fbpx

تهديدات وحملات دعائية مُغرضة:
كيف تشكك الصين في مصداقية محكمة الأويغور

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تُشكل الضغوط التي تعرض لها “أوتارباي” جزءاً من حملة واسعة النطاق يقودها الصينيون لتقويض محكمة الأويغور في لندن، وإدانة أي محاولة دولية لإثبات الحقيقة بشأن النظام الطاغي للاحتجاز والمراقبة المفروض على الأقليات العرقية في شينجيانغ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما قرر الناجي من معسكرات الاعتقال في شينجيانغ، إرباكيت أوتارباي، من كازاخستان، الإدلاء بشهادته في  محكمة الأويغور في لندن في وقت سابق، شعر بالفخر بنفسه. فقد كانت الفرصة سانحة هناك  للشهادة في جلسة استماع مستقلة سعت إلى التحقيق في أزمة حقوق الإنسان في شمال غرب الصين. وأمام هيئة من القضاة، سيكون قادراً على سرد الفظائع التي عاشها بين عامي 2017 و2018 في معسكرات الاعتقال التي تديرها الحكومة، بعد زيارة عائلته في شينجيانغ.

تمكن أوتارباي الذي يبلغ من العمر 47 عاماً، من الحصول على  تأشيرة من السفارة البريطانية في كازاخستان، واستعد للذهاب إلى لندن في سبتمبر/أيلول. ولم يخبر سوى بضعة أصدقاء مقربين. ولكن سرعان ما بدأت المكالمات الهاتفية التهافت عليه.

بدأ رجل يُطلق على نفسه اسم “بخيت” من جهاز أمن الدولة في كازاخستان الاتصال به مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، محذراً إياه من السفر إلى لندن للإدلاء بشهادته. وقال له الرجل، “إذا ذهبت، فقد يؤثر ذلك على عائلتك ومستقبلك”، مُهدداً إياه بقوله “يجب أن تفكر في أفراد عائلتك في كازاخستان، وفي الصين”. وكان يسأل أوتارباي باستمرار عما إذا كان من الممكن أن يأتي ويلتقي به في مقهى أو مطعم “لكي يتبادلا أطراف الحديث وجهاً لوجه”.

عندما حان اليوم المحدد للسفر إلى لندن، ذهب أوتارباي إلى مطار ألماتي. عم صمت طويل للغاية بينما نظر مسؤول الحدود في وثائقه، قبل أن يرفض السماح له بالصعود على متن الطائرة. أعرب أوتارباي عن حاله في تلك اللحظة قائلاً، “لقد كنت أرتجف. وانتابني خوفاً شديد من أن يعتقلوني”.

“وحشية هذه الحكومة لا تعرف حدوداً. فهم على استعداد للانحدار لهذه الدرجة من الدناءة ليدعموا روايتهم، وهي إنكار أن هناك أي مشكلة لكي يبدو الأمر وكأنه ادعاءات مختلقة”.

غادر أوتارباي المطار بصحبة اثنين من أصدقائه اللذين كانا من المقرر أن يدليا بشهادتهما في المحكمة أيضاً، واستقل سيارة أجرة عائداً إلى المدينة، ظناً منه أنه عائداً إلى منزله. بينما أستقل الرجال الثلاثة سيارة أخرى، وأغلقوا هواتفهم، وقادوا بسرعة عالية عبر الحدود إلى دولة قرغيزستان المجاورة، وأنهوا الرحلة التي عادةً ما تستغرق أربع ساعات في غضون ثلاث ساعات فقط. وتمكنوا من السفر من العاصمة بيشكيك إلى إسطنبول ثم إلى دبي وأخيراً إلى لندن. شعروا حينها براحة غامرة. بيد أن أوتارباي، الذي لديه طفلان يعيشان في كازاخستان واثنان آخران في شينجيانغ، شعر بالقلق على أسرته التي تركها وراءه، وخشي من أي عقاب قد تفرضه عليهم السلطات بمجرد أن يقول الحقيقة بشأن ما مرّ به أمام المحكمة.

أما في مدينة ألتاي بإقليم شينجيانغ حيث يعيش والدا أوتارباي واثنان من أطفاله، فقد كانت السلطات الصينية تزور والديه في منزلهما وتهددهما بالعواقب التي قد تلحق بهما إذا أدلى ابنهما بشهادته. بينما اتصلت به شقيقته التي تعيش في مدينة شانغهاي، وتوسلت إليه ألا يدلي بشهادته.

في يوم المحكمة، أخبر أوتارباي هيئة القضاة كيف  تعرض للتجويع والضرب وعمليات “غسيل دماغ”، وأُجبر على العمل في شبكة معسكرات وسجون شينجيانغ. وقال من خلال المترجم “بما أن هناك كاميرات مثبتة في أماكن أخرى، فقد كانوا يأخذوننا إلى غرفة استحمام منفصلة لا توجد بها كاميرات، وكانوا يضربوننا بالعصي الكهربائية”.

تُشكل الضغوط التي تعرض لها أوتارباي لمنعه من الإدلاء بشهادته جزءاً من حملة واسعة النطاق يقودها الصينيون بالتعاون مع وكلائهم في الحكومات الكازاخستانية لتقويض محكمة الأويغور في لندن، وإدانة أي محاولة دولية لإثبات الحقيقة بشأن النظام الطاغي للاحتجاز والمراقبة المفروض على الأقليات العرقية في شينجيانغ. وحتى الآن، تعرض ما يربو إلى مليون من الأويغور إلى الاحتجاز فيما يسمى بمعسكرات “إعادة التعليم”.

إقرأوا أيضاً:

عقدت جلسة الاستماع الثانية لمحكمة الأويغور في الفترة ما بين 10 و13 سبتمبر/أيلول، في تشيرش هاوس في منطقة وستمنستر، على بُعد لحظات من مقر البرلمان البريطاني، بهدف التحقيق في ادعاءات الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الدولة الصينية ضد الأويغور والكازاخ وغيرهم من السكان المسلمين ذوي أصول تعود عرقياً إلى الشعوب التركية في إقليم شينجيانغ. فقد طالب المؤتمر الأويغوري العالمي بعقد تلك المُحاكمة رسمياً، بيد أنها لا تعدو كونها محكمة شعبية مستقلة، يرأسها السير جيفري نايس كيو سي، الذي ترأس في السابق مُحاكمة الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وبالرغم من أن المحكمة لا تمتلك سلطة فرض العقوبات أو الإنفاذ، فقد استهدفتها الحكومة الصينية طوال جلسات الاستماع الأولى التي عقدتها في  يونيو/حزيران الماضي، ومرة أخرى في هذا الشهر.

فضلاً عن أن جمهورية الصين الشعبية لم تستجب لطلبات المحكمة للمشاركة في الإجراءات. بل أقدمت على فرض عقوبات على المحكمة ومنظميها.

في حين قال  السفير الصيني لدى المملكة المتحدة، تشنغ تسيغوانغ، أثناء مؤتمر صحفي، “إن الشهود المزعومين الذين جمعهم المنظمون ليسوا سوى ممثلين يختلقون عمليات الاضطهاد المزعومة التي لم تحدث على الإطلاق”.

وأضاف تشنغ أنه طلب من حكومة المملكة المتحدة “منع المنظمين من مواصلة هذه الممارسات الكيدية”. بيد أن وزارة خارجية المملكة المتحدة لم ترد على طلبات التعليق حول ما إذا كانت قد سعت لطمأنة السفير بشأن المحكمة. وقد مُنع تشنغ من زيارة مجلسا البرلمان البريطاني في 15 سبتمبر/أيلول، بينما لا تزال العقوبات المفروضة على العديد من البرلمانيين البريطانيين والكيانات قائمة.

في حين قال منظمو المحكمة إن الصين استنكرت جلسات الاستماع، فضلاً عن المحاولات السرية الأخرى التي قامت بها لتقويض الإجراءات.

قال حميد سابي، مستشار المحكمة، خلال الملاحظات الختامية يوم الاثنين، “إن الصين واصلت هجومها لمضايقة الشهود الذين وافقوا على الإدلاء بشهادتهم. ووصف كيف قام شاهدان بسحب أقوالهما بعد ضغوط من الحكومة الصينية.

كما أعرب منظمو المحكمة أن المكان الذي تُعقد فيه المحكمة، تشيرش هاوس، قد تعرض لضغوط لمنع عقدها. وقال لوك دي بولفورد، وهو مستشار للمحكمة وأحد مؤسسي منظمة “التحالف من أجل الاستجابة للإبادة الجماعية” الحقوقية، “أعتقد أنه كان هناك بعض المحاولات الجادة لاستئجار جزء آخر من المبنى من قبل أشخاص على صلة بالسفارة الصينية، وهذا يعطيك فكرة عن مدى عمق هذا الأمر”.

بيد أن القائمين على تشيرش هاوس رفضوا التعليق على هذه المسألة.

علاوة على ذلك، تعرض موظفو المحكمة إلى عدد من المحاولات المشبوهة الرامية إلى اختراق أمنهم الرقمي. فقد قال فرانك فيتش، وهو مساعد مشروع في المحكمة، “لقد تلقينا بالفعل عدداً كبيراً من طلبات الحجز المزيفة خلال الإعداد لجلسات الاستماع”. ووصف كيف تلقى المنظمون العديد من الرسائل الإلكترونية ومحاولات تسجيل الدخول المشبوهة إلى أجهزتهم الإلكترونية. وهذا ما حدا بهم إلى اتخاذ تدابير لحماية بيانات الشهود، بما في ذلك التأكد من عدم وجود اتصال بالإنترنت من خلال شبكات الواي فاي العامة داخل المكان، بغية منع الغرباء من اختراق النظام.

غير أن سفارة جمهورية الصين الشعبية في لندن لم ترد على طلبات التعليق في هذا الصدد.

قدمت مويتر إيليكود، الباحثة في قاعدة بيانات الأويغور للعدالة الانتقالية، المعنية بتسجيل حالات الاختفاء والسجن التي يتعرض لها الأويغور في شينجيانغ، تقريرها خلال جلستي المحكمة في يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول. وفي الأيام التي سبقت جلستي الاستماع، تلقت اشعارات من تطبيق تيليجرام عن العديد من محاولات الدخول على حسابها. وقد حدث نفس الشيء على تطبيقي فيسبوك وواتساب. كما تعرض زملاؤها إلى محاولات اختراق مماثلة. فقد أطلعتني على هاتفها لكي أرى العشرات من إنذارات تسجيل الدخول المشبوهة. كما تلقت إيليكود ووالدتها، وكلاهما يعيش في النرويج، مكالمات هاتفية من أرقام غير معروفة في الفترة التي سبقت جلسة الاستماع. وأعربت عن خوفها قائلةً، “أنا لا أخاطر بنفسي فحسب، بل أيضاً بكل شخص أعمل معه، وأنا قلقة للغاية بشأن ذلك”.

في حين تعرضت شاهدة خبيرة أخرى، وهي جولي ميلساب، مديرة الشؤون العامة والمناصرة لدى جمعية “الحملات للإيغور”، لمضايقات من قبل حسابات مجهولة على الإنستغرام وتويتر وفيسبوك، التي نشرت صوراً قديمة لها عندما كانت تعمل راقصة تعري، إلى جانب صور وهمية غير واضحة المعالم لامرأة تقوم بتقبيل رجل في قاعة للرقص. أعربت أن الرسائل حملت في فحوها تهديد بقول “سنعرض هذه الصور على زوجك”. وأضافت أنه أيضاً تلقى رسائل مماثلة. وخلال شهادتها، نشر المتصيدون محتوى غير مرغوب فيه على قناة  “المؤتمر الأويغوري العالمي” على موقع اليوتيوب مع تعليقات تندد بها.

خلال جلسات الاستماع التي عقدت في يونيو/حزيران الماضي، عقدت وزارة الخارجية الصينية مؤتمراً صحفياً شارك فيها أفراد واحدة من الأسر الذين اعترضوا على الأدلة التي قدمها الشهود. فقد قالت  كيلبينور صديق، وهي الشاهدة التي أدلت بشهادتها في يونيو/حزيران حول ما تعرضت له من عملية تعقيم قسري في شينجيانغ، “لقد حاولوا تقويض شهادتي”. ففي اليوم السابق لشهادتها، شاهدت فيديو لزوجها على صفحة وزارة الخارجية الرسمية على تويتر، الذي وصف قصتها بأنها “محض هراء”.

صرح دي بولفورد قائلاً، “من الواضح أنهم أجبروا على التنديد بأفراد عائلاتهم ووصفهم بأنهم كاذبون”. مضيفاً “وحشية هذه الحكومة لا تعرف حدوداً. فهم على استعداد للانحدار لهذه الدرجة من الدناءة ليدعموا روايتهم، وهي إنكار أن هناك أي مشكلة لكي يبدو الأمر وكأنه ادعاءات مختلقة”.

قرر  إرباكيت أوتارباي الآن أن العودة إلى وطنه أمر خطير للغاية، وسيحاول طلب اللجوء في المملكة المتحدة. وقال، “أشعر بالأمان هنا”. في حين  اتصل به “بخيت” آخر مرة في 9 سبتمبر/أيلول، عندما كان أوتارباي بالفعل في لندن. ومنذ ذلك الحين، غير رقم هاتفه وتوقفت المكالمات.

–        هذا المقال مترجم عن codastory.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: