fbpx

في ظل سياسة “التقشف” المصري الرسمي: “ملكة السماء” طائرة رئاسية جديدة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ظل خبر وصول “ملكة السماء”إلى القاهرة سراً من أسرار الدولة العليا، التي لا يجب أن يسمعها بها الشعب حتى لا يغضب، فالتاريخ المصري لم يشهد رئيساً يشتري طائرات رئاسية بأسعار باهظة بهذا الحجم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لو ينفع أتباع هاتباع عشان خاطر مصر”…

“بيعايرونا بفقرنا”

“اتبرع لمصر بجنيه”

“صندوق تحيا مصر تحت مسؤوليتي المباشرة ومفيش جنيه بيطلع كده”

يكرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن حكومته تعمل لأجل توفير أموال لإقامة مشروعات عملاقة، وهو دأب على حثّ المصريين على التبرع والتوفير والتكيف قسرا مع رسوم وضرائب جديدة. كل ذلك “عشان خاطر مصر” كما يقول، والتي تعاني ماليًا ولا مساحة بها للرفاهية واقتصادها يترنح من تبعات تفشي فيروس كورونا. 

في خضم ذلك كله يشتري الرئيس “ملكة السماء”. 

طائرة عملاقة من طراز “بوينغ” توصف بـ”المدينة الطائرة” لضخامة حجمها وفخامتها، دخلت الأسطول الجوي المصري مؤخرًا، في صفقة بلغت قيمتها 418 مليون دولار، أي ما يعادل 6 ونصف مليار جنيه مصري، ويقول موقع “سكرامبل” المتخصص في الطائرات، إن مشترٍ مجهول قدم لشركة “لوفتهانزا” الألمانية، المالكة للطائرة، عرضًا لشرائها في شهر آذار/مارس الماضي، وظلّ المشتري مجهولًا حتى منتصف ايلول/سبتمبر، حين أعلن الموقع أن “الزبون الغامض” هو الحكومة المصرية، وأنها ستصبح تحت تصرف مسؤول بارز. 

طائرة “بوينغ” بدون مشترٍ لسنوات… “تحرق 13 ألف دولار في الساعة”

كانت طائرة “بوينج” معطلة ومتوقفة لسنوات في مطارات مختلفة، ما بين ألمانيا والولايات المتحدة، ضمن ممتلكات شركة “لوفتهانزا” التي اشترتها في صفقة مع شركة “بوينغ” لاستيراد 20 طائرة.

وظَّفت شركة الطيران الشهيرة جميع الطائرات في رحلاتها حول العالم إلا واحدة هي تلك الملقبة بـ”ملكة السماء”. وقوفُها في صحراء المطارات دفع الشركة المصنعة لاستخدامها في اختبارات مستمرة، على عكس العقد المبرم بينها وبين “لوفتهانزا”، التي انسحبت من الصفقة وطلبت إلغاء شرائها، وأعادتها بالفعل. لكن الألوان الزرقاء الخاصة بشركة الطيران الألمانية ظلت على هيكلها الخارجي، إذ أن الطائرة تحولت إلى هيكل عظمي، لا تطير ولا تتحرك، وتحوّلت إلى طائرة حبيسة ومهملة في صحراوات المطارات الأمريكية الشاسعة، التي يصفها موقع “فلاج ريفيو” الألماني بـ”مقابر الطائرات”.. فما السر؟

حين طارت الطائرة للمرة الأولى، عام 2015، انطلقت إلى بينال إير بارك بولاية أريزونا، استغرقت الرحلة ساعتين ونصف، لتظل الطائرة متوقفة بعدها حتى صيف عام 2017، قبل أن تعود إلى مصنع “بوينغ” في إيفريت بولاية ماساتشوستس الأمريكية لتبقى هناك طويلًا في محاولة لعلاج عيوبها. 

تتلخص عيوب الطائرة، حسب موقع “سكرامبل“، في العديد من التغييرات الفنية التي جعلتها تحديدًا غريبة عن أخواتها الـ19 الذين انضموا لخطوط “لوفتهانزا”، بالإضافة إلى عدم ارتياح الطيارين لها، واحتياجهم تدريبًا إضافيًا لقيادتها، والأسوأ أن تكلفة تشغيلها وصيانتها ضخمة مقارنةً بالطائرات الأخرى.

 الطائرة ملكية توفِّر رفاهية تناسبُ الأثرياء والملوك، وتستهلك أكثر من 10 آلاف لتر من الوقود في الساعة، أي ما قيمته 13 ألف دولار في 60 دقيقة طيران فقط، ولذلك لا تصلح للطيران التجاري، فمن هذا الطراز هناك 37 طائرة فقط حول العالم، 25 منها تعمل، و12 أخرى تم تخزينها للأبد نتيجة استهلاكها الكثيف للوقود، طبقًا لموقع “سيمبل فلاينج“، المعني بشئون الطيران.

يتراوح سعر وقود الطائرات الخاصة العادية ما بين 500 و2000 دولار في الساعة، وكلما كبر حجمها زادت كمية الوقود المحروق، ما يعني أن الطائرة المصرية الجديدة ستستهلك 6 أضعاف ما تستهلكه الطائرات العادية على الأقل، ومن المتّبع أن تحال إلى التقاعد قريبًا لتقادمها، أي أن الثمن الباهظ لن يسدّ احتياجات القاهرة من الطائرات الرئاسية سوى 10 سنوات أو أكثر قليلًا، على عكس الطائرة السابقة لها، التي عملت 26 عامًا (ما بين 1995 و2021).

القاهرة تملك 24 طائرة رئاسية… والجديدة “أغلى وأضخم طائرة خاصة في العالم”

تؤكد معلومات موقع “سكرامبل“، أن المسؤول البارز الذي تشيرُ له المواقع الألمانية هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليستخدمَها بدلًا من الطائرة الرئاسية الحالية من طراز “إيرباص”، التي تستعدُ للخروج من الخدمة لعملها منذ عام 1995، ورغم أنه كانت هناك حلول أخرى بتكلفة أقل تصل للنصف تقريبًا، عبر شراء طائرات أخرى تناسب حالة التقشف التي تعيشُها مصر في ظل ترتيبات تجري حاليًا لرفع الدعم عن الخبز، إلا أنّ الاختيار وقع على “ملكة السماء” .

السيسي وأردوغان يتشاركان طائرة

يملك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طائرة شبيهة لها، أهداها له تميم بن حمد، أمير قطر، ردًا لجميلِ دعم الدوحة لوجستيًا وسياسيًا خلال سنوات مقاطعة الرباعي العربي، ووصفتها شبكة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بـ”أضخم وأغلى طائرة خاصة في العالم”، وطلب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، طائرة مثلها، خلال فترته الرئاسية، إلا أن شرائها تأخر بسبب تكلفتها العالية، حتى غادر البيت الأبيض، بينما لا تزيد أسعار الطائرات الرئاسية الألمانية والأمريكية عن 325 مليون دولار، ليس للرفاهية والفخامة اللذين تتمتّع بهما، إنما لتجهيزِها بأنظمة دفاعية ضخمة ومتطورة. 

يتراوح سعر وقود الطائرات الخاصة العادية ما بين 500 و2000 دولار في الساعة، وكلما كبر حجمها زادت كمية الوقود المحروق، ما يعني أن الطائرة المصرية الجديدة ستستهلك 6 أضعاف ما تستهلكه الطائرات العادية على الأقل

ويمكن تفسير إقدام السيسي على ذلك النوع من الطائرات الفاخرة بتأثره بالطائرات الخليجية التي اعتاد صعودها، أو ركوبها برفقة صديقيه محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، أمير أبو ظبي وولي عهد السعودية، وبذخ الأسر الحاكمة الذي تنفق كثيرًا على رفاهية الأمراء والملوك والرؤساء، وأبرزها روسيا واليمن وزيمبابوي والمكسيك والإمارات والهند، والسعودية، التي تمتلك “قصرًا طائرًا” يتكوّن من دورين تعتبر تكلفته الأغلى في العالم من بين الطائرات، ويقترب منها سعر الطائرة الرئاسية المصرية الجديدة. 

ومن غرائب الطائرات الرئاسية، أن المكسيك حاولت بيع طائرتها الرئاسية، بسبب ثمنها الباهظ، الذي يعتبر رمزًا للفساد ورفاهية الحكام التي يحصلون عليها من جيوب دافعي الضرائب.

وتمتلك القاهرة حاليًا 24 طائرة رئاسية، حصلت عليها خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، بخلاف الطائرة “إير باص”، إلى جانب طائرتي إسعاف، و7 طائرات هليكوبتر، بالإضافة إلى طائرات الخدمة والحراسة العسكرية، التابعة للقوات المسلحة. وأضيف لها عام 2016، 4 طائرات فرنسية في صفقة مثيرة للجدل.

تلك الواقعة تثبت أن مصر لديها سجل من إنكار “صفقات الطائرات” الزائدة عن الحاجة.

ليست المرة الأولى… الحكومة المصرية اشترت 4 طائرات سراً

كان عام 2016 حافلًا بصفقات التسليح ودعاوى الحصول على تبرعات، بينما يشهد صندوق “تحيا مصر” أولى مراحله حتى يشكِّل اقتصادًا رسميًا موازيًا كصندوق سيادي يؤدي دورًا جوهريًا في ابتزاز رجال الأعمال وكذلك محدودي الدخل، وسرت أنباء– على عهدة صحيفة “لا تريبيون” الفرنسية – حول شراء القاهرة 4 طائرات مدنية فاخرة  طراز “فالكون إكس 7” لتنقلات الرئيس وكبار المسؤولين في الدولة، بقيمة 300 مليون يورو، ما يعادل 4 مليارات جنيه في ذلك الوقت، و6.3 مليار جنيه الآن، ليسارع المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بالنفي

كانت الطائرات من طراز فريد تقدمه شركة “داسو” الفرنسية المنتجة لطائرات “الرافال” المقاتلة، التي ترتبط معها الدولة بصفقات عسكرية أخرى.

حصلت مصر على الطائرات بمبلغ باهظ، رغم أنها كانت تملك 24 طائرة باقية من عهد مبارك، إلى جانب طائرة “إير باص” فاخرة في مقدمة الأسطول الجوي الرئاسي، وبدأت الردود الرسمية عبر مصادر “مجهّلة” وعبر وكالة أنباء الشرق الأوسط تنكر شراء الطائرات، وتكذّب ما يقال حول مليارات دفعت في طائرات لتنقلات الرئيس، رغم أن طائرة واحدة تكفي. وتضاربت التصريحات، حتى أنّ مصدر رسمي أكّد أن الدولة اشترت الطائرات، وتنوي تأجيرها.

وظلت الطائرات حبيسة مطارات مجهولة لأكثر من عام، دون تسجيل رسمي في هيئات الطائرات، حتى لا تظهر أماكنها على “الرادارات”.

في ديسمبر 2017، سُجِّلت طائرتان بوكالة رصد ملاحي باسم القوات الجوية المصرية، وبتتبع مساراتهما، بدا أنهما تطيران في رحلات بين قاعدة ألماظة الجوية والضبعة ووحدات عسكرية بمرسى مطروح. وبالكثيرِ من البحث وتتبع مسارات الطائرات، انتشرت معلومات أخرى لم تنشغل الحكومة المصرية بالردّ عليها، أو توضيحها، أو تبريرها، اكتفت بالصمت ضمن محاولات التهرب من الحديث في أمر الطائرات الغامضة، باعتبار شرائها شأنًا داخليًا، لا يحق لأحد الاطلاع عليه، وكأنها لعبة النظام القائم الأسيرة، أن يفعل ما يريده، مهما كان مستفزًا، ويتجاهل التعليقات حتى يختفي النقدُ تدريجيًا وتلقائيًا.

اختفى الحديث حول الطائرات بالفعل، بعد يأسٍ من معرفة سبب شرائها و”راكبها” الجديد، حتى مايو 2018، حين قامت طائرتان منهما برحلة رئاسية إلى ميونخ في ألمانيا، وتسرّبت لهما صور تحمل رموز الرئاسة المصرية: SU-BTU، وSU-BTV.

وكشفت مواقع تتبع الطائرات، في ذلك الوقت، أن الجهة المالكة المسجلة لدى هيئات الطيران، هي الحكومة المصرية، أمّا الصور فكشفت أنها أصبحت طائرة رئاسية، وبدا من تصريحات السيسي التي أعقبت ذلك بنحو عام، أنّ ما يتردّد من تعليقات حول الطائرات التي يشتريها والقصور التي يبنيها، رغم التقشف الذي تفرضه الدولة على المواطنين، يصل إلى مسامعه، فقال في مؤتمر رسمي: “أنا عملت قصور رئاسية، وهعمل، مش ببنيها لنفسي، دي لمصر”. 

من كشف سر “ملكة السماء”؟

التجربة السابقة لمصر في تسريب أنباء شراء الطائرات الأربعة دفعتها إلى توصية شركة “بوينغ” بعدم الكشف عن المفاوضات مع الحكومة المصرية، لكن الطائرة التي كانت معطلة عن العمل، ومتوقفة في صحراء ولاية أريزونا، أعادت الشركة تنشيطها وإصلاحها مطلع صيف عام 2021، تمهيدًا لإعادتها للحياة مرة أخرى، وهو الأمر الذي كان مدهشًا للمهتمين بالطيران، فالاستعدادات تنبئ بمشترٍ جديد للطائرة الفاخرة، فمن يقدر على تكاليفها ونفقاتها الباهظة؟.. هل هي دولة خليجية تتغذى على البترول؟ أم دولة دكتاتورية في أمريكا اللاتينية؟ 

ووسط التساؤلات والتوقعات حول اسم المشتري، بدأت “بوينغ” إجراءات نقل الملكية وكل ما أعلنته أنها ستذهب إلى مشترٍ “VIP” (شخص مهم جدًا)، ومراجعة طلب الشراء، ونسخة من إصدار الركاب لعميل “لم يتم الكشف عنه”، حسب “فلاج ريفيو“.

وأضاف الموقع: “مطلع شهر حزيران/ونيو 2021 بدأ الفنيون تشغيل أنظمة الماكينة، وبعد 6 أسابيع، وتحديدًا في 21 أغسطس، انتقلت إلى مدرج الطائرات استعدادًا للرحلة الأولى منذ سنوات، وأقلعت، وطارت إلى مطار بوينغ في إيفريت”.

وفي المطار الجديد، ظهرت الطائرة، تحمل تسجيلًا رسميًا باسم آخر، كان السابق “N828BA” والجديد هو “SU-EGY”، الذي يتشابه مع مسميات الطائرات الأربع “الغامضة” التي تكتّمت حولها السلطات المصرية قبل 5 سنوات، ليضاعف ذلك التكهنات حول المالك الجديد الذي حاولت شركة الطائرات الأمريكية أن يظل سرًا. SU هو رمز جمهورية مصر العربية، وأشار الموقع، قياسًا إلى ضخامة الطائرة والاهتمام الشديد بها،  إلى أنها ستكون “الأولى والأساسية” لرئيس الجمهورية، بعد خروج طائرته من الخدمة. وأكّد، حسب مصادره، أنه من المحتمل أن تعود الطائرة، التي رفضتها “لوفتهانزا” إلى السماء من جديد لتصبح “الطائرة الكبيرة” للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. 

نتيجة للإجراءات الرسمية الخاصة بنقل ملكية الطائرات وإعادة تشغيلها وتسجيلها برمز يشير إلى المالك الجديد، ظل خبر وصول “ملكة السماء”إلى القاهرة سرًا من أسرار الدولة العليا، التي لا يجب أن يسمعها بها الشعب حتى لا يغضب، فالتاريخ المصري لم يشهد رئيسًا يشتري طائرات رئاسية بأسعار باهظة بهذا الحجم، وهو ما يجعل الحديث عن صفقات “مدن طائرة فاخرة” لأجل رحلات الرئيس حدثًا جديدًا بالنسبة إلى المصريين.

جمال عبد الناصر كان يكتفي باستئجار طائرات خاصة ولم يشترِ طائرة رئاسية من الأساس، كما فعل أنور السادات، الذي لم يشترِ طائرات هو الآخر، رغم حبه للمظاهر والحياة الفارهة، واكتفى بـ3 طائرات رئاسية تلقاها كهدايا من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، ومؤسس دولة الإمارات، الشيخ زايد آل نهيان، أما مبارك فاشترت الرئاسة في عهده، الذي امتد لـ30 عامًا، 14 طائرة بقيمة لا تزيد على 500 مليون دولار، أي أن قيمة جميع طائرات عصر مبارك أقل من سعر الطائرة الرئاسية المصرية الجديدة.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!