fbpx

الانتخابات الروسية: التزوير لم يوقف تقدم الشيوعيين ونافالني خارج المنافسة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عمل بوتين خلال العقود المنصرمة منذ وصوله الى الكرملين على تغذية صعود النزعة القومية الروسية وربطها مع المكون العقائدي والإثني والحيّز الجغرافي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بثت القناة التلفزيونية الألمانية الرسمية (ZDF) فيلماً وثائقياً مدته 44 دقيقة عن بزوغ نجم الرئيس بوتين وتنامي شعبيته داخل بلاده والعالم، على رغم الاتهامات التي تلاحقه منذ سنوات طويلة عن روابطه الوثيقة بعصابات المافيا الروسية. وحمل الفيلم عنوان “بوتين والمافيا” وهو من إخراج نيكولاس تونيف والصحافية اناستاسيا كريلينكو. ويروي بحسب تقرير نشره موقع “دويتشه فيلله” وقائع ومعلومات عن صفقات فساد سياسي ضخمة تورط فيها بوتين ليس منذ توليه رئاسة روسيا وحسب، بل حتى عندما كان نائباً لرئيس بلدية مدينة سانت بطرسبورغ، مسلطاً الأضواء بشكل أساسي على دوره في قيادة عصابات المافيا الروسية وامتدادها.

 هذا الفيلم ليس الوحيد الذي يتناول علاقة بوتين بالمافياـ فلقد أولت الميديا الغربية وكتاب الرأي في أوروبا والولايات المتحدة اهتماماً فائضاً بهذا الموضوع، ونشرت الكثير من التحقيقات الاستقصائية والأفلام الوثائقية والكتب، من بينها ما ذكرته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية عن أقاويل تتردد حول علاقة الرئيس بوتين بعالم المافيا الروسية الغامض، بالتزامن مع محاكمة أحد زعمائها في موسكو. وتتمحور القصة حول رجل عصابات كبير يُدعى فلاديمير بارسوكوف- ويُلقب بـ”آل كابون روسيا”- كان خضع للمحاكمة بتهمة تشكيل عصابة “تامبوف” للجريمة المنظمة، والاستيلاء على ممتلكات حكومية بقيمة 100 مليون دولار.

ووفقاً لما أوردته الصحيفة فإن علاقة كانت نشأت بين بوتين وبارسوكوف – واسمه الحقيقي كومارين – خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، وتوطدت حين كان بوتين نائب عمدة مدينة سان بطرسبرغ وقام آنذاك بتوفير الغطاء الرسمي لبارسوكوف لشراء مسؤولين حكوميين وتصفية آخرين باغتيالهم لمجرد رفضهم التورط بأعمال غير مشروعة.

وقالت الصحيفة إنها استقت معلوماتها من كتاب  بعنوان “العصابة: المافيا الروسية الكبرى”، ألفه الأستاذ الجامعي البريطاني والباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مارك غاليوتي تحدث فيه عن علاقة الرجلين متتبعاً خيوط العلاقة بين التنظيمات الإجرامية في العهد السوفياتي القديم وحكام روسيا الحاليين.

ربما يكون كتاب الصحافية الروسية ماشا جيسن الذي حمل عنوان “رجل بلا وجه… الصعود الممجوج لفلاديمير بوتين”، الأكثر أهمية بما يحتويه من معلومات تفصيلية ووقائع تقشعر لها الابدان عن المؤامرات الدامية داخل أروقة الحكم والمداهمات المسلحة للمناطق  السكنية، واحتجاز الرهائن التي رمت في جوهرها إلى إثارة الخوف بين الروس،والقضاء على اي فسحة او نافذة للديموقراطية،كما أوضحت وبصورة معززة بالادلة كيف يتم نسج السياسة في أكبر دول العالم اتساعاً، وكيف يغلب عليها الطابع الدموي والمافيوي. ويكيليكس كشف عن وثائق سرية تفيد بأن مدعياً قضائياً إسبانياً كبيراً أبلغ السفارة الأميركية في مدريد أن روسيا والشيشان وروسيا البيضاء أصبحت “دول مافيا”. وتساءلت برقية أخرى عما إذا كانت لبوتين علاقات بالمافيا الروسية.

إن تحكم بوتين مستنداً إلى الاوليغارشيا وأجهزة الأمن القوية بمقاليد الدولة ومؤسساتها يوفر الأدوات للإمعان في فرض ما يعرف بمصطلح “الديموقراطية الموجهة”، الذي يتبعه بوتين والكثير من زعماء أوروبا الشرقية. بوتين لا يدخر أي جهد في استخدام الانتخابات وبشكل ممنهج لمصلحته ولمصلحة حزبه الحاكم، وما يتيح له تخطى المعقول في التزوير، وهو أن فئات كثيرة من المجتمع، وبشكل خاص الجهاز الإداري المرتبط نشاطه عضوياً بالدولة وأفراده بالملايين لا يولي أي انتباه للاتهامات والمعلومات الرائجة في المجتمع في وسائل التواصل الاجتماعي عن فساد النخبة الحاكمة وتورط بوتين بأعمال إجرامية في الداخل والخارج.

تحفيز النزعة القومية والكنيسة الأورثوذكسية احد اسلحة المعركة

لعل ما يساعد بوتين على تحشيد الروس ودفعهم إلى دعم حزبه “روسيا المتحدة” الذي وصفه المعارض الشرس نافالني بـ”حزب المحتالين واللصوص” هو ترويجه للنزعة القومية الروسية. فالبعث الروسي وفقاً للباحث في “معهد الأبحاث الاستراتيجية والجيوسياسية” في واشنطن سيرغي ماركيدونوف، يرتسم اليوم كاندفاع لا عقلاني من قوى ظلامية. ومن غير المشكوك فيه، الحضور الفعلي غير القليل للاعقلانية والجهل المبتذل. ولكن المسألة لا تقتصر على ذلك. فتصاعد النزعة العرقية في روسيا نتاج موضوعي لسيرورة اجتماعية سياسية. وهي تعكس الطابع الانتقالي في المجتمع الروسي المعاصر.

ارتفاع نسبة أنصار بوتين وسط الشباب لا يعني غياب رافضي أساليبه القمعية ورعايته الفساد السياسي والمؤسساتي في البلاد.

 عمل بوتين خلال العقود المنصرمة منذ وصوله الى الكرملين على تغذية صعود النزعة القومية الروسية وربطها مع المكون العقائدي والإثني والحيّز الجغرافي، وعمل من أجل ذلك بيقين كامل لأن تحقيقه كهدف يمثل أكبر فرصة له وللمجموعة المتسلطة على الدولة لإعادة بناء الأمة الروسية والحفاظ على خصوصياتها القومية والدينية الأورثوذكسية لكي تتحول إلى سد منيع بوجه الليبرالي والأفكار الغريبة، لصيانة منظومة القيم التي تأسست عليها الإمبراطورية الروسية في مرحلتها القيصرية وحتى السوفياتية. وهو من أجل هذه المعركة المصيرية زج في الخط الأول من الجبهة الكنيسة الأورثوذكسية الروسية.

 هذا يفسر أحد أسباب تطابق نتائج الانتخابات مع التوقعات بالفوز “الساحق الذي حققه حزب “روسيا الموحدة الحاكم” بنسبة تزيد على ثلثي الأغلبية الدستورية، وهي 324 مقعداً من مجموع عدد مقاعد مجلس الدوما البالغ 450 مقعداً، بما حصل عليه من أصوات بموجب القوائم الحزبية، إلى جانب الأغلبية الكاسحة من مقاعد النظام الفردي، ويقترب عددها من 200 مقعد، فيما حاز الحزب الشيوعي المرتبة بنسبة 19.8 في المئة، وهي نسبة تفوق ضعف مثيلتها التي فاز بها في الانتخابات الماضية عام 2016.

أما المركز الثالث وبفارق كبير، فكان من نصيب الحزب الليبرالي الديموقراطي المعروف باسم “حزب جيرينوفسكي”، الذي احتفظ تقريباً بالنسبة نفسها التي كان فاز بها في الانتخابات الماضية، وبلغت 7.5 في المئة من أصوات الناخبين. وجاء حزب “روسيا العادلة” في المركز الرابع، بنسبة 7.3 في المئة، وهو حزب يقوم على مبادئ الاشتراكية الديموقراطية ويغلب عليه الطابع المحافظ، وكان تشكل عام 2006 تحت رعاية الكرملين برئاسة سيرغي ميرونوف الرئيس السابق لمجلس الاتحاد.

ربما الشيء الوحيد الجديد في انتخابات هذا العام هو نجاح حزب جديد يحمل اسم “الناس الجدد” أو “الشعب الجديد” في تجاوز حاجز الخمسة في المئة المقررة دستورياً، حداً أدنى للانضمام إلى عضوية البرلمان، بعدما حصل على 5.3 في المئة من الأصوات. وقد عزت ساردانا أفكسينتيفا، مستشارة زعيم الحزب، هذا النجاح إلى ثقة الكثير من الناخبين بشعارات الحزب ووعوده بإطلاق ما سمته “مبادرات التغيير” في الحكم والمجتمع.

عودة الشيوعيين إلى المشهد السياسي

مفاجأة وصول الحزب الشيوعي الى المرتبة الثانية في الانتخابات أثارت تعليقات متبانية عن المتغيرات الحاصلة في مزاج الرأي العام الروسي ونوستالجيا النظام السوفياتي التي ما زالت تغمر بمياهها بقايا جيل سوفياتي كامل له امتدادات ونفوذ في المجتمع الروسي الجديد. في تعليقه على تقدم الشيوعيين المفاجئ قال المحلل الروسي اندريه سافونوف في مقالة له على موقع regnum.ru، إن “ما يباح لكوكب المشتري، غير مسموح به لبرج الثور. هكذا كان، ولكن لا يمكن أن يبقى الأمر كذلك. يمكننا إذاً استنتاج أن نجوم الافق السياسي الداخلي اقتربوا من تشكيل (ثلاثية) معقدة في مقدمتهم من يدعون أنهم (المدافعون عن الشعب) و(نقابة السلطات) وشخصيات مجهولة من النخب المحلية تسعى إلى تحجيم المستقبل السياسي للبلاد بالتنسيق مع قوى وعناصر ترتبط مع عملاء أجانب ومنظمات متطرفة”، إلا أن الشيء الأكثر أهمية بالنسبة إلى الجميع بحسب رأيه هو أن يستمر الثور في التهام ما يستطيع من الطعام”. وفي السياق نفسه رأى تقرير نشره  مركز “كارنيغي” تحت عنوان “تخطي الخط الأحمر.. لماذا تصوّت روسيا من جديد للشيوعيين؟”، أن عودة الشيوعيين الى المشهد السياسي بفوزهم في المرتبة الثانية كبديل للنظام بعد الحزب الحاكم، لا تمثل عودة وشيكة للشيوعية، بل ورقة إنذار حمراء لبوتين، من الشعب المستاء من تنامي فساد النظام السياسي وتدهور ظروفه المعيشية ما يؤشر بشكل واضح إلى تراجع في البنى الاجتماعية التقليدية للنظام”، وأضاف “بالرغم من أن الكثير من المحللين قد تنبأوا بحصول هذا التقدم للشيوعيين في الانتخابات، غير أن ما أتت به عملية الاقتراع تخطى هذه التوقعات”. 

 لم تكن النتائج الانتخابية متطابقة في كل الأقاليم  وعلى المستوى الوطني، وهذا يعود بحسب سافونوف الى يسمى بمنطقة “الحزام الاحمر”، للمناطق الروسية التي لا يخفي سكانها سخطهم وامتعاضهم مما آلت اليه أوضاعهم المعيشية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال حصد الشيوعيون مقعدين من أصل خمسة في مجلس الدوما في منطقة سامارا، وهو ما يشكل 40 في المئة من تمثيل هذا الإقليم في المجلس التشريعي الاتحادي.

إذاً النقلة النوعية في تغير المزاج الانتخابي في هذا الإقليم بعد مؤشراً قوياً على بداية اهتزاز في أعمدة حزب بوتين الحاكم، وتشققاً في جدار الدعم للرئيس بغض  النظر عن محدودية اهميته كونه ينذر بتغير في التركيبة النفسية للروس، ما يكشف عن  فشل القسوة المفرطة للنظام ضد المعارضة السياسية، وبشكل خاص تنظيم نافالني، والتزوير أيضاً.

من المفيد الإشارة إلى أن هذا  الإقليم كان يعتبر من أكثر أقاليم روسيا ازدهاراً خلال فترة “البيرويسترويكا”، بعدما تحول وفقاً لسافونوف إلى “مجرة كاملة” لليبراليين من شباب الكومسمول المهاجرين من أقاليم أخرى وخصوصاً اولئك الذين تخلوا عن أوهام “البروليتاريا العالمية”. وليس غريباً أن تحصل مثل هذه النقلة بعد سيطرة مشاعر الغضب من الفساد السياسي وهيمنة اوليغارشيا السلطة وأجهزة الأمن والجنرالات على اقتصاد وسياسة البلاد الداخلية والخارجية. ويتضح من استطلاع للرأي اجرته شركة الابحاث الروسية  INSOMAR، أن “الشيوعيين حققوا نسبة أقل بمرتين فقط عن حزب روسيا الموحدة الحاكم”. هذا بعدما كانت أقل بأربع مرات عنه في الانتخابات السابقة. إلا أنه كما يقول سافونوف لدينا ما سماه “شيوعيو الموجة الجديدة” الذين احتلوا مكان الشيوعيين من العهد السوفياتي الذين انحشروا وتقوقعوا في زاوية مهملة خارج الذاكرة المجتمعية لجيل ما بعد الشيوعية السوفياتية. وهؤلاء الشيوعيون الجدد انبثقوا من وسط لهيب الاستثمارات الاجنبية التي جعلت الشباب المحلي ذات التوجه الليبرالي يتجرع مرارة السقوط تحت جزمة قوانين السوق الحرة، وهو ما فجر غليانهم الثوري الذي تكلل بأعمال الشغب والاحتجاجات عام 2014، وتكررت في العام الجاري. وتشير معطيات وبيانات وردت في نشرة لمعهد الاقتصاد التابع لأكاديمية العلوم الروسية للعام الجاري  إلى أن “أكثر من 10 في المئة من أفقر مواطني روسيا ينفقون 47 في المئة من دخلهم على المواد الغذائية، كما هو الحال في بلدان أفريقيا”، فيما “يخسر 30 في المئة من الطبقة الوسطى الدنيا أكثر من ثلث دخلهم السنوي”، ما يعني أن كل واحد منهم مرشح للسقوط في أحضان الفقر”. وبحسب مقالة للاكاديمي اندريه كوليسنيكوف في صحيفة “نوفايا غازيتا” المحسوبة على المعارضة فإن “الناخبين الروس مع كل هذه الفوضى المعيشية نجدهم ما زالوا يفضلون بوتين وحزبه”. الإشكال يكمن في عشقهم شخصية القائد- الضرورة. ويلاحظ كوليسنيكوف أن “أسعار المواد الغذائية ارتفعت خلال الفترة من 2014-2020 بمعدل 51.7 في المئة، مقابل نمو طفيف في المعدل الوسطي لدخل المواطن الروسي  بنسبة 34.3 في المئة فقط”، سائلاً: كيف يمكن أن يصوتوا لرئيس ولحزب أوصلاهم إلى القاع الاجتماعي، بتجاهل حاجتهم إلى الأموال اللازمة لشراء المواد الغذائية وتلبية الاحتياجات الضرورية لعائلاتهم وأطفالهم؟”. وكشف تقرير اكاديمية العلوم الروسية أيضاً أن “متوسط نصيب الفرد الروسي من الناتج المحلي الإجمالي بقي كما كان عليه قبل 10 سنوات عند حدود 12 ألف دولار فقط”.

بوتين المخلص والقائد الضرورة

أحد أسباب هذه الظاهرة  برأي المراقبين هو أن معظم الروس  يؤمنون  حقيقة بأن فلاديمير بوتين هو المخلّص الذي أنقذهم من الانهيار الاقتصادي والفساد الحكومي، والقائد الذي استعاد لهم روسيا السابقة، ولكن في الحقيقة فإن بوتين لم يفعل سوى ركوب موجة ارتفاع أسعار النفط، فيما قام بتوسيع الفساد وشرعنته واستعمال السياسة العسكرية والخارجية لتوطيد سيطرته الشخصية على السلطة باللعب على حنين الروس للماضي وإشغالهم بهوس ضرورة تحدّي “العدو الغربي”. ولذلك يمكن القول إن الاعتقاد السائد لدى غالبية الروس هو أن بوتين هو من جلب الانتعاش الاقتصادي وكبح فوضى التسعينات وليس هذا سوى إهدائه شيكاً على بياض للإفلات من أي عقاب.

وكان استطلاع للرأي أجرته  بالتعاون مع معهد “كارنيغي” الأميركي، وكالة الاستفتاء الوحيدة المستقلة في البلاد ( ليفادا)، تضمن توضيحات تكشف عن أسباب استمرار دعم الروس لبوتين. على رغم أن معظم المستجيبين قالوا إنهم يرغبون في التغيير في البلاد، إلا أنهم لم يتمكنوا من تصور أي شخص غير بوتين لإحداثه. إن سمعته على أنّه منزّه عن السياسة تلعب دوراً في هذه النظرة (فهو يرفض الترشح كعضو في حزب روسيا المتحدة، على رغم أن برنامجه الوحيد هو دعمه)، ما يمكّنه من إلقاء اللوم عند فشل الحكومة على المسؤولين الذين يتم تطهيرهم بشكل دوري من خلال فضائح الفساد. وفي آخر قضية من هذا النوع، حكم على وزير الاقتصاد السابق ألكسي أوليوكاييف في كانون الأول/ ديسمبر بالسجن 8 سنوات بتهمة الرشوة. وهو أرفع مسؤول حكومي يُعتقل منذ عهد ستالين، لكنه يقول إنه تم تلفيق التهم ضدّه.   

وفي استفتاء آخر للمركز نفسه اعتبرت النسبة الأكبر من الروس أن ضم بوتين شبه جزيرة القرم أجبر الغرب على احترام روسيا، إذ قال أكثر من 70 في المئة إن بلادهم استعادت مكانتها كقوة العظمى. 

معارضة مدجنة وأخرى مقموعة

ارتفاع نسبة أنصار بوتين وسط الشباب لا يعني غياب رافضي أساليبه القمعية ورعايته الفساد السياسي والمؤسساتي في البلاد، إذ نشهد موجات اخرى منهم تنزل الى الشوارع احتجاجاً على تقويضه الديموقراطية واحتكار الدولة وسائل الإعلام والتضييق على الحريات العامة والفساد السياسي، ولكن المشكلة انهم ما زالوا أقلية مقارنه بالأعداد الكبيرة التي ما زالت تعشق القيصر الروسي الجديد. ويتزعم المعارض المدني الكسي نافالني الذي نجا بأعجوبة من مؤامرة لتسميمه بمواد كيمياوية، تياراً متنامياً من الشباب الروسي المناهض لسياسات بوتين، تواجهه أجهزة القمع بعنف مفرط.

ولقد نجح عنف السلطة هذا في تقليم أظافر هذا التيار وداعميه من القوى الأخرى لنظام الأوليغارشيا الفاسد، وتقويض مخططات نافالني لدفع الناخبين الى التصويت الإلكتروني (التصويت الذكي) بعد منع موسكو الهيئات الدولية من إرسال مراقبين للإشراف على عملية الاقتراع، وفضح عمليات التزوير لمصلحة الحزب الحاكم. وبرر الكرملين منع استقبال 500 مراقب من الاتحاد الأوروبي بوباء “كورونا”، مشترطاً إرسال 60 فقط.

وبلغت وقاحة الكرملين أوجها وهو المتهم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتدخل في انتخاباتهم بشكل متكرر، بالشكوى مما وصفه “تدخل خارجي” في الانتخابات الروسية. وقامت موسكو باستدعاء ممثلي “غوغل” و “أبل” الى مبنى مجلس الاتحاد وأبلغوهم بما وصفوه “التدخل السافر للتأثير في الناخبين”. وكانت الميديا الروسية المستقلة تعج بتقارير وتحقيقات أعدها خبراء في العملية الانتخابية تفيد بأن نصف الأصوات التي حصل عليها حزب روسيا الموحدة  مزورة. وقال عالم الفيزياء سيرغي شلبكين إن “النسبة الحقيقية التي حصل عليها الحزب الحاكم تراوحت بين 31-33 في المئة، اذ ان نسبة التصويت على صعيد كل البلاد كانت نحو 38 في المئة. وقالت: “إذا ما قورن بالنتائج التي حصل عليها هذا الحزب 50 في المئة من مجموع المصوتين، فإن نحو 14 مليون من الأصوات الرسمية لروسيا الموحدة هي مزورة”. وعزا مراقبون ومحللو انتخابات تقنيون فوز الحزب الحاكم الى التلاعب بنتائج التصويت الالكتروني، وعلى سبيل المثال سخرت الصحيفة الليبرالية المعارضة “Novaya”، من نتائج الانتخابات قائلة “حتى الإنترنت مع روسيا الموحدة”. المثير أنه حتى زعيم الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف الذي لم يتغير منذ تأسيسه عام 1993 أبدى سخطه من التزوير وهو المعروف بعدم معارضته الحقيقية والصادقة لبوتين. فلقد  قال في تصريح نقلته الميديا الروسية إن “التزوير في هذه الانتخابات كبير لدرجة أن روسيا لم تشهد مثيلاً له منذ عام 1996″، وذلك في إشارة منه إلى الانتخابات الرئاسية التي خسرها في الجولة الثانية أمام منافسه الرئيس الراحل بوريس يلتسين.  

إقرأوا أيضاً: