fbpx

جانب آخر من فكرة “التراضي”
في العلاقة الحميمة والنظرة إلى الجنس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تدرِّس آميا صفاً جامعياً عن النظرية النسوية- أرى بين مجموعة من الكتب المكدسة قرب النافذة عدداً من الكتب التي قرأتها بنفسي عندما كنت شابة ترتدي المشمل (الأفرول) الجينز- وتؤكد أن “مسألة المواد الإباحية” إجبارية بشكلٍ أو بآخر في صفٍّ كهذا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أستاذة جامعية إشكالية يصفها البعض بأنها “نجمة” ستغير طريقة تفكيرنا في مبدأ “التراضي” في العلاقات الجنسية، في حين يصفها آخرون بأنها وحدها المنقذة للفلسفة التحليلية، على الأقل في ما يتعلق بما يفعله الناس بعد خلع ملابسهم.

على رغم أن كلية “أول سولز” (All Souls)- بطرازها القوطي الأبيض العظميّ الذي يستطيع البشر الفانون أمثالنا التأمل فيه من ميدان رادكليف المجاور، من تصميم المبدع نيكولاس هوكسمور- وهي إحدى أجمل كليات جامعة أوكسفورد على الإطلاق، إلا أنها أيضاً إحدى أغربها وأكثرها نخبويةً. لا تملك هذه الكلية كياناً طلابياً كما هو معروف، ولكن كل عام قد يتقدم عدد صغير من حديثي التخرج الذين يودون الحصول على زمالة الجائزة بطلب الخضوع لاختبارٍ يشتهر بصعوبته وغموضه، ويكون عليهم في هذا الاختبار، كما أخبرني مرشد سياحي، “كتابة مقال عن كلمة واحدة فقط، مثل كلمة (جوز الهند) (coconut)”. وكما نما لعلمي من استراق السمع قليلاً، فقد اجتاز توماس إدوارد لورانس (لورانس العرب) هذا الاختبار بينما رسب فيه هارولد ويلسون (رئيس الوزراء البريطاني الأسبق).

تضحك آميا شرينيفاسن من قلبها في حجرتها الجميلة التي تكسو جدرانها الألواح الخشبية في كلية أول سولز (All Souls) -والتي تذكرني بالملابس القطيفة المضلعة والمرقَّعة ومشروب الشيري، على رغم أن صاحبتها الحالية ترتدي حذاء أديداس رياضياً وتحب مشروب المارتيني- وتقول: “أجل! هؤلاء المرشدون دائماً ما يختلقون قصصاً مثل: الجميع هنا كهنة أو الجميع هنا رجال. أو يقولون للناس: ستيفن هوكينغ موجود بالداخل الآن. ولكن على الأقل قصة الاختبار صحيحة نوعاً ما”. وبما أنها قد اجتازت هذا الاختبار بنجاح عام 2009- كان عليها أن تكتب عن كلمة “التناسل”  (reproduction)- فقد كانت زميلة (زمالة جائزة) في الكلية حتى عام 2016 عندما أصبحت أستاذة محاضِرة في كلية لندن الجامعية (وتم إلغاء الجزء الخاص بمناقشة الكلمة الواحدة من الاختبار في العام التالي). ولكنها الآن عادت إلى الكلية، ففي كانون الثاني/ يناير الماضي، قبلت منصب أستاذ كرسي شيشيل في النظرية السياسية والاجتماعية في كلية “أول سولز” (All Souls)، وهو المنصب الذي شغله سابقاً الفيلسوف أشعيا برلين، وهي أول امرأة وأول شخص من غير البيض يشغل هذا المنصب، كما أنها أصغر مَن شغِله فعمرها 36 سنة فقط.

تشتهر أوكسفورد برتابتها وثباتها، وفي ذلك الصباح، بدت كموقع تصوير فيلم، وكانت هادئة بشكلٍ مخيف نظراً إلى غياب السياح. كانت سمعة آميا شرينيفاسن خارج نطاق الجامعة حتى هذه اللحظة تقوم على مسائل أكثر ارتباطاً بالعنصرية، على رغم أن موقع الكلية (فالكلية ليست نخبوية لدرجة عدم امتلاك موقع الكتروني!) يذكر “المنهج الفلسفي والإبستمولوجي” ضمن اهتماماتها البحثية.

اعتبرتها وسائل الإعلام نجمة الفلسفة بفضل كتابها الجديد الذي حظي بكثير من الإشادة؛ “الحق في الجنس” (The Right to Sex)، وهو عبارة عن مجموعة مقالات تتناول موضوعات شائكة مثل المواد الإباحية، والعلاقات بين الأساتذة والطلاب، وظهور مجتمع العازبين رغماً عنهم (Incels). يبهرنا العدد الحالي من مجلة Vogue بوصفها بأنها “نجمة” ستغير طريقة تفكيرنا في التراضي في العلاقات الجنسية، في حين تصورها مجلة Prospect -المجلة التي يتوقع المرء أن تكون أكثر تفاؤلاً في هذه الأمور- بأنها وحدها المنقذة للفلسفة التحليلية، على الأقل في ما يتعلق بما يفعله الناس بعد خلع ملابسهم. كتب الصحافي الشاب المتحمس الذي أجرى معها الحوار، قبل لقائه بها يقول: “الجنس (الآن) هو مسرح الأحداث”.

الجنس قد يكون أمرين في وقتٍ واحد، فقد لا يشعر المرء بأنه أمر صائب على سبيل المثال حتى وإن لم يكُن خاطئاً من الناحية القانونية، وهو ما يجعل السيطرة عليه بالغة الصعوبة.

لا بد أن التعلم على يد آميا شرينيفيسن مشوِّق، فأراهن أن بإمكان المرء أن يسمع صوت الصمت في محاضراتها. ولكنني أيضاً مهتمة برأي زملائها الأساتذة فيها. لو كنا في إحدى روايات ديفيد لودج التي تدور أحداثها في الحرم الجامعي، لأصبحت الإثارة (والحسد بلا شك) واضحة بشكل مخيف عند تناول العشاء. تضحك آميا مجدداً وتقول مازحةً: “كان ديفيد لودج على صوابٍ في أمور كثيرة. لم أذهب لتناول العشاء في الكلية مذ ذاعت شهرة كتابي، ولكنني واثقة بأنه ستدور بشأنه… محادثات”.

ولكن سأدعني من المزاح، فهي لا تعتبر أوكسفورد ضيقة الأفق لهذا الحد- وتصر على أن أوكسفورد تبدو من الداخل شديدة “الحيوية”- وأنها لم تتمكن من العمل في مثل هذه الموضوعات الصعبة من الأساس سوى بفضل الجامعة.

وتضيف: “هذه الحجرة جميلة للغاية، وهي ترمز للمساحة والمسافة التي يحصل عليها الأكاديمي للعمل، ولكننا ندرِّس طلاباً في طليعة الثقافة، ولا يستطيع شخصٍ في وضعي ألَّا يكون متصلاً بهذه الطليعة، فهي لَجدلية مثمرةٌ لي أن أتمكن من التفاعل مع الطلاب الذين تمثِّل لهم هذه المسائل أولويةً سياسية ملحة. لم أفكر مطلقاً في غرابة موضوع الجنس، فهو يمثل لي أمراً بالغ الجدية من الناحية السياسية. إذا كنتِ منغمسةً في تاريخ الفكر النسوي، لن تفكِّري بأنه ما من مكان مناسب هنا لنقاشات من هذا النوع”.

هل يتسم طلابها بالعقل المنفتح مثلها بالقدر نفسه؟ نسمع كثيراً عن حملات المقاطعة بعدم إتاحة منصات للتعبير والتحذيرات من المحتوى المؤلم للبعض. تهز آميا رأسها قائلةً: “من الصعب حقاً الحديث عن المزاج العام بسبب الجائحة، فيشعر المرء أنه معزول عن الكيان الطلابي عموماً حتى إذا كان ينمِّي علاقات وثيقة ببعض الطلاب على وجه الخصوص. الأمر الأوضح أمامي الآن هو مدى صعوبة الجائحة على الطلاب؛ فقد كنتُ في مجلس امتحانات في الفترة الأخيرة وكنتُ أقرأ استمارات الأعذار عن الامتحانات، التي تكون عادةً نحو عشر استمارات أو أكثر قليلاً، ولكن هذه المرة قدَّمها معظم الطلاب، وكانت جميعها أعذاراً مقنعة تماماً؛ مثل: حالات وفاة، قلق، اكتئاب، الإصابة بـ”كوفيد- 19” لفترة طويلة، عدم إمكانية الاطلاع على الأرشيف… وغيرها من الأعذار المشابهة.

وأردفت: “ولكن بناءً على خبرتي في التدريس، فطلابي يبدون أنهم يشعرون بالحرية الشديدة ويتمتعون بنطاقٍ واسع من المنظورات السياسية المختلفة. نحن الآن في وسط مجموعة جديدة من الحروب الثقافية، فهناك بالطبع أسئلة عن كيفية تحقيق التوازن بين حاجة الطلاب إلى دخول الصف الدراسي على أرضية متساوية في ما يتعلق بالاحترام، وطبيعة التعليم الصعبة التي تمثل تحدياً، وتهديداً. ولكن المحادثات العامة في وسائل الإعلام الرئيسية وعلى موقع “تويتر” عن ذوي الحساسية المفرطة اختزالية وذات دوافع أيديولوجية”.

“الحق في الجنس”

جاءت فكرة كتاب “الحق في الجنس” من مقال “هل لأي شخص الحق في الجنس؟” (Does anyone have the right to sex)، الذي نشرته آميا شرينيفاسن في مجلة “لندن ريفيو أوف بوكس” عام 2018؛ والذي كان مقالاً فكرياً مثيراً للعقل وتميَّز باستخدامه العابر (وإن لم يكن عابراً تماماً) لكلمة “الجاذبية الجنسية”، وباهتمامه بالمِحَن التي يتعرض لها الرجال الآسيويون على تطبيق Grindr للمواعدة. وجد هذا المقال صدى لدى القراء، لذا اقترح أحد الناشرين عليها الإضافة إليه وتحويله إلى كتاب. هل كانت مستعدة لذلك؟ أجل، كانت مستعدة.

تقول آميا: “كانت لدي مجموعة من الشواغل الخاصة بالجنس باعتباره ظاهرةً سياسية. وددت أن أكتب مقال (الحديث إلى طلابي عن المواد الإباحية) بالتحديد بسبب دهشتي من استجابة الطلاب لتدريسهم الجدالات التي دارت حول المواد الإباحية في أواخر السبعينات، ومقال (عن عدم ممارسة الجنس مع طلابك) وهو نابع أيضاً من تجاربي الخاصة، وبالأساس تجربة التحول من طالبة إلى أستاذة. وفي الحالتين كنت أفكّر: كيف نتوصل إلى تعبير أفضل عن الأمر الإشكالي هنا؟”.

تدرِّس آميا صفاً جامعياً عن النظرية النسوية- أرى بين مجموعة من الكتب المكدسة قرب النافذة عدداً من الكتب التي قرأتها بنفسي عندما كنت شابة ترتدي المشمل (الأفرول) الجينز- وتؤكد أن “مسألة المواد الإباحية” إجبارية بشكلٍ أو بآخر في صفٍّ كهذا. في البداية، لم تكُن تريد ذلك، إذ تخيلت أن طلابها في القرن الحادي والعشرين سيظنون أن نسويات السبعينات مثل آندريا دوركين وكاثرين ماكينون متحفظات وتقليديات، وتابعت: “المفاجأة أنهم لم يظنوا ذلك!”، واستوعبت بعد ذلك أن طلابها ينتمون إلى أول جيل يكبر جنسياً في عالمٍ تشيع فيه المواد الإباحية، فلديهم حسٌّ زائد بقوة تأثيرها، فلا يعتقد كثرٌ منهم أنها تصوِّر تبعية النساء فحسب، بل أنها تجعل هذه التبعية حقيقية.

وقالت: “بدت هذه فكرة راديكالية، صدمني انجذابهم الغريزي إلى النسوية المناهضة للمواد الإباحية، حتى مع علمهم باستحالة السيطرة على الإنترنت”. تحذر آميا في مقالها من الطريقة التي قيَّدت بها المواد الإباحية الخيال الجنسي، فقد تحوَّل كما كتبت في المقال إلى “آلة محاكاة عاجزة عن تطوير ابتكاراتها الخاصة”. ولكنها لن تدعو إلى الرقابة، لأنها تؤمن كما يبدو بأن الأمر سينتهي بهذه الرقابة كغطاء للهجوم على الأقليات الجنسية، فتؤكد أن حظر التوجهات الجنسية الهامشية يعني تعزيز هيمنة الاتجاه الجنسي السائد”، وكذلك تعزيز الكراهية السائدة للمرأة.

إقرأوا أيضاً:

“الحديث مع طلابي عن المواد الإباحية” 

يعبِّر مقال “الحديث مع طلابي عن المواد الإباحية” جيداً مقارنة ببقية المقالات في كتاب “الحق في الجنس”، فهو أولاً منشغل بشدة بالموجة الثانية المسكينة للنسوية، وهي الحركة التي تتنصل منها (أو تتجاهلها من الأساس، وهو الأمر الأسوأ) كثيرات من الشابات الأصغر اللاتي يعتبرن أنها كانت تتمتع بامتيازات مهلكة (أي تتألف من نساءٍ بيض من الطبقة الوسطى). وتقول في هذا الصدد: “يرغب الناس في أن ينأوا بأنفسهم عن تلك الحقبة، ولكن طلابي يجدون هذه النصوص -التي كتبتها نساءٌ مثل روبن مورغان وشولاميث فايرستون– مشوقة ومثيرة كما يجدون مثلاً جمهورية أفلاطون مشوقة ومثيرة”. وثانياً: يعزف هذا المقال غالباً عن التعامل مع الأمور من منظورات مطلقة، فتخبرني آميا: “التوجه المنهجي الأعم للكتب هو التبني الثابت للتضاد”؛ فالجنس قد يكون أمرين في وقتٍ واحد، فقد لا يشعر المرء بأنه أمر صائب على سبيل المثال حتى وإن لم يكُن خاطئاً من الناحية القانونية، وهو ما يجعل السيطرة عليه بالغة الصعوبة.

ولكن هذا لا يعني أن آميا شرينيفاسن لا تتبنى من حينٍ إلى آخر ما يرى بعض الناس أنه لا يمكن تبنيه، ففي المقال بعنوان “الحق في الجنس”، كانت تخشى في بعض اللحظات أن تكون قد أعطت اهتماماً أكثر من اللازم لأمثال إليوت رودجر؛ الشاب البالغ 22 سنة، الذي ترك دراسته الجامعية وأصبح عام 2014 أشهر العازبين رغماً عنهم، إذ قتل رودجر ستة أشخاص وأصاب 14 شخصاً في سانتا باربرا قبل أن يطلق الرصاص على نفسه. وقد يواجه بعض القراء صعوبةً في تقبل فكرتها عن أنَّ للحث على “تصديق النساء” حدوداً. فقد كتبَت: “في حالة كثير من النساء من غير البيض، تثير التوصية النسوية السائدة بتصديق النساء ووسم #IBelieveHer أسئلةً أكثر مما تجيب عنها، فمن نصدق؟ المرأة البيضاء التي تقول إنها تعرضت للاغتصاب أم المرأة ذات البشرة السوداء أو السمراء التي تصر على أن هذه مكيدة للإيقاع بابنها؟”.

وفي مقال عن العلاقات بين الأساتذة والطلاب، تكتب آميا عن جين غالوب؛ الأكاديمية والنسوية الأميركية التي اتُّهِمت بالتحرش الجنسي بطالباتها (اعترفت جين غالوب بالعلاقات التي تربطها بأولئك النساء ولكنها أنكرت تهم التحرش). تقول آميا: “يظن بعض الناس أنني لم يكُن عليَّ التحدث في هذا الأمر على الأرجح، وقد يعتبرونها معتدية، ولكن الكتاب الذي ألفته عن تجاربها يُعد نصاً نسوياً نوعاً ما، ويمكن تعلُّم الكثير من أدائه ومواطن الجمال في وقفات الصمت والمجاز بالحذف فيه”. (قرأت هذا الكتاب أيضاً وأرى أنها محقة في هذا الأمر).

“في أواخر الستينات، أعادت النساء التفكير في كل شيء، كان هناك حماسة فياضة راديكالية، ولكن على مدار عقدين، تقوضت تلك الطاقات وأُعيد توجيهها نحو غايات إشكالية سياسياً.”

عن آميا…

وُلِدت آميا شرينيفاسن لأبوين هنديين في البحرين، ونشأت في تايوان ونيوجيرسي ونيويورك وسنغافورة ولندن (يعمل والدها في القطاع المالي وتعمل والدتها راقصة ومصممة رقصات). لم تُثِر النسوية اهتمامها حتى حصولها على درجتها الجامعية الأولى من جامعة ييل عندما أعطتها إحدى صديقاتها كتاب “الجنس الآخر” لسيمون دي بوفوار (جاءت إلى جامعة أوكسفورد في البداية بمنحة رودس، ثم حصلت منها على درجة الدكتوراه في الفلسفة). وتقول إنها في جامعة ييل، لم تعلّمها نساء على الإطلاق). كتبَت “الحق في الجنس” على مدار صيفين كاملين في كاليفورنيا. كانت تستيقظ في السادسة صباحاً لركوب الأمواج قبل أن تجلس للكتابة، ولكن هذا لا ينعكس في الكتاب، فعلى رغم أنه لاذع في مواضع كثيرة، إلا أنه ليس مشرقاً ومتفائلاً! تعتقد آميا أن حقوق النساء التي حصلن عليها بشق الأنفس “محفوفة بالمخاطر… فاليمين في صعودٍ متنامٍ، وعلى رغم أن خطابه تعبير عن ضعفه، فاليسار ببساطة لا يعرف كيف يتولى السلطة”.

علاوةً على ذلك، يئست آميا من العلاقة الحالية بين نسويات وسلطة الدولة، فقالت: “في أواخر الستينات، أعادت النساء التفكير في كل شيء، كان هناك حماسة فياضة راديكالية، ولكن على مدار عقدين، تقوضت تلك الطاقات وأُعيد توجيهها نحو غايات إشكالية سياسياً. فجأة، أصبح في الشوارع المزيد من ضباط الشرطة، وأصبح في السجن المزيد من الرجال من غير البيض، واندلعت حروب خارجية… ونشأت الدولة العقابية”. عندما تطالب النسويات- كما فعلن بعد مقتل سارة إيفرارد في لندن في آذار/ مارس الماضي- باتخاذ “إجراء” ضد العنف الذكوري، فعليهن كما ترى آميا أن يفهمن أكثر ما قد يتضمنه ذلك عند تطبيقه، وأي مجموعات سيعملن ضد مصلحتها في النهاية وأي مجموعات سيعملن لمصلحتها. بعبارة أخرى، فإن نسختها من النسوية هي الطرف النقيض لما يتبنَّاه الكُتَّاب الذين يتحدثون باستمرار عن الفرد والتمكين والرفق بالنفس.

الأمر المخيب للآمال في رأيها أن الحوار المجتمعي حول الجنسانية والنوع الاجتماعي يسير بوتيرة أسرع كثيراً من الحوار المجتمعي حول الطبقات الاجتماعية. لماذا يحدث ذلك في رأيها؟ تجيب: “الحديث عن الطبقات أمر شديد الخطورة والتهديد، فاستمالة الخطابات الراديكالية حول الاضطهاد العنصري والجندري أسهل من استمالة الخطابات الراديكالية حول الاضطهاد الطبقي؛ على رغم أن صعود ترامب كان مرتبطاً بشدة باستمالة نوع محدد من نقد الطبقات”. هل يمكن أن يسير بالفعل بوتيرة سريعة للغاية؟ “من السهل أن يشعر المرء بالحنين إلى الماضي، إلى أمان الشخص الفردي… لا أحد آمن بالفعل. علينا أن نفصل التطورات السياسية التي تعامل مجموعات معينة بطريقةٍ ظالمة عن وهم الساحة السياسية الآمنة تماماً”. تؤمن آميا بأن النسوية لا يمكنها التمتع برفاهية التوهم بأن المصالح تتلاقى دائماً، وأن خططها لن تكون لها عواقب غير متوقعة غير مرغوبة، وقد ضاقت آميا ذرعاً بمن تقلقهم مثلاً فكرة وجود العابرات جنسياً في سجون النساء.

تقول آميا ببعض الاستياء: “لو كنتن قلقات حقاً بشأن السجون، لتظاهرتن أمام يارلز وود (مركز ترحيل المهاجرين). هذه الحركة ضد أي تدخل في إحساسنا بالسلامة الجسدية والنفسية؛ إنها مجرد خيال يستبعد كثيراً من السياسات الرجعية، أليس كذلك؟”، وهي تؤمن بأن اضطراب الهوية الجندرية يقع على “متسلسلة” تتضمن التجارب التي نألفها جميعاً، وأنه لا يوجد شخص على وجه الأرض لا يشعر بقدرٍ من عدم الراحة في جسده وفي قراءة هذا الجسد.

ولهذا السبب، كما ترى، هناك نساء يعتبرن أنهن يعانين من رهاب من العابرات جنسياً، وتضيف: “قد يكون هناك قدر ما من الغضب من جانب النساء اللاتي تتفق هوياتهن الجندرية مع جنسهن واللاتي يتعايشن مع عدم ارتياح حقيقي في علاقتهن بصورتهن المجسدة؛ غضب من العابرات جنسياً لاختيارهن الطريق السهلة، على رغم أنها بالطبع ليست سهلةً على الإطلاق. غالباً ما تكون النساء الإقصائيات للعابرات جنسياً نساءً مثليات تتفق هوياتهن الجندرية مع جنسهن ويواجهن مشكلات مع أجسادهن لأسبابٍ وجيهة لأن أجسادهن ستتم قراءتها بصورةٍ محددة في ظل ثقافةٍ ذات رهاب شديد من المثليات، تعتبر الاتجاه المغاير جنسياً المعيار الأساسي. لقد تعلمن التعامل مع إحباطاتهن في ذلك الصدد بطريقة معينة، ولا تروق لهن فكرة أن يتعامل أي شخص معها بطريقةٍ مختلفة”.

يا للعجب! يبدو لي غريباً أن يصدر شخصٌ مهتم بهذا القدر بالمساواة والحرية تعميماً على مجموعة كاملة من البشر (المثليات) بهذه الطريقة، وهنا أفترق عن آميا شرينيفاسن وأفكارها بصورةٍ قاطعة. منذ ثلاثين عاماً، كان الأكاديميون منتشين بأفكار جاك دريدا، والآن يبدو أن كثراً منهم يتجرعون أفكار جوديث بتلر؛ كبيرة كهنة نظرية النوع الاجتماعي. ولكن مع ذلك، كانت محادثتنا شيقة؛ شائكة على نحوٍ جيد. أشعر يوماً بعد يوم أن الاختلاف وحرية التعبير عنه هما الهواء الذي أتنفسه. بمجرد أن أرشدتني آميا شرينيفاسن بابتسامةٍ للخروج من الكلية وفتحت لي بوابةً لمدخلٍ جانبي حتى شعرت بأنني مميزة ولو للحظةٍ عابرة، شعرتُ بشيءٍ لم أشعر به منذ وقتٍ طويل؛ صداع من البيئة التعليمية لن يهدئه سوى لوح شوكولاتة كبير جداً.

هذا المقال مترجم عن  theguardian.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: