fbpx

سوريا: أبعد من الحزن على إغلاق مكتبة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أذكر أن صاحب المكتبة التي كنت اشتري منها كتبي حين كنت في سوريا، كان يخصص خزانة صغيرة للكتب الممنوعة. تلك الخزانة عرفت من قبل القلة الموثوقة من قبل صاحب المكتبة باسم “المخبأ”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ولّد إغلاق مكتبة نوبل في دمشق، انقساماً سوريا جديداً، فالبعض أبدى حزنه، معتبراً أن المكان من ذاكرة العاصمة، وله دلالة، وإقفاله يستدعي مشاعر حنين وحزن، تتسع لتشمل سوريا كلها، لكن آخرين، سخروا من الحسرة على إغلاق المكتبة، فيما الناس تعيش أوضاعا اقتصادية كارثية، وانعدام خدمات، وانتشار واسع لكورونا، وقسم كبير مهجر، وغير معني أصلا، بما يحصل في العاصمة ومناطق النظام.

مكتبة نوبل – سوريا

نتيجة، استدخال موضوع مكتبة نوبل، في دوامة الثنائيات، لاسيما معارضة ونظام، انعدمت أي إمكانية لنقاش المسألة، انطلاقا من موقع المكتبات في حياة السوريين، تحديداً قبل الثورة. فانعدام وجود فضاء عام في سوريا بفعل الاستبداد، جعل المكتبات التي تخصصت ببيع الكتب المتعلقة بالأدب والسياسة وعلم الاجتماع وغيرها، مفصولة عن المجتمع، ومرتبطة بعزلة المثقفين والمهتمين بالثقافة، وبخريطة تحكم صنعها الاستبداد. هؤلاء المثقفون، لاسيما المعارضين منهم، انكفأوا، بسبب هزيمة ما ظنوا أنها مشاريعهم، إلى هوامشهم الخاصة، وسحبوا علاقتهم بالمكتبة، إلى هذه الهوامش.

أقصى نشاط يمكن أن يحصل في مكتبة ما، حوار عابر بين مثقفين اجتمعوا صدفة أو تواقيع كتب وندوات حول روايات وإصدارات جديدة، لا تتعلق بشأن العام.

فصل المكتبة عن المجتمع، تكرس أكثر عبر “بعثنة” المكتبات العامة وتلك الموجودة في المراكز الثقافية والمدارس والجامعات، فقد جرى تنقية الكتب من أي أفكار معارضة أو مغايرة لعقائد النظام، وصارت العلاقة بين أي سوري وبين المكتبة، مرتبطة بمنظومة العلاقات التي يحوكها النظام، ويتحكم بخيوطها، ما جعل المكتبة العامة أداة أدلجة، أو أقله، مكاناً معلباً.

أما المكتبات الخاصة، فقد اقتصر نشاطها على البعد التجاري، والأخير، إذ كان مطلوبا على قاعدة جعل الكتاب سلعة يجب تسويقها بأشكال احترافية، فقد بات في سوريا، غاية بحد ذاته، وسط انتعاش لسوق الكتب الإسلامية، كنتيجة لدعم النظام، “الإسلام السني الرسمي”، المناسب له. 

كذلك، تكرست نظرة احتقار ولوم – ساهم فيها بعض المثقفين – ضد ما لا يقرأ، فصرنا نطالع، بشكل دوري، مقالات ومقارنات عن نسب القراءة المرتفعة في الغرب ونسبتها المتدنية بين السوريين والعرب عموما، إذ لم يفوت أدونيس مقابلة إلا واسترسل في التذكير بحجم الفجوة التي تزداد اتساعا.

هكذا، لم يتم ربط واحد من أسباب تراجع القراءة بتراجع دور المكتبة في الفضاء العام الملغى نتيجة الاستبداد، وإنما، جرى تطوير نظرية احتقارية تنتقد ضحايا هذا التراجع، أي من يفترض أن يصبحوا قراء، ضمن العلاقة التفاعلية الطبيعية بين المجتمع والمكتبة.

أذكر أن صاحب المكتبة التي كنت اشتري منها كتبي حين كنت في سوريا، كان يخصص خزانة صغيرة للكتب الممنوعة. تلك الخزانة عرفت من قبل القلة الموثوقة من قبل صاحب المكتبة باسم “المخبأ”. فعلياً، علاقة المكتبات بالشأن العام في سوريا، كانت تقاس بحجم هذا “المخبأ”، الذي يمكن أن يؤدي أي كتاب فيه إلى السجن. 

علاقة المكتبات بالشأن العام في سوريا، كانت تقاس بحجم هذا “المخبأ”، الذي يمكن أن يؤدي أي كتاب فيه إلى السجن.

حين اشتريت رواية “القوقعة” الشهيرة، بعد أخذها من “المخبأ”، خرجت إلى الشارع محاولا إخفاءها قدر الإمكان، خشية أن يشاهدها أحد المخبرين ويبلغ عني. بصرف النظر عن مخاوفي المبالغ بها، لكن هذه التجربة، التي كثيرا ما تكررت مع سواي، تكشف كيف أن المكتبة ليست فقط مفصولة عن شؤون السوريين، بل هي أحياناً مصدر خطر، يهدد وجودهم.

هكذا، تبدت المكتبات العامة والخاصة، خلال عهد الاستبداد المستمر، كأحد نتائج محو الفضاء العام، وأداة أدلجة، ومصدر خطر لأي باحث عن المختلف. من هنا يمكن أن نفسر، كيف أن إغلاق مكتبة “نوبل”، سببه تردي الوضع الاقتصادي، وليس أمر من النظام وأجهزته الأمنية، بعد نشاط ما أو اقتناء كتب معنية.  بمعنى أن مكتبة “نوبل” مهما استمرت ستكون، بلا تأثير يذكر، ولن تزعج السلطة، وإغلاقها أو مواصلة نشاطها، نتيجته واحدة، طالما هي مجرد متجر لبيع الكتب، وليست جزء من فضاء عام تتفاعل عناصره. ما يحول الحنين إليها، إلى حنين لسوريا القديمة، التي من المفترضة أن ثورة قامت ضدها.

عندما أحاول أن أتوقع ردة فعلي، في حال علمت بخبر إغلاق المكتبة التي كنت أشتري منها كتبي خلال وجودي في سوريا، أتصور أن حنيني سيكون موجهاً لـ”المخبأ” فقط، إذ أن بقية الكتب، من شعر ورواية ورحلات وفلسفة وتاريخ، تضيف الكثير لقارئها، لكن أهم فضائلها أنها تدفعه نحو “المخبأ”، حيث من المحتم أن يرتبط ما راكمه من معارف بواقع متعين يحتاج لتحليل ونقد، حتى لو كان ذلك فعل فردي، غير متصل بفضاء عام، مسحوق من قبل الاستبداد.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.