fbpx

“باندورا” العراق وخميس الخنجر:
على قدر أهل “العزم” تأتي الوثائق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لماذا اشترك الخنجر مع آل السلفيتي في تسجيل شركات في جنّات ضريبيّة، وتحديداً جزر العذراء البريطانيّة، عوضاً عن تسجيلها في الدول التي يمارسون فيها أنشطتهم الاستثماريّة والتجاريّة المعروفة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حلّ العراق ثالثاً، بحسب وثائق “باندورا”، في عدد شركات الـ”أوف شور” التي أسستها شركة “ترايدنت تراست” بـ85 شركة، بعد لبنان الذي حلّ أولاً بـ346 شركة، وبريطانيا الثانية بـ151 شركة، فيما حل الأردن في المرتبة الرابعة بـ77 شركة. والعراق، “حديث النعمة” في عالم الفساد وإخفائه في الجنّات الضريبية، لكن يبدو أنه بدأ يأخذ “مكانته” بين الدول الأكثر انخراطاً في هذا المجال، فيما يغرق أكثر فأكثر في الفساد والهدر.

يكشف هذا التحقيق الذي أعد بالتعاون مع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” ICIJ من خلال وثائق باندورا Pandora papers، عن تورّط السياسي ورجل الأعمال العراقي المثير للجدل خميس الخنجر، الذي كانت تربطه علاقة مميزة بعائلة صدام حسين ويخوض الانتخابات النيابية العراقية المقبلة في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، داعماً وممولاً للوائح تحمل شعار “العزم”، في إنشاء شركات وتسجيلها في جزر العذراء البريطانية، وعلى رغم أنّ تأسيس شركات “أوف شور” هو عمل قانوني، إلّا أنّه كثيراً ما يكون مخرجاً إمّا للتهرّب الضريبي أو لأعمال “مشبوهة”، إذ إنّ جزر العذراء البريطانية BVI تعتمد معايير عالية للسريّة. 

اليوم يخوض الخنجر عبر تحالف “العزم” الإنتخابات البرلمانية العراقية في العاشر من تشرين أول/اكتوبر المقبل، في وجه حزب “تقدّم” الذي يقوده رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي.

“…يؤدّي إلى أمراض خطيرة ومميتة”

في تسعينات القرن الماضي لم يكن شائعاً بعد التعبير المكتوب الذي يتصدّر منتجات التبغ ويحذّر من أن “التدخين يؤدي إلى أمراض خطيرة ومميتة”. كان التدخين حينذاك مادة إعلانية دائمة على وسائل الإعلام، لكنه كان في كواليس التهريب والأسواق السوداء “يؤدي إلى الفساد وتبييض الأموال”. في تلك المرحلة من التسعينات، برز اسم خميس خنجر، حين كان نظام صدام حسين “خطيراً ومميتاً”. اقترن اسم خنجر بعدي صدام حسين، وكان، بحسب عارفيه، الموزع الرئيسي لماركة سجائر تدعى “ميامي” تصنّعها شركة “الاتحاد للسجائر” ومقرها دبي. وكتبت وسائل إعلام في سيرته المنشورة هنا وهناك، أنه عُرف بجمع ثروته من خلال العمل في تهريب التبغ والدخان مع عدي، وأنه غادر العراق عام 1996 ووسّع أعماله بعد سقوط النظام البعثي عام 2003، لتشمل أنشطة في مجالات التصنيع والمصارف والخدمات المالية والعقارات التجارية والسكنية، في أماكن مختلفة من الشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا. 

بعدما فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات عليه بتهم الفساد في كانون الأول/ ديسمبر 2019، وصفته وزارة الخزانة الأميركية في بيان بأنه “رجل أعمال عراقي ومليونير يتمتع بقوة كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي”. وأكد البيان، نقلاً عن مسؤول سابق رفيع المستوى في الحكومة العراقية، أن “تأثير الخنجر يرجع في معظمه إلى رغبته وقدرته على استخدام ثروته لرشوة الآخرين”، واتهمه بيان وزارة الخزانة بأنه “قدّم مبالغ كبيرة من المال لشخصيات سياسية عراقية من أجل حشد الدعم وتأمين تعيين أحد مرشحيه لمنصب داخل الحكومة العراقية”. 

عام 2015، أصدرت محكمة عراقية أمرا بالقبض على الخنجر، المتحدر من مدينة الفلوجة، وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب وقرر القضاء العراقي في حينه أيضاً حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة للخنجر، بعد اتهامه بدعم الإرهاب. وكانت له مواقف حينها “متعاطفة” مع مقاتلي تنظيم “داعش”، قبل أن يتراجع عنها ويعمل على تمويل مقاتلين سنّة تدرّبوا في تركيا، قوامهم ثلاثة آلاف مقاتل، لمحاربة تنظيم “داعش”. ونادى في تلك الفترة، مستنداً إلى ثروته، بإقامة منطقة حكم ذاتي سنّي في العراق، على غرار كردستان. كما يوصف اليوم بأنه رجل قطر الأول في العراق، وهو على علاقة جيدة مع إيران. 

اليوم يخوض الخنجر عبر تحالف “العزم” الإنتخابات البرلمانية العراقية في العاشر من تشرين أول/اكتوبر المقبل، في وجه حزب “تقدّم” الذي يقوده رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي. يحدث ذلك في ظل تساؤلات تطرح في الشارع العراقي عن القوة التي تسمح للخنجر بخوض الإنتخابات علانية، وهو متهم بالفساد  من الخزانة الأميركية وبالإرهاب من القضاء العراقي. في البيان الذي أصدرته بعد فرض عقوبات عليه، شرحت وزارة الخزانة أسباب إدراجه على لوائح العقوبات، وذلك لتورّطه في “تقديم المساعدة المادية أو الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي للفساد أو تزويده بالبضائع أو الدعم، بما في ذلك اختلاس أملاك الدولة ومصادرة الأصول الخاصة لتحقيق مكاسب شخصية والفساد المتعلق بالعقود الحكومية أو استخراج الموارد الطبيعية أو الرشوة”.

إقرأوا أيضاً:

شبهات حول التهرّب الضريبي

من دون هذه الاتهامات وغيرها الكثير التي تحوم حول شخصية الخنجر، لما كان ظهور اسمه في “وثائق باندورا” ليثير الشبهات، خصوصاً أن شركات “الأوف شور” بحد ذاتها ليست مخالفة للقوانين، وإن كانت تستخدم في معظم الأحيان من أجل التهرب الضريبي وتبييض الأموال وإخفائها بعيداً من العيون. واسم الخنجر ظهر في الوثائق في أكثر من موضع، ومع التدقيق في الشركات التي يمتلكها أو تلك التي يمتلك اسهماً فيها، أو تربطه علاقة شراكة بأصحابها، يتبيّن أن الرجل لديه باع قديم في تسجيل شركاته في جزر العذراء البريطانية، خصوصاً في عمله المرتبط بتجارة السجائر.

وتظهر الوثائق المسرّبة وجود شركة باسم Union cigarettes limited “الاتحاد للسجائر المحدودة” ومقرّها دبي، وهي شركة “أوف شور” مسجّلة في جزر العذراء البريطانية، كان يديرها (حتى عام 2010) خميس الخنجر، مع ولده سرمد، وشريكان آخران هما فيصل السلفيتي وخالد يوسف أحمد الشخاتري. وهذه الشركة التي تأسست بحسب المستندات في كانون الأول/ ديسمبر 2004، مع مديرين آخرين بينهم رجل الأعمال الأردني الراحل رجائي السلفيتي (توفي عام 2013)، والد فيصل، تعزز الفرضيات الشائعة حول جمع الخنجر لثروته من تهريب السجائر. 

خضعت الشركة، المؤسسة عام 2004، لنقل أسهم أكثر من مرة إلى شركات أخرى أنشئت في جزر العذراء البريطانية، إذ تظهر الوثائق، في مراسلة يعود تاريخها إلى كانون الثاني/ يناير 2010، مستندات موقّعة من رجائي سلفيتي وخميس الخنجر، لنقل أسهم في “الاتحاد للسجائر” من شركاء إلى آخرين، وتحديداً من أشخاص إلى شركات مسجلة في جزر النعيم الضريبي، بينهم شركة Family union investment limited، والتي يتبين أنها مملوكة من آل السلفيتي، وشركة Aldar investment limited، والتي يتبين انها مملوكة من خميس خنجر وابنه سرمد. وفي مراسلة تعود إلى حزيران/ يونيو 2017،  يتبين انه تم نقل أسهم شركة “الاتحاد للسجائر المحدودة”، من ملكية شركة Family union، وهي كانت شريكاً أساسياً في شركة الاتحاد للسجائر مع شركاء آخرين بينهم شركة Aldar investment limited، إلى ملكية شركة في جزر الكايان تدعى RS OVERSEAS، ليتبين أنها مملوكة بشكل أساسي من أولاد رجائي سلفيتي طارق، فيصل وزيد. 

الوثائق تظهر أن الشركة انتهت إلى أن تكون مملوكة بالكامل من RS OVERSEAS أي من أولاد السلفيتي الأردنيين، ولم نستطع معرفة مصير الشراكة بين خميس خنجر وآل السلفيتي بعد عام 2017، مع إشارة لا بدّ منها إلى أن ابن خميس خنجر، سرمد، يحمل جواز سفر أردنياً (يعطى لرجال الأعمال ولا يسمح له بالتصويت)، وهناك معلومات متداولة، لم نستطع التأكد منها، عن أن خميس خنجر أيضاً يحمل بدوره جواز سفر أردنياً. 

اقترن اسم خنجر بعدي صدام حسين، وكتبت وسائل إعلام في سيرته المنشورة هنا وهناك، أنه عُرف بجمع ثروته من خلال العمل في تهريب التبغ والدخان مع عدي، وأنه غادر العراق عام 1996 ووسّع أعماله بعد سقوط النظام البعثي عام 2003.

أسئلة معلّقة

حاولنا عبر مراسلة السيّدين عصام السلفيتي، شقيق الراحل رجائي، وطارق السلفيتي، أحد الشركاء الأساسيين في شركة RS OVERSEAS، أن نستفسر عن سبب فتح هذه الشركات في جزر الجنات الضريبية، فيما يتشدد الأردن في ملاحقة المتهربين من الضرائب، وعن طبيعة العلاقة التي تربطهما بخميس الخنجر، وما اذا كانت الشراكة لا تزال قائمة، خصوصاً مع وجود معلومات متداولة في الإعلام عن شراء الخنجر أسهماً في بنك “الاتحاد” التابع للعائلة، والذي يديره عصام السلفيتي، لكننا لم نحصل على ردّ من السيد طارق، وقال السيد عصام إنه “خارج المملكة وأعود في 11 من الشهر الحالي”. 

أما السيد خميس الخنجر، فأرسلنا له رسالة على رقمه الخاص، بعدما أخبرنا أحد المرشحين على لائحته أنه لا يستخدم “الإيمايل”، لكنه بدوره لم يجب على اتصالاتنا، لتبقى اسئلتنا معلّقة: لماذا اشترك الخنجر مع آل السلفيتي في تسجيل شركات في جنّات ضريبيّة، وتحديداً جزر العذراء البريطانيّة، عوضاً عن تسجيلها في الدول التي يمارسون فيها أنشطتهم الاستثماريّة والتجاريّة المعروفة؟ هل لا تزال الشراكة قائمة بين الخنجر وآل السلفيتي؟ وما طبيعتها؟ هل فعلاً يمتلك الخنجر أسهماً في بنك “الاتحاد”؟ 

مفارقة أخيرة: أثناء إعداد هذا التحقيق، وضع رئيس تحالف “العزم” خميس الخنجر على حسابه على “فايسبوك” صورة تجمعه في القصر الحكومي في بيروت برئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي الذي يرأس بدوره تياراً يحمل اسم “العزم”. كلاهما للمفارقة متورّط في تسجيل شركات مشبوهة في الجنات الضريبية كما تكشف وثائق “باندورا”. وهذه المفارقة تغري باللجوء إلى شطر من بيت شعري لأبي الطيب المتنبي مع القليل من التصرّف: “على قدر أهل العزم تأتي الوثائق…”. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.