fbpx

نوبات الغضب والتلميحات المثيرة:
ماذا فعل فرويد بمرضاه؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من خلال قراءة مذكرات المريض، عرفت تسور مَحَليل أن فرويد بوصفه معالِجاً، لم يلتزم بالقواعد التي وضعها هو نفسه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ قرن مضى، أخذ ستة أشخاص إجازة من العمل ثم غادروا ديارهم وانتقلوا للإقامة موقتاً في فندق في مدينة فيينا. أحضروا معهم مبالغ مالية كبيرة بما يزيد عن نفقاتهم اليومية وذلك لتغطية تكاليف عملية رائدة ومبتكرة، كان من المقرر أن يشاركوا فيها. كانوا يذهبون يومياً إلى منزل في منطقة بيرغاس 19، ليتلقوا العلاج على يد سيغموند فرويد لبضعة أسابيع أو بضعة أشهر، وفي بعض الحالات لسنوات (مع فترات راحة في المنتصف). امتدت سُبل العلاج تلك على مدى سنوات عمل فرويد ودوره الفعال بصفته محللاً نفسياً، من أوائل القرن العشرين وحتى عام 1938، وهو العام الذي سبق وفاته.

صرّحت أنات تسور مَحَليل، مؤلفة كتاب “Reading Freud’s Patients Memoir, Narrative and the Analysand” (روتليدج؛ 2020)، لصحيفة “هآرتس” في مقابلة أجرتها بمناسبة نشر النسخة العبرية للكتاب: “كان الشعور السائد لديهم هو المشاركة في نقطة تحول تاريخية وفي نشأة تخصص جديد وظهور مجال بحث وعلاج مبتكر”. كان الستة من بين الأوائل الذين تعمّقوا في جلسات النفس البشرية، بمساعدة الأب الروحي للتحليل النفسي، لمحاولة فهم ظواهر مختلفة مثل الأحلام والهفوات (زلات اللسان وزلات القلم) والأعراض العصبية. ونشروا جميعاً في ما بعد مذكرات سردوا فيها انطباعاتهم عن لقاءاتهم مع فرويد.

اطلعت د. أنات تسور مَحَليل، المختصة في علم النفس السريري، وهي على وشك الخضوع للتدريب في الجمعية الإسرائيلية للتحليل النفسي وهي مساعدة باحث في مجال التاريخ والمجتمع الألماني في جامعة حيفا، على مذكرات الأشخاص الستة الذين خضعوا للتحليل، وقدّمت سرداً وفحصاً لتجاربهم في رحلاتهم العميقة. أربعة منهم كانوا أطباء نفسيين أميركيين خضعوا للتحليل كجزء من تدريبهم المهني؛ والشخص الخامس كان روسي المولد، وكان الشخصية الرئيسية لقضية فرويد الكنسية؛ وأخيراً كانت المرأة الوحيدة في المجموعة، شاعرة أميركية. تجعلنا رواياتهم نتعرف إلى فرويد- المُحلّل النفسي والإنسان عن قرب ونعرف فضائله وعيوبه.

بين تشرين الأول/ أكتوبر 1934 وكانون الثاني/ يناير 1935، خضع جوزيف وورتيس، وهو طبيب يهودي من بروكلين، للعلاج على يد فرويد. حدث اللقاء الأول بينهما قبل عامين، عندما كان وورتيس طالباً في فيينا وسعى إلى مقابلة فرويد لإجراء محادثة مهنية. كتب وورتيس في مذكراته: “كتبت له خطاباً أخبره فيه بمدى الدافع والحافز المفيد الذي حصلت عليه من قراءة كتبه وعن مدى رغبتي في مقابلته قبل مغادرتي فيينا”. وذكر الطبيب الأميركي أن رد فرويد كان مخيباً للآمال: “أشكرك على خطابك الودي، وعلى استعدادك للتخلي عن الزيارة”.

وصف وورتيس فرويد بأنه شخص سريع الغضب ومعزول ومتحفظ وجشع وحساس جداً تجاه النقد، وقال: “يبدو أنه لا يبذل أي جهد خاص لإظهار كرم الضيافة أو بث الطمأنينة للناس، إلا أنه أزعج علاقتنا الودّية بلا داع بما يبدو لي أنه نابع من الإفراط في التركيز على المسائل المالية”.

يروي وورتيس كيف وبّخه فرويد بعدما طرح للمناقشة مسألة طبيعة العلاقات بين المعالج والمريض. وعندما سَأل فرويد عن موقفه تجاهه، أصر المُحلّل النفسي على موقفه بأن اهتمام وورتيس به ومدى ولع فرويد به لا علاقة له بالتحليل، وقال لوورتيس أيضاً أنه يعاني من “الغرور النرجسي”.

ووفق يرِد في كتابات وورتيس، بلغ موقف فرويد العدائي ذروته عندما أخبره وورتيس بأنه تعرض لقدر كبير من الانتقادات أثناء دورة العلاج. قال له فرويد: “لقد حذرتك مسبقاً من إمكانية المعاناة من اضطراب عصبي أثناء إجراء تحليل ما، لكن المثير للاهتمام هو كيف تُحوِّل كل شيء إلى حكم عليك، كما لو كان هذا هو الشيء الوحيد المهم”. ردَّ عليه وورتيس: “لا أحب أن أقلل من قدر نفسي دون الحصول على شيء في المقابل”. فرد عليه فرويد سريعاً: “هذا ليس سلوكاً علمياً”.

قرب انتهاء فترة العلاج، عبّر وورتيس لفرويد مباشرةً عن مقدار الضيق الذي شعر به، وقال آسفاً: “في بعض الأحيان خلال هذا التحليل، كنت أشعر بتأنيب الضمير الشديد والذنب والقلق بأنني لم أكن جيداً في أي شيء”. وأضاف: “لم تكن انتقاداتك هي ما يشغلني بقدر الشعور الذي كان يراودني بأنني لم أكن محبوباً”.

ولكن عندما أكّد وورتيس أهمية المشاعر الإيجابية للمريض تجاه المعالج أثناء العلاج، أجاب فرويد: “يتمثل العلاج النفسي التحليلي في جلب المواد اللاواعية إلى الوعي؛ وتحقيقاً لهذه الغاية، يُستخدَم الانتقال الإيجابي (مشاعر وسلوكيات المودة والإعجاب التي تُسهم في نجاح العلاج)، ولكن فقط بمثابة وسيلة لتحقيق غاية ما”.

يوجد قسم كامل في قصة وورتيس مخصص لتفسير اقترحه فرويد لحلم كان يراوده: رأى فرويد أنه تعبير عن رغبة مريضه في تخطي الجلسات معه – لتوفير المال.

كتبت أنات تسور: “ويلي ذلك وصف ساخر لفرويد وهو يُصِر على هذا التفسير رداً على “الارتباك المزعوم” لوورتيس. التفت فرويد إليه وهو لا يزال مقتنعاً بتفسيره الخاص، وأكّد عليه مرة أخرى ما إذا كان معه ما يكفي من المال”.

اعترف فرويد نفسه بفشل التحليل وقال لوورتيس: “حتى الآن لم أتمكن من إخبارك بأي شيء لم تكن تعرفه بنفسك”. كان الاثنان أيضاً على خلاف بشأن بعض الجوانب النظرية للتحليل النفسي التي انتقدها وورتيس. يرِد في كتاب أنات تسور بأن فرويد أصبح غاضباً من هذا، بل وفقد أعصابه على مريضه. ثار فرويد على وورتيس لأنه تجرأ على الاعتراض على التحليل النفسي وقال له: “لقد أخبرتك بالحقيقة إلى حد الوقاحة. إن الناس أمثالك هم المسؤولون عن جميع النظريات التي تنتشر في الأرجاء، متسببين في إرباك الأوساط العلمية. لقد أخذت راحتك في بث آرائك على رغم جهلك”.

وفي مناسبة أخرى، وجّه المزيد من الإهانات لوورتيس قائلاً: “يجب أن تخجل من نفسك لتصرفك بهذه الطريقة ومن تذمرك لثلاثة أيام لأنني قلت لك هذا أو ذاك… يجب أن تفهم أنني لست مهتماً بانتقادك أو بإصدار الأحكام عليك… أنت لست هنا لسماع شيء مني مثل الكلمات الحكيمة وما شابه؛ وكل شيء لا علاقة له بالتحليل”.م

هناك مثال مؤلم على الإذلال الذي تعرض له وورتيس على يد فرويد، يتعلق بكلب فرويد الذي كان في القاعة في بعض جلساتهم. ذكر وورتيس أنه كان يشعر بأن فرويد والكلب يحومان فوقه، بينما يرقد هو على الأريكة لا حول له ولا قوة، وأنه شعر بأنه كان يتنافس مع الكلب على جذب انتباه فرويد. كتب وورتيس: “كان كلب فرويد، كلب التشاو الوسيم، في القاعة عندما دخلت، وأخبرتني الخادمة أنه يتمتع بمنزلة عظيمة لدى البروفيسور. قالت لي: سيدي البروفيسور متعلق به كثيراً، فعندما لا يأكل الكلب يشعر بالاستياء والحزن. لقد تم قبولي أنا والكلب في الوقت نفسه”.

إقرأوا أيضاً:

الأصوات الغائبة

السبب الكامن وراء قرار أنات تسور بتسليط الضوء على مذكرات المرضى الستة يتلخص في رغبتها في تصحيح ما تعتبره بقعة تاريخية مخفية وغير واضحة. تقول: “إن أصواتهم غائبة”، إذ أصبحت بالقوة “صامتة” لأنهم استُبعدوا من أدب التحليل النفسي بشكل عام وفي بعض الحالات أصبحوا منسيين تماماً. وأضافت: “يتمثل الهدف المفتوح والمعلن للتحليل النفسي دائماً في إيصال صوت من يخضع للتحليل”. وفي ضوء ذلك، نجد أنفسنا نفكّر بسبب إسكات أصوات المرضى في كثير من الأحيان ولماذا لا نعرفهم إلا من خلال “دراسات الحالة” التي يسجلها المعالجون.

ومع ذلك، لم يكن هذا متعمَّداً بالضرورة؛ إذ تقول “لم يحدث ذلك بشكلٍ واعٍ، ولم تكن هناك رغبة في إسكات الأشخاص الخاضعين للتحليل النفسي؛ ولكن من الناحية العملية، صوتهم الكتابي لم يُسمَع ولم يلقَ التمثيل اللائق”.

بل إن فرويد نفسه “لم يخضع أبداً لعملية تحليلية بالمعنى التقليدي من استلقاءٍ على أريكة في وجود معالِج نفسي. فقد كانت عملياته التحليلية تتم من خلال الكتابة؛ وقد كان بالفعل كاتباً غزير الإنتاج”، حسبما تلاحظ تسور مَحَليل. وبهذا المعنى، يُشكِّل ما كتبه مرضاه عن علاجهم لقاءً متجدداً ومتأخراً بينهم وبين معالِجهم الشهير، وهو اللقاء الذي يحدث اليوم في عالم الأدب، بعد وفاته.

هناك انطباع معاكس تقريباً عن فرويد، يقدمه وورتيس، وهو نابع من مذكرات سمايلي بلانتون، وهو طبيب نفسي أميركي حلّله فرويد، ثم أسس لاحقاً عيادة للعلاج النفسي تحت إشراف إحدى الكنائس في مدينة نيويورك (تحت اسم “معهد ومركز استشارات بلانتون-بيل”). فقد كتب بلانتون عن فرويد قائلاً، “بدا دوماً على اتصال عميق بما كنت أقوله. شعرت باهتمامه، وأنه كان يتلقّى ما أبثّه إياه. فلم يكن هناك أي شكلٍ من أشكال الانفصال البارد الذي تخيّلت أنه سيكون الموقف الذي يُفترَض أن يلقاني به المحلل النفسي”.

تلقّى بلانتون أيضاً لفتة نادرة واستثنائية من فرويد. وكتب بلانتون، “مدّ يده باندفاع، فالتقطتها. فقد كانت عرضاً حقيقياً لمشاعره، بشكل عفوي غير معتاد”. من جانبها، ترى تسور مَحَليل هذا الأمر دليلاً مثيراً على “حاجة فرويد إلى الاعتراف والمحبة من قِبَل مرضاه”.

كانت الكلاب أيضاً على صلة ببلانتون، الذي أخبر فرويد أن حبّه (أي حبّ بلانتون) للكلاب كان، بشكل جزئي، “تعويضاً عن عدم إنجابه”؛ وقد أجاب فرويد عن ذلك بأنه فيما يتعلق بالمشاعر تجاه الكلاب، التي تتمايز عن المشاعر تجاه الأطفال، فإنه “ليس هناك تناقض، وليس هناك عامل عدائي”. وعلى النقيض من وورتيس، كانت لدى بلانتون مقاربة إيجابية لوجود كلب خلال الجلسة مع فرويد. إذ يقول “حين جلست على الأريكة، جاءنا كلبه، وربَتُّ على رأسه. حينها قال فرويد ’لقد جاء لرؤيتك‘”.

توفر هذه الرؤية المتميزة لفرويد، المنعكسة في مذكرات هذه المجموعة المنتقاة من المرضى لمحة مثيرة عن منهجياته في العمل. حين سأل أحد هؤلاء الأشخاص الخاضعين للتحليل، وهو طبيب نفسي أميركي يُدعَى جون دورسي، فرويد عن سبب عدم اضطلاعه بـ”دور أكثر فعالية في تحليله النفسي”، جاءه الجواب من طريق قصة رمزية تقول إن “البُستاني الياباني الذي تم توبيخه، بعد توظيفه، لجلوسه أياماً من دون إنجاز أي عمل، أجاب على هذا التوبيخ بالقول إنّه كان يعمل، وإنّ أولى الخطوات في بناء حديقة هي الاستمتاع بالمناظر الطبيعية”.

تربط تسور مَحَليل بين هذه المذكرات وبين تعليقات أخرى لفرويد، من قبيل “قبل أن يمكنني قول أي شيء لك، عليّ أن أعرف الكثير الكثير عنك”، وهي تشير أيضاً إلى ما أولاه فرويد من اهتمام لما وصفه بـ”دراسة كل ما هو موجود لوهلة في ظاهر عقل المريض”.

وقد استدعى فرويد قصة رمزية أخرى استجابة لـ”سؤال دورسي المتكرر حول مدة التحليل”: “حين جاء مسافر إلى إيسوب الذي كان يعمل في الطريق -في كسر وقطع الأحجار- وسأله عن الوقت المستغرق للوصول إلى المدينة الأخرى، ولنقل إلى ميغارا، أجابه إيسوب (امضِ). فأشاح المسافر عنه غاضباً، واستأنف مسيره؛ فناداه إيسوب (ثلاثة أرباع الساعة). حينئذ سأله عابر السبيل (لِم لَم تقل هذا في المقام الأول؟) فأجابه إيسوب موضحاً (أردت أن أعرف وجهتك، لأقرّر بناءً على ذلك)”.

وتوضح تسور مَحَليل أن فرويد أبدى نفوره لاحقاً من تحديد تاريخ لإنهاء التحليل؛ “لا لتفادي الخطوات البارزة والمسار المتميز للشخص الخاضع للتحليل، وإنما كفحص شامل لذلك”.

غير أن هناك قصة أخرى أوردها فرويد، كما سُرِدت في مذكرات أشهر مرضاه، سيرغي بانكيجيف، المعروف أيضاً بـ”الرجل الذئب”. وتدور المسألة المطروحة هنا حول ما إذا كانت الخلاصة الناجحة للتحليل ستشكِّل ضمانة لتعافي المريض. فقد كتب بانكيجيف يقول إن “فرويد شبَّه هذا الموقف بشراء تذكرة سفر. ليس لهذه التذكرة دور سوى أن تجعل الرحلة ممكنة، ولكنها لا تحل محلها”. وبصيغة أخرى، بعد التحليل “يكون المريض قد وُضِع في موضع يمكنه من خلاله التعافي؛ أما قبل التحليل فلم يكن هذا ممكناً”.

يُنظَر إلى تجربة هيلدا دوليتل -إحدى مرضى فرويد، وهي شاعرة أميركية كانت تكتب الأحرف الأولى من اسمها- بوصفها تجاوُزاً فرويدياً للحدود المحظورة، على الأقل وفقاً للأحكام المرجعية اليوم. فقد جاءت إلى فرويد للعلاج بعد وفاة والدها وانفصالها عن زوجها. 

وكما تُشير تسور مَحَليل، تلقّت من فرويد، خلال تحليله حالتها، “رسائل مُبهَمة” زادت من “عجزها وارتباكها في حضرته”، وفق ما ذكرت في كتابها، وكانت تلك الرسائل تحمل أيضاً “احتمالات/ إشارات جنسية”. وقع مثال واضح على هذا حين ضرب فرويد، في أثناء التحليل، بقبضته على ظهر الكرسي وأعلن أن “المشكلة أني رجلٌ كبير، ولا تعتقدين أن الأمر يستحق منك أن تُحبّيني (وتأكيد على هذا المقطع يرِد في الأصل الذي كتبته دوليتل)”.

فتصف تلك الخاضعة للتحليل ارتباكها، فتقول: “كان تأثير كلماته فظيعاً للغاية. ببساطة، لم أشعر بشيء على الإطلاق. لم أقل شيئاً. ماذا توقّع مني أن أجيبه؟ كان الأمر تماماً كما لو أنّ الكائن العُلوي [الإله] قد ضرب بقبضته على ظهر الأريكة التي أستلقي عليها. لم فعَل هذا في أي حال؟” كتبت دوليتل أيضاً أن فرويد تجاهل محنتَها وكَرْبها. فتحكي أنها في إحدى المرّات قالت “إنني محطَّمة إلى حد ما؛ ولكن ليس هناك جواب على ذلك الغضب الشديد”.

وكما تلخّص تسور مَحَليل في المقابلة، “من وجهة نظر معاصرة، يظهر فرويد بوصفه محللاً، من خلال نظرة المرضى، فيظهر شخصية متعددة الأوجه وذات أبعاد وظلال وتناقضات كثيرة. فأحياناً يبدو ودوداً وإنساناً، وفي أحيان أخرى متحفّظاً وغير مبالٍ بصورة مفرطة؛ ثم يعود مباشراً إلى حدّ الاندفاع. ومن خلال وجهة النظر التاريخية التي قدمها الكتّاب من الذين خضعوا للتحليل (على يد فرويد)، ما يبرُز هو ريادته والآفاق الجديدة التي قدَّمها لمراقبة النفس. ومع ذلك، يبدو أسلوبه العلاجي اليوم لنا مفتقراً إلى الدقة والتعقيد اللذَين أُلحِقا به على مدار السنين”.

من خلال قراءة مذكرات المريض، عرفت تسور مَحَليل أن فرويد بوصفه معالِجاً، لم يلتزم بالقواعد التي وضعها هو نفسه. فمع أنه حثّ الزملاء من المعالِجين النفسيين على “الحفاظ على موقف يتسم بالزهد والحياد” و”بالبقاء بعيداً من الناحية الشعورية عن المرضى، وأن يظلّوا، كالمرآة، لا يُبدون شيئاً لم يُعرَض أمامهم”، تظهر أمامنا صورة مختلفة من خلال قراءة مذكرات مرضاه. فقد كان يثرثر ويمزح معهم، وأخبرهم عن نفسه، وأبدى اهتماماً شخصياً بهم. تقول تسور مَحَليل إنه “كان معالِجاً مختلفاً تماماً؛ فقد أعطى المرضى هدايا وأشرَكَهم في عالمه الداخلي والخارجي، وكان في بعض الأحيان ودوداً وفي أحيان أخرى متحفّظاً، ولكنه لم يكن يوماً صفحة بيضاء”.

تقول المؤلفة إنها معجبة بفرويد، وتدرك أنه “غيَّر وجه الثقافة”، وترى أنه “أبو التحليل النفسي على وجه الإطلاق”. غير أن كتابتها هذا الكتاب، الذي يقدم جوانب مختلفة من شخصيته، ساعدتها أيضاً على “انتشال نفسي من ذلك المكان”، كما تصف، وعلى أن تراه إنساناً ذا مزايا ونقائص.

أدت هذه العملية، في نهاية المطاف، إلى تعميق تقديرها له، كما يحدث للأطفال الذين يُعجبون في البداية بوالديهم ويرونهم ذوي قدرات خارقة، ثم يفهمون بعد ذلك أنهم بشر من لحم ودم.

هذا المقال مترجم عن Haaretz.com  ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.