fbpx

“الإرهاب”… تهمة تلاحق أكاديمي مصري
بارز انتقد إعلام الدولة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“ندا يعاني من حالة نفسية شديدة السوء وخيبة أمل كبيرة، لأنه لم يكن يتوقع أن يزج به هكذا في زنزانة وسط الجنائيين ومرتكبي الجرائم، وهو من قدم كل هذه الأدلة وآمن بعدالة القضاء المصري ونزاهته”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مشهد صادم انتشرت صور على السوشيال ميديا لدكتور جامعي مصري بارز مكبلاً من يديه بالأصفاد و جالساً على سلالم منشأة حكومية منهزماً، كانت هذه صور الدكتور  أيمن منصور ندا، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الآداب بجامعة القاهرة، في قسم خامس- القاهرة الجديدة.

كان ندا مكبلاً ومنهزماً بعد استدعائه من النيابة العامة المصرية للإدلاء بأقواله وتقديم المستندات اللازمة في اتهاماته الموجهة إلى رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت، وكانت تلك الاتهامات تتضمن بلاغاً قدمه ندا للنائب العام بتاريخ 29 آب/ أغسطس 2021، بارتكاب المشكو في حقه الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، جرائم مالية وإدارية خلال رئاسته الجامعة.  وبهذا الاستدعاء الرسمي من النيابة العامة توقف الدكتور ندا عن النشر وقال إنه ليس من حقه أدبياً ولا قانونياً نشر أي مخالفات جديدة عن جامعة القاهرة أو رئيسها، وإن القانون هو الحكم، والنيابة العامة هي الفيصل.

 ندا  كان ينشر مقالاته على “فايسبوك” بجرأة وثقة، لما يمتلكه من وثائق ومستندات تدين الجامعة، ورئيسها، كما أنها أيضاً لا تعدم إيماناً بعدالة القانون والثقة في القضاء المصري والنيابة العامة، وضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية مجراها. وأكد في أكثر من مقال أنه يثق في عدالة القانون، وطلب التحقيق في تلك الوقائع، محاججاً بأنه لو ثبت عدم صحة هذه الوقائع قانونياً لوجب حبسه بتهمة السب والقذف والبلاغ الكاذب. 

لكن ما حدث أن النيابة العامة المصرية في أيلول/ سبتمبر الماضي احتجزت الدكتور أيمن منصور ندا، أربعة أيام على ذمة التحقيق، بتهمة السب والقذف، وارتكاب جرائم نشر، من دون أي تحقيق بالمعلومات التي وضعها بعهدة الرأي العام والقضاء.

وبذلك يتجاوز موقف النيابة المصرية حبس ندا لاتهامه بجرائم نشر إلى ما هو أبعد، إذ غضت النظر عما تتضمنه هذه المنشورات من جرائم فساد كشفها الدكتور أيمن ووثقها بالمستندات كما قدمها أيضاً إلى النيابة العامة، كل هذا يعد بمثابة انحياز واضح لمصلحة الفساد والسلطة.

المحامي علي الحلواني -أحد المدافعين عن الدكتور ندا- يوضح لـ”درج”، أن الموقف الذي اتخذته النيابة العامة في هذه القضية غير قانوني، لأنه لا يجوز في القانون المصري حبس أحد المواطنين احتياطياً بموجب قضايا النشر، لا سيما السب والقذف على المنصات الإلكترونية.  ففي مثل هذه القضايا ينبغي أولاً، تقديم بلاغ في مكتب مباحث التكنولوجيا والمعلومات التابع لوزارة الداخلية، ثم النظر إلى البلاغ المقدم والتحقيق فيه على مدى أشهر والبت فيه قضائياً دون مدة حبس احتياطي.

كما ذكر المحامي أن الاتهامات التي وجهت إلى ندا جاءت بموجب المادة 86، من قانون العقوبات التي تختص بالجرائم ذات الصلة بالإرهاب، لاعتبار عرقلة معاهد العلم ومنعها من أداء عملها نوعاً من الإرهاب يحاكم عليه القانون.  وعلى رغم مرافعة الدفاع أمام وكيل النيابة وطعنهم في صحة إدراج هذه الاتهامات تحت المادة المذكورة، تم تجديد الحبس الاحتياطي للدكتور ندا 15 يوماً على ذمة التحقيق. ولم يُنظر إلى حالته الصحية، وما يعانيه من أمراض مزمنة مثل داء السكري، ونوبات الذبحة الصدرية التي تنتابه من حين إلى آخر، “ندا يعاني من حالة نفسية شديدة السوء وخيبة أمل كبيرة، لأنه لم يكن يتوقع أن يزج به هكذا في زنزانة وسط الجنائيين ومرتكبي الجرائم، وهو من قدم كل هذه الأدلة وآمن بعدالة القضاء المصري ونزاهته”.

في الصورة التي يظهر فيها الدكتور ندا جالساً على أحد السلالم بعد احتجازه، يبدو عليه الاكتئاب والحزن الشديدين، يقول المحامي  بالنظر إلى هذه الصورة وبالنظر إلى وضع الدكتور ندا وسط الجنائيين ومرتكبي الجرائم في قسم خامس القاهرة الجديدة، فإن النظام المصري على ما يبدو يتعمد إهانة البروفسير رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون الموقوف عن العمل لأنه قرر في أحد الأيام انتقاد بعض إعلاميي النظام المصري المحصنين من أي نقد، والمدللين دائماً لدى السلطة.

إقرأوا أيضاً:

في 29 آذار/ مارس 2021، تم إيقاف الدكتور أيمن منصور ندا رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الآداب بجامعة القاهرة عن العمل بقرار رسمي من رئيس الجامعة يتهمه التعدي على وكيل كلية الإعلام في جامعة القاهرة في أحد الاجتماعات التي أقيمت في الكلية. وهو ما أنكره الدكتور ندا، وأوضح أن هذا الاتهام ليس سوى سبب صوري لتمرير قرار الإيقاف عن العمل (لمدة ثلاثة أشهر، تم تجديدها بعد ذلك بدون تحقيق)، بينما كانت الأسباب الحقيقية تتجاوز هذا الاتهام الصوري، بل وتتجاوز الجامعة. 

بدأ هذا الصراع الذي تتطور شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى نتائج صادمة على مستويات عدة، عندما شارك الدكتور ندا رأيه في الإعلام المصري، -كأكاديمي ورئيس لقسم الإذاعة والتلفزيون في جامعة القاهرة- بكتابة منشور على صفحته على “فايسبوك”، ينتقد فيه طريقة عمل الإعلام المصري، ووزير الإعلام، إضافة إلى انتقاده إعلاميين بعينهم، مثل أحمد موسى، ونشأت الديهي، وكرم جبر وغيرهم. 

وأوضح أن النظام السياسي المصري يعاني من ظاهرة تحاصره، أطلق عليها اسم “الثقوب السوداء”، وأن الإعلام المصري نفسه يمكن اعتباره ثقباً أسود كبيراً يلتهم كل إنجازات النظام ويبتلع بداخله كل مظاهر الشرعية الأدائية له، فلا الإعلام قادر على التطبيل الإيقاعي المنضبط، ولا هو قادر على الصمت الرصين.

في ذلك الوقت، كانت الانتقادات كلها موجهة إلى خارج أسوار الجامعة، نحو الإعلام المصري وعدد من الإعلاميين التابعين للنظام، لكن التداخل العميق بين سلطات هذا المثلث (الإعلام والجامعة والأمن)، جعل الأمر أكثر تعقيداً، وأوصل الأمور إلى نتائج فضائحية، وكارثة قانونية كبيرة تكشف التواطؤ بين جامعة القاهرة، ومؤسسات أخرى مثل وسائل الإعلام والنيابة العامة. كما كشفت عن اتهامات خطيرة بارتكاب جرائم جنسية ومالية وإدارية قام بها رئيس الجامعة أثناء فترة رئاسته.

نشر  ندا  على صفحته وثائق ومستندات تبين أن رئيس الجامعة يستولي على 15 مليون جنيه من أموال المستشفى الفرنساوي التابع لجامعة القاهرة. ويوضح من خلال هذه المستندات على “فايسبوك” كيف تمت عملية الاستيلاء على تلك الأموال في المستشفى الفرنساوي. 

شملت الاتهامات قضايا حول إهدار المال العام في جامعة القاهرة، واستخدام منصب رئيس الجامعة لتحقيق منافع شخصية، والإساءة إلى سمعة الجامعة، والتحقير من شأنها في المحافل الدولية، وتجاوز القانون، والتربح ومساعدة آخرين على التربح من الوظيفة، والتفريط في الحقوق المالية لجامعة القاهرة لدى الغير. وإتلاف ممتلكات جامعية (يمتلك ندا فيديو يظهر تكسير الخزانة التراثية للملك فؤاد) كما اتهمه أيضاً، بالانتحال الذاتي للأفكار في الكتب التي ألفها، ولا سيما كتبه عن المرأة التي شرح فيها كيف كانت نظرته إليها نظرة ذكورية تراثية عتيقة.  

وعموماً تعددت هذه الاتهامات التي ترقى إلى أنواع مختلفة من الجرائم، كالجرائم المالية والإدارية والأخلاقية، نشر الدكتور ندا وثائق لبعضها، وفي ظل كل هذه الاتهامات المتتالية، لم يتم الرد بشكل رسمي ومباشر على أي منها من قِبل رئيس الجامعة. لا بالتكذيب ولا بإحالة ما تناولته هذه المنشورات لأجهزة التحقيق المعنية باستبيان الحقيقة.

نشر  ندا  على صفحته وثائق ومستندات تبين أن رئيس الجامعة يستولي على 15 مليون جنيه من أموال المستشفى الفرنساوي التابع لجامعة القاهرة. ويوضح من خلال هذه المستندات على “فايسبوك” كيف تمت عملية الاستيلاء على تلك الأموال في المستشفى الفرنساوي. 

كما تجاهل الإعلام المصري هذه الوقائع الصارخة، وكان صمته مطبقاً إزاء الوثائق والمستندات التي تفضح جرائم الفساد في أكبر صرح علمي في مصر وربما في العالم العربي، ما يؤكد ضرورة نظرنا إلى حقيقة الانتقادات التي وجهها الدكتور ندا للإعلام منذ البداية، والتي كانت سبباً وراء تطورات الأحداث واشتعالها، كما يؤكد نظريته في خسارة النظام من ضعف الإعلام الحالي وضرورة إصلاحه. وأيضاً، يفضح دور الإعلام السلبي في معادلة التواطؤ، ويضعه في إحدى نقاط مثلث الفساد الذي ارتبطت به هذه المشكلة.

“الجامعة حيز مغلق محكوم ومحاصر، ولكن الحصار لا يقتصر على البوابة وقضبان الحديد والبندقية المشرعة عبر السور بل يمتد إلى تفاصيل بلا حصر”.

هكذا كتبت الأديبة والأستاذة الجامعية رضوى عاشور في مقال لها في مجلة “وجهات نظر” الوارد في كتابها المحقق بعد وفاتها “لكل المقهورين أجنحة”. لتوضح الحالة التي وصلت إليها الجامعات المصرية، ولا سيما جامعة القاهرة، من تبعية جسدية وعقلية للدولة القمعية والنظام العسكري الحاكم، وأقصد بالتبعية العقلية والجسدية النظام الذي يحكم الجامعة عبر تسيير حركتها وضبطها سياسياً، والذي يحكم أيضاً طريقتها ومنطقها في التفكير. 

الراحلة رضوى عاشور توضح حالة التردي في المنظومة الجامعية المصرية بأكملها “إن حضور الأمن في الجامعة وتدخلاته في شؤونها ووجود سيارات الشرطة بالقرب منها ليست سوى علامة يتجاوز فحواها المعنى المباشر لضبط “الأمن” بالمعنى الحرفي للكلمة، بل علامة دالة على منطق أشمل يرى في التلجيم والتحجيم والكبح سبيلاً أوحد لضمان الأمن”.

إن المنطق الحاكم في تلك المنظومة في تقدير الأديبة هو الخوف، خوف النظام القائم والثقافة السائدة وشرائح واسعة مرتبطة بهما، من الطاقة البشرية وحرية إعمال العقل، وحرية الفعل والممارسة، خوف تحركه القناعة بأن كل هذه الطاقات ليست سوى تهديد لا بد من مواجهته، ومن هنا يأتي هذا الحضور المتغلغل والدائم للأمن في الجامعة.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.