fbpx

العراق: اعترف تحت التعذيب بقتل زوجته وحرقها… ثم ظهرت حيّة ترزق!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في العراق يمكن ان يحاكم مواطن على “جريمة” من دون دليل جرمي او شاهد على جريمته مع اعتراف بـ”الجريمة” ينتزع بالقوة، ليعقبه تشهير بـ”القاتل” في وسائل الاعلام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذا ما شهدته الحالة الغريبة لعلي كاظم، الذي اعترف قبل شهرين “تحت الإكراه والتعذيب” بقتل زوجته وحرق جثتها، لتظهر الزوجة قبل أيام حيّة ترزق، وليتبين ان الجريمة لم تقع في الأصل، وأن الكاظم حُكم ظلماً بجريمة ليس لها وجود. 

الحادثة قد تبدو من نسج الخيال السينمائي. لكنها حدثت فعلاً في العراق. و”أبطالها” ضباط في الشرطة العراقية، أجبروا كاظم تحت التعذيب على الاعتراف بقتل زوجته وحرق جثتها.

الكاظم لا يزال شاباً في أواخر عشريناته، يسكن محافظة بابل وسط العراق. اختفت زوجته في نيسان/ابريل 2021 خلال زيارة مواقع دينية، ولم يستطع احد من أقاربها معرفة أخبار عنها أو التواصل معها، وما اذا كانت قد تعرضت للأذى. أبلغ الكاظم الشرطة، لتبدأ تحقيقاتها والبحث عن زوجته، فقامت باعتقال اثنين من أقاربها لمدة شهر واحد قبل الافراج عنهما، ثم قامت باستدعاء زوجها علي واعتقاله لتبدأ عملية انتزاع الاعترافات منه. 

روى كاظم تفاصيل اعتقاله وتعذيبة للاعلام العراقي

إقرأوا أيضاً:

الزوج المتهم منتسب إلى الجيش العراقي، ويعمل جنديا في احدى الوحدات العسكرية في مدينة الرمادي غرب العراق يكشف عن حجم الأساليب سيئة الذكر والطرق العنفية التي تعرض لها لإجباره على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وهو أمر جرى ويجري مع موقوفين آخرين كما يقول الكاظم، وقد فتحت قضيته من جديد ملف التعذيب في مراكز التحقيق والسجون في العراق.

بعد توقيفه، نفى علي تهمة قتل زوجته وحرق جثتها عندما وجهت اليه من قبل ضابط التحقيق، لكن الأخير قام بتعذيبه بأسلوب “الفلقة”، عبر رفع قدميه إلى أعلى وضرب باطنهما بعصا غليظة بعد عصب عينيه وتكتيف يديه، وصعود رجلّي أمن على كتفيه لإنهاك عموده الفقري. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمع عدم انتزاع الضابط للاعتراف عبر “الفلقة”، لجأ إلى تعريض علي لصعقات كهربائية متكررة، تركت آثارها على جسده. ولم تنفع طلبات وتوسلات علي بجلب شهود سمّاهم يؤكدون عدم ارتكابه اياً من الاتهامات الموجهة اليه. قرر الضابط ان يستمر بعملية التعذيب، لاجئاً إلى التعذيب النفسي هذه المرة عبر تهديد “المتهم” بجلب اخته وامه وابيه وتعذيبهم، في حال لم يعترف بـ”جريمته” كما يريد له ضابط التحقيق. وعندما انهار علي تحت التعذيب لم يكن امامه إلا الاعتراف بما أراد المحقق سماعه، تفادياً لمزيد من التعذيب الوحشي. 

في شهر آب/اغسطس الماضي بثت احدى القنوات الفضائية العراقية اعترافات علي بحضور قائد شرطة بابل وعدد من المنتسبين. وظهر “المتهم البريء” وهو يدلي باعترافات في مسرح الجريمة، على الهواء مباشرة، يقول فيها إنه قام بخنق زوجته بواسطة حبل بعد ان اوقف سيارته بجانب النهر وترجل منها وجلس في المقعد الخلفي، ومن ثم قيامه باحراق جسدها بواسطة وقود البنزين وبعض النفايات الموجودة بقرب النهر حيث رمى ما تبقى من الجثة المحترقة. 

إقرأوا أيضاً:

أقامت عائلة الزوجة عزاءً لها بعد تبيان “الحقيقة” نتيجة تحقيقات الشرطة، ليتبين بعد اسابيع ان الزوجة على قيد الحياة، ولم يمسسها اي سوء، ووجدت في مدينة الديوانية التي تبعد قرابة 80 كيلومتراً إلى الجنوب من بغداد. فاضطرت الشرطة أمام هذا الإحراج الكبير أن تفرج عن علي.

أثارت هذه الحادثة الغريبة نقاشات واستنكارات لدى الراي العام، حيث اعتبرت انها ترسّخ نهج القوى الأمنية في مقاربة التحقيقات في الجرائم، وبرزت تساؤلات عن عدد السجناء الذين يقبعون خلف القضبان وقد انتزعت منهم اعترافات تحت التعذيب كما حصل مع علي.

رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي دعا الى فتح تحقيق فوري بحسب بيان صادر عن مكتبه الاعلامي، والإسراع في كشف ملابسات ما حدث ومحاسبة المقصّرين، واعتقال المسؤول المعني بمكافحة الاجرام في المنطقة، مؤكداً “ضرورة الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان في جميع الإجراءات الحكومية”. وشدّد الكاظمي على “إعادة حقوق الضحية جميعها، وتعويضه عما واجهه من تجاوزات وانتهاكات أثناء التحقيق”.

الا ان وزارة الداخلية حاولت، في بيان، ان تدافع عن اجراءاتها، معتبرة ان ما قام به الضابط كان تصرفاً غير مهني “ولا تمت للعمل الشرطوي والأخلاقي بشيء”، وان هذه الاجراءات “رافقها عمل القضائي ما دفع الى ان تأخذ هذه القضية مناحي أُخرى كانت بعيدة كل البعد عن سجل وزارة الداخلية” وان الوزارة “شكلت لجنة عالية المستوى لإرجاع الحق للمواطن وانصافه”.

مدير مكتب مفوضية حقوق الانسان في بابل احمد العطار يوضح لـ”درج” ان هذه الحالة ليست الوحيدة وان مفوضية حقوق الانسان في العراق تتلقى العديد من الشكاوى التي تتعلق بالتعذيب ويتم احالتها الى الادعاء العام. مشيراً إلى ان الدستور العراقي يمنع استخدام التعذيب والعنف خلال التحقيقات وأن البرلمان العراقي صادق على الاتفاقيات الدولية لمناهضة التعذيب والعنف. 

فيما يكشف مركز الرشيد للدراسات الاستراتيجية عن حالات اعدام عراقيين في السنوات الماضية استناداً إلى اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب المفرط، في خرق لكل كل قوانين الحماية الإنسانية في غرف التحقيق.

ويرى المركز ان هذه الحادثة تسيء للسلطات الأمنية والقضائية واهانة العدالة وتضع البلاد في حالة عدم الطمأنينة. وان على الحكومة إقرار قانون يناهض التعذيب لحماية المواطنين من سوء المعاملة وتجريم كل من يمارس التعذيب الجسدي والنفسي من المنتسبين الحكوميين.

الخبير القانون جميل الضاري يجد ان تداعيات هذه الحادثة تكون سيئة على سمعة ورصانة المؤسسات التحقيقية في العراق. فضلاً عن تأثيرها على مستوى التعاون مع المؤسسات الأمنية والقضائية الدولية.

بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق كشفت في تقريرها الصادر في آب/اغسطس الماضي عن 107 شخصا تعرضوا لسوء المعاملة والتعذيب أثناء عملية التحقيق معهم من قبل القوات الأمنية في أماكن الاحتجاز، نتيجة تهم وجهت إليهم. فيما يكون دور القضاء، مخصصاً للتصديق على الإفادات التي تم الإدلاء بها خلال الاستجواب لدى القوى الأمنية، وتصدر الأحكام بناء عليها.

كان يمكن لعلي كاظم ان يكون ميتاً اليوم، فيما لو جرى تنفيذ حكم الاعدام به بعد انتزاع الاعترافات منه، لو ان زوجته لم تظهر على قيد الحياة في الوقت المناسب. كُتبت له حياة جديدة، لكن سيكون صعباً عليه تجاوز التعذيب الذي تعرض له جسدياً ونفسياً، فضلاً عن أثر حملات التشهير التي تعرض لها في وسائل الإعلام وإظهاره بصورة وحشية أمام الملايين. فيما بقي لغز اختفاء زوجته ثم ظهورها محيّراً لجميع من تابع القصة في ظل شبه انعدام في الشفافية الأمنية لمعرفة حقيقة ما حصل.

إقرأوا أيضاً: