fbpx

لماذا نتردد في الحديث عن صحتنا النفسية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يطول شرح حقيقة أن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، والتغاضي عن معالجة المشكلات النفسية فعلاً مضر بالصحة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في ظل المشكلات الاقتصادية والحقوقية الجسيمة التي يعاني منها العالم العربي، هل يبدو الحديث عن الصحة النفسية ترفاً، لا سيما في ظل التردي الصحي ونهج الاستخفاف بأهمية الصحة العقلية؟ 

بعد سنوات من المعاناة من مشكلات نفسية، أيقنت أهمية الصحة النفسية. كانت رحلة شاقة. ففي بداية الأمر كنت أنكر هذا الأمر، كنت من الفئة الكبيرة في مجتمعاتنا العربية التي تعيب الحديث عن الأمور النفسية. كنت أيضاً من تلك الفئة التي تستخف بأهمية العلاج النفسي والصحة النفسية. لكنني لم أكن حادة جداً في موقفي حتى اتبنى رأي الذين يردون على من يشكو من مشكلة نفسية بالقول، “صلي على النبي وقوم صلي ركعتين وستشفى”.

مع كامل الاحترام للمتدينين، العلاج النفسي أكثر شمولية. قد تكون الصلاة جزءاً من النشاطات المريحة للمريض لكنها ليست علاجاً بحد ذاته. كنت من هؤلاء أيضاً الذين لديهم شعور بالعيب الذاتي فلا يعترفون بالأمور النفسية التي يعانون منها، وربما كان خوفي من الأمر رد فعل استباقي على من يصنّفون المشكلات النفسية في خانة العار، أو يعتبرونها غير مهمة، على اعتبار أن البشر لا يحتاجون إلى مساعدة أو مرافقة نفسية، بل عليهم تدبّر أمورهم من دون اللجوء إلى مختصين.

مع السنين، ومع تراكم الأزمات النفسية والعاطفية والمهنية، أدركت أنني لا أستطيع تجاهل الأمر أكثر فقد أثرت تلك الامور فيَ، حتى بدأت تزورني أفكار سوداوية تدفعني إلى الانتحار. كمثال واحد، وبلا مبالغة، تداعيات الربيع العربي ادت بي الى اكتئاب حاد. جيل الربيع العربي وجيل الحروب الأهلية التي تبعتها، جيل يعاني من اضطرابات نفسية جمة. ما حل بالربيع العربي سبب لي نوبات اكتئاب شديدة كانت تستمر لأسابيع وشهور. أما مشاهد الدماء عبر شاشات التلفزيون والكمبيوتر وعلى الموبايل، الآتية من قمع المتظاهرين خلال الثورات، والحروب الأهلية المستعرة، فقد تركت جرحاً عميقاً في قلبي. حين كنت أقطع إصبعي بالخطأ عندما أطبخ أو أقطع الخضروات، أتوقف وأسرح في الدم وهو يخرج منها، ثم أسترجع مشاهد الدماء وتساقط الضحايا في سوريا، اليمن، مصر، البحرين، وهكذا. أشاهد الدم على اصبعي ثم أشعر بألم لا يوصف. والمأساة هي الأخبار التي تصل عن انتحار صديقة أو صديق على فترات متقاربة. بعدها، الأفكار السوداوية تأتي على صورة أسئلة، هل الموت أرحم من هذا الألم؟ هل يمكن أن أرحم نفسي بنفسي؟ 

سألت نفسي حينها، هل أرضخ لهذه الأفكار أو أقاوم وأتحدى وصمة العار التي تلحق بمن يتحدثون عن مشكلاتهم النفسية؟ ولأنني أكتب هذا المقال وما زلت على الكرة الأرضية، فالجواب كان الثاني. منذ أكثر من عام وأنا أتابع حالتي النفسية مع معالجة نفسية مختصة وحالتي تتحسن. لا أجد حرجاً أبداً في أن أتحدث عن الاضطرابات النفسية التي أعاني منها، بل وأنصح أقربائي وأصدقائي وصديقاتي بزيارة معالج نفسي، لمن استطاع إليه سبيلاً.

لكن هناك مشكلة أكبر وهي أنه من الأساس، الأنظمة الصحية في المنطقة العربية تعاني من ضعف وقصور وتعمل بإمكانات شحيحة وظروف صعبة. تفاقمت تلك المشكلات بسبب تداعيات جائحة “كورونا”. فكيف يمكن تعزيز المعرفة والاهتمام بالصحة العقلية فيما هناك تعطّل كبير في تقديم الخدمات الصحية الأساسية في العالم العربي؟ الجواب هو عند صانعي السياسات المؤثرة في القطاع الطبي في العموم. وحتى لو تم تحسين الخدمات الصحية الأساسية فلا بد من وضع سياسات لمعالجة ​​وصمة العار تجاه الصحة النفسية.

فبحسب دراسة نشرتها المجلة الآسيوية للطب النفسي هذا العام، تؤدي الوصمة المرتبطة بالصحة العقلية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى تأخر طلب المساعدة، وتؤثر في المصابين بمرض عقلي وفي حالة أسرهم، وكل من يقدم الرعاية الصحية العقلية من مقدمي المساعدة والمختصين النفسيين. ومن أهم مقترحات الدراسة لمعالجة الوصمة، وضع سياسات وتشريعات شاملة للصحة النفسية، ووضع برامج توعية مستدامة مناسبة لثقافة المجتمعات، بناء قدرات القوى العاملة في مجال الصحة النفسية من خلال تحسين المهمات والأساليب المهنية، وتحسين الوصول إلى خدمات الصحة النفسية. 

إقرأوا أيضاً:

في الإطار العام في العالم العربي، الأمر المحزن هو أن من أراد أن يتحدى الثقافة المجتمعية المستخفّة بأهمية العلاج النفسي وأن يطلب المساعدة النفسية من دون خجل، ومن دون أن تكون نوعاً من أنواع الرفاهية، باهظة الثمن، يصطدم بعجز القطاع الصحي. لكن الكارثة الحقيقية تكمن في أن المواطن عموماً يفتقد الى ابسط مقومات الحياة، وكل هذا الحديث يبدو ترفاً. شعرت بغصة قبل شهور وأنا أقرأ تقريراً من منظمة “أنقذوا الأطفال” عن أن واحدة من 5 محاولات انتحار في شمال غرب سوريا هي من الأطفال، وأن أكثر من 200 طفل انتحروا خلال الثلاث الشهور الأخيرة فقط من 2020. أشار التقرير إلى أن عوامل عدة فرزتها عشر سنوات من الصراع أدت إلى ذلك، منها تدهور الظروف الحياتية المستمر للناس في شمال غربي سوريا، والفقر، ونقص التعليم، والبطالة، والعنف المنزلي، وزواج القصر، والعلاقات المحطمة، والتنمر.

المصيبة هي أنه أينما تولي نظرك اليوم في العالم العربي أو في العالم أجمع، هناك ألف سبب يدعو إلى الانهيار العصبي. على رغم كل ذلك، الاعتراف بأهمية العلاج النفسي وعدم التقليل من شأنه يمكن أن يكون بمجهود فردي. الوعي يمكن أن يكون من منطلق أن هناك علاقة مثبتة علمياً بين المرض النفسي وحالات صحية أخرى، فلا صحة  جسدية بدون صحة عقلية. موقع “هيلث لاين” Healthline الذي يعتبر من أهم المواقع المتخصصة في توفير معلومات عن الصحة يشير إلى أن للإجهاد (العقلي والجسدي) المزمن تأثيرات في صحتك العامة، فقد يتأثر جهازك العصبي، وجهازك التنفسي، وقلبك، وجهازك الهضمي، وعضلاتك، وحياتك الجنسية، والجهاز التناسلي، والجهاز المناعي. وعنوان هذا المقال مستوحى من دراسة نشرتها مجلة “ذا لانست” الطبية عام 2007 بعنوان “لا تكتمل الصحة بدون الصحة النفسية”. تخلص الدراسة إلى أن هناك نقصاً في تقدير العلاقة بين المرض النفسي والحالات الصحية الأخرى، على رغم أن الاضطرابات النفسية تزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية وغير المعدية، وعلى العكس من ذلك، فإن الكثير من الحالات الصحية تزيد من خطر الإصابة باضطراب عقلي. 

يطول شرح حقيقة أن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، والتغاضي عن معالجة المشكلات النفسية فعلاً مضر بالصحة. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.