fbpx

النظام السوري يطارد… الموز

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قد لا تعني أزمة الموز اليوم شيئاً لآلاف العائلات التي تبحث عن رغيف الخبز ولا تهمها بورصة الموز، لكنها تعكس بشكل واضح الفروق الطبقية الهائلة في المجتمع السوري…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في بداية تسعينات القرن الماضي، اشتهت والدتي الموز خلال حملها بأخي. تتناقل النساء خرافات عن ضرورة تناول الحوامل ما يشتهينه خوفاً من ظهوره على جسد الجنين. أشارت والدتي لأبي باتجاه رجل كان يجلس على بسطة ويبيع الموز الصومالي الشهي، لكن والدي رفض. كان الجميع خرجوا لتوهم من مكتب المحامي الخاص بهم والذي استلم قضية تخص العائلة، ومن وجهة نظر والدي، في حال رآهم المحامي يشترون الموز من شباك مكتبه فهذا يعني أنهم أغنياء، ما قد يجعله يتلكأ في القضية، بخاصة أن أبي كان أكد منذ قليل حاجته للمال. لهذا انتظر حتى وجد بسطة أخرى بعيدة واشترى الموز لوالدتي.

لا يُخفى على النظام أن رجل أعمال واحداً في سوريا ما زال يحتكر استيراد الموز منذ نحو 40 عاماً.

لا ترسلوا الموز مع أطفالكم إلى المدرسة!

في طفولتنا قبل نحو عشرين عاماً وحين كان يجلب طفلٌ موزةً لتناولها في المدرسة، كانت ترسل الإدارة لاحقاً توصية لأهله بإطعامه الموز في المنزل بدل إرساله معه إلى المدرسة، لأن عشرات العائلات تعجز عن شرائه، وهكذا شعرنا نحن الأطفال بأولى الفروق الطبقية، الرغبة في تناول الموز غالي الثمن، بالمقابل تناولت قلّة من الأطفال الموز في سوريا وعلى مرأى من الجميع.

وبسبب غلاء سعر هذه الفاكهة الاستوائية خلال معظم شهور العام، باتت لها مواسمها الخاصة في سوريا، أهمها عيد رأس السنة حيث تحرص الأُسر على شرائها كنوع من الترف والبذخ، واضعةً إياها في منتصف السُفرة لينتشر حولها التفاح والبرتقال كفواكه أقل منزلة وسعراً، فواكه لا يقربها الأطفال وسط انشغالهم بطعم الموز الشهي. وفي صبيحة اليوم الأول من السنة تتقاسم العائلات ما تبقى من الموز، يتناول كل طفل قرن الموز الخاص به بكثير من الأناة، حرصاً على إدامته أطول وقت ممكن.

مع الحرب والأزمة الاقتصادية، بات حصول السوري على الموز أكثر صعوبة لتغدو فاكهة السوريين الأولى حلماً، لكن محاولات التحايل على الفقر استمرت بانتظار نزول أسعار الموز المترافق وموسم الحمضيات. ولا يعني نزول سعره بطبيعة الحال، أن تستطيع جميع العائلات شراءه، لذلك تحرص الكثير من الأمهات على اختيار الحبات السود، والتي باتت على وشك الفساد وتباع بسعر أقل. لطالما أقنعت الأمهات أطفالهن بأن الموز الأسود ألذ من الأصفر، لأنه نضج بما فيه الكفاية وغدا طعمه حلواً، قد تُقنع هذه الحجج طفلاً في تناول الموز لكنها لن تقنعه أن هذا القرن الأسود البائس ألذ من الموز الصومالي. تقول أختي إنها وبسبب حاجتها لتناول الموز ضمن تدريبات النادي الرياضي، كانت تذهب إلى إحدى البسطات وتطلب من البائع بيعها الموز الموشك على التلف، كانت تعود في بعض الأحيان مع موزة واحدة، تتساءل أختي ماذا يمكن أن تفعل؟ فعلى رغم أن وضعها الاقتصادي لا بأس به، إلا أن سعر الموز الخيالي يجعل تناوله بشكل شبه يومي أمراً مستحيلاً.

إقرأوا أيضاً:

المستورد الوحيد منذ 40 عاماً!

أعلنت “السورية للتجارة” في الأيام الأخيرة، طرح الموز في صالاتها بعد مصادرته من المهربين وبيعه بسعر تفضيلي 10000 ليرة سورية للكيلو (أكثر من 3 دولارات)، بمعدل 2 كيلو للفرد الواحد في الشهر، بينما يبلغ سعر الكيلو في السوق ما بين 15000 و20000 ألف ليرة سورية. تحدث مدير فرع “السورية للتجارة” في دمشق عن استلام 6500 كيلو غرام من الموز المصادر والذي دخل البلاد بطريقة غير شرعية، ليوزع على عدد من صالات الشركة في دمشق، بانتظار توزيع كميات أخرى على بقية المحافظات.

أثار ما فعلته “السورية للتجارة” زوبعة من الانتقادات الساخرة، فالشركة التي صادرت الموز مجاناً تبيعه بـ10000 ليرة سورية وهو رقم كبير مقارنة بدخل السوريين. فلو اشترى الفرد بالفعل 2 كيلو من الموز شهرياً فهذا يعني نحو 30 في المئة من مرتبه والذي يقدر وسطياً بـ70 ألف ليرة سورية.

تعكس الحكاية تفاصيل ساخرة، إلا أنها تحمل داخلها مأساة حقيقية لا تتعلق بحرمان الألوف من تناول الفاكهة الصفراء وتحويلها رمزاً للترف خاصاً بطبقة الأغنياء في سوريا وحسب، إنما تسلط الضوء على التجار المحتكرين لاستيراده، وللكثير من السلع الأخرى كالسكر والزيت، والتي باتت أسعارها أضعاف السعر العالمي فقط بسبب احتكار استيرادها.

لا يُخفى على النظام أن رجل أعمال واحداً في سوريا ما زال يحتكر استيراد الموز منذ نحو 40 عاماً.

ظهر اسم صبحي جود منذ ثمانينات القرن الماضي كواحد من أهم وأغنى رجال الأعمال السوريين وكمستورد وحيد للموز في سوريا، ثم تكفل أبناؤه بمتابعة المهنة بعد وفاته. صبحي وأبناؤه هم جزء من منظومة متكاملة قائمة على الاحتكار سواء في السلطة أو النظام المؤسساتي في سوريا، فحافظ يورث بشار الكرسي وصبحي يورث أبناءه استيراد الموز، أمر بهذه البساطة يتكرر بشكل شبه يومي. وحين يتحول شخص إلى المحتكر الوحيد لمادة ما فهذا يعني خسارة مضاعفة لأي منافس آخر.

في طفولتنا قبل نحو عشرين عاماً وحين كان يجلب طفلٌ موزةً لتناولها في المدرسة، كانت ترسل الإدارة لاحقاً توصية لأهله بإطعامه الموز في المنزل بدل إرساله معه إلى المدرسة، لأن عشرات العائلات تعجز عن شرائه

لماذا يتفوق لبنان على سوريا في زراعة الموز؟

مع أن زراعة الموز بدأت بالانتشار خلال السنوات الماضية في عدد من المدن السورية كمدن الساحل ومدينة درعا، إلا أنها لم تحقق أي نجاح مذكور ولم تسد حاجة السوق المحلية. يبدو الأمر مستغرباً بخاصة مع نجاح التجربة اللبنانية في زراعة الموز وتصديره إلى عدد من البلاد العربية. لماذا لم تدعم الحكومة زراعة الموز حين كانت الفرصة مناسبة ليغدو منتجاً محلياً أسوة بلبنان، مع أن البلدين يتشاركان الساحل نفسه ويمتلكان مناخاً ملائماً لزراعة الموز؟ لماذا سعر الموز في لبنان أقل من دولار واحد بينما، يبلغ سعر الكيلو في سوريا نحو 4 دولارات؟ 

منذ عشرات السنين راح المسؤولون يصدرون بيانات لتبرير فشل زراعة الموز في سوريا، فمرة كانت الحرارة والظروف الجوية غير ملائمة، فاضطرت الوزارة إلى زراعة الفاكهة في بيوت بلاستيكية، لكنها باتت زراعة مكلفة ما دفع المزارعين إلى هجرها، لكن لو حصل المزارعون على دعم هل كانوا ليهجروا هذه الزراعة؟ في وقت نتحدث عن أوضاع سياسية وأمنية طبيعية حيث لا حروب ولا عقوبات اقتصادية. ليستمر المسؤولون اليوم برمي هذا الفشل على الظروف الاقتصادية الصعبة والعقوبات وعلى المناخ غير المواتي تارة أخرى، لكن وبمقارنة بسيطة بين مناخ سوريا ولبنان ندرك أن هذا الكلام ليس دقيقاً إنما هو مبرر لفشل حكومي في دعم الزراعة، بخاصة في ظل مؤشرات كثيرة تدعم فكرة عدم الرغبة الجادة في التخلص من المحتكرين، وعدم وجود خطط اقتصادية مدروسة لذلك. 

قد لا تعني أزمة الموز اليوم شيئاً لآلاف العائلات التي تبحث عن رغيف الخبز ولا تهمها بورصة الموز، لكنها تعكس بشكل واضح الفروق الطبقية الهائلة في المجتمع السوري من جهة، وتسلط الضوء مجدداً على محتكري الاستيراد المحميين بشكل أو بآخر من النظام وفي انتظار نزول سعر الموز خلال موسم الحمضيات المقبل، ما زال أطفال كثيرون في سوريا يطالبون بحصتهم من الموز.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!