fbpx

صرخة إيفون:
أبعد من قيود الطلاق لدى مسيحيي مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يمكن النظر إلى مشروع القانون المنتظر كعلاج لجدلية الزواج والطلاق المسيحي طالما أنه يربط حق تكوين أسرة بالسلطة الدينية، ويتجاهل مفهوم العقد الاجتماعي المدني البعيد من ممارسة الفرد طقوسه الدينية. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكون ظهور المدوّنة المصرية الشهيرة إيفون نبيل، في مقطع مصور جديد، بهيجاً كما اعتاد متابعوها، بل نقلت فيه استغاثة لإنقاذها من زوجها الذي وصفته بـ”النرجسي”، بعدما استنفدت معه كل محاولات المهادنة من دون جدوى. 

أزمة المدوّنة المصرية التي ظلت الأعلى تداولاً في محركات البحث الإخبارية المصرية، على مدار يومين، جددت الحديث عن قضية الطلاق في الديانة المسيحية، وإمكانية الخلاص من زيجة فاشلة، لا سيما أن ذلك يتزامن مع مشروع قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، الذي تم إرساله إلى وزارة العدل المصرية، بعدما اتفقت على بنوده الطوائف المسيحية، وهو في انتظار إحالته للبرلمان على أمل إقراره في دور الانعقاد الثاني لمجلس النواب.

مشروع القانون لم تعرض بنوده على العامة حتى الآن، ولكن الدكتور القس أندريا زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية المصرية، ألمح إلى اتفاق الطوائف المسيحية على نحو 90 في المئة من مواده، فيما اختلفت في أسباب الطلاق، حيث تبقى الكاثوليكية على فكرتها أنه لا طلاق على الإطلاق، بينما تسمح بالانفصال لأسباب كثيرة، دون إعطاء أحد الطرفين فرصة للزواج الثاني، في حين تبيح الإنجيلية الطلاق لعلتي الزنا  وتغيير أحد الزوجين دينه- الذي يعتبر في حكم الزنا الروحي- وأخيراً الأرثوذكسية التي توسعت في مفهوم “الزنا الحكمي”، أي الأخذ بالشواهد التي تشير إلى وجود أحد الزوجين في علاقة خارج إطار الزواج، مع الأخذ في الاعتبار مستجدات العصر والأخذ بطرق استخدام التكنولوجيا الحديثة في حال الخيانة الزوجية.

“أطالب مجلس النواب برفض إصدار القانون من دون مناقشة وافية من الجمعيات الأهلية والحقوقية التي تضع قيمة الإنسان هدفها الأول بغض النظر عن معتقده الديني”.

حكايات من البيوت المتأزمة

على رغم تعاطف كثيرين مع حالتها، إلا أن أزمة إيفون نبيل تبدو أقل تعقيداً من غيرها.

نهى البالغة من العمر 40 سنة، تحدثت عن أزمتها لـ”درج” التي بدأت منذ 10 سنوات هي مدة زيجتها، التي شهدت منذ شهرها الأول خلافات جذرية. لم تكن هناك فترة تعارف كافية قبل الزواج، فواجهت نهى مشكلات أساسية أبرزها تعرضها المستمر للضرب والتعنيف الجسدي واللفظي.

الأزمة تفاقمت بين الطرفين مع دخول العائلتين على خط الصدام. 

لكن هذه التفاصيل لم تشفع لدى الكاهن الذي لجأت إليه نهى لإنهاء زواج بات واضحاً أنه فاشل وعنيف.

أخبرها الكاهن أن هذا الزواج هو “صليبها” وعليها تحمله، وحين لجأت إلى فتح ملف في المجلس الإكليريكي تمت إحالتها إلى لجنة مصالحة من 4 أفراد، أخبروها بعد مماطلات وجلسات غير مجدية، أن عليها الانصياع وتقبل زوجها وتقديم الحب لحماتها، هكذا ببساطة.

طبعاً هذه ليست الحكاية الوحيدة فهناك قصص لا تحصى لزيجات سببت البؤس لأطرافها ومع ذلك تصطدم النساء تحديداً بجدار من الرفض باسم الدين.

الزواج المدني حق 

الآن ومع الحديث عن تعديلات ترضي الكنيسة، هل يمكن القول إن معضلة قوانين الاحوال الشخصية عند الطوائف المسيحية في مصر قد حلت؟

ترفض الكاتبة كريمة كمال أن يصدر قانون الأحوال الشخصية وفق تفسير الكنيسة وحدها، من دون الرجوع إلى المتأزمين من زيجات فاشلة، تقول: “هناك روابط للمتضررين تجب العودة لها، فهم يعبرون عن المشكلات داخل البيوت، ويمثلون أنفسهم ولا حاجة ليتحدث أحد على لسان غيره وقول إن الزيجة يمكن استمرارها”.

وتضيف لـ”درج”: “أطالب مجلس النواب برفض إصدار القانون من دون مناقشة وافية من الجمعيات الأهلية والحقوقية التي تضع قيمة الإنسان هدفها الأول بغض النظر عن معتقده الديني”.

القانون المدني للزواج… حق الدولة أم الكنيسة؟

بالنظر إلى مشكلات الكثير من الأسر المسيحية، هناك أزمات يخلقها الإصرار على التمسك بعلة الخيانة الزوجية أو تغيير الدين كأسباب وحيدة للطلاق.

هاني نبيه (42 سنة)، أحد المتضررين من هذا القانون، يقول: “تضطر أسر كثيرة إلى  ممارسة حيل من أجل الحصول على الطلاق، بداية من اللجوء إلى ما يعرف بتغيير الملة والحصول عليها بمبالغ لا تقل عن 40 ألف جنيه، توزع بين المحامي والطائفة- لتعد بمثابة تغيير الدين، الذي بموجبه يقر الطلاق، نهاية إلى اتفاق عدد من الأزواج على ممارسة أحد الأطراف الجنس مع شخص آخر، وتصوير الواقعة لتقديمها كإثبات جاهز وسهل لحالة الزنا الذي يبيح الطلاق، وأيضاً اللجوء إلى التلاعب بفكرة تغيير الدين رسمياً إلى الإسلام، وبعد إجراءات  الطلاق، يعود الشخص مرة ثانية إلى المسيحية وأحياناً تفشل هذه الحيلة بسبب صعوبة الحصول على الأوراق المطلوبة وتغيير الدين في مصر”.

الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إسحاق إبراهيم، يرفض ما يعتبره تعنتاً ضد وجود أشكال بديلة للزواج الديني، ويشير إلى أهمية دور الدولة في إيجاد حلول جذرية بعيداً من استقلالية الكنيسة وفرض تغييرات على قناعاتها يقول: “المسيحيون هم مواطنون مصريون في الأساس وعلى الدولة حماية حقوقهم الإنسانية ومنها الزواج والحق في تكوين أسرة بغض النظر عن الصلاحيات الكنسية في إلزام الأفراد بزواج ديني لمن أراد هذا الالتزام”. 

 ويحذر إبراهيم من بقاء الأسرة بمبدأ الإجبار وليس بناء على الرغبة في الاستمرار.

تفسير النصوص الدينية بين الحرف والروح

القس الإنجيلي رفعت فكري، رئيس لجنة الإعلام في مجلس كنائس مصر، يرى أن التمسك بحرفية النص والتشدد في تفسير الآية بأنه لا طلاق إلا لعلة الزنا ليس من فلسفة المسيحية، ويوضح لـ”درج” أن “الرسل أنفسهم لم يزوجوا أحداً بالشكل الموجود حالياً”، ويشير إلى اختلاف المفسرين على وضع معنى واحد للزنا، فهناك من قال لا طلاق على الإطلاق، وآخرون شددوا على ضرورة وقوع فعل الزنا بعلاقة كاملة كمبرر للطلاق، وهناك من يعتبر الزنا الروحي سبباً للانفصال. 

وفي أحد التصريحات السابقة لنادر الصيرفي، وهو أحد من المنادين بالعودة إلى لائحة 38، قال إن “التفسير الإنجيلي لفكرة الطلاق نفسها تختلف بين الترجمات من اللغة الإنكليزية إلى العربية”.

وبحسب نسخة الإنجيل الإنكليزية بترجمته المعتمدة “كينغ جيمس” فلا وجود لكلمة طلاق Divorce بل كان الحديث عن كلمة But away أي ترك أو تسريح، ما يعني أن المسيح كان يتحدث عن ترك الزوج لزوجته لأقل سبب، وليس التطليق بمفهومه الكنسي الحالي. 

 الكاتبة كريمة كمال، والناشطة في حقوق المرأة تشير إلى أن الدولة يمكنها ببساطة تطبيق قانون مدني ينظم أزمات الأحوال الشخصية للجميع، مسلمين ومسيحيين على السواء، ولكنها لا تريد وضع المؤسسات الدينية في حرج.

تقول، الكنيسة أضاعت فرصة تاريخية في المطالبة بقانون مدني يحل أزمات المتضررين من ناحية، ولا يضعها في مأزق التخلي عن تعاليمها من جهة أخرى، فمن أراد التمسك بالتعاليم الكنسية عليه الزواج وفقها، ومن أراد الزواج والطلاق مدنياً كما في دول كثيرة، فعليه ألا يجبر الكنيسة على قبوله، ولكن للأسف الكنائس بطوائفها الثلاث رفضت القانون المدني للزواج”.

إقرأوا أيضاً:

وصاية دينية على الحياة الشخصية

لا يمكن النظر إلى مشروع القانون المنتظر كعلاج لجدلية الزواج والطلاق المسيحي طالما أنه يربط حق تكوين أسرة بالسلطة الدينية، ويتجاهل مفهوم العقد الاجتماعي المدني البعيد من ممارسة الفرد طقوسه الدينية. 

وبالنظر إلى الكثير من البلدان، هناك مساران للزواج، أحدهما مدني لمن لا يريد الالتزام بـالطقس الكنسي، والآخر ديني يلتزم فيه الأفراد بالقواعد الكنسية علماً أن منظمات حقوقية تشدد على ضرورة أن يكون القانون المدني ملزماً والقانون الديني اختيارياً.

الطلاق المسيحي في مصر… تاريخ من اللوائح والمناقشات

ظل مطلب إنهاء الزيجات في المسيحية محوراً للجدل بين الدولة من جهة والكنيسة من جهة أخرى، ومعهما استمرت الأصوات المنادية بصدور قانون للأسرة المسيحية طيلة 75 عاماً.

لكن هذه الأزمة تفجرت بالتدريج، ويمكن القول إنها لم تكن موجودة في عهود سابقة. فعام 1896 صدر كتاب “الخلاصة القانونية في الأحوال الشخصية” للقمص فيلوثاؤس إبراهيم، وراجعه البابا كيرلس الخامس،  الذي قدمه لوزارة الحقانية في الدولة العثمانية. 

وترجع أهمية الكتاب في كونه مرجعاً للائحة 1938 التي وضعت 9 أسباب للانفصال بين الزوجين المتنازعين. وجاء فيه: “أن الطلاق ممنوع في الشريعة المسيحية، ليس للإنسان أن يطلق امرأته بالإرادة المنفردة؛ لكن الزيجة تُفسخ للأسباب التالية:  إذا كانت الزيجة عقدت بغش، إذا زنت المرأة، ترهبن أحد الزوجين، في حالة سوء سلوك أحد الزوجين، العجز الجنسي، الخروج عن الدين وإذا غاب أحدهم أو أسر أحد الطرفين (السجن) فضلاً عن  وقوع الشر الفرقة واستحكام النفور”.

 هذه الأسباب وغيرها وضعت في لائحة 38 كمبررات لحل الزيجة، لأن الطلاق في المسيحية “بالإرادة المنفردة للرجل” مرفوض بشكل قاطع، ومع منطقية الأسباب، وحلها الكثير من المشكلات، إلا أن اللائحة ظلت محلاً للانتقاد من الإكليروس “رجال الدين المسيحيين”،  وبالتحديد في عهد البابا مكاريوس الثالث، البطريرك 114 للكنيسة، الذي اعتبرها مخالفة لتعاليم الإنجيل. 

طالب المجمع المقدس للكنيسة من وزارة العدل عام 1944، بإلغاء اللائحة لهدمها القوانين الكنسية، وفي العام التالي قرر البابا مكاريوس وضع قانون جديد للأحوال الشخصية، غير أنه توفي ولم يكمله. 

ووضعت الطوائف المسيحية صياغة قانون موحد للأحوال الشخصية للمسيحيين عام 1961، ثم قدم البابا كيرلس السادس، ممثلاً عن الكنيسة الأرثوذكسية مذكرة لوزير العدل يطالبه فيها بتقييد العمل بلائحة 38.

وهنا جاء دور الأنبا شنودة أسقف التعليم، الذي أصبح لاحقاً بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، إذ كتب المذكرة المرسلة للوزارة، وبعد اختياره بطريركاً للكنيسة قام بتشكيل لجنة عام 1976، بهدف إعداد قانون جديد للأحوال الشخصية، وبعد اتفاق الطوائف عليه أرسلت نسخة منه مرة جديدة إلى مجلس الشعب آنذاك. غير أنه ظل حبيس الأدراج ولم يخرج إلى النور.

عام 2008، أصدر البابا شنودة تعديلاً للائحة 1938 بقرار منفرد، يحصر الطلاق في علة الزنا فقط، رافعاً شعار “لا طلاق إلا لعلة الزنا”. 

توترت الأجواء بين البطريرك وبين المطالبين بحل زيجاتهم، لأن المحاكم ظلت تحيل طلبات المتقدمين  للطلاق إلى الكنيسة، التي بدورها ترفض حالات كثيرة لا تتوافر فيها علة الزنا، وحتى الحالات التي قدمت شواهد تفيد بإقامة أحد الطرفين علاقة مع شخص آخر، كان عليها إثبات وقوع فعل الزنا أمام المحاكم وفق قواعد الشريعة الإسلامية، التي تعد شبه مستحيلة، وهكذا ظلت آلاف الأسر المتضررة تدور في حلقة مفرغة بين دوامات إجراءات قانونية من ناحية، وأخرى كنسية من ناحية ثانية. 

كل هذا بخلاف الحاصلين  على الطلاق المدني بعد رحلة شاقة من الإجراءات، لكنهم فشلوا في الحصول على تصريح زواج ثان.

ومع تعطيل العمل بلائحة 38 زادت أعداد الأسر المتضررة، وتكدست الملفات أمام المجلس الإكليريكي المنوط بمتابعة الحالات المطالبة بالطلاق، ووفق تقديرات -غير رسمية- وصلت إلى قرابة 30 ألف حالة حتى عام 2015.

جاء البابا تواضروس الثاني، الذي وضع هذا الملف الملغوم على قائمة أولوياته، وفي أول اجتماع للجنة الإصلاح التشريعي التي شكلها الرئيس عبد الفتاح السيسي فور وصوله إلى الحكم 2014، طالب بإعادة فتح ملف قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وظلت الكنائس تناقش المبررات الخاصة بالطلاق، إلى أن وصلت إلى الصيغة الموجودة حالياً مع وزارة العدل.

إقرأوا أيضاً: