fbpx

دولة عظمى تالفة الأعصاب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لو كانت إسرائيل دولة صغيرة تدير حياتها بهدوء وبتواضع، لاستوعبنا تأثّرها بكل حادثة استثنائية. ولكن، قد تعرض حساسية الدولة العظمى ووهن أعصابها مواطنيها، لمخاطر جمة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خاب ظني بالمجتمع الإسرائيلي. فكيف يمكن إدارة دولة عظمى، يزعم البعض أنّها تحتل المرتبة الثامنة عالميًا من حيث قوتها العسكرية، إذا كان فرار الأسرى الفلسطينيين الستة  قد أتلف أعصابها؟ فقد صحا وغفا سكانها على أصداء هروبهم بل وتابعوا جهود القبض عليهم خطوة بخطوة. وكيف يمكن الحفاظ على أمن دولة تهدد بجيشها الفتاك- بحسب وصف قائد الأركان أفيف كوخافي- المنطقة بأسرها، بينما يُجن جنون مواطنيها عند مقتل جندي واحد؟ أين اختفت الثقة بالنفس والأعصاب الحديدية؟

والآن وفي ظل تردد نداءات الانتقام وإن صمت تحريض المذياع، أجد أن عليّ الدفاع عن قائد الأركان كوخافي: فقد قُتل مقابل كل جندي إسرائيلي، مئات الغزيين على الجدار. وأود أيضًا بهذه المناسبة الدفاع عن مفوّضة مصلحة السجون، كاتي بيري: فمقابل الأسرى الستة الذين نجحوا بالهرب هناك آلاف يقبعون في عتمة السجون. بل والأنكى من ذلك أن المزيد سينضمون إليهم عقب عملية الهروب هذه، وعليه سيُسهم الفلسطينيّون في زيادة أعداد المناصب الشاغرة في مصلحة السجون، توفير ساعات عمل إضافية (باهظة الثمن) لحُرّاس سجونها، ودعونا لا ننسى مبالغ مخصصات التقاعد التي لا يتخيلها عقل. سيقوم الفلسطينيون بكل ما بوسعهم من أجل تحسين الوضع التشغيلي لأبناء عمومتهم في إسرائيل-  فهذه أرض الاحتلال والوظائف.

خاب ظني بالمجتمع الإسرائيلي. فكيف يمكن إدارة دولة عظمى، يزعم البعض أنّها تحتل المرتبة الثامنة عالميًا من حيث قوتها العسكرية، إذا كان فرار الأسرى الفلسطينيين الستة  قد أتلف أعصابها؟

علي أيضا طمأنة الصحافي الإسرائيلي يسرائيل هريئيل، الذي تساءل بصوت ملؤه الأسى: “أيمكن لأحد أن يتخيل أنّنا قادرون على القيام بعمليات تفجيرية مثلهم، قتل آلاف المواطنين وإصابة عشرات الآلاف؟”. دعني أخيب ظنك يا هريئيل فأنا قادر على تخيل ذلك، بل وباستطاعتي إثبات ذلك من خلال أدلة دامغة حدثت على كل جبهات الحرب التي شنتها إسرائيل- لبنان، غزة والضفة الغربية- التي قُتل خلالها آلاف المواطنين ونُسفت فيها أحياء كاملة. ربما حان الوقت، لأن تتوقف يا هريئيل، عن هذا التظاهر المقيت بالطهارة.

جُنّ وفي هذه الأثناء، جنون كبار إعلاميي الدولة العظمى. حيث دعا أتيلا شومفالفي أحد كبار محرري موقع ynet واسع الانتشار أفراد قوات الأمن للتحول لقَتَلة حيث صرح قائلا: “مقاتلونا الأعزاء أطلقوا النار حتى في وقت فراغكم. ويُستحسن أن تصوبوا على جزء الجسم العلوي. بالنجاح.” بالمقابل، انزعج النائب السابق يوئيل حسون، لأنّ الأسرى لم يَعتدوا على أحد ولم يقاوموا فلو فعلوا بحسب تصريحه: “لتخلصنا منهم للأبد”. وتساءل محلل الشؤون العربية تسفي يحزقيلي من علي أثير قناة 13 عقب مقتل الجندي الإسرائيلي على حدود غزة: “لماذا تمتنع إسرائيل عن الردّ”؟ كتبتُ ذات مرة أنّ مراسل شؤون الطماطم يكن لها تعاطفًا، يفوق ما يكنه يحزقيلي للعرب. فكيف لشخص ينظر للعرب بهذه الطريقة، أن ينقل واقع الفلسطينيين؟ فهو أشبه بمحامٍ يعمل في ظل نظام دكتاتوري يدعو لإنزال أقصى العقوبات على موكّليه.

تشبه الحالة النفسية السائدة في دولة إسرائيل اليوم بندولا أصيب بانهيار عصبي، فتارةً يتهم الإسرائيليون العرب “بالخيانة” لمساعدتهم الأسرى، وتارة يتحول العرب إلى قرة عين المؤسسة الرسمية لأنهم وشوا بهم. هذا ما تصبو إليه المؤسسة الإسرائيلية أن يتحول العرب “لوشاة في وطنهم”.

إقرأوا أيضاً:

ليس باستطاعة مهندسي الرأي العام الإسرائيلي استيعاب وفهم ما يشعر به المواطنون العرب بالبلاد، الذين يشهدون معاناة أشقائهم تحت وطأة الحصار والاحتلال في الضفة وفي قطاع غزة. لن يدرك هؤلاء ما يحس به المواطنون العرب، لأنّهم لا يفهمون الطبيعة البشرية التي تثور ضد كل أنواع الظلم، خاصة ذاك الذي تمارسه المؤسسة الإسرائيلية ضد أبناء جلدتهم. لن يفهموا لأنّهم متقوقعون في عالمهم الخاص، منشغلون بأحلامهم، بآلامهم وبشهواتهم، أما الآخرون فليذهبوا للجحيم. حان الوقت لعنونة الحالة النفسية السائدة في إسرائيل بمقولة قديمة من التوراة: “أنا ومن بعدي الطوفان” (سفر صفنيا، الإصحاح 2، الآية 15). 

لو كانت إسرائيل دولة صغيرة تدير حياتها بهدوء وبتواضع، لاستوعبنا تأثّرها بكل حادثة استثنائية. ولكن، قد تعرض حساسية الدولة العظمى ووهن أعصابها مواطنيها، لمخاطر جمة.

إقرأوا أيضاً: