fbpx

دار الافتاء المصرية للفتاة المغتصبة:
اذهبي إلى العيادة وارتقي الجريمة وحدك!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الطبقة المتوسطة- التي تشكل أغلبية المجتمع المصري- ما زالت متمسكة بمبدأ الشرف الذي يختزل أخلاق المرأة وأحلامها وطموحاتها وكيانها في دم غشاء بكارتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في بثٍ مباشر لدار الإفتاء المصرية عبر صفحتها على “فايسبوك”، قال أحمد ممدوح مدير إدارة الأبحاث الشرعية، وأمين الفتوى في دار الإفتاء: “الترقيع مطلوب ومشروع في بعض الأحوال، في حالة فتاة تم اغتصابها أو التغرير بها، وتريد أن تتوب وتفتح صفحة جديدة، ودار الإفتاء أفتت بجواز ذلك من باب الستر وليس فيه تغرير بأحد”.

هذا التصريح بحكم صدوره عن دار الإفتاء يعدّ تصريحاً للدولة، ويبدو من خلال هذه الفتوى أن الدولة ملكية أكثر من الملك، وأنها تتجاوز في تحفظها الحد الطبيعي للتحفظ الاجتماعي، وذلك يعود إلى أسباب تتعلق بالسياسة التي تنتهجها الدولة في الفترة الأخيرة، في لعب دور الحامي للهوية الإسلامية، والإفراط في محاولات تعبئة المساحة الدينية الشاغرة في المجتمع السياسي، التي تمت إزاحتها من المشهد منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين. 

يأتي هذا التعويض بشكل متطرف من دار الإفتاء  لإثبات سلطتها على تلك المساحة الشاغرة. وهو تطرف إلى أقصى اليمين، وفي رأيي، لم تكن آراء المجتمع المصري في- الحالة الطبيعية- لتتبنى هذا المبدأ المتطرف ولا كانت لتنقسم حوله، خصوصاً في ما يتعلق بحالات الاغتصاب. ولكن بعد هذا التصريح من الطبيعي أن يلجأ البعض إلى تبني مبدأ الإفتاء وترديده على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أدانه آخرون، معتبرين أنه تصريح ديني يدفع إلى الخداع والغش والتضليل، وهو ما يعتبر عكس المبادئ الدينية والإسلامية. 

ستر أم تحريض للتكتم على الجريمة

بررت دار الإفتاء تصريحها بأن اللجوء إلى مبدأ الستر وإجراء عملية الرتق خفيةً، يصون المجتمع من إشاعة الفاحشة. والمفارقة هي أن هذا المبدأ يخون المجتمع والحقيقة، كما أنه يستخدم أساليب ملتوية تحتوي على بعض المضامين الخطيرة مثل؛ عدم الاعتراف بجريمة الاغتصاب، ولا بحقوق ضحاياه في أبسط الأشياء مثل حقهن في البوح والمكاشفة والمصارحة وقول الحقيقة. هذا الموقف يبرَّر الخداع وسيلةً للنجاة من أيدي السلطة الأبوية وأعينها المترصدة. 

موقف دار الإفتاء يحمل الاعتراف الضمني بأن النظام الاجتماعي كله الذي تم بناؤه حول فكرة الشرف سهل الاختراق. فلا تتعدى فكرة التحايل على الشرف- المتمركز تاريخياً في غشاء البكارة- إجراء عملية ترقيع في عيادة أحد الأطباء. وهو تغرير بمبدأ الشرف ذاته، كما أنه تغرير بمبادئ السلطة الذكورية والأبوية وسلطة المجتمع ككل. 

  في ظل مفاهيم اجتماعية من هذا النوع ، فإن جسد المرأة في المجتمع المصري ليس ملكها، بل ملك للشرف العام المتجسد في ذلك الجسد، والذي تفرضه وتحدده السلطة الأبوية وسلطة المجتمع والعائلة. إضافة إلى سلطة الدولة التي توجهتْ منذ عصر الرئيس “جمال عبدالناصر” إلى الربط بين الخطاب الأبوي والخطاب الديني من خلال مؤسسة الأزهر، ودار الإفتاء بعد ذلك.

هذا الخط المتداخل بين الخطابين الديني والأبوي في هذا التصريح لدار الإفتاء، لا يعزز ثقافة المجتمع المصري ويكرس لرؤيته الذكورية فحسب، بل  يتعدى ذلك إلى شيء أبعد من هذا التكريس، فهذه الفتوى تعد فعلاً مماثلاً للتغرير الذي حدث لتلك الفتاة، كما أنها تعد إجباراً واغتصاباً بعد الاغتصاب. لأن الفتاة التي اغتُصبتْ أو التي تم التغرير بها فتاة منتهكة جسدياً وروحياً، منتهكة مرة واحدة وإلى الأبد، غير أن العمل بمضمون هذه الفتوى، بل والفتوى في حد ذاتها، فعل انتهاك مضاعف، عبر تحميل جسدها وروحها عبئاً إضافياً، لا يقل في وطأته على النفس عن التغرير أو الاغتصاب، لا سيما إذا أُلزمتْ به الفتاة بعد الاغتصاب والتغرير.

إن تصريحاً كهذا، يحدد خط سير الفتاة المغتصبة سلفاً، أن تكون أولاً بلا قدرة ولا إرادة، ثم تُغتصب جسدياً فتذهب إلى عيادة طبيبة نسائية للرتق، ثم تنتظر زوجاً ستخفي عنه سرها، ثم تنجب أولاداً لتربيتهم، وتصبح بذلك امرأة صالحة وتائبة في بناء الأسرة والمجتمع.

إقرأوا أيضاً:

لا وجود لما يسمى بغشاء البكارة

في ما يتعلق بخطاب الأزهر حول موضوع هذه الفتوى، فقد شاركت الدكتورة أمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، في تحديد هذا الخط، وصرحت برأيها الذي يتفق مع دار الإفتاء قائلة: “إنه من الأصلح للمجتمع نشر فضيلة الستر بدلاً من نشر الفاحشة، وإن الأضرار التي قد تنتج عن إشاعة سر المغتصبة أكبر من الأضرار الناتجة عن سترها. وإن هذه الفتاة إذا سترت نفسها وأخفت هذا السر عن الرجل الذي سيتقدم للزواج منها، وصارت بعد ذلك أماً صالحة ومربية للأبناء، فلا جناح عليها في ما أخفته حفاظاً على تماسك الأسرة”.

على الجانب الآخر، وبعد أيام قليلة من الفتوى، صرحت طبيبة نسائية تدعى هبة فتحي في لقاء تلفزيوني مع أحد المشايخ، قائلة: إنها طالبت لسنوات، بغض الطرف عن مسألة غشاء البكارة، كطبيبة نسائية، تلجأ إليها كثيرات مارسن الجنس بشكل غير تقليدي وغير تابع لقواعد المجتمع المحددة لإطار الزواج، لكي يجرين عملية الرتق المكلفة على المستوى النفسي، والمادي بالنسبة لهؤلاء الفتيات. ملاحِظة أن معظم الفتيات اللواتي ترددن على عيادتها كنّ يُعاملن كأنهن موصومات، يعانين من عدم الثقة في النفس والشك في أفعالهن وسلوكهن. 

هذا التصريح، دفع أحد المحامين إلى إقامة دعوى قضائية ضد الطبيبة بتهمة إفشاء أسرار طبية. كما ألحق في دعواه اتهاماً موجهاً للشيخ الذي حضر معها ذلك اللقاء التلفزيوني، والذي وافق الطبيبة في تصريحه قائلاً: “إنه لا وجود لما يسمى غشاء البكارة سواء في العلم أو الدين. وأن هذا الغشاء ليس دليلاً على العفة والشرف، وعلينا بالفعل غض الطرف عن ذلك الموروث الشعبي” أما الاتهام الذي وجهه المحامي للشيخ فهو اعتباره “يقوم بنشر أفكار غير صحيحة ومضللة، وقد تدفع الفتيات إلى ارتكاب الزنا”.

في المشهد السياسي المصري، كثيراً ما نجد مثل هؤلاء المحامين يتحركون كظلال لتصاريح الدولة، من أجل إقامة دعاو قضائية تتهم الأشخاص الذين يعارضون أو يرفضون تلك التصاريح. وتتفق معظم هذه الدعاوي في كونها تقام دفاعاً عن مبادئ المجتمع المصري من وجهة نظر الدولة.

المبادئ الاجتماعية المتوارثة على رغم كل الحركات المقاومة لها، تجد دائماً أساليب لفرض سلطتها على المجتمع بل وعلى القانون، فعلى سبيل المثال، لا توجد مادة في قانون العقوبات المصري تُجرم العمليات الجراحية لرتق غشاء البكارة، غير أنها عادة، تتم بسرية في الخفاء- كأنها عملية سرقة- في عيادات خاصة ولا يوافق على إجرائها جميعُ الأطباء.

جوقة نساء تغنى شرف الأبوية

في كتاب “العادات والتقاليد والتعابير المصرية” يؤرخ أحمد أمين، لأُغنية فلكلورية من التراث الغنائي المصري ما زالت تُغنى في الأفراح الشعبية حتى يومنا هذا. وهي أغنية قصيرة ومبهجة تغنيها عادةً سيدة شعبية فرحة في ليالي الأعراس وأيام الدخل وتعالجها جوقة من نساء الأهل الفرحات بالترديد وراءها في بهجة:

 “قولوا لأبوها إن كان جعان يتعشى،

 وإن كان شبعان يمسك في إيده مقشة”. 

تتوقف نساء الجوقة الشعبية عند هذا البيت، وهن ربما لا يعلمن الجانب الدموي المتخفي في هذه الأغنية القصيرة، ولا في الترقب الاجتماعي والأبوي لنتيجة ما يتضمنه البيت الثالث والذي لا يعلمنه على الأرجح، وهو البيت الذي يرتبط فيه -عميقاً- الدّم بالشرف والبهجة. ويترتب عليه انطلاق طبيعي ومريح نحو تناول الطعام، ونحو التوجه إلى العمل أو استئنافه بعد لحظات التجمد والترقب، هذا العمل- الذي تم تعطيله- يتمثل في كناية إمساك المقشة. والقصد هو استئناف العمل والحياة، وكأن الدنيا كلها جائعة ومترقبة ومتوقفة حتى يعرف الأب ما يتضمنه ذلك البيت، وهي رؤية الدم الناتج عن عملية فض غشاء البكارة.

“دم العروسة غرّق لينا الفرشة”

هذه الأغنية يذكرها أحمد أمين في كتابه، موضحاً كيف كانت تشكل طقساً غنائياً ومسرحياً في المجتمع المصري قديماً، حين كانت نساء أهل العروس ينتظرن خلف باب العروسين لمعرفة النتيجة، وفي حال كانت العروس فتاة عذراء أخذن في ترديد هذه الأغنية التي تشرف أبيها وتشرفهن، وفي حال تأخر العريس عن إعلان النتيجة، اقتحمن الباب عليهما وبدأن في لوم العريس وعرض المساعدة عليه.

هذا المشهد الارتقابي واللحظة المتوقفة يدلان على أن النظام الاجتماعي كله مبني ومتمركز حول فكرة الشرف المتجسدة في غشاء البكارة. كما أنه في هذا الطقس يظهر حرص النسوة على التمسك بشرف ابنتهن حتى النهاية، ولدرجة اقتحام الباب وتوجيه اللوم للعريس لأنهن على يقين من عذرية ابنتهن. إضافة إلى ذلك، فإن النساء في هذا المشهد يظهرن أقصى درجات تبني السلطة الأبوية ولعب الدور الوظيفي لاستعارة أدوات السلطة وتطبيقها. فهن من يغنين هذه الأغنية بعد ترقب، وهن الوسيط الذي يخبر الأب في بهجة أن ابنته اجتازت اختبار الشرف بنجاح. 

 لقد تبنت نساء العائلة والمجتمع هذا المبدأ الأبوي للشرف، وتشربنه حتى النخاع، ثم بدأن في تطبيقه ذاتياً بلا تدخل مباشر من الأب.

لقد أغفل المجتمع المصري هذا البيت الأخير من ذاكرته، وأدركه أحمد أمين في كتابه، لكنه على رغم ذلك، يوضح جذور البهجة المستندة إليها تلك الفرحة الكامنة في الأغنية. كما يوضح تغلغل مفهوم الشرف في ثقافة المجتمع المصري وارتباطه بالسلطة الأبوية ودم العذرية المتمثل في غشاء البكارة. 

ومع أن المجتمع المصري نفض عن ذهنه وذاكرته ذلك البيت الدموي واكتفى بالبهجة الظاهرة في الأبيات التي تسبقه، إلا أنه ما زال في تمام تمسّكه بالفكرة، كأن بيتاً في تلك الأغنية لم ينقُص. وكأن الذاكرة دائماً تجد طرقاً لفرض نفسها على الواقع حتى ولو تم نسيان بيت شعر في أغنية.

الطبقة المتوسطة- التي تشكل أغلبية المجتمع المصري- ما زالت متمسكة بمبدأ الشرف الذي يختزل أخلاق المرأة وأحلامها وطموحاتها وكيانها في دم غشاء بكارتها. وعلى رغم ذلك لم تكن شريحة كبيرة من الطبقة المصرية لتحمّل البنت التي تم اغتصابها عبء إجراء عملية جراحية (لا العبء النفسي ولا المادي) لترقيع غشاء بكارتها، أما تصريح دار الإفتاء الأخير، الذي أصدر فتوى بجواز ذلك وشروعه وطلبه فقد كان صادماً أكثر من اللازم.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.