fbpx

أخطار الثالوث ترامب بوتين نتنياهو

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لقد أصبح نتانياهو الوسيط الذي لا غنى عنه في العلاقات الصعبة بين الكرملين والبيت الأبيض. إنه الرئيس الوحيد الذي أشاد به كل من ترامب وبوتين.لم يكن هناك قط رئيس وزراء إسرائيلي يحظى بمثل هذا التأثير العالمي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يمرّ بنيامين نتنياهو بمرحلة صعبة. الشمال يشتعل، وغزة تغلي، وتحقيقات الشرطة مستمرة بلا هوادة، وقانون الدولة القومية ينفجر في وجهه، وعشرات الآلاف يحتشدون للاحتجاج في ميدان رابين في تل أبيب، وأخيراً، انزلقت الانتخابات – بعد ارتفاع حدة التوتر- إلى حالة من الفوضى. لا عجب أن التلهّف الشديد لعقد انتخابات مبكرة في عام 2018 جرى الاستعاضة عنه بتوقٍ إلى انتخابات لاحقة في عام 2019.

لكن الأيام الحالكة لنتنياهو في ما يتعلّق بالوضع الداخلي تتناقض بشكل صارخ مع الهالة التي تحيط به عند المواجهة الدبلوماسية مع القوى العظمى. لقد أصبح الوسيط الذي لا غنى عنه في العلاقات الصعبة بين الكرملين والبيت الأبيض. إنه الرئيس الوحيد الذي أشاد به كل من دونالد ترامب و فلادمير بوتين. إنه يتفاوض مع بوتين على قدم المساواة، كما يؤثر، أو ربما يُوجّه ترامب. لم يكن هناك قطّ رئيس وزراء إسرائيلي يحظى بمثل هذا التأثير العالمي.

“حرصت إسرائيل دائماً على ألا تدخل بين القوّتين العُظميين بشأن قضايا أخرى غير أمن إسرائيل ورفاهيتها”

عزّز نتنياهو علاقاته مع بوتين عندما كان باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة. لكن انتخاب ترامب استهلّ نقلة نوعية في العلاقات. فعلى عكس أوباما، يُثني ترامب على نتنياهو بشكل متواصل وينعم بعلاقة وطيدة مع الزعيم الإسرائيلي. من ناحيته، نسي نتنياهو منذ فترة طويلة الإهانات ونوبات الغضب في عهد أوباما. وبات الآن بمثابة مدافع عام، ومستشار سرّي، أو حتى ستار للرئيس الأميركي.

بينما كان العالم كله يشعر بالصدمة من قمة هلسنكي، أثنى نتنياهو عليها. وعندما كانت أميركا تترنح من تغريدة ترامب التي تُهدّد إيران بالانقراض، أشاد نتنياهو “بالموقف الصارم” للرئيس الأميركي. والآن، تعتبر سوريا هي الأرض التي يحاول نتنياهو أن يبني عليها هيمنته.

“مع بوتين، لا يوجد شيء مجاني. فلم يُصبح صهيونياً بين ليلة وضُحاها. وهو بالتأكيد غير مفتون بعيون نتنياهو الخضراء”

تسعى روسيا للسيطرة على سوريا وتحقيق الاستقرار تحت حكم بشار الأسد، لكنها تخشى تأجج النيران بين إسرائيل وإيران مما قد يعرقل خططها. في أوضاع مختلفة، كان الكرملين ليتفاوض مع الإدارة الأميركية بافتراض أن كل طرف يجلب عُملائه لطاولة النقاش. ولكن في عهد ترامب، يتفاوض الكرملين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي على افتراض أنه يستطيع إبرام اتفاق مع موكّله ترامب.

إقرأ أيضاً: ترامب وحده… مثل الله أو مثل الشيطان

وممّا يزيد الأمور سوءاً، عدم اكتراث ترامب على الإطلاق بالوضع في سوريا. لو كان أوباما قد فتح الباب للروس، فإن ترامب على استعداد لتسليم المفاتيح، أو حتى الصكوك. وينصبّ جُلّ همّه حالياً في سحب ألفي جندي أميركي يتمركزون حالياً في شمال شرق البلاد. إن حماسه واضح للغاية، لدرجة تجعل المسؤولين الأميركيين يخشون أن رئيسهم يُزيح نفوذاً قوياً على بوتين الذي يرغب في رحيل الأميركيين.

باختصار، فوّض ترامب نتنياهو للتفاوض مع بوتين بدلاً عنه. “انهوا الصفقة”، هكذا يخبر ترامب قادة روسيا وإسرائيل، “سأوقّع عليها”. عشية قمة هلسنكي، اتفق نتنياهو وبوتين على بعض المبادئ الرئيسية لصفقة سورية جديدة. ودعا نتنياهو ترامب إلى إطلاعه – أو توضيح – كل شيء له. وبذلك، منح نتنياهو ترامب وبوتين شيئاً إيجابياً لاستعراضه في هلسنكي. وفي المقابل، حصل على التزام مُعلن من قِبَل بوتين بحماية أمن إسرائيل، بالإضافة إلى جولة أخرى من إغداق ترامب في الثناء عليه.

ربما كان هذا هو أساس تحذير ترامب لإيران في تغريدته: “عواقب لم يتعرّض سوى للقليل منها من قبل على مر التاريخ”

ومن المفارقات أن التحذير الأميركي المريع ضد أعظم عدو له قد قوبل بالتثاؤب من الجانب الإسرائيلي. وذلك إمّا لأن مثل هذه التهديدات لإيران تبدو شيئاً طبيعياً، أو لأن الإسرائيلين تعلّموا عدم أخذ تغريدات ترامب على محمل الجد. من ناحية أخرى، فقد اتّخذ الإعلام الأميركي وضع الاستعداد الدفاعي. لقد فقد ترامب السيطرة، حسب رأي المحللين.

سوف يهاجم إيران فقط لصرف الانتباه عن تحقيق روبرت مولر بشأن روسيا، أو تسجيلات مايكل كوهين، أو التعويضات التي تصل إلى 12 مليار دولار للمزارعين المتضرّرين من الرسوم الجمركية التي فرضها. بيد أن الأمور عادت إلى طبيعتها بعد 48 ساعة، وذلك بعد أن غيّر ترامب أسلوبه وعرض على الإيرانيين صفقة جديدة لتحل محل الاتفاق الذي تخلى عنه قبل 3 أشهر. لكن التزم نتنياهو الصمت في هذه المرة.

ولكن ربما على ترامب، من باب التغيير، أن يُمنح ميزة الشك. ربما لم تكن تغريدته الكارثية مجرد شيء مفضل يقوم بفعله منتصف الليل. ربما كانت خطوة منسّقة ومتزامنة مع المحادثات الإسرائيلية الروسية حول إيران. ربما كان ذلك بمثابة طلقة تهدف إلى تحذير إيران من التعاون بشأن الصفقة الناشئة. وفقاً لهذا السيناريو، يعتبر ترامب كالعصا الكبيرة التي يلوح بها نتنياهو وبوتين متى شاؤوا للتأثيرعلى إيران.

وتتمثل الحقيقة المثيرة في أن الكرملين لم يستجب أو يعلّق على التغريدة النارية، على الرغم من أن إيران تعتبر دولة شبه متحالفة لروسيا. لم تقف موسكو في صف حليفها المخلص في القتال ضد المعارضة السورية. تقول فيرا ميشلين شابير، باحثة في برنامج الأمن القومي للدراسات، إن روسيا أخذت خطوة للخلف في علاقتها مع إيران، فقد فضّلوا الإحجام عن إحداث أي توتر غير ضروري في علاقتهم الحساسة مع ترامب في وقت يحتاجون فيه للتعاون.

وتكمن الحقيقة في أن الروس ما عادوا يزعمون بعدم واقعية إخراج التواجد الإيراني من سوريا. لكن التحفّظ الروسي يمكن أن يؤخذ خطوة أبعد مما تسمح به ميشلين-شابير الحذرة: ربما يكونوا هم من بادروا بالتحذير، ثم رحبوا به.

يُعدّ هدف نتنياهو الحالي هو إبعاد إيران عن الحدود الشمالية لإسرائيل، ووضع الترتيبات الأمنية مع جيش بشار الأسد – الذي سيرجع إلى مواقعة قبل بدء الحرب السورية – ولضمان حرية سلاح الجو الإسرائيلي في منع وصول الأسلحة لحزب الله.

كما كشف مصدر رفيع المستوى لمراسلين إسرائيليين هذا الأسبوع أن الروس يعرضون إقامة منطقة أمنية بطول 100 كم خالية من التواجد الإيراني. لكن إسرائيل لا زالت تضغط من أجل الإطاحة الكاملة بالتواجد الإيراني بسوريا وفرض قيود صارمة على أنشطتها شمال المنطقة المقترحة على أقل تقدير. ويدرك نتنياهو تماماً الشكوك المنتشرة حول قدرة بوتين على طرد المليشيات الشيعية الموالية لإيران من المنطقة الأمنية المقترحة أو التعامل مع القوات الإيرانية في الشمال.

قال مدير الاستخبارات الوطنية دان كوتس إنه من المشكوك فيه أن تمتلك روسيا الإرادة أو القدرة على القيام بذلك. وعند هذه النقطة، يُفترض أن تدخل الولايات المتحدة إلى المشهد؛ فإما أن تُضطر إيران إلى الانسحاب في إطار تسوية أكبر أو، إذا انتهى الأمر باندلاع حرب شاملة بين البلدين، ستفقد المشكلة أهميتها.

ولكن مع بوتين، لا يوجد شيء مجاني. فلم يُصبح صهيونياً بين ليلة وضُحاها. وهو بالتأكيد غير مفتون بعيون نتنياهو الخضراء، أو مسحور ببلاغته.

إن تعاوُن نتنياهو ليس مجرد اتفاق مع بوتين في تحقيق الاستقرار في سوريا. فوفقاً لتقرير لصحيفة نيويوركر، والذي لم يتم نفيه بعد، فإن نتنياهو وسفيره في واشنطن، رون ديرمر، يقترحان – وربما لا يزالان يحاولان الدفع –  بصفقة كبرى لمقايضة سوريا بأوكرانيا. حيث سيعمل ترامب على تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا لغزوها شرق أوكرانيا في مقابل صفقة سورية.

إقرأ أيضاً: هآرتس: بوتين يترك الحرية لإسرائيل في التعامل مع إيران في سوريا

تقول ميشلين-شابير إنه حتى لو لم توجد هذه “الصفقة الكبرى” بالتحديد، فلا شك في أن بوتين يريد ربط القضية السورية بنقاط الخِلاف الأخرى في حوار شامل مع واشنطن. غير أنه، بسبب الوضع الحالي، سيكون من العسير على ترامب أن يُقنع الكونجرس أو الرأي العام بإبرام أي صفقة مع بوتين. سواء كان ذلك بشأن سوريا، أو أوكرانيا، أو أي مكان آخر. فقد اكتشف ترامب أنه لا يستطيع حتى دعوة بوتين إلى البيت الأبيض. وسيضطر نتنياهو إلى تحمل الجزء الأكبر من العبء؛ فسوف يُصبح مندوب ترامب. سيُخبر الكونغرس أن الصفقة الصغيرة الخاصة بسوريا، أو الصفقة الكُبرى التي تشمل أوكرانيا، جيدة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة.

يعتمد بوتين على رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي يمكن القول إنه يحظى بقدر كبير من الاحترام بالنسبة للتأثير المُعادي للسامية الذي يمتلكه نتنياهو بشكل خاص، واليهود بشكل عام، على أميركا.

ليس من قبيل الصدفة أن يُظهِر ترامب بوتين كـ “مُعجب” بشخصية نتنياهو، أو أن يكشف حضور نتنياهو الحدث الرئيسي في قمة هلسنكي المتمثلة في اتفاقية سوريا ــ والتي، للدهشة،  لم يُكشف عن مضمونها حتى الآن حتى للمسؤولين في الإدارة. وبالطبع، فليس من قبيل الصدفة إشادة نتنياهو بقمة هلسنكي واعتبارها خطوة لتحسين العلاقات الأميركية الإسرائيلية بشكل كبير.

وما زالت كلمة نتنياهو يتردّد صداها بين الجمهوريين، الذين صُدِموا بتملّق ترامب في هلسنكي، وخصوصاً في أواسط الإنجيليين الذين يُعَدّون عاملاً حيوياً بالنسبة للرئيس الاميركي.

وتقرّ ميشلين-شابير بأن استعداد نتنياهو لتولي دور لاعب أساسي في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة كما فعل في المحادثات بشأن الوضع السوري يُعتبر كالسير في حقل ألغام، أو على أقل تقدير، يمكن وصفها بمقامرة محفوفة بالمخاطر.

كان نتنياهو قد اعترف بهيمنة روسيا على سوريا. بل وتقبّل فكرة نشر “وحدات الشرطة” الروسية في المنطقة الأمنية المقترحة. فماذا سيحدث لو لم تطرد موسكو، كما يتوقع كثيرون، المليشيات الشيعية أو القوات والأجهزة الإيرانية من الشمال؟ هل سيقف نتنياهو حينها وحده في مواجهة روسيا، كما كان الوضع في محادثته مع بوتين؟ هل يمكن أن يخاطر بصدام عسكري؟ هل سيتمكن من ضم الولايات المتحدة لجانبه حال انهيار الاتفاق الذي كان يروّج له؟

وقع نتنياهو بين خطين أحمرين لم يتخطهما القادة الإسرائيليين منذ تأسيس الدولة. لقد حرِصَت إسرائيل دائماً على ألا تدخل بين القوّتين العُظميين بشأن قضايا أخرى غير أمن إسرائيل ورفاهيتها.

توارت إسرائيل عن الأنظار، في سبعينيات القرن العشرين، حتى عندما كانت الولايات المتحدة تستعد لمواجهة الاتحاد السوفييتي لتحرير اليهود فيها. كما كانت تتجنب، بأي ثمن، خطر احتمالية تصويرها كمحرّضة لأميركا لشنّ الحرب على السوفييت.

“ما دام ثالوث نتنياهو مع ترمب وبوتين قابلاً للبقاء، فإن نتنياهو هو حاكم العالم. لكن نتنياهو نسي المثل القائل “كلما كان الارتفاع أعلى، كان سقوطهم أقوى”

وقبل خمسة عشر عاماً، دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً للاشتباه في حثّها لجورج بوش الابن للدخول في حرب في العراق رغم حقيقة التزام معظم كبار المسؤولين بالصمت ــ باستثناء نتنياهو، الذي كان مواطناً عادياً حينها، الذي أصر على أن غزو العراق والإطاحة بصدام حسين كان فكرة عظيمة.

في حال نشوب صراع في سوريا ــ بل والأخطر من ذلك، اشتعال الحرب مع إيران ــ لن يكون لنتنياهو أي مكان للاختباء. إن وقعت أي خسائر في الطرف الأميركي، فسيتم تصوير نتنياهو كمُروج للحرب، الشخص الذي كان يهمس في أُذُن ترامب.

إن الصداقة الجميلة بين نتنياهو وترامب قد أضرّت بالفعل بصورة إسرائيل بين الديمقراطيين واليهود الأميركيين. لكن نتنياهو لا زال يستطيع أن يزعم أن كل تصرفاته وسياساته تهدف إلى تعزيز إسرائيل عسكرياً وعالمياً.

إقرأ أيضاً: هآرتس: نتنياهو كاذب

ولكن على خلفية الاستقطاب السياسي الحاد في أميركا، إذا ظهر نتنياهو كرجل ترامب وبطل بوتين، فسيُنظر إليه كمتعاون فعّال لرئيس أكثر انتقاداً.

يبدو أن نتنياهو يراهن، استناداً إلى تأكيدات البيت الأبيض، على نجاة ترامب من تحقيق روبرت مولر. ولكن إذا اتّضح في نهاية الأمر تواطؤ الرئيس مع الكرملين، سواء قبل الانتخابات أو حتى بعدها، فقد يُنظر فجأة لنتنياهو على أنه متواطئ ومحرّض في إنشاء ثالوث بوتين – ترمب – نتنياهو.

لقد برزت بالفعل أسماء أكثر مما ينبغي من الإسرائيليين أو أشخاص مرتبطون بإسرائيل فيما يتعلق بقضية الاتصالات بين مساعدي ترامب وعملاء بوتين.

في الواقع، لا يراهن نتنياهو وحسب؛ بل يضع كل شيء على المِحَك. إنه يضع ثقته في بوتين المعروف بالتخلّي عن حلفائه. وهو يراهن بكل ما يملك على ترامب، الرئيس المندفع والمثير للجدل والذي يزدري تحالفات أميركا التاريخية ويستمر بتغيير مواقفه كتغيير الناس لملابسهم.

وصف ديرمر، المتفائل، ترامب بـ “الحاكم الجديد”، لكنه نسي أن يقول: إنه يُطلق الرصاص عشوائياً في كل الاتجاهات – بعضه يصيبه شخصياً. ما دام ثالوث نتنياهو مع ترمب وبوتين قابلاً للبقاء، فإن نتنياهو هو حاكم العالم. لكن نتنياهو نسي المثل القائل “كلما كان الارتفاع أعلى، كان سقوطهم أقوى”.

هذا المقال مترجم عن موقع صحيفة Haartez ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي

إقرأ أيضاًخامنئي لن يمنع لقاء “سرياً” بين روحاني وترامب