fbpx

مأساة أطفال وأمهات من خارج إطار الزواج…
الإجهاض بين تكساس والكويت

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سواء كانت عملية إسقاط الجنين هي نتيجة علاقة “شرعية” أو “غير شرعية”، فإن أصواتاً تتعالى كلما أثيرت حادثة او شُرع قانون جديد متعلق بالإجهاض، نتيجة الخلاف الكبير بين ما يعرف بـ”دقات قلب الجنين” و”كونه قابلاً للحياة أساساً”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أم محمد سيدة التقيتها قبل سنوات في السعودية تحمل طفلها ذو الأربع سنوات، قالت لي إنها ولدته في السجن بعدما ألقي القبض عليها عندما تبين أنها حامل من دون زواج، غير أن محمد هو طفلها الثاني، فالطفل الأول أيضاً ولد إثر علاقة خارج إطار الزواج. وعلى رغم أن أسرتها حاولت في المرة الأولى احتواء الأمر وتربية الطفل بعد ولادته، إلا أن أم محمد سجنت حينها أيضاً لأن القانون يعاقب الحمل من دون زواج بالسجن والجلد.

في القصة تفاصيل كثيرة حول والدَي الطفلين ولكنني أود التركيز هنا على حالة الأم وطفليها كونها كانت المسؤولة عنهما. هذه القصة التي اطلعت عليها عن قرب وتتبعت تفاصيلها مع جهات مختلفة، دفعتني إلى طرح أسئلة كثيرة، لماذا لم تردع العقوبة في المرة الأولى السيدة عن تكرار فعلتها خصوصاً في بيئة ومجتمع وقوانين لا تتسامح مع خيارات فردية من هذا النوع؟ 

هل كانت أم محمد تتمتع بوعي كاف بالعلاقات الجنسية وما يترتب عليها؟ وهل يمكن إيجاد حلول بديلة عن السجن والجلد وضياع مستقبل أطفال يأتون إلى العالم من دون والدين غير متزوجين؟

أزمة تقنين الإجهاض هي من الملفات المثيرة للجدل منذ زمن بعيد والعالقة بين مؤيد ومعارض بخاصة بين الرجال الأقل معرفة بتجربة الحمل والولادة.

في الكويت تمكنت الجهات الأمنية منذ فترة قصيرة، من تحديد هوية والدة طفلة حديثة الولادة وُجدت بجانب حاوية قمامة على رصيف عام، بعدما أثارت الواقعة جدلاً على مواقع التواصل، ووفقاً للمعلومات الأولية فإن الأم كويتية الجنسية في عقدها الثالث، لكن لا معلومات حول ما إذا كانت ولادة الطفلة قد حصلت نتيجة علاقة رضائية أو حادثة اغتصاب أو غير ذلك. 

تزامناً مع هذا الحدث، دخل قانون جديد في ولاية تكساس الأميركية حيز التنفيذ والذي يحظر إجراء عملية الإجهاض بعد ستة أسابيع من الحمل. تعد ولاية تكساس جمهورية محافظة غير أنها شهدت خلال عام 2020 نحو 53 ألف عملية إجهاض!

وسواء كانت عملية إسقاط الجنين هي نتيجة علاقة “شرعية” أو “غير شرعية”، فإن أصواتاً تتعالى كلما أثيرت حادثة او شُرع قانون جديد متعلق بالإجهاض، نتيجة الخلاف الكبير بين ما يعرف بـ”دقات قلب الجنين” و”كونه قابلاً للحياة أساساً”، فهل دقات القلب بعد 6 أسابيع من الحمل، وفقاً لقانون تكساس هو الدليل القاطع على أن الجنين روح ولا يحق لإنسان قتله! أم أن تكونه خلال الأربعة الأشهر الأولى هو الحد الادنى لإسقاطه قبل ان يصبح كائناً لا يجوز قتله! 

في منطقتنا وعلى رغم أن معظم التفسيرات الدينية للمذاهب الإسلامية، تميل إلى الرأي الأخير وهو الأكثر تسامحاً مع حق المرأة في إجهاض جنينها وتقديم الرحمة لجنين قبل أن يتكون ويخوض معارك الحياة المؤرقة، إلا أن المرأة في الدول الإسلامية تواجه تطبيق حدود الشريعة على جانب آخر، إذا ما كان حملها نتيجة علاقة “غير شرعية”. هذا الأمر يدفع كثيرات إلى التخلص من أطفالهن بعد إنجابهن او محاولة إجهاضهم بطرائق شعبية غير صحية قد تضر بهن وبالاجنة في آن واحد. فلا المجتمع سيرحمهن ولا القانون سيغفر لهن، وليس أمامهن سوى خوض مغامرة يعلمن مسبقاً شدة خطورتها.

إقرأوا أيضاً:

في أواخر التسعينات، وصلت قضية التخلي عن الأطفال في الولايات المتحدة والتي تواجه عقوبات صارمة في معظم الولايات إلى ذروتها نتيجة الكثير من القضايا البارزة. دفعت هذه الحالات 38 ولاية إلى إصدار ما يسمى “قوانين الملاذ الآمن”… وفي ولاية تكساس اليوم يمنح القانون المناهض للإجهاض بعد 6 أسابيع المواطنين حق مقاضاة القائم بالإجهاض وكل شخص يساعد على ذلك ويحرض عليه، وتتجاوز عقوبات انتهاكات القانون العشرة آلاف دولار. وعلى رغم أن القانون الجديد قد تجاوز كل المطالبات بمنح المرأة حقها في اختيار مصير جنينها وعدم تعريض نفسها للخطر وحرمانها من اللجوء إلى الوسائل الصحية لضمان سلامتها، بخاصة أن ستة أسابيع هي مدة زمنية ضيقة جدا لمعرفة حدوث الحمل،  إلا أن الولاية ما زالت تتيح عمل الجمعيات التأهيلية والتي توفر خيارات لمساندة النساء غير الراغبات باحتضان أطفالهن، لأسباب كثيرة منها ما هو مالي أو صحي أو غيره، ومن بين هذه الخيارات، مساندة الأم ومنحها ما يلزمها لرعاية ابنها، أو التواصل مع أحد أفراد أسرتها لاحتضان الطفل بدلاً منها، أو تقديمه لمؤسسات التبني.    

عام 2017، قدرت اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية عدد وفيات الأطفال دون الخامسة عشرة بأكثر من 6 ملايين طفل، أي طفل كل خمس ثوان، معظمهم في السنوات الخمس الأولى من الحياة ونصف هؤلاء من حديثي الولادة نتيجة الظروف المعيشية ونقص الخدمات الطبية في بلادهم، لكن يبدو أن الأمر طبيعي لمناهضي الإجهاض، طالما أن الفقر وجشع كثيرين قتل هؤلاء الأطفال جسداً وروحاً، وليس امرأة قررت أن توقف نبضات قلبه، والحقيقة أن من لم يمت من الفقر أماته الجهل في الدول المتقدمة.

 أزمة تقنين الإجهاض هي من الملفات المثيرة للجدل منذ زمن بعيد والعالقة بين مؤيد ومعارض بخاصة بين الرجال الأقل معرفة بتجربة الحمل والولادة، وهي في الواقع نتيجة تراكمات لغياب حقوق المرأة والأطفال على حد سواء، لا سيما في المجتمعات المحافظة والتي يحكمها صوت رجل أناني، فلا عقوبات السجن أو الجلد أو حتى المناصحة نفعت للحد من انتشار العلاقات خارج إطار الزواج. ولم  يوفر الرجل المحافظ والمتمسك بحقه في التشريع والتجريم، أنظمة تحفظ حقوق الأم والطفل ليتفادى مطلبها في حق الإجهاض، أو حتى بدائل تطمئن الأمهات على مستقبل أبنائهن. فالنساء هنا وهناك ما زلن يناضلن من أجل أبسط حقوقهن وحقوق اطفالهن كالنفقة وتقسيم إجازة ما بعد الوضع بين الأم والأب. 

ما فعلته السيدة الكويتية وغيرها من السيدات اللاتي يتخلصن من أطفالهن هو تصرف متوقع في ظل غياب الحلول البديلة، فليس هناك أي جهة تحتوي الامر بأقل الاضرار، فالإجهاض ممنوع والحمل في إطار علاقة من خارج الزواج هو “زنا” يستوجب العقوبة، وفي كل الحالات هي وطفلها خاسران ولن يعيشا بطريقة طبيعية، ما قد يدفع كثيرات إلى التخلص من جزء من المشكلة حتى وإن رغبن فعلاً في احتضان أطفالهن.

إقرأوا أيضاً: