ارتبط تاريخ سوريا الحديث بالمجازر المتنقّلة…
ظننا بعد سقوط نظام البعث والاستبداد الأسدي أن مجازر دموية مثل مجازر “الحولة” و”التضامن” و”الغوطة” و”خان شيخون” وعشرات غيرها، ستبقى ذاكرة جمعية تحرّم دم السوري على السوري، وأن سقوط الأسد فرصة لنجتمع لبلسمة جراح أهالي ضحايا تلك المجازر..
كان ذلك طموحنا قبل الخميس الأسود في 6 آذار/ مارس، وهو يوم نصب مرتكبو تلك المجازر الكمائن، أولئك الذين اعتاشوا على الدم السوري ولا خلاص لهم إلا بسفك المزيد منه.
هم مدانون باعترافاتهم، من غياث دلا الى مقداد فتيحة وغيرهما من ضباط جيش النظام السابق الذين أمعنوا في ارتكاب المجازر ضد السوريين. يفتخر فتيحة في أحد مقاطع الفيديو المصوّرة له والمنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، بأنه رأى أحشاء سوريين أكثر مما رأى وجوههم.
مجموعة من الذين باتوا يُعرفون بأنهم “فلول” نظام الأسد استجمعوا عناصرهم بدعم إقليمي على الأرجح ونشروا دعوات في مناطق الساحل للتجييش.
انجرّ خلف هذه الدعوات بعض الذين كانوا قاموا بتسوية أوضاعهم مع الحكومة الجديدة في دمشق، وتظاهروا ضد حكم أحمد الشرع الذي لم يقدم أي تطمينات بعد ثلاثة أشهر على سيطرته على سوريا، فسادت حكومة اللون الواحد وتخرجت دفعات من الأمن العام والجيش من اللون نفسه، وفُصل آلاف العاملين في القطاع العام ممن كانوا موظفين أيام النظام البائد.
إقرأوا أيضاً:
كل من يعرف التاريخ القريب للمنطقة يعرف خطر إقصاء الموظفين الحكوميين والأطباء والعسكريين وجميع الاختصاصيين في القطاع العام من وظائفهم، على بنيان الدولة بعد مرحلة ديكتاتورية امتدت عشرات السنوات.
اجتثاث حزب البعث في العراق مثال حاضر على فشل تجربة كهذه، ونتيجة حتمية لكل ما شهدناه في الأيام الأخيرة.
نعيش في سوريا أسوأ سيناريو لكل من حلم في 8 كانون الأول/ ديسمبر بسوريا جديدة لا مكان فيها لإرث الأسد.
استيقظت سوريا والساحل السوري فجر الجمعة 7 آذار/ مارس على كم هائل من الانتهاكات والقتل العمد، فلا حرمة للمنازل ولا للبيوت التي أغلقت أبوابها ظناً منها أنها تشارك من يقوم بالعملية الأمنية فرحة سقوط الأسد ورغبة القضاء على من روّعها وسرقها في الساحل من شخصيات مثل فتيحة ودلا وغيرهما.
عند سماعي أول الأخبار اتصلت بأحد أصدقائي في طرطوس، وهو ابن عائلة معارضة للبعث لأطمئن، فكان ردّه: “إذا ما طلعنا عايشين اليوم هول مو الثورة هول البعث فرع العراق”.
أمام الفيديوهات التي توالت على السوشيال ميديا، قرأت تعليقاً على هول الفاجعة من صديق مسيحي مؤمن بالعقيدة المسيحية بشدة وبالثورة منذ 2011، وهو من أبناء الساحل، يقول فيه: “هذه هي الجمعة العظيمة يوم يساق المسيح إلى الصلب على يد من ضحى لأجلهم بعدما سلمه يهوذا وخانه بطرس”.
هذه العبارة تمثل ما تعرض له فقراء الساحل من الطائفة العلوية من ابتزاز من النظام على مدار عقود ما قبل الثورة وبعدها، فهو من رهّبهم من الآخر السوري وربط نجاتهم به وزرع روح الطائفية والفرقة في المجتمع السوري، وقادهم الى هذه المجزرة التي ببشاعتها ساوت بين كل السوريين، فكل مكونات المجتمع خرجت بذاكرة دموية من هذه الحرب.
فهل تقدّر لنا النجاة؟
إقرأوا أيضاً: