fbpx

هل تؤشر النكسات السياسية
الى أفول زمن الإسلام السياسي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مع تعثر مشروع الإخوان في تونس والمغرب وتشظيه في ليبيا وانهياره في السودان، بات السؤال الملح في خضم هذه التطورات هو، هل تغلق تلك النكسات قوس الإسلام السياسي في الفضاء الجغرافي العربي وفي خارجه وهل ترتد أزمة في تركيا؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تولّت جماعات الإسلام السياسي السلطة مشاركة أو قيادة في أكثر من دولة بعد ثورات الربيع العربي 2011، بفعل متغيرات جيوسياسية إقليمية ودولية في تلك الفترة وبروز فكرة “الديموقراطية الإسلامية”، إلا أنها اليوم تواجه نكسات سياسية متتالية كانت آخرها هزيمة قاسية لـ”حزب العدالة والتنمية” المغربي في الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي كانت نتائجها صادمة حتى لأحزاب ليبرالية ويسارية منافسة، بعدما تراجع الحزب من صدارة المشهد إلى مراتب متدنية جداً مقارنة بقوى سياسية أخرى غير وازنة. 

ولم يحصل إسلاميو المغرب إلا على 12 مقعداً مقارنة بـ125 مقعداً في الانتخابات التشريعية السابقة بعد نحو عقد في السلطة وهو أمر يطرح أسئلة تبدو مشروعة حول انهيار مشروع الإسلام السياسي في العالم العربي وتفكك مشروع التمكين الذي تقوده تركيا.

كما تطرح هزيمة “حزب العدالة والتنمية” المغربي شكوكاً حول العمر الافتراضي لحكم جماعات الإسلام السياسي عموماً استناداً إلى تجارب سابقة لم يتجاوز عمرها عاماً مع إخوان مصر و10 سنوات مع إسلاميي تونس وانهيار لحكم الإخوان في السودان بعزل الرئيس السابق عمر البشير بعد ثلاثة عقود من الحكم، وتعثر تجربة إخوان ليبيا، إضافة إلى مشاريع حكم تفككت قبل أن تتشكل على غرار ما حدث في الجزائر، حيث لم تنجح الأحزاب الإسلامية المثقلة بإرث العشرية السوداء، في تأمين موقع متقدم في خارطة سياسية يهيمن عليها “حزب جبهة التحرير الوطني” (الحزب الحاكم منذ الاستقلال)، على رغم مشاركة تبدو مربكة على خلفية إخفاق تلك الأحزاب في تشكيل جبهة قوية تنافس الحزب الحاكم والأحزاب العلمانية التقليدية، إذ فشلت كل محاولات التحالف بينها وفشلت معها في الوصول للسلطة أو مشاركة واسعة فيها.

تدابير قيس سعيد التي حظيت بدعم شعبي واسع، عرّت حقيقة أن “النهضة” لا تملك قاعدة شعبية، حيث لم يسجل أي تفاعل شعبي مع دعواتها إلى تظاهرات ضد قرارات الرئيس التونسي حتى من أنصارها. 

لجوء “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” (الفيس) بقيادة الراحل عباسي مدني، إلى السلاح في تسعينات القرن الماضي بعدما ألغى الجيش نتائج الانتخابات التشريعية التي قالت الجبهة حينها إنها فازت بها، أثر لاحقاً في قدرة الأحزاب الإسلامية في الجزائر على استقطاب الناخبين أو تشكيل قاعدة انتخابية وازنة، على رغم أنها تبرأت من ارتباطها بالجبهة الإسلامية المحظورة. 

وفي الأراضي الفلسطينية تُشكل تجربة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، نموذج حكم فريداً بأبعاده السياسية والإيديولوجية وبنطاقه الجغرافي المحدود تحت الحصار الإسرائيلي. وهي تجربة حكم امتدت من تاريخه (2007) بفعل خصوصية الوضع الفلسطيني واكراهات سياسية وهي أيضا نتاج دخول متاهة الانقسامات التي لم تنجح القوى الفاعلة ومنها حركتا “فتح” و”حماس” المتناقضتان ايديولوجياً، في الخروج منها في انتظار انتخابات رُحّلت إلى أجل غير مسمى.

