fbpx

“وثائق باندورا” وثروة رياض سلامة: ما خفي كان أعظم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تأتي “وثائق باندورا”، لتزيد من الشبهات المحيطة ليس بالحاكم وحده، إنما بالمنظومة السياسية المرتبطة به على مدى أكثر من ثلاثة عقود والتي تبدو على رغم كل الشبهات المحيطة به، متمسكة ببقائه في منصبه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في كل عرس قرص! بعد “سويس ليكس” و”وثائق باناما”، ها هي “وثائق باندورا” تلقي مزيداً من الضوء على شبكة الشركات التي أسسها الحاكم على مدى أكثر من 20 عاماً، ليدير ثروة تجاوزت قيمتها مئات ملايين الدولارات على أقل تقدير.

جديد الوثائق شركتان إحداهما AMANIOR مملوكة من الحاكم الذي يشغل أيضاً منصب المدير فيها، والثانية اسمها Toscana مملوكة من ابنه نادي، الذي ظهر اسمه في تحقيقات سابقة كشفها “درج” بالتعاون مع OCCRP.

 الوثائق تلقي أيضاً مزيداً من الضوء على شركة Forry Associates Limited التي يمتلك رجا سلامة، شقيق الحاكم الأصغر الحق الاقتصادي الوحيد لها والتي ذاع صيتها إثر التحقيق الذي أطلقه المدعي العام السويسري في كانون الثاني/ يناير الماضي في قضايا غسيل أموال واختلاس محتمل في مصرف لبنان.

“وثائق باندورا”، التي تحمل في تفاصيلها ما يكفي من شبهات لملاحقة الحاكم وعزله، تأتي في لحظة شديدة التعقيد، تتسابق خلالها الملاحقات القضائية دولياً لا سيما في سويسرا وفرنسا، مع المساعي الداخلية لتأمين الحصانات الضرورية لحماية رياض سلامة ومعه المنظومة السياسية التي عمل على خدمة مصالحها على مدى أكثر من ثلاثة عقود.   

الحاكم النجم    

لحاكم مصرف لبنان علاقة خاصة مع الشهرة، فبعد أكثر من عقدين من  النجومية القائمة على النجاح والحافلة بالجوائز العالمية، تحول رياض سلامة خلال السنوات الماضية، إلى واحدة من الشخصيات الأكثر جدلية في لبنان والأكثر غموضاً في العالم. فالحاكم الذي احتُفل به كصاحب “معجزة” تثبيت قيمة الليرة اللبنانية على مدى عقدين نعم خلالها اللبنانيون برخاء لا يتناسب مع اقتصاد بلدهم، هو أيضاً المسؤول عن السياسية المالية التي أوصلت  لبنان إلى الانهيار الحاصل والذي يعتبر بحسب البنك الدولي “واحدة من أكثر الأزمات الاقتصادية حدة في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”.  

على المستوى الدولي لا تقل سمعة سلامة التباساً، فهو قد يكون أول حاكم مصرف تفتح في حقه تحقيقات في تهم فساد في أكثر من بلد وهو لا يزال في منصبه الذي لا يبدو أنه سيتركه في وقت قريب.

ضمن إطار هذا المشهد شديد التعقيد، تأتي “وثائق باندورا”، لتزيد من الشبهات المحيطة ليس بالحاكم وحده، إنما بالمنظومة السياسية المرتبطة به على مدى أكثر من ثلاثة عقود والتي تبدو على رغم كل الشبهات المحيطة به، متمسكة ببقائه في منصبه. 

مهنة مدير شركة Amanior: حاكم مصرف لبنان 

 جديد الوثائق، شركة اسمها AMANIOR أسسها سلامة عام 2007، أي بعد نحو 14 عاماً على تسلمه مهمة الحاكمية عام 1993. الشركة ليست الأولى التي يظهر فيها اسم سلامة ولكن أهميتها تكمن بأنها مملوكة منه بشكل كامل، وهو مديرها الوحيد، كما تظهر الوثائق وظيفة سلامة الحقيقية أي “حاكم مصرف لبنان”، وهو ما كان غائباً في حالات أخرى حيث عرف عن نفسه بصفته “مدير بنك”

رد سلامة على أسئلة الـICIJ المتعلقة بشركة AMANIOR وسبب إقامتها في جزر العذراء عبر محاميه مروان عيسى الخوري، جاء مطابقاً للإجابة التي اعتمدها في كل مرة تم سؤاله فيها عن ثروته وفحواها، إنه قبل تسلمه مهمة الحاكمية كان مصرفياً ناجحاً في “ميريل لينش” وأن ثروته في حينه كانت تتجاوز الـ23 مليون دولار.

“ثروتي شفافة، معلنة ومثبتة بوثائق ولا خلاف حولها حتى من قبل خصومي، فهي تعود الى ما قبل تسلمي منصبي وأنا لدي الحرية لكي أستثمر ثروتي الخاصة. قمت بذلك على مدى 27 عاماً، وقمت بتوكيل أشخاص لدي ثقة بهم لإدارة أملاكي”.

بعيداً من الشق الأخلاقي المتعلق بنجاح سلامة بحماية ثروته الخاصة في ملاذات ضريبية آمنة، مقابل مسؤوليته مع آخرين عن الانهيار المالي الذي أفقد العملة الوطنية 90 في المئة من قيمتها وما رافقها من “كابيتال كونترول” غير رسمي أدى إلى إفقار أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين بحسب آخر تقارير منظمة اسكوا، هناك شق قانوني لم يجب عليه سلامة وهو كونه مدير لشركة AMANIOR، الأمر الذي يعتبر بحسب خبراء قانونيين مبرراً كافياً لعزله وملاحقته قضائياً على قاعدة خرق المادة 20 من قانون النقد والتسليف التي تقول صراحة إن على الحاكم ونائبيه أن يتفرغوا بكليتهم لمهماتهم في المصرف.

المحامي نزار صاغية وهو أحد مؤسسي المفكرة القانونية قال لـ”درج” إن “الخرق للمادة 20 من القانون لا لبس قانونياً حوله” وهو كاف لعزل الحاكم من منصبه ولكنه استبعد أن يؤدي ذلك الى تغيير جذري على مستوى المسار القانوني، أقله في لبنان.

يقول صاغية ويلتقي معه خبراء قانونيون إن الشبهات التي أحاطت بسلامة خلال السنوات الماضية كانت كفيلة بملاحقته وهو ما حصل فعلاً في أكثر من دعوى رفعت ضده، إلا أن قرار المحكمة التمييزية الذي صدر في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، والذي ردت بموجبه القضايا المرفوعة ضد سلامة، منح حاكم مصرف لبنان الحق الحصري بالادعاء على حاكم مصرف لبنان، ما يعني أن أي ملاحقة لرياض سلامة في لبنان تستوجب الحصول على إذن منه.  

“ما يحصل على الصعيد القضائي سخيف بقدر ما هو خطير لأنه يعطي الحاكم كل الحصانات الممكنة لتجنب الملاحقة أو حتى المساءلة” يقول صاغية.

سابين الكيك، استاذة القانون المصرفي في الجامعة اللبنانية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة Juriscale اعتبرت أن محكمة التمييز التي اعتمدت في قرارها على تفسيرات حرفية ومبسطة لقانون النقد والتسليف ارتكبت خطأ جسيماً يستوجب مداعاة الدولة عن مسؤولية القضاة العدليين، لأن التفسير المعتمد من قبلها لبعض البنود يتناقض مع كل المبادئ القانونية. 

“ما يحصل هرطقة قانونية” تقول الكيك التي اعتبرت مجرد بقاء سلامة في منصبه على رغم شبهات الفساد المحيطة به، أمراً منافياً للمبادئ والأصول. 

“هناك تدقيق جنائي في مصرف لبنان، ما يعني أن هناك شبهات بجرائم مالية قد ارتكبت، لا أحد يحقق في مثل هذه الجرائم ويترك الشخص المعني في منصبه” تقول الكيك، معتبرة أن بقاء سلامة في منصبه دليل على أن لا جدية في أي كلام عن الإصلاح. 

تسود في أوساط مصرفيين و قانونيين وسياسيين لبنانيين قناعة بأن “تعويم” سلامة أمر مفروغ منه وما تعيينه في اللجنة المفاوضة مع البنك الدولي، إلا مقدمة طبيعية لذلك، كما أن تأمين الحصانات اللازمة لحمايته من أي ملاحقات هو حماية لمصالح المنظومة السياسية كاملة، بما في ذلك خصوم سلامة المفترضون، فضلاً عن المصارف وأصحاب الثروات الكبرى، الذين استفادوا من سياسته المالية على مدى العقود الماضية وبشكل مضاعف مع تفاقم الأزمة المالية وحصول الانهيار. 

في “وثائق باندورا” ما يعزز هذا الرأي. 

رجا سلامة: من FORRY Associates Limited إلى “سوليدير”  

على عكس شركة AMANIOR فان اسم شركة FORRY Associates Limited الوارد في وثائق باندورا ليس جديداً، فهي الشركة التي برز اسمها عند تسريب نص طلب المساعدة الذي توجه به المدعي العام السويسري إلى السلطات اللبنانية، والتي اتهم من خلاله رياض سلامة وشقيقه بتحويل أكثر من 300 مليون دولار هي عبارة عن عمولات دفعها مصرف لبنان مقابل بيع EuroBonds بين عامي 2002 و2014 لمصلحة الشركة التي يستفيد منها رجا سلامة.  

اللافت أن معاملات حل الشركة بحسب “وثائق باندورا” بدأت في 14 نيسان/ أبريل 2016 أي بعد أيام قليلة من نشر وثائق باناما في الثالث من الشهر نفسه، وقد تم إغلاقها رسمياً في شهر أيار/ مايو من السنة ذاتها.  

رياض سلامة وفي أكثر من مقابلة لم ينف علاقته بالشركة كما لم ينف عمليات تحويل الأموال إلا أنه كرر أن كل “دولار تم صرفه بموافقة المجلس المركزي لمصرف لبنان”.

مرة جديدة إذاً تعود Forry Associates LTD إلى الواجهة، ومعها أسئلة مرتبطة بالتطورات التي تتالت على الصعيدين الداخلي والدولي، فعلى أثر فتح الملف السويسري باشر القضاء اللبناني تحقيقاته واستدعى كل من رياض ورجا سلامة إلى التحقيق ووصلت الأمور إلى ختم مكتب رجا سلامة بالشمع الأحمر بعد مصادرة الهواتف والكمبيوترات التي في داخله من قبل المدعي العام المالي في نيسان الماضي. اللافت أن هذه الشبهات بما فيها تهم بتبييض الأموال واختلاس أموال المصرف المركزي، لم تؤثر في نشاطات رجا سلامة التجارية في بيروت، والدليل إعادة انتخابه في شهر آب/ أغسطس الماضي، كعضو في مجلس إدارة شركة سوليدير التي كانت واحدة من الشركات التي استفادت بشكل كبير خلال الأزمة الاقتصادية. 

يلتقي مصرفيون على أن شركة سوليدير ليست وحدها المستفيدة من تعاميم حاكم مصرف لبنان، فمن بين المستفيدين المصارف اللبنانية التي تمكنت عبر “هيركات” غير رسمي أن تخفض ديونها بالعملة الصعبة على حساب المودعين الذين أُجبروا على سحب أموالهم بالعملة المحلية وبقيمة أقل من 30 في المئة من قيمتها الحقيقية. 

أما مثال سوليدير فينطبق على شركات أخرى ومتمولين كانوا قد استدانوا من المصارف قبل الأزمة وقاموا بسداد ديونهم بقيمة أقل بكثير من القيمة الأصلية.

كما أن الإقبال على شراء العقارات في سوليدير مقابل شيكات مصرفية أدى إلى تحقيق أرباح صافية بلغت 20.7 مليون دولار مقارنة مع خسائر دفترية بقيمة 112 مليون دولار في العام السابق، فيما ارتفعت قيمة سهم سوليدير أكثر من 150 في المئة. 

“سياسيات رياض سلامة والتعاميم التي أصدرها منذ بداية الأزمة زادت من ثروات كل من هم في الشركة… من إذاً سوف يعترض على إعادة انتخاب شقيقه؟” قال مصرفي فضل عدم الكشف عن اسمه. 

شركة “سوليدير” ردت على أسئلة  “درج” في رسالة الكترونية جاء فيها أن المساهمين في شركة سوليدير هم الذين ينتخبون مجلس الإدارة و بالتالي لا يشارك مجلس الإدارة ولا إدارة الشركة في هذه العملية.  

كما نفت الشركة أي علاقة بالمصرف المركزي.

“توسكانا”… سوليدير جديدة؟ 

الشركة الثالثة التي أظهرتها “وثائق باندورا” والتي ترتبط برياض سلامة  اسمها Toscana، أسسها نجله نادي عام 2013، سجل عنوانها في رومية أي على مرمى حجر من “مشروع إنترا للاستثمار” الذي قدرت قيمته بأكثر من مليار دولار. المشروع الذي يعتبر مصرف لبنان من أكبر داعميه بصفته المالك الأكبر في شركة “إنترا”،  بقي على مدى سنوات موضع أخذ ورد، بخاصة من قبل وزارة البيئة التي رفضته بسبب ما يعنيه على مستوى قتل ثروة لبنان الحرجية. 

هذا بعض ما أظهرته وثائق باندورا، أما صندوق رياض سلامة فالواضح أن ما خفي لا يزال أعظم. 

تحديث:

في نسخة سابقة من هذا التحقيق ورد أن شركة سوليدير لم ترد على اسئلة “درج”. 

عدم نشر الرد في حينه كان بسبب تأخر وصول الرسالة فاقتضى التنويه. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.