fbpx

قيس سعيد يستعيض عن الميديا
التونسية بإعلام الإمارات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الرئيس سعيد لا يحب الإعلام التونسي لأنه يعتبره جزءاً من منظومة الفساد التي يرغب في اجتثاثها، كما يعتبره مرتهناً للمنظومة القديمة التي تمثلها “حركة النهضة” الإسلامية مع حلفائها من حزب بن علي وغيرهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مذ أخذ الرئيس قيس سعيد بزمام الحكم  في أواخر 2019، كان له موقف معادٍ للإعلام التونسي الذي اعتبره فاسداً وأداة في يد اللوبيات وأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية. ولم يتغير هذا الموقف في 25 تموز/ يوليو وبعده، لا بل زادت حدته ليضاعف الرئيس تجاهله وسائل الإعلام المحلية. في حين، يتعامل بأريحية مع الإعلام الأجنبي وبخاصة الإماراتي.

أثار تصريح رئيس الدولة لقناة “سكاي نيوز” الإماراتية الأخير، أثناء تجواله ليلاً في شارع الحبيب بورقيبة بعد حادثة إحراق شخص نفسه في المكان ذاته من صباح ذاك اليوم، جدلاً كبيراً في تونس، بخاصة في صفوف الصحافيين، إذ حظي مراسل القناة الذي كان في الشارع الرئيس للعاصمة على تصريح حصري من قيس سعيد، في حين لم تحصل وسيلة إعلام محلية واحدة على هذا الشرف، عدا القناة الوطنية الحكومية والتي تحولت منذ تاريخ 25 تموز إلى بوق للدعاية الرئاسية.

المدهش في الأمر أن مراسل “سكاي نيوز” كان موجوداً في المكان المحدد وفي توقيت زيارة الرئيس إلى شارع الحبيب بورقيبة التي كانت “مفاجئة”! هذا يفترض ربما وجود تنسيق بين مصالح رئاسة الجمهورية وهذه القناة، باعتبار أنه كان المراسل الوحيد الموجود في المكان، إضافة إلى مراسل التلفزة الوطنية. 

والأدهى من ذلك أن الرئيس التونسي الذي تكتّم لأسابيع على توجهاته للمرحلة المقبلة، بحيث أدخل البلاد برمتها في حالة ترقب دائم وقلق كبير، اختار القناة الإماراتية ليعلن عن نيته في إجراء تعديل دستوري واستفتاء عليه، إضافة إلى انشغاله حالياً باختيار تركيبة الحكومة المقبلة التي سيتم الإعلان عنها  قريباً!

قبل هذه الحادثة بيومين، ظهر مستشار رئيس الجمهورية، وليد الحجام على قناة “سكاي نيوز” العربية في حوار، قدم فيه معلومات مهمة حول توجهات الرئيس، معلومات لم يدل بها إلى أي وسيلة إعلام محلية، من قبيل ميل سعيّد إلى تعديل النظام السياسي في تونس عبر الاستفتاء وهو ما يفترض تعليق الدستور وإصدار نظام موقت للسلطات.

فتحت هذه التصرفات الباب على مصراعيه أمام أسئلة كثيرة حول سياسة رئاسة الجمهورية وتوجهاتها: فهل هي القطيعة التامة مع الإعلام التونسي المحلي؟ وإن كان كذلك، فما البديل؟ هل هو الإعلام الأجنبي، تحديداً الإماراتي؟ وإن كان هذا هو واقع الحال، فماذا يختلف سعيد عن المنظومة السابقة بقيادة “النهضة” التي كانت تُعادي الإعلام المحلي وتفضّل الإعلام القطري؟ وهل قدر الإعلام التونسي أن يكون منبوذاً في بلد يدعي تبني الديموقراطية؟

يوضح مهدي الجلاصي، نقيب الصحافيين التونسيين، لـ”درج” أن “السياسة الاتصالية أو الإعلامية لرئاسة الجمهورية قاصرة ولا تؤدي دورها، بدليل انتشار الإشاعات والأخبار الزائفة وعدم تقديم المعلومة للمواطنين الذين يعيشون في حالة حيرة”. وكانت النقابة الوطنية للصحافيين طالبت في مناسبات عدة رئاسة الجمهورية بأن تكون لها سياسة اتصالية واضحة وأن تقوم بنقاط صحافية دورية توضح فيها الرؤية والإجراءات الخاصة بالمرحلة المقبلة، وهو ما لم يستجب له قيس سعيد إلى حد الآن.

في المقابل، تُفضّل الرئاسة التعامل مع الإعلام الأجنبي، فعدا قناة “سكاي نيوز”، أدلى مستشار الرئيس وليد الحجام بتصريح حصري لوكالة “رويترز”. في الوقت نفسه، لا ينفك الصحافيون التونسيون يتقدمون بطلبات لرئاسة الجمهورية للحصول على تصريحات أو حوارات أو حتى معلومات، من دون أن تجد طلباتهم أي تفاعل. حول هذه النقطة، يُوضح الجلاصي أنه “من حق رئاسة الجمهورية إذا كانت تريد مخاطبة الخارج أن تقوم  بذلك من طريق وسائل إعلام أجنبية، ولكن من حق مواطنيها عليها أن تخاطبهم عبر وسائل الإعلام المحلية، عمومية كانت أو خاصة”.

واقع الحال يُثبت أن هناك استقواء على الإعلام التونسي بالإعلام الأجنبي.

الإعلام شر لا بد منه؟

الجدل الخاصل اليوم حول علاقة السلطة بالإعلام، يجب ألا ينسينا معطى مهماً وهو أن قيس سعيد لا يؤمن أساساً بدور الإعلام كوسيط بينه وبين الجمهور، فهو يؤمن بالخطاب المباشر والأحادي. والدليل على ذلك الخطب العصماء التي يلقيها على زائريه في القصر أو خلال اجتماعات مجلس الأمن القومي والتي يقوم فريقه بتصويرها وبثها على الصفحة الرسمية للرئاسة. وفي هذه الفيديوات، لا يظهر سوى قيس سعيّد وهو يتكلم في مونولوغ طويل، لا يجرؤ أحد على قطعه. وخلنا أن الأمر سيختلف خلال لقائه بالوفود الأجنبية التي لا تنفك تزور تونس منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية، ولكن شيئا لم يتغير، حتى إن مراسلة صحيفة “نيويورك تايمز” قالت عن مقابلتها الرئيس سعيد مع وفد من الصحافيين الأميركيين الآخرين “رئيس تونس ألقى علينا محاضرة ولم يسمح لنا بطرح أي سؤال”.  فسعيّد يعتبر أن هذه الطريقة تفي بالغرض لإيصال وجهة نظره.

 لكن انفتاحه النسبي حالياً على الإعلام وتحديداً الأجنبي، يأتي أساساً كنتيجة للضغوط الأجنبية المسلطة عليه، بخاصة من قبل شركاء تونس التقليديين كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ليُوضح الخطوات المقبلة التي سيقوم بها وإذا كان سيبقى ضمن إطار الديموقراطية واحترام الدستور أو أنه سيحيد عنها.

بقي السؤال لماذا لا يقوم بذلك من طريق الإعلام المحلي الوطني؟

الرئيس سعيد لا يحب الإعلام التونسي لأنه يعتبره جزءاً من منظومة الفساد التي يرغب في اجتثاثها، كما يعتبره مرتهناً للمنظومة القديمة التي تمثلها “حركة النهضة” الإسلامية مع حلفائها من حزب بن علي وغيرهم. اختار سعيد أن يضع جميع الإعلاميين في سلة واحدة ويقطع معهم من دون استثناء، وهو ما فعله مع الطبقة السياسية برمتها، ليُعمّق بذلك عزلته الإعلامية والسياسية.  وهو أمر غريب، إذا ما تذكرنا أن قيس سعيد بنى أسطورته عبر الإعلام، إذ عرفه الشعب التونسي منذ 2011 كأستاذ القانون الدستوري الذي كان يملأ المنابر الإعلامية في القنوات التلفزيونية والإذاعات ليُفسّر فصول الدستورين القديم والجديد. كما أنه لم يتوان عن استغلال الفرص التي قدمها له هذا الإعلام الذي يرفضه اليوم، للقيام بحملته الانتخابية والظهور في المناظرات التلفزيونية للدفاع عن مشروعه الانتخابي. فهل كان ذلك كله مجرد مناورة للوصول إلى السلطة؟

إقرأوا أيضاً:

ولأنه لا يستطيع حتى وإن أراد، الاستغناء نهائياً عن وسائل الإعلام، فقد راهن على وسيلتين: أولاً القناة التلفزيونية الحكومية التي تحولت، منذ الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية، وبقدرة قادر، إلى بوق للدعاية، حيث انعدمت “البلاتوهات” السياسية، وإن فتح حديث سياسي فلا تستقبل المنابر إلا الشخصيات التي تُساند القرارات الرئاسية. أما نشرة الثامنة مساء والتي يشاهدها عدد كبير من التونسيين يومياً، فأصبحت استعراضاً للأنشطة الرئاسية وكأنها نشرة أخبار من عهد زين العابدين بن علي.

ثانياً، راهن الرئيس على الإعلام الخارجي لإيصال صوته إلى الخارج ولكن أي إعلام اختار؟ التطورات الأخيرة تشير إلى أن هناك ميلاً من الرئاسة إلى التقرب من الإعلام الإماراتي، ممثلاً بقناة “سكاي نيوز” التي، عدا التصريحات الحصرية التي حصلت عليها، أصبحت تبُثّ معلومات مهمة عن أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة، في حين لا تمتلك هذه المعطيات أي وسيلة إعلامية تونسية. 

ولذلك تفسيره أيضاً، فقيس سعيد لم يخف أبداً تقاربه من المحور الإماراتي- المصري، لمواجهة المحور القطري- التركي، وإخراج الإسلاميين الذين كانوا يتربصون به، من الحكم. بالتالي، بدا من البدهي، أن يتمتع الإعلام الإماراتي بحظوة لدى المنظومة الجديدة للحكم، تماماً كما كانت قناة “الجزيرة” القطرية تتمتّع بحظوة لدى منظومة الحكم القديمة، لأن كل حاكم يعتقد أن الإعلام يجب أن يكون مسانداً تماماً له وإلا فلا فائدة منه.

يرفض أحد مراسلي “سكاي نيوز” العربية في تونس، سيف الدين العامري، ما يُقال حول أن القناة التي يعمل فيها تتمتع بمزايا على حساب الإعلام التونسي، ويقول “في الأخير، نحن كلنا صحافيون ولا يمكن أن يُلام صحافي لأنه حصل على سبق أو تصريح حصري من رئاسة الجمهورية، لكن في الوقت نفسه، أتفهم كصحافي تونسي قبل أن أكون مراسلاً لقناة أجنبية، مطالبة زملائي من الإعلام المحلي بحقهم في الحصول على المعلومة من رئاسة الجمهورية وأعتبر أن لهم الأولوية في ذلك”.

واقع الحال يُثبت أن هناك استقواء على الإعلام التونسي بالإعلام الأجنبي. وكما تتعالى الأصوات لتخوين السياسيين الذين يحاولون الاستقواء على القرار السياسي في بلادهم بطلب الدعم الأجنبي، باعتبار أن في ذلك مساً بالسيادة الوطنية، فإن الشيء نفسه يمكن أن ينطبق على تجاهل الإعلام المحلي لفائدة إعلام الخارج، لأن الصحافة سلطة وليست بذخاً وهي جزء من سيادة الدولة، وإلا فلماذا عندما يحصل تغيير للسلطة في أي بلد في العالم، أول شيء يفعله الحاكم الجديد أو المنتصر في الانتخابات هو التوجه بخطاب للشعب عبر هذا الإعلام!  

إقرأوا أيضاً: