fbpx

عنف أمني ممنهج ضد التونسيات…
أروى بركات نموذجاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لطالما تم اعتبار البوليس في تونس “إرهاباً طبقياً”، وامتداداً للسطوة الذكورية البطريركية القائمة على السيطرة على النساء وتوجيه مصائرهن، والأخطر اليوم في تونس هو محاصرة حريات النساء بدعوى “الانضباط الأخلاقوي”، وفق معايير مجتمعية لطالما ظلمت النساء وقوّضت حقوقهن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا صحافية أمارس دوري في توثيق عدم توقيفكم السيارات الأخرى كما فعلتم معنا، ولم أصوّر وجوهكم”، قالت الصحافية والناشطة التونسية أروى بركات لرجل الأمن الذي أوقفها، فرد عليها فوراً: “انت صحافية وأنا أيضاً لدي نقابتي… وما تحكيش مع الرجال”، ومن ثم ضربها بشدة.

هذا جزء من الحوار الذي دار بين أروى بركات ورجل شرطة اعتدى عليها بالضرب الشديد، وأهانها وأخذ هاتفها. 

الحادثة وقعت في 16 أيلول/ سبتمبر 2021، حين كانت أروى عائدة برفقة عدد من أصدقائها تحديداً عند مفترق حي الخضراء بالعاصمة. وبعد الاعتداء عليها مُنعت من الاتصال بمحام وبنقابة الصحافيين.

سبب التوقيف الأول وفق الشرطة هو خرق أروى وأصدقائها حظر التجوال المفروض. 

أروى قالت في شهادتها إنها فعلاً تجاوزت وقت الحظر المفروض ببضع دقائق، وفي التفاصيل التي روتها لـ”الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” أوضحت أن التعنيف الذي تعرضت له أتى على خلفية محاولتها توثيق وجود سيارات أخرى في الطريق العام وعدم قيام دورية الشرطة بتوقيفها أو تحرير محاضر مخالفات في حق أصحابها، بعكس ما حصل مع أروى.

تقول صديقة أروى، وهي فرنسية الجنسية في شهادتها التي نقلتها عنها الناشطة النسوية والحقوقية جواهر شنة:

“ما حدث يومها  تجاوز كل الخطوط، كان وحشياً بشكل لا يصدق. لقد تجاوزوا  مرحلة أخرى في وحشيتهم. ألقى البوليس بنفسه فوقها وضربها وهو يحاول افتكاك هاتفها ولم ينسحب حتى تمكن من سرقته منها”.

وتؤكد الشاهدة أنه إضافة إلى الهجوم الذي تعرضت له أروى في السيارة، استمتع الضابط المعني بتصويرها بعد ذلك. وعندما لاحظت ذلك طلبت منه أن يتوقف، فكان رد فعله انعكاساً للسلطة المطلقة والقدرة على الإفلات من العقاب، فأجاب: “أنا نقابي، ونحن أيضاً لدينا من يدافع علينا”.

حادثة الاعتداء لم تخلُ من الميزوجينية (ازدراء النساء)، إذ قال المعتدي لأروى: “ما تحكيش مع الرجال”.

الناجية أروى بركات ترى أن ما حصل لها يندرج في إطار العنف المسلط على النساء في تونس، لأنها امراة وليس عليها الحديث مع الرجال. الإيحاء أيضاً بأنها لا تنضبط “للمعايير الأخلاقية” للمجتمع التونسي، هو جزء من المظلمة الكبرى، إذ أضاف المعتدي ساخراً: “انت في حالة سكر”. في حين تؤكد جواهر شنة ان أروى لم تكن ثملة، إذ كانت قد تلقت الجرعة الثانية من لقاح “كوفيد- 19”.

واعتبرت شنة أن هذا الأمر اندرج في مصلحتها، ولولا ذلك لحرر محضر “سكر في الطريق العام” ضد أروى، إضافة إلى الشكوى التي قدمها المعتدي ضدها بدعوى “الاعتداء عليه أثناء أدائه مهامه”.  وبالتالي تكون التهمة الموجهة لها هي الاعتداء على عون أمن وهضم جانب موظف عمومي، ورفض مساعد وكيل الجمهورية الاستماع إلى روايتها، وكان متحيزاً لأعوان الأمن في تحقيقه واستفاض في تعنيفها لفظياً إلى درجة أنه طردها من مكتبه حين احتجت على كلامه المهين.

وكيل الجمهورية كان يضحك مع أعوان الشرطة مستهزئاً بأروى غير آبه بها، تؤكد شنة الناشطة النسوية والحقوقية وصديقة أروى.

وترى أن ما حصل مع أروى يمكن فهمه في إطارين اثنين، الأول وهو أنه عنف قائم أساساً على الجندر، ولأن النساء هن الحلقة الأضعف، يتم التحرش بهن واغتصابهن وحتى قتلهن مثل ما حدث مع الضحية رفقة الشارني التي قتلها زوجها الشرطي، من دون محاسبة أو تطبيق للقانون. كما أن الجهاز البوليسي يعتبر نفسه فوق القانون، ويواصل الإفلات من العقاب في جرائم القتل العمد والاغتصاب والسحل. وتؤكد شنة أن هذا الشعور تعزز لدى رجال الشرطة بعد 25 تموز/ يوليو، تاريخ الإعلان عن القرارات الاستثنائية لرئيس الجمهورية قيس سعيد. وفي أول وقفة احتجاجية بعد 25 تموز، تم الاعتداء على الصحافيين والنشطاء والمحتجين، وتم التنكيل بالنساء تحديداً.

والإطار الثاني هو كون أروى ناشطة حقوقية وصحافية كانت حاضرة في معظم الاحتجاجات الاجتماعية توثق اعتداءات البوليس على المحتجين. لذلك تعتبر شنة أن ما حدث معها هو انتقام وتشفٍ وترهيب لإسكات اللواتي يفضحن انتهاكات البوليس.

يذكر أن أروى بركات ناشطة حقوقية بارزة، غطت معظم الوقفات الاحتجاجية الاجتماعية ووثقت اعتداءات بوليسية على محتجين وحقوقيين منذ سنوات. كما أنها لم تغب عن تغطية الحراك الاجتماعي منذ كانون الثاني/ يناير 2021،  وشاركت في تأسيس أهم الحركات النسوية التقاطعية الناشطة في تونس خلال الفترة الأخيرة مثل “فلقطنا” (سئمنا الوضع) وفي تحركات نسوية تدين الانتهاكات البوليسية ضد النساء من عنف وتحرش واغتصاب.

إقرأوا أيضاً:

اعتداءات بوليسية متكررة على النساء 

حادثة الاعتداء البوليسي على بركات لا يمكن عزلها عن اعتداءات بوليسية متكررة ضد النساء، فما حصل راهناً خلال وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي في العاصمة للمطالبة بالكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية، التي راح ضحيتها كل من السياسيين شكري بلعيد ومحمد الإبراهمي، يؤكد ذلك.

ولعل العنف الشديد الذي تعرضت له سارة ابراهمي وهي ناشطة سياسية وابنة محمد الابراهمي خير دليل على ذلك.  إذ قالت إن أعوان الأمن انهالوا عليها بالضرب، بعدما فرقوا الوقفة الاحتجاجية بالقوة. واعتبرت سارة أنها كانت مستهدفة بصفتها امرأة وناشطة.

أما أصالة مدوخي وهي ناشطة كويرية، فتعرضت للضرب على صدرها بقوة من قبل عون أمن خلال الوقفة الاحتجاجية المذكورة. سيف عيادي وهو ناشط حقوقي وشاهد على حادثة الاعتداء على أصالة، أكد أن ما حصل معها كان مقصوداً وعن سبق إصرار وترصد، وفيه انتهاك صارخ لجسدها ولكرامتها الإنسانية.

الاعتداء يومها لم يكن على النشطاء فحسب، بل أيضاً على الصحافيين الذين اعتدى الأمن عليهم لفظياً ودفعهم بقوة لثنيهم عن توثيق الانتهاكات.

الانتهاكات البوليسية ضد النساء لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعزل عن المشهد السياسي العام في تونس والتغيرات الحاصلة بعد 25 تموز، تاريخ الإعلان عن القرارات الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية وجمد على إثرها أعمال البرلمان التونسي.

لطالما تم اعتبار البوليس في تونس “إرهاباً طبقياً”، وامتداداً للسطوة الذكورية البطريركية القائمة على السيطرة على النساء وتوجيه مصائرهن، والأخطر اليوم في تونس هو محاصرة حريات النساء بدعوى “الانضباط الأخلاقوي”، وفق معايير مجتمعية لطالما ظلمت النساء وقوّضت حقوقهن.

تضامن نسوي غير كافٍ

حادثة الاعتداء على أروى وضعت تحت المجهر من جديد الجرائم المرتكبة ضد النساء بخاصة من قبل البوليس، والتي دائماً ما تنتهي بالإفلات من العقاب.

أبدت جمعيات وناشطات حقوقيات تعاطفاً وعبرن عن تضامنهن مع أروى، إذ اعتبرت “الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” أنها هذه التصرفات ليست معزولة كما يُدّعى في كل مرة بخاصة عندما تكون الضحية امرأة، بل تأتي في سياق عام مشحون بالتحريض على النشطاء والناشطات والصحافيين والصحافيات. وتذكر أنها كانت قد احتجت على تواطؤ سياسة الدولة ممثلة بمؤسساتها السياسية والأمنية والقضائية مع العنف ضد النساء، لتتحول الضحية في كل مرة إلى معتدية.

كما عبرت “جمعية بنا للإعلام والتنمية” عن قلقها الشديد على مصير النساء في تونس وتعتبر أن السطوة الأمنية على الشارع في ظل ظرف استثنائي منذ 25 تموز، هي أكبر المخاطر التي تهدد سلامتهن.

كما نددت كل من منظمات “دمج ومساواة”  و”جمع شمل” و”أنا زادا” الناشطة في مجال الدفاع عن الناجيات من التحرش الجنسي والاغتصاب، بما حصل مع أروى واعتبرته تعدياً صارخاً على النساء ومواصلة في السياسة الممنهجة للتنكيل بهن.

وأطلقت شنة مجموعة على “فايسبوك” بعنوان “هذا البلد غير آمن للنساء- مساندة أروى بركات” ضم عشرات النساء من ناشطات وصحافيات للتشاور حول تحركات احتجاجية ضد القمع البوليسي للنساء.

على رغم وجود تشريعات اعتبرت تاريخية في مجال القضاء على العنف ضد المرأة في تونس، إلا أنها ما زالت غير مطبقة بخاصة حين يكون المعتدي من ضد رجال الشرطة.

إقرأوا أيضاً: