fbpx

عودة خالد يوسف:
الاحتفاء بذكورة المخرج وإدانة ضحاياه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المخرج لم يتحمل مسؤوليته بل استمتع بامتيازاته في وجه أشخاص أقل منه سلطة ونفوذاً، “وهذا هو الاستغلال بعينه حتى إن لم يحكم القانون عليه بذلك”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بمظهر رصين، وأناقة واضحة حل المخرج المصري خالد يوسف مع الإعلامي عمرو أديب، في برنامجه “الحكاية” على فضائية mbc مصر، كأول ظهور إعلامي له بعد مكوثه في فرنسا لأكثر من 3 سنوات، عقب أزمته الشهيرة “المقاطع الجنسية المُسربة” التي  جمعته مع الفنانتين منى فاروق، وشيما الحاج.

اللافت للنظر ليس تلك النبرة الواثقة التي تحدث بها يوسف في اللقاء عن مشروعاته الفنية المقبلة، وحسب،  لكن أيضاً الترحيب الذي قوبل به على المستويات الإعلامية والفنية والسياسية وكأنه أحد الفاتحين المنتصرين، وليس مخرجاً تسبب في ضياع مستقبل سيدتين في بداية مشوارهما الفني والإنساني باستغلالهما جنسياً وتصوير مقاطع إباحية لهما. 

 تورطت أسماء وشخصيات شهيرة في استقبال مخرج المقاطع الجنسية المصورة،  لا سيما رموز التيار اليساري والناصري المصري، المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، والناشطة المصرية  إسراء عبد الفتاح، أما من الإعلام والفن فكان الكاتب الصحافي ومقدم البرامج مجدي الجلاد، والفنان هاني شاكر وغيرهم.

لم يكن هذا الاستقبال الرحب وليد اللحظة الحالية، بل يمكن القول إنه سبق التمهيد له، وفرش الأرضية المناسبة لجعله مقبولاً في ما بعد. ففي آذار/ مارس 2021، استقبله أهل مدينته كفر شكر في محافظة القليوبية بحفاوة تليق بفكرة “العنتيل” المنتصر في معاركه الجنسية. كان ذلك أثناء حضوره تشييع جثمان شقيقه صلاح يوسف في مسقط رأسه.

بإمكان أحدهم الدفاع عنه في هذا الموقف الإنساني، فكل الخلافات تُنحى جانباً أمام حدث الوفاة الجلل. لكن ماذا عن منى فاروق وشيما الحاج اللتين لم تعودا إلى حياتهما الطبيعية منذ واقعة انتشار المقاطع المصورة في 2019 حتى الآن، وهل كانتا تلاقيان الحفاوة نفسها إذا مرت إحداهما بتجربة فقدان عزيز؟ أم ستظل تطاردهما اللعنات والوصم كما يحدث الآن مع أي خبر يخصهما؟

في مطلع عام 2021، وجه الإعلامي عمرو أديب من خلال برنامجه، رسالة إلى المخرج المصري، خالد يوسف يرجوه العودة إلى مصر، ويشيد بدوره في محاربة التطرف من خلال أعماله الفنية، وبمواقفه الوطنية حتى إذا كان يمكن الاتفاق أو الاختلاف عليها.  “بيموت في تراب مصر… أنا لا بمهد ولا حاجة… لكن اللي إيده مفيهاش دم ولا تحريض يرجع ينور”.

لم يهتم الإعلامي المصري الأكثر مشاهدة على القنوات الفضائية بفعلة المخرج التي تسببت في ضياع مستقبل سيدتين، ولم يكترث بكونهما مهددتين بالقتل أو على الأقل يتم التنكيل بهما في كل لحظة حتى اليوم، المهم أن يدَي خالد يوسف “مفيهاش دم ولا تحريض”.

بداية الأزمة

في كانون الثاني/ يناير 2019 بدأت المقاطع المُسربة لعلاقة خالد يوسف الجنسية مع الفنانتين في الانتشار ككرة ثلج تتدحرج بين صفحات التواصل الاجتماعي، وبدأ الشباب يتبادلونها  سراً على حساباتهم الخاصة بتطبيق “واتساب” على طريقة “شاهد قبل الحذف”.

أعادت هذه التسجيلات وقتها إلى الأذهان أزمة المخرج مع الفيديوات الجنسية إلى صدارة المشهد، إذ سبق وتداول مقاطع له أعضاء البرلمان في ما بينهم، لكن ظل هذا التداول عام 2017 محدوداً ولم يخرج عن السيطرة، إلا بعدها بعامين لتنفجر القضية مرة أخرى.

تعمد خالد يوسف منذ ذلك الوقت الاختفاء التام عن المشهد، اكتفى بكتابة منشور على حسابه الشخصي على “فايسبوك” يؤكد فيه أنه يتعرض لحملة تشويه مقصودة، ثم كتب منشوراً آخر يؤكد فيه أن سفره ليس هروباً، بل ليكون مع زوجته وابنته في فرنسا، وأوضح على “تويتر” أنه في بالعاصمة الفرنسية باريس مشيراً إلى أن آخر الأكاذيب الإعلامية حملة تشويهه والقول إنه سافر هرباً، مضيفاً: “سأعرض كل الحقائق تباعاً على الرأي العام، وهو صاحب الحق الوحيد”.

في هذه الأثناء تم ضبط منى فاروق، وشيما الحاج، وأحيلت كل منهما إلى النيابة العامة التي وجهت لهما تهمة “التحريض على الفسق، وإعلان عن نفسيهما لممارسة الرذيلة في مقاطع فيديو مصورة، وممارسة الجنس الجماعي مع آخر”.

على رغم عدم مقاضاة إحداهما له بتهمة الاستغلال الجنسي، إلا أن الشابتين اعترفتا بأن يوسف هو من كان يقوم بتصويرهما، ويمارس الجنس معهما، وذلك في التحقيقات معهما وصدر قرار بحبسهما 4 أيام على ذمة التحقيقات، ثم حبسهما قرابة 5 أشهر.

من هنا أصبح مستقبل المخرج مهدداً، وبات معرضاً لخسارة مقعده البرلماني في حال رفعت الحصانة النيابية عنه، لكن للمجتمع رأياً آخر، و للقانون ثغراته التي تنصف الرجل على حساب المرأة.

إقرأوا أيضاً:

 النساء بين قبضتي الدولة والمجتمع

يمكننا أن نتوقع لماذا لم تقاضِ منى وشيما المخرج خالد يوسف ولم تبلغا عن استغلاله الجنسي لهما بهدف إعطائهما فرصة في التمثيل مثلما أشيع وقتها.

في المسار الطبيعي لمثل هذه القضايا يمكن بسهولة أن يلاقي الجاني الحكم القانوني المناسب، لكن في حالة خالد يوسف قد يكون الأمر مختلفاً، لأن الفتيات أقل سناً وسلطة، كما أن المجتمع لم يسامحهما في كل الأحوال بل سيلقي عليهما اللوم لقبولهما العرض.

تكشف المحامية لمياء لطفي، عضوة “مؤسسة المرأة الجديدة”، عن ثغرة قانونية من شأنها أن ترسخ التمييز الجنسي بين الرجل والمرأة، فيما يمكن أن يفلت الرجل من الجرائم “الأخلاقية” ذاتها في حين تتحول المرأة إلى جانية.

تقول لمياء لـ”درج”:  في الجرائم “الأخلاقية” والمتعلقة بالآداب العامة،  يتحول الرجل إلى شاهد مالك، أي الطرف الذي تؤخذ شهادته بإقامة العلاقة معه، من هنا يمكنه الإفلات من العقوبات المنافية للآداب بسهولة”. وتضيف: “في هذا تمييز واضح ضد الستات… بيتعاقبوا على جريمة الفجور أو ممارسة الدعارة بمنتهى البساطة، أما الرجل فيتحول إلى شاهد مالك كونه يثبت وقوع الجريمة نفسها”.

 النساء تقعن تحت قبضة التمييز مرتين، من المجتمع أولاً والقانون مرة أخرى، في الجرائم الأخلاقية والمتعلقة بالآداب العامة، تفترض معاقبة الأطراف كافة، لكن في الواقع يتحول الرجل إلى “شاهد مالك” أي الطرف الذي تؤخذ شهادته بإقامة العلاقة معه، من هنا يمكنه الإفلات من العقوبات المنافية للآداب بسهولة.

إنما هناك عقاب آخر أشد شراسة من القانون تواجهه النساء، في مثل هذه الأزمات، وهو الوصم المجتمعي، الذي يظل يلاحق أي امرأة لا توافق علاقتها الجنسية “مازورة” المجتمع ومقاييسه، فتارة توصف بالعاهرة أو المومس، وطوراً تخسر عملها وتسجن في صورة السيدة سيئة السمعة إلى الأبد.

 يحدث هذا فيما يتصالح المجتمع مع علاقات الرجال الجنسية سواء قبل الزواج أو بعده، بل ويضفي عليها ألقاباً بطولية مثل “مقطع السمكة وديلها، العنتيل، الولد الشقي”…

خالد يوسف ومواجهة رفع الحصانة

في تصريحات سابقة لعضو اللجنة التشريعية في مجلس النواب المصري، عاطف مخاليف، اعتبر أن لرفع الحصانة إجراءات محددة، ولا تتم جزافاً، فأولا يجب أن ترسل النيابة العامة طلباً إلى البرلمان، لإخضاع النائب إلى التحقيقات، لافتاً إلى أن النواب يرفضون الطلب في معظم الحالات، ليصبح رفع الحصانة بطلب من النائب نفسه للحفاظ على اعتباره.

وطبقاً للمادة 13، من الدستور المصري، فإنه لا يجوز إسقاط العضوية، إلا بعد فقدان الثقة، أي القيام بشيء مخل بأحد شروط الاعتبار التي انتخب على أساسها، ويكون ذلك بعد استنفاد جميع درجات التقاضي وعرض القرار على لجنة القيم بالبرلمان، ثم في الجلسة العامة.    

المناضل الذي تخلى عن دوره

الناشطة النسوية غدير أحمد، عبرت عن غضبها من حالة التضامن والاحتفاء بعودة المخرج خالد يوسف مرة أخرى، “كان يجب الابتعاد منه إكراماً لمنى فاروق وشيما الحاج اللتين تدمرت حياتهما بالكامل بسببه، ودفعتا ثمن اختياراتهما من دون أن يشاركهما هو ولو بجزء بسيط بل تنصل منهما تماماً”.  قالت ذلك في مقطع مصور على حسابها الشخصي على “إنستاغرام”.

 مع الذهاب للفرضية التي تقول أن العلاقة كانت رضائية بالكامل، ولم يكن بها أي تهديد أو محاولة ابتزاز من أجل حصول الفتاتين على أدوار فنية، لكن حتى في هذه الحالة كان يجب أن يدفع الطرف الأقوى نفوذاً وسلطة ثمن حدوث شيء غير متوقع أو متفق عليه، مثل تسريب الفيديو الجنسي المصور.

كان ينتظر منه ألا يتخلى عن دوره “النضالي” الذي يتشدق به دائماً، مثل أن يدافع عن حريته الشخصية في ممارسة العلاقات، وحق الفتيات أيضاً في ذلك طالما أنها علاقة لا تضر بأحد ولم تأتِ بالغصب.

أفعال كثيرة كان بإمكان المخرج المشهور القيام بها في وقت الأزمة، كانت ستعدل الكفة قليلاً، حتى وإن أثرت عليه بالسلب، لكنها ستضيف له الاحترام، وبالطبع ستزيح عن الفتاتين بعضاً من الوصم الذي لاحقهما.

 لماذا لم يعترف بزواجه العرفي من منى فاروق، أو يوكل محامي كبير للدفاع عنهما، أو يخاطب خصومه محاولًل الاتفاق معهم وابعادهم عن التنكيل بالفتيات لتخليص الحقوق على حسابهم.

الاستغلال الجنسي

المحامية لمياء لطفي، والناشطة غدير أحمد، أكدتا أن سلوك خالد يوسف لا نستطيع وصفه قانوناً بكونه استغلالاً جنسياً، وذلك لعدم تقدم أي من الفتاتين ببلاغ يتهمه بهذا.

ومع ذلك – بحسب لمياء- كان على القانون الممثل في النيابة العامة أن يجيب على أسئلة منها: هل العلاقة كانت رضائية بالكامل، ولم يكن هناك شخص ذو سلطة ما أعلى مثل مدير الشركة والسكرتيرة، أو أستاذ جامعة وطالبة وفي يده تحديد مصيرها وفق علاقته بها؟

أما غدير تقول:  إن المخرج لم يتحمل مسؤوليته بل استمتع بامتيازاته في وجه أشخاص أقل منه سلطة ونفوذاً،  “وهذا هو الاستغلال بعينه حتى إن لم يحكم القانون عليه بذلك”.

جريمة خالد يوسف الحقيقية ليست ممارسة الجنس، فالقانون كان محقاً حين أفلته من العقاب، لأنه ليس من حق أحد التلصص على غرف نوم الآخرين، أو التدخل في اختياراتهم وتفضيلاتهم الجنسية، لكن الجريمة الحقيقية التي ستظل ملاصقة له هي تهربه من تحمل مسؤولية أفعاله، وغسل يديه وتبرؤه من فتاتين دفعتا الثمن غالياً من سمعتهما وحياتهما. لم يعتذر خالد يوسف عن استغلال النفوذ والحماية داخل المجالين الفني والسياسي للإمتاع الجنسي من ممثلات صاعدات. استغلال سطوة المنصب جريمة حتى وإن لم يعاقب عليها القانون.

إقرأوا أيضاً: