب، بعدما أثبتت الدروس المستقاة من من حروب الأمم، أن أهم المبادئ الاساسية في مثل هذه الحروب غير التقليدية هو أن العصابات تربح الحرب عندما لا تخسرها، فيما الجيوش التقليدية تخسرها إذا لم تنتصر فيها.

على عكس الحرب الأميركية على الإرهاب التي جندت لخدمتها كل دول العالم وأموال دافعي الضرائب، تشن الجماعات الارهابية منذ عشرين عاماً وحتى الآن “حرباً سياسية ونفسية وإعلامية ضد الغرب ترمي لإنهاكه نفسياً، فيما اكتفى هو في المقابل  بشن حرب عسكرية  لتصفية القادة الجهاديين، واستخبارتية ومالية لتجفيف الموارد والمصادر المالية لجماعات الإرهاب المنظم!

افترضت الاستراتيجية أن بالإمكان تدميرهم وإلحاق الهزيمة بهم من خلال قتل قياداتهم الميدانية من الصف الأول والثاني، وبالتالي إنهاء الإرهاب والتمرد على المستوى العالمي. هذا الفهم الأعوج استوجب التركيز  على الجهد الاستخباراتي والعملياتي لتصفية القادة والزعماء، وتجاهل الأهم أي الديناميكية الاساسية في العمل الميداني لهذه الجماعات المتطرفة، التي اعتمدت على استخدام المعلومات وتقنيات الاتصال المتطورة بالتساوي مع العنف المنظم. لم يعد هناك أي شك في  أن تنظيمي “القاعدة” و”داعش” أثبتا قدرتهما على الاستمرار في حربهما والنجاح في تحقيق قدر اكبر من الإيذاء المعنوي والنفسي في صفوف الطرف الآخر، ما ساعدهما في تعزيز وجودهما الايديولوجي الجهادي والإعلامي. وهو ما أوضحته  خبيرة إعلام ما بعد الحداثة تينا براون بقولها: “لقد حول التقاء سرعة الانترنت في القرن الحادي والعشرين وتعصب القرن الواحد والعشرين، العالم إلى مكان سريع الاشتعال”. ربما من المفيد أن أشير هنا إلى ما قاله وزير الدفاع الأميركي الاسبق في 2007 روبرت غيتس، “من المحرج جداً أن يكون تنظيم القاعدة يجيد إيصال رسالته عبر الانترنت أكثر من أميركا”، وأضاف: “من يتفوق علينا في مجال الاتصال هو رجل يعيش في كهف”. 

الخطأ القاتل الذي ارتكبته واشنطن وحلفاؤها الأوربيون والأطلسيون يتمثل في عدم رسم استراتيجية واضحة ومتماسكة في هذه الحرب المعقدة، لا تعتمد على الجهد العسكري وحسب، بل تتضمن حلولاً للأسباب الأخرى التي تغذي الإرهاب وتشحن هذه الجماعات المتطرفة بالقوة والقدرة على الاستمرار والتجدد والتوسع والانتشار.

 لقد تجاهل الغرب أن الإرهاب، يظهر وينمو في دول فاشلة وبيئات تعاني من انقسامات سياسية وإثنية ومذهبية ودينية، وفساد سياسي تديره السلطة بالتنسيق مع جماعات الأوليغارشيا، التي بدورها تقيم  شبكات مصالح وفساد واسعة في غالبيتها ذات امتدادات إقليمية ودولية، إضافة إلى غياب التعددية السياسية والمجتمع المدني النشط وانعدام الميديا المستقلة، وسلطات تستخدم اجهزة القمع التي استثمرت فيها مئات ملايين الدولارات ضد مجتمعاتها، فضلاً عن رعاية مؤسسات دينية فاسدة توفر لها منصات اكتساب الشرعية مقابل التخلي لها عن أهم وظيفتين للدولة وهما الثقافية والتربوية.

تجاهل الغرب أيضاً وعن عمد أن الكثير من حلفائه العرب والمسلمين من دول المنطقة يمولون  الإرهاب ومنظماته ويسلحونها ويرعونها، كيلا تتأثر مصالحه الاقتصادية والتجارية والعسكرية. ومن المفيد هنا استذكار ما قاله عراب السياسات الجيوستراتيجية الباكستانية، الرئيس الأسبق للاستخبارات الجنرال حميد غل “التاريخ سيسجل أن الاستخبارات الباكستانية، بمساعدة أميركا، هزمت الاتحاد السوفياتي، وسيدون المؤرخون أن الاستخبارات الباكستانية، بمساعدة أميركا، هزمت أميركا”.

إقرأوا أيضاً:

الحرب على الإرهاب وصناعة الإرهاب

ما نجم عن الحرب ضد الإرهاب خلال العقدين الماضيين هو تفريخ الارهاب اي إعادة إنتاج الإرهاب، وهو ما تمكن صياغته في مصطلح صناعة الإرهاب. محاربة الإرهاب بالإرهاب نفسه تؤدي إلى مزيد من الإرهاب ونتائجه الكارثية- الحروب والنزاعات المسلحة، وبحسب دراسة لمعهد “كارنيغي” الأميركي، “143 مليون شخص يعيشون الآن في مناطق حروب أهلية، نجم عنها تشريد ونزوح أكثر من 17 مليون شخص وموجات لاجئين تدفقت إلى أوروبا، ويشكل العرب 50 في المئة من أعداد نازحي العالم، فيما تبلغ نسبتهم 5 في المئة فقط من عدد سكانه”.

هذه الموجات والحروب أصبحت هي الأخرى بيئة لتوليد الجهاديين والتطرف الأيديولوجي والديني.

 استثمرت الجهادية العالمية هذه الحالة ونجحت في أن تتحول من مجموعة صغيرة في أفغانستان إلى شبكة عالمية واسعة ممتدة. وقد فوجئ العالم قبل نحو سبع سنوات في حزيران/ يونيو 2014، بظهور نهج جهادي جديد، تجلى بإعلان أبو بكر البغدادي قيامَ خلافة في العراق وسوريا ونصّب نفسه خليفة، بعدما سيطر على أراض تقدر مساحتها بمساحة بريطانيا، وتضمّ 10 ملايين شخص. وعلى رغم نجاح التحالف الدولي في تدمير دولة الخلافة الإسلامية وقتل البغدادي، لا تزال قدرة الجذب التي تتحلّى بها أيديولوجية تنظيمَي الدولة والقاعدة قويةً، وما تنشره المواقع الالكترونية لهذه الجماعات الجهادية السلفية يوحي بهجرة جديدة تحاكي هجرة الجهاديين من أوروبا والعالم مع نشوب الحرب في سوريا. هؤلاء الجهاديون القدماء والجدد يتأهبون لحمل السلاح بعد انتصار “طالبان” وعودتها إلى حكم أفغانستان مجدداً في أجواء احتفالية وفرح عارم في الأوساط الإسلامية في كل العالم. نرى الآن كيف أن مسألة الإعجاب بـ”طالبان” لا تقتصر على الفلسطينيين و”حماس”، بل تشمل الكثير من الناس العاديين ومثقفي اليسار وكتّاب رأي في الميديا العربية والجياليات العربية والإسلامية في أوروبا . هؤلاء كلهم وجدوا في “فوز طالبان”، ما يرفع من معنوياتهم ويعيد إليهم الاعتداد الفارغ بقدراتهم التدميرية، متجاهلين أن مشروع “طالبان” وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، ينصب في مستقبل بلدانهم وأجيالها ويعيدهم الى كهوف التاريخ وغيبيات الدوغما الدينية المغلفة بالاحتيال السياسي.

الحركة الجهادية كانت قبل 20 عاماً مقتصرة على الشرق الأوسط، الآن تنتشر في أوروبا وأنحاء أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا ومنطقة الساحل الأفريقي. الخارطة الجهادية هي الأخرى تغيرت، فبعدما كانت برأس تجسده “القاعدة”، باتت الآن برأسين بظهور الدولة الاسلامية “داعش” وإعلانها الخلافة. وربما بعشرات الرؤوس. وتبلورت ظاهرة الذئاب المنفردة التي تتحرك وتنشط بشكل معزول. هذه الذئاب ولدت في أوروبا، وتضرب مجتمعاتها، تتطرف على الانترنت وتقتل من دون تمييز بالسكاكين والسلاح الناري وبالشاحنات.

الحقيقة المؤلمة هي أن الغرب لم يكتشف مكامن الخلل في المجتمعات العربية والإسلامية، العنف الديني والفساد الثقافي هيمنة الدين على العقول وصراع الهويات الفرعية التي تفرز المزيد من الكراهية المذهبية والاثنية، من دون تجاهل تكوين الشخصية العربية والإسلامية المصقولة بالخرافة الدينية والروح الوطنية المزيفة وما يسمونه بالثوابت والخطوط الحمر. هذه العوامل لا تضخ في النفوس غير التطرف والكراهية وحشد الناس للعنف، فهناك اليوم ما يقرب من أربعة أضعاف عدد الأفراد المتطرفين الذي كان في 11 أيلول. كما أن قاعدة البيانات الأميركية للإرهابيين المعروفين أو المشتبه بهم قد نمت بمعدل عشرين مرة منذ ذلك الحين. إذ تشير “قاعدة بيانات الإرهاب العالمية” التي جمعها برنامج “ستارت” التابع لـ”جامعة ماريلاند” أنه منذ عام 2010، ازداد عدد الوفيات المرتبط بالإرهاب في جميع أنحاء العالم بنسبة تزيد على 300 في المئة، كما ازداد عدد الهجمات الإرهابية مع ما يقترن بها من ضحايا بنحو 200 في المئة. 

لنسأل أنفسنا السؤال الاصعب: لماذا أصبح الإرهاب اليوم أكثر انتشاراً وتعقيداً مما كان عليه قبل 20 عاماً؟ لماذا أثبت الإرهاب أنه قادر على الصمود والتكيّف، على رغم الحرب العسكرية والمالية والإعلامية ضده؟ ومع الإرهاب ظهر وتطور ما يعرف باسم “اقتصاد الارهاب” الذي تصل قيمته إلى مئات، بل آلاف مليارات الدولارات خلال العقدين الماضيين وعلى المستوى العالمي. الحقيقة المرة هي أن “انتصار طالبان سيمهد الطريق أمام الجماعات الإسلامية المتطرفة لتكثيف تجنيد الإرهابيين على مستوى العالم، ما يعيدنا إلى نقطة الصفر في هذه الحرب”.

إقرأوا أيضاً: