fbpx

الحزن على إغلاق مكتبة في دمشق: مقاومة القبح!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عندما سمعت خبر إغلاق مكتبة نوبل، وشاهدت الصورة التي تم تداولها على “فايسبوك” لواجهة المكتبة وصاحبها يقف أمامها، أنا أيضاً أصابني الحزن، فصاحب المكتبة ليس شاباً في بداية حياته، بل هو رجل في السبعين تقريباً، بملامح حزينة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ أيام، انتشر خبر إعلان الأخوين، جميل وإدمون نزر، عن إغلاق مكتبة “نوبل” في دمشق، والتي تقع وسط المدينة مقابل فندق الشام. وتعد مكتبة “نوبل” من أقدم مكتبات مدينة دمشق وأعرقها، والتي لم تغلق أبوابها منذ سبعينات القرن الماضي. 

لكن “نوبل” لم تكن أول مكتبة تعلن نهاية رحلتها، بل سبقتها مكتبات عريقة في دمشق، ومرتبطة بذاكرة أجيال من السوريين، مثل مكتبة “ميسلون” التي تحولت إلى مركز “صرافة”، ودار ومكتبة اليقظة العربية والتي أسست عام 1939، وتحولت إلى متجر للأحذية، ومكتبة الزهراء. 

وانتشرت عبر “فايسبوك” منشوارت وتعليقات لمثقفين وكتاب وقراء سوريين عبروا عن حزنهم لسماع خبر إغلاق المكتبة التي اعتبرها كثيرون بمثابة معلم ثقافي وتاريخي، لا مجرد مكتبة تبيع الكتب. 

كما شعر البعض الآخر بالخطر الذي يهدد مدينة دمشق من هذه التغييرات والتحولات التي حدثت خلال العشر سنوات الماضية، إذ إن هذه المكتبات تعتبر جزءاً من ذاكرة دمشق وهويتها الثقافية والاجتماعية. 

لكن البعض الآخر، قلَّلَ من شأن الحزن “المبالغ فيه”، و”حالة الرثاء الجماعية” للمكتبات، بخاصة أن موضوع إغلاق المكتبات، تم تداوله على مواقع السوشيال ميديا من مؤيدين ومعارضين للنظام السوري على حد سواء، وتم طرح المفارقة المعتادة من بعض السوريين المعارضين، والتي تشير إلى أن المثقفين السوريين “الصامتين” عن جرائم النظام السوري وانتهاكاته، أو المؤيدين له، حزنوا على إغلاق مكتبات مدينة دمشق، لكنهم لم يكترثوا لإبادة وقتل الآلاف من السوريين وتهجيرهم، وتدمير مدنهم وأحيائهم ومنازلهم.  

لكن يبدو أن هذه المفارقة المطروحة والتي تتحول أحياناً إلى “مزايدة” ليست صالحة دائماً لنقد أي حدث سوري، وإشهارها كسلاح بوجه الخصوم، فقط لتذكيرهم وتذكير من حولهم بمواقفهم السياسية أو بصمتهم. إذ إن من يعيش داخل دمشق ليسوا المثقفين المؤيدين للنظام، وأنه لشيء مضحك جداً أن نتهم أحداً بأنه يلتزم الصمت، وهو يعيش تحت حكم نظام الأسد.  

بالتأكيد، وفي ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها الناس داخل سوريا، تجعل من فكرة شراء كتب، نوعاً من الرفاهية ربما. فبحسب تقرير منظمة “هيومن رايتش ووش”، “اختبر الاقتصاد السوري سقوطاً حراً معظم عام 2020، مع انخفاض غير مسبوق في قيمة العملة الوطنية، وفرض المزيد من العقوبات الدولية، والأزمات في بلدان الجوار. بالنسبة إلى السوريين العاديين، تُرجم ذلك عجزاً عن شراء الغذاء، والأدوية الأساسية، والضروريات الأخرى. نتيجة ذلك، أكثر من 9.3 مليون سوري يفتقرون إلى الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر”.

وهناك أزمة أخرى باتت تعاني منها المكتبات وهي عدم قدرتها على تأمين جميع الكتب والإصدارات الجديدة من دور النشر العربية إما لأسباب تتعلق بغلاء أسعارها، وعدم قدرة القراء على شرائها، أو لأنها ممنوعة. إلى جانب ازدهار سوق الكتب الإلكترونية. 

لكن، ومع كل الأسباب المنطقية، التي أدت إلى إغلاق المكتبات، إلا أن حزن السوريين على إغلاقها، وخصوصاً من يعيشون داخل سوريا تحت وطأة كل الأوضاع المعيشية السيئة، يأتي في سياق مقاومة كل مظاهر الابتذال وأشكال البشاعة التي يعانون منها في حياتهم اليومية على مدار عشر سنوات، من الوقوف ساعات لانتظار “الميكروباص” والتحرش بالنساء، وانقطاع تيار الكهرباء لساعة طويلة، وأزمة الوقود والخبز، والقمح، ومشهد الفقراء وهم ينبشون حاويات القمامة بحثاً عن طعام، والتفاوت الطبقي الذي بات مظهراً عادياً في المدينة. 

وربما كانت مجرد التمشية من أمام تلك المكتبات التي أغلقت، قد تذكر السوريين بأن وجهاً من وجوه المدينة الذي يشبههم ما زال موجوداً، وربما يعطيهم بعض الأمل، بأن الحياة الكريمة قد تعود يوماً ما إلى دمشق. 

ما يحصل في دمشق، هو أن مكتبات عريقة تغلق أبوابها، ولا مكتبات جديدة تظهر

عندما سمعت خبر إغلاق مكتبة نوبل، وشاهدت الصورة التي تم تداولها على “فايسبوك” لواجهة المكتبة وصاحبها يقف أمامها، أنا أيضاً أصابني الحزن، فصاحب المكتبة ليس شاباً في بداية حياته، بل هو رجل في السبعين تقريباً، بملامح حزينة. لكن عندما قرأت عن نية أصحاب المكتبة  الهجرة إلى كندا، سعدت لأجلهم، ولأن لا أحد يعلم ما هي الظروف التي ربما عانوا منها في ظل نقص أعداد القراء في هذه المدينة الحزينة. 

كنا في زمن ما قبل الحرب، ندخل هذه المكتبات، ونتأمل الكتب ونتصفح بعضها، حتى ونحن نعاني من الإفلاس ولا نملك ثمن كتاب، لكن الأمر كان طقساً عادياً ضمن حياة يومية طبيعية، يخلق بداخلنا شغف المعرفة والاطلاع وحفظ عناوين كتب في أذهاننا لشرائها في وقت لاحق. 

وتعليقاً على إغلاق مكتبات دمشق، كتب الكاتب والمؤرخ والناشر السوري فاروق مردم بك منشوراً على “فايسبوك”، جاء فيه “أُقيم منذ أكثر من خمسين عاماً في مدينةٍ كبيرة، هي باريس، كانت الأولى في العالم عندما قصدتها أوّل مرّة، في مُنتصف الستّينات، من حيث عدد مكتباتها، وأغلب الظنّ أنّها لم تفقد مكانتها هذه على الرغم من اختفاء ما يزيد على 400 مكتبة منذ العام 2000، بحسب إحصاءٍ رسميّ، وذلك بسبب مُزاحمة بعض المؤسّسات التجاريّة الضخمة، مثل “فناك” أو “فيرجن”، وتسويق الكتب أكثر فأكثر عبر الإنترنت، وهيمنة أمازون الأخطبوطيّة”. 

وأضاف: “ما زال في باريس حتّى اليوم 650 مكتبة، وهو ما يُفرحني، ناشراً وقارئاً، ولكنّي اُغمّ كلّما مررتُ بموقعٍ كان فيه مكتبة، وامّحت آثارها كأنّها لم تكنْ”.

كما أشار مردم بيك إلى أن “جميع المكتبات العربيّة في باريس أغلقت أبوابها، على حدّ علمي، باستثناء التي اختصّت بالكتاب الإسلامي، ولا يُلام في ذلك سوى المُثقّفين “العلمانيّين” العرب المُقيمين في باريس، وهم يُعدّون بالمئات”. 

في مدينة القاهرة، وفي بداية انتشار وباء “كورونا” وإغلاق المحلات، وتقنين حركة الناس في الأسواق، بعد إجراءات الحظر، كان هناك خوف من أن يتعرض سوق الكتاب الورقي للتراجع، لكن ما إن مضى شهران تقريباً، حتى بدأت بعض المكتبات تنشط  عبر التسويق الالكتروني، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتأمين خدمة توصيل الكتب إلى المنازل. 

وفكرة إقبال الناس على شراء الكتب والقراءة في بداية تفشي وباء “كورونا”، أنعشت سوق الكتاب الورقي، وساهمت باتساع مشروع صفحات بيع الكتب على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت منافساً قوياً إلى حد ما للمكتبات التقليدية. إذ إن معظم هذه الصفحات لا توفر خدمة التوصيل إلى المنازل وحسب، بل إنها وإلى جانب تأمينها الكتب والإصدرات الجديدة، تعرض على صفحاتها أيضاً كتباً قديمة ومستعملة ونادرة، وأسعارها مناسبة. 

مع ذلك لم تقفل المكتبات القديمة والعريقة وسط القاهرة، فما زالت مكتبة مدبولي موجودة وبابها مفتوح في ميدان طلعت حرب، وما زالت مكتبة “سنابل للكتاب” في شارع صبري أبو علم، على سبيل المثال لا الحصر. إضافة بالطبع إلى المكتبات الجديدة الموجودة في وسط المدينة. 

لكن ما يحصل في دمشق، هو أن مكتبات عريقة تغلق أبوابها، ولا مكتبات جديدة تظهر، (ومن سيقدم على هذه المغامرة في ظل هذا الوضع الكارثي الذي تعيشه سوريا؟!)، وإذا تحدثنا عن مكتبات شارع الحلبوني المرصوصة، فمعظمها تبيع الكتب الدينية والإسلامية. 

ما يثير الغرابة ربما، ليس حالة الحزن الشديدة على إغلاق المكتبات- سواء كنا معارضين أو مؤيدين للنظام السوري-  إنما حالة الاستهجان من قبل البعض على هذا الحزن، أو التقليل من شأنه، هي الأكثر غرابة حقيقة، فعلى رغم كل ما يعانيه معظم الناس داخل مدينة دمشق، ما زال المكان وهويته وتاريخه أشياء حاضرة في ذاكرتهم، وكونهم يشهدون يومياً على دمارها وتشويهها، فهذا لا يعني أنهم يتماهون مع مظاهر القبح التي فرضتها الحرب عليهم!

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.