fbpx

الشارع التونسي كحلبة مصارعة بين الرئيس وخصومه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أطراف الصراع السياسي في تونس  تحولوا من سياق الشرعية الانتخابية إلى البحث عن المشروعية الشعبية في الشارع. وهذا الأمر أصبح مهماً جداً من أجل التموقع في الداخل وبعث رسائل إلى الخارج”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“الشعب يريد حلَّ البرلمان” شعار رفعه آلاف التونسيين أمام المسرح البلدي في العاصمة، يوم الأحد 3 تشرين الأول/ أكتوبر، داعين رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى محاسبة فورية لمن سموهم الخونة والفاسدين من الذين حكموا طيلة العشر سنوات الماضية. 

مواطنون خرجوا في محافظات تونسية عدة مثل سوسة وصفاقس والقصرين وسيدي بوزيد وقفصة والكاف دعماً للتدابير الاستثنائية التي أعلنها قيس سعيد في 25 تموز/ يوليو الماضي، والأمر الرئاسي عدد 117 الذي أصدره في 22 أيلول/ سبتمبر الماضي والذي بمقتضاه علَّق العمل ببنود كثيرة من الدستور، ومنح نفسه صلاحيات واسعة تتجاوز السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وقدر عدد المحتجين في العاصمة بـ8000 آلاف شخص في رسالة أراد من خلالها قيس سعيّد وأنصاره إظهار حجم التأييد الشعبي الواسع له ولقراراته، وتأكيد أن الرئيس قادر على تحريك الشارع أيضاً، لا “حركة النهضة” وحدها. 

وصلت لطيفة الجليدي (60 سنة)، من حي شعبي متاخم للعاصمة، منذ الصباح الباكر يوم التظاهرة، لتطالب وفق قولها الرئيس بمحاكمة “حركة النهضة” ورئيس الحكومة السابق هشام المشيشي على الجرائم المرتكبة في حق الشعب التونسي.

 “النهضة نهبت الشعب وجوَّعته، ويتَّمت صغار أبناء رجال الشرطة والجيش في عمليات إرهابية، كما أنها منذ انتخاب أعضائها في المجلس التأسيسي من عام 2011 وصولاً إلى برلمان 2019، لا تخدم سوى مصالحها”، تضيف لطيفة.

لطيفة 60 سنة ربة بيت شاركت في التظاهرة المؤيدة لقيس سعيد في العاصمة

الرئيس التونسي كان دائماً يعتمد على الدعم الشعبي في خطبه ضد خصومه السياسيين مكرراً عبارة “الشعب يريد”، ومعها عبارات تخوين الجميع من دون استثناء، حتى توسع خطابه التخويني، ليشمل من كانوا مساندين له قبل 25 تموز، تاريخ الإعلان عن تجميد أعمال البرلمان والإجراءات الاستثنائية.

المتظاهرون يوم الأحد رفعوا لافتات تندد بحزب “حركة النهضة” الإسلامي صاحب الأغلبية البرلمانية، ولعلَّ أكثر لافتة جلبت انتباه مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، تلك التي تحتوي على قائمة أسماء سياسيين يعتبرهم مؤيدو سعيّد خونة. وردد المتظاهرون هتافات “يا غنوشي يا سفاح” ضد زعيم “حركة النهضة” راشد الغنوشي ورئيس مجلس النواب الشعب، و”لا رجوع للوراء” و”الشعب يريد استفتاء” و”الشعب يريد تغيير الدستور”.

محمد (58 سنة) نادل في مطعم في شارع الحبيب بورقيبة، لا يعتبر أن قيس سعيد ديكتاتور، ويرفض تشبيهه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. كما أنه ليس متخوفاً من استيلاء الجيش على السلطة “لأن رئيس الدولة متيقظ ونزيه”.

“لا تمكن مقارنة سعيد بالسيسي، الأخير مجرم قتل شعبه، أما رئيسنا فقد أنقذنا من تغلغل حركة الإخوان المجرمة في مفاصل الدولة. نحن اليوم نساند الرئيس من أجل تونس جديدة تأخرت شمسها عن البزوغ منذ 2011، تاريخ أسود رأينا فيه وجوه النهضاويين”، يقول محمد.

الكاتب السياسي طارق القيزاني يوضح لـ”درج” أن “أطراف الصراع السياسي في تونس  تحولوا من سياق الشرعية الانتخابية إلى البحث عن المشروعية الشعبية في الشارع. وهذا الأمر أصبح مهماً جداً من أجل التموقع في الداخل وبعث رسائل إلى الخارج”.

ويرى القيزاني أن الرئيس قيس سعيد ركز على هذا العامل في تسويق قراراته منذ 25 تموز الماضي والأرقام المتعلقة بعدد المشاركين، تقول إنه يبتعد خطوة من خصومه إذا ما اعتمدنا على التظاهرة الأخيرة في شارع الحبيب بورقيبة وبقية المحافظات، إضافة إلى وجوده في موقع قوة بحكم أنه بات محور النظام السياسي الموقت الآن. 

لكن خصوم قيس سعيد الأساسيين بدأوا هم أيضاً يتعاطون مع هذا الواقع وعدم الاكتفاء بورقة الدستور ولربما سيستمرون في التحرك في الشارع من أجل البقاء على التوازن السياسي. تحليل تؤكده أخبار اجتماعات شعبية ستنظمها “حركة النهضة” مع حلفائها في الفترة المقبلة، لدراسة تاريخ النزول الثاني إلى الشارع. علماً أن المعطيات تشير إلى أن مساندي قيس سعيد هم أيضاً يستعدون لتظاهرة حاشدة أخرى في العاشر من تشرين الأول.

الناشطة النسوية والكاتبة السياسية شيماء عيسى، تشير لـ”درج” إلى أن الشارع في كل الديموقراطيات هو مكان للاحتجاج وفضاء تعبير الأقلية أمام الأغلبية والشارع لا يكون فضاء مناشدة ودعم مثلما حدث يوم الأحد 3 تشرين الأول، إلا في الدكتاتورية أو في حالة التعسف والذهاب بقوة في تحولات سياسية غير توافقية.

وتعتبر عيسى أن الاعتماد على فكرة التأييد الشعبي أو أصوات الشارع مغالطة كبرى يرتكبها سعيّد، لأن الشارع التونسي حالياً مقسوم، وهناك طبقة كاملة تشكل أكثر من 30 في المئة من القوى المجتمعية، لا تعبر عن موقفها وتلتزم الصمت وتنتظر ما ستؤول إليه الأمور. وترى أن “من يعتقد أن الشعب على رأي واحد، فهو واهم ومزيف للواقع”.

استخدام الشارع كحلبة للمصارعة السياسية بين قيس سعيد وخصومه يثير مخاوف كثيرين اليوم في تونس، من تصاعد حدة الخطابات إلى نهج التخوين والاتهامات بالعمالة وغيرها، ما قد ينزلق بالبلاد إلى مربع العنف.

مخاوف مشروعة لا يغذيها قيس سعيد وأنصاره فقط، بل حتى رئيس مجلس نواب الشعب المجمد وزعيم “النهضة” راشد الغنوشي، الذي أصدر بلاغاً  أعلن فيه أن مكتب مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم على رغم منع قوات الأمن في اليوم نفسه بعض النواب من الدخول بالقوة. ودعا الغنوشي ونواب المجلس إلى استئناف عملهم النيابي والرقابي في كنف “الهدوء والاحترام التام لمقتضيات الدستور والقانون والصمود والثبات”  في ما سماها “ملحمة استعادة الديموقراطية ورمزها” ألا وهو البرلمان. 

شيماء عيسى توضح أن مخاوفها نابعة مما ترصده من سلوك أنصار الرئيس الذين يشوشون على تحركات المعارضة، “الاستفزازات والشتائم والتخوين، كل ذلك قادر بسهولة على التطور إلى أعمال عنف لا نعرف إلى أين تصل”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.