وتجربة “حماس” التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها امتداد للتيار الإخواني يصعب الحكم عليها في ظل أنها تجربة تحت الحصار الإسرائيلي، تراوح بين قبضة حديدية في الداخل ومقاومة قوة محتلة، ما أكسبها إلى حدّ ما مشروعية سياسية.

الديموقراطية الإسلامية 

يجادل سياسيون ومفكرون إسلاميون بأن سبب تعثر وصول جماعات الإسلام السياسي إلى الحكم أو البقاء في السلطة هو نتاج ثورة مضادة ممولة خارجياً وداخلياً من دول تخشى تمدد فكرة الديموقراطية الإسلامية وهي الفكرة التي ظهرت في تسعينات القرن الماضي وبرزت بشكل أكبر بعد ثورات الربيع العربي. 

ويرى هؤلاء أن الإسلاميين لم يُمنحوا وقتاً كافياً لتطبيق رؤاهم السياسية والاقتصادية وأنهم واجهوا منذ البداية صدّاً وحشداً وتجييشاً ومحاولات شيطنة من قبل “الدولة العميقة” في كل بلد تولوا فيه الحكم أو شاركوا فيه. 

ويشير أصحاب هذا الرأي إلى تجربة إخوان مصر التي انتهت سريعاً (بعد عام فقط) بعد عزل الجيش الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان الراحل محمد مرسي في 2013 على اثر احتجاجات شعبية. كما أن تجربة إسلاميي تونس ممثلين في “حركة النهضة الإسلامية” التي هيمنت على الحكم بعد ثورة يناير 2011، عزلها الرئيس التونسي قيس سعيد راهناً بتدابير استثنائية اتخذها في 25 تموز/ يوليو استناداً إلى الفصل 80 من الدستور التونسي والتي جمّد بموجبها عمل البرلمان الذي تهيمن عليه “النهضة” ويرأسه رئيسها راشد الغنوشي.

لكن تدابير قيس سعيد التي حظيت بدعم شعبي واسع، عرّت حقيقة أن “النهضة” لا تملك قاعدة شعبية، حيث لم يسجل أي تفاعل شعبي مع دعواتها إلى تظاهرات ضد قرارات الرئيس التونسي حتى من أنصارها. 

والمشهد بتجلياته الراهنة يحيل إلى أن فشل تجارب حكم بعض تلك الجماعات أو تفكك مشاريعها ليس بسبب التعطيل من قوى مضادة بل هو مرتبط أكثر وأساساً بغياب رؤية واضحة سياسياً واقتصادياً ومحكوم بأجندة إيديولوجية.

وصول بعض تلك الجماعات إلى الحكم بعد 2011 من خلال انتخابات تعددية وديموقراطية لم يكن يستند إلى قاعدة شعبية وانتخابية متينة بقدر ما كان رغبة شعبية في التغيير والقطع مع إرث حكم النظم الاستبدادية في العالم العربي.

الرغبة الشعبية في التغيير بدورها لم تكن قناعة تستند إلى ثقة في رؤية سياسية واقتصادية للإسلام السياسي بقدر ما كانت مدفوعة بفكرة أخلاقوية وهي أن تلك الحركات الإسلامية ستحكم وتمارس السياسية ببعد أخلاقي وستحارب الفساد والمحسوبية وستؤسس لعدالة اجتماعية واقتصادية بمنطق أنها “تخاف الله”. 

الرغبة الجامحة في الاستعاضة عن الاستبداد بالتغيير والإصلاح، دفعت الشعوب عن وعي وبلا وعي للتصويت لأحزاب إسلامية حرصت على أن تظهر وكأنها تختزل الدين والدنيا وأن الخلاص بيدها.   

وهذا جانب نفسي يبدو مفهوماً ومبرراً في سياقاته وهو أمر شرحه عالم النفس الجماعي الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه الشهير “سيكولوجية الجماهير”، حين تحدث عن فكرة انخراط الجماهير (الشعوب) في أفعال ما لا يعونها إلا بعد أن يستفيقوا.

رد الفعل الجماهيري في سياقاته السياسية “بعد الاستفاقة” هي مثلاً في الحالة المغربية، تصويت عقابي هوى بحزب العدالة والتنمية المغربي من المرتبة الأولى وبهيمنة امتدت عشر سنوات، إلى المرتبة الثامنة.

وفي الحالة التونسية تمثّل رد الفعل بعد الاستفاقة، في تجاهل الجماهير بمن فيهم أنصار “النهضة الإسلامية”، دعوات النصرة التي أطلقها راشد الغنوشي. في المقابل، كان رد فعل الجماهير عقاباً للنهضة بتأييد شعبي واسع لقرارات الرئيس التونسي.  

استشراء الفساد والتدهور الاقتصادي واستغلال النفوذ في دول حكمتها حركات إسلامية أو شاركت في حكمها، عوامل شكلت مجتمعة استفاقة وإن متأخرة من الجاذبية الأخلاقوية لتلك الحركات.  

إقرأوا أيضاً:

الحاضنة والقاطرة التركية

على ضوء ما سبق، من المتوقع أن تتأثر تجربة الحكم في تركيا بقيادة “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي المحافظ باعتبارها الحاضنة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، التنظيم التاريخي الذي ولدت من رحمه جماعات الإسلام السياسي وباعتبارها أيضاً قاطرة مشروع التمكين لتلك الجماعات.

وتلقى مشروع التمكين ضربات متتالية بداية بفشل تجربة حكم الإخوان في مصر ثم انهيار حكم الإسلاميين في السودان، مع سقوط نظام البشير على اثر احتجاجات شعبية واسعة، اضطر معها الجيش إلى عزل الرئيس الذي وصل قبل 30 عاماً إلى السلطة بانقلاب عسكري بإيعاز حينها من الجبهة القومية الإسلامية.

وانكفأ إسلاميو السودان بعد سقوط البشير بإعلانهم العودة إلى الحاضنة الاجتماعية أي العودة إلى العمل الدعوي والإنساني لترميم التصدعات الداخلية والتسلل مجدداً للنسيج المجتمعي تحت هذه العناوين وهي أدوات ناعمة لطالما استخدمتها الحركات الإسلامية لاستقطاب الأنصار.

ومع تعثر مشروع الإخوان في تونس والمغرب وتشظيه في ليبيا وانهياره في السودان، بات السؤال الملح في خضم هذه التطورات هو، هل تغلق تلك النكسات قوس الإسلام السياسي في الفضاء الجغرافي العربي وفي خارجه وهل ترتد أزمة في تركيا؟

وثمة مؤشرات على أن “حزب العدالة والتنمية” التركي ذاته يواجه أيضاً أزمات وتصدعات داخلية بدأت منذ هزيمته في الانتخابات البلدية عام 2019 بخسارة قاسية لأهم بلديتين هما أنقرة واسطنبول إلى مدن أخرى في المناطق ذات الغالبية الكردية. 

وتعد الانتخابات البلدية محراراً لنبض الشارع التركي وترسم مبكراً حظوظ الأحزاب في الانتخابات العامة المقبلة والمقررة عام 2023 وهو ما دفع “حزب العدالة والتنمية” إلى إطلاق حملة دعاية مبكرة، مدفوعاً بمخاوف من تراجع حظوظه.

ويعيش الحزب الإسلامي في تركيا حالة من التشظي بعد انشقاقات واسعة شملت قادة من الصف الأول وحلفاء سابقين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أبرزهم رئيس وزرائه الأسبق أحمد داود أغلو والوزير الأسبق علي باباجان.

ويأخذ المنشقون عن “العدالة والتنمية” على أردوغان انحرافه عن مبادئ الحزب وميله إلى التفرد بالقرارات سواء داخل الحزب أو الدولة. 

ويخوض انتخابات 2023 برصيد من النكسات السياسية والاقتصادية وبشعبية تراجعت بشكل كبير على ضوء الأزمات متعددة الرؤوس والتي فاقمتها جائحة “كورونا” وحرائق الغابات.

وتعرض النظام التركي لانتقادات حادة بسبب سوء إدارة الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فايروس “كورونا” وأزمة الحرائق بسبب تأخر التحرّك وعدم إعداد خطط استباقية للتعامل مع مثل تلك الكوارث الطبيعية، مع أن الحكومة التركية تتعامل سنوياً مع حرائق الغابات وفي توقيتات الحرائق الضخمة التي واجهتها في العام 2021. 

إقرأوا أيضاً: