fbpx

“كسر موت الشعور أجنحتي”…
عن مقتل استبرق وأخريات في غزة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“قال لي ممرض ابنتك وصلت جثة هامدة، ورافقني مع اثنين من الشرطة إلى ثلاجة الموتى لرؤية استبرق التي لم أرَ سوى وجهها المتعب وتظهر البقع الزرق بجانب عينها من شدة الضرب”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ترتفع نسب قتل النساء في قطاع غزة بعد الحروب وما تخلفه من أزمات اجتماعية واقتصادية، فقد سجلت 3 حالات قتل لفتيات قاصرات ونساء بعد الحرب الرابعة، ومن بينهن القاصر استبرق بركة (17 سنة) على يد زوجها ضرباً؛ لكن اللافت في قصص الضحايا هو غياب العقاب للقتلة نتيجة منظومة القوانين البائدة وغياب الإرادة السياسية عن إقرار قوانين تحمي النساء.

“بكيت طويلاً ووحيدة لقلة حيلتي، وتساءلت لماذا ليس لي أخ أرتمي بين أحضانه؟ لأشعر بالأمان وأخبره بما أعانيه من ظلم وقهر وضرب لساعات مطولة بالبرابيش والعصي، كأنني لست إنسانة، أخبره، كيف كبرت مئة عام رغم صغر سني، ولكني عجوز القلب والروح”. كانت هذه الكلمات بمثابة وصية القاصر استبرق بركة التي وجدت في إحدى كراساتها المدرسية، تكشف من خلالها المستور عن حياتها التي تلونت بالسواد مع زوجها الذي لم يصن العهد بقتلها غدراً ومن دون أن يشفع حملها بطفلهما الأول بوقف مسلسل العنف.

“بدأت أصرخ ليس لي بعد الله إلا ابنتي استبرق، بالله عليكم أخبروني كيف حالتها؟”.

استبرق… مناجاه بالخلاص

“كيف أخبره أن قلبي دخل حالة ذهول الصمت، وأن غصة ما قد استقرت في داخلي وإحساسي بأني روح تصرخ قائلة لماذا لم تسمح لي الأيام بالاحتفاظ ببراءتي وضحكتي التي غابت عني وفارقت وجهي الصغير آآآآه  يا أخي كم كسر موت الشعور أجنحتي”، تقول استبرق.

“يا الله يا حبيبي اللهم لا اعتراض على حكمتك يا رب فقد وسعت رحمتك كل شيء، ارحمني يا حبيبي يا الله”، بدعاء استغاثة، تختم استبرق رسالتها التي أخفتها أثناء تحضيرها لامتحان الثانوية العامة قبل أنً يقتلها زوجها في 16 حزيران/ يونيو الماضي.

بكلمات تنزف دموعاً وحرقة تقول والدة استبرق (55 سنة): “يوم إعلان نتائج التوجيهي (الثانوية العامة) كان أصعب من يوم دفن استبرق التي وعدت والدها بمعدلٍ عال؛ لتحقق حلمها بدراسة اللغة الإنكليزية أو التمريض”.

تحبس دموعها، وتستذكر مهارات استبرق في كتابة اللغة الإنكليزية: “لو تبارى 100 دكتور أمام جمال وإتقان استبرق للكتابة باللغة الإنكليزية، ستفوز بجدارة”.

تنهمر الدموع وتختنق الكلمات في فم والدة استبرق، لتفرج عنها دفعة واحدة: “مدرسة استبرق طلبت مني صورة لتكريمها، لو نظرت إليها، ستلومينني وتقولين كيف تفرطين بابنتك لهذا القاتل المجرم؟”.

تصمت للحظات وتعود بالذاكرة إلى آخر لقاء جمعها باستبرق التي ألهبت الحمى جسدها الرقيق، تروي كيف قامت بترتيب بيتها ومكوثها الطويل هناك من الواحدة ظهراً حتى الخامسة مساءً؛ وكأنه وداع الأحبة.

تقول باستهجان: “زوجها قام بمرافقتي بسيارة الأجرة التي يملكها إلى منزلي، حيث يعمل سائقاً للأسرة، وقامت استبرق بالاتصال بي يوم مقتلها في الساعة العاشرة إلا ربعاً، كان آخر اتصال بيننا وبدا فيه كل شيء طبيعياً”.

“لكن اتصالاً مفاجئاً من عم استبرق، في الثالثة والنصف بعد الظهر أخبرني بضرورة تجهيز نفسي لاصطحابي إلى المستشفى لأن استبرق مريضة، قلب هدوئي وجعلني ارتدي ملابسي مسرعة في السيارة، حتى النقاب لبسته في السيارة”، تخبرنا والدة استبرق.

في الطريق إلى مستشفى ناصر في خانيونس جنوب مدينة غزة، لاحظت وجود سيارة إسعاف عند بيت استبرق وكان زوجها ووالده هناك. توقفت سيارة عمها وأخبرني أن استبرق مريضة لربما من مضاعفات الحمى.

تواصل روايتها التي تقول إنها لا تصدقها؛ لاعتقادها أنً استبرق مدللة أبيها وهي وأختها فلسطين التي تصغرها بعامين في مأمن من أن تصبحا حديث الصحافة يوماً ما: “في المستشفى بدأت بالسؤال عن ابنتي؛ لكن، أحداً لم يجبني، فرفعت الستارة المقابلة لي فوجدت استبرق يحيطها الأطباء والممرضون الذين طلبوا مني المغادرة”.

تضيف والدموع تنهمر من مقلتيها: “بدأت أصرخ ليس لي بعد الله إلا ابنتي استبرق، بالله عليكم أخبروني كيف حالتها؟”.

وتردف: “قال لي ممرض ابنتك وصلت جثة هامدة، ورافقني مع اثنين من الشرطة إلى ثلاجة الموتى لرؤية استبرق التي لم أرَ سوى وجهها المتعب وتظهر البقع الزرق بجانب عينها من شدة الضرب”.

“بدأت بالصراخ الذي ملأ أرجاء المستشفى وقمت بخلع النقاب وشددت شعري من شدة وجعي الذي لا تسعه الدنيا ولم أشعر بمن حولي” تصف والدة استبرق حالتها بعد رؤية ابنتها جثة هامدة.

تكمل روايتها: “عائلة استبرق رفضت دفنها، بعد تقرير الطبيب الشرعي الذي أكد مقتلها نتيجة الضرب المبرح على يد زوجها الذي زعم أنها سقطت من علو أثناء نشر الغسيل”.

إقرأوا أيضاً:

مستقبل فلسطين عُبد بدماء استبرق

تتابع الأم بألم: “زوجها بعد إلقاء القبض عليه أكد ضربها ببربيش مجدول بالحديد أحضره من الشارع؛ لضربها لاعتراضها على زواج اختها فلسطين من أخيه، ما أدى إلى مقتلها على الفور”.

رحلت استبرق؛ لكنها عبدت الطريق لاختها فلسطين للخروج من الظلم المؤبد الذي يقترن بالزواج المبكر، تقول الوالدة بإصرار: “يستحيل أن أقوم بتزويج فلسطين قبل أن تكمل تعليمها”.

“لكنها تؤكد أن نار قلبها لن تبرد قبل محاكمة زوج ابنتها الذي لم يتقدم للمحاكمة حتى اللحظة؛ بدعوى الإجازات الحكومية”. 

غياب الإرادة السياسية تزيد العنف ضد الفلسطينيات

المحامية في “مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي في رام الله”، روان عبيد، تؤكد أن تفاقم معدلات قتل النساء في غزة والضفة في السنوات الأخيرة، يأتي نتيجة قدم قانون العقوبات في غزة والضفة الغربية الذي يعود إلى 1935، أي أيام الانتداب البريطاني.

وسألت: “كيف لقانون يعود إلى عام 1935 أن يتضمن تعريفات لحالات جديدة كالعنف الإلكتروني والتحرش الجنسي والسخرة والعنف الاقتصادي والتمييز على أساس النوع الاجتماعي والزواج تحت السن القانونية”.

واستدركت: “ولكن؛ مسودة مشروع قانون حماية الأسرة التي بلورت فكرة المنظمات النسوية عام 2006، استحدثت هذه التعريفات، على رغم أن مشروع القانون هذا إجرائي ولكن اضطررنا إلى أن نلعب بهويته لأن التعريفات سابقة الذكر غير موجودة في قانون العقوبات الفلسطيني، وبالتالي أصبح قانوناً إجرائياً وموضوعياً”.

وفي ردها على سؤال حول أهمية مسودة مشروع قانون حماية الأسرة في حياة النساء المعنفات، قالت عبيد إنه سيوفر الحماية للنساء ولجميع أفراد الأسرة من خلال 3 دعائم رئيسية، الوقاية والحماية والعقوبات.

وأوضحت أن “الوقاية تتأتى من خلال وجود مواد قانونية تمنع العنف وتؤسس لدور فعال لجميع الوزارات لتقديم التوعية لمنع العنف في المجتمع. أما الحماية فتتمثل بإجراءات حمائية عاجلة حال تعرض المرأة أو أحد أفراد الأسرة للعنف، من خلال إبعاد المُعتدي بخروجه من البيت على عكس ما يحدث في مجتمعنا، حين تتعرض المرأة للإهانة والإذلال، فتخرج من البيت حال تعنيفها، إضافة إلى الوساطة قبل التدخل القانوني المُجرد؛ لأنه قانون يهدف إلى حماية الأسرة لا تدميرها”.

وأردفت: “من الضروري لأيً قانون قد يصدر خلال المرحلة المقبلة أن يراعي مبدأ العناية الواجبة، والقانون الدولي يتحدث عن التزامات خمسة على الدولة بأي قانون يتم إقراره في الوقت الحالي، وهي الحماية والوقاية والالتزامات الجزائية الرادعة للجرائم، وتوفير سبل الانتصاف للضحية وجبر الضرر لأي فرد من أفراد الأسرة”.

ولفتت إلى أنه في شباط/ فبراير 2020، صدرت النسخة الأخيرة من مسودة مشروع قانون حماية الأسرة وكانت صادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية وكان هناك قرار بضرورة وضع منظمات المجتمع المدني ملاحظاتها على توجه الحكومة حول التعديلات على المسودة؛ ولكن مُنذ “كورونا” لم تجتمع اللجنة الوطنية التي شكلت من جميع الوزارات ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية، لمتابعة المسودة، وما زلنا بانتظار الإرادة السياسية لإقرار القانون.

عش الدبابير

وبشأن الرد على الذين يعتبرون أن مشروع القانون يعد النسخة الفلسطينية لاتفاقية سيداو، قالت عبيد: “ندعو المواطنين إلى قراءة القانون وأهدافه، وقد أقره مجلس الوزراء عام 2006، قبل توقيع دولة فلسطين على اتفاقية سيداو عام 2014، لافتةً إلى أن الاعتراض أتى على تعريف واحد (التمييز ضد المرأة)، وتم التنويه لإعادة صياغة العبارة بحسب السياق والوضع الفلسطيني”.

وبشأن أسباب عدم إصدار الرئيس مرسوماً رئاسياً بإقرار قانون حماية الأسرة، على رغم إصدار مجموعة من المراسيم الرئاسية المتعلقة بالحريات العامة والانتخابات خلال عام 2020، قالت عبيد: “الرئيس الراحل ياسر عرفات كان يطلق على هذه القوانين اسم عش الدبابير؛ لأنها تخلق جدلاً اجتماعياً في فلسطين. وبالتالي، كل رئيس وزراء جديد يعمل على ترحيل هذه القوانين للوزارة التي تليه؛ تجنباً لوجع الرأس كما يقال”.

واستدركت: “لكن القوانين المتعلقة بالحريات العامة والحقوق لا تتجاوز 1.2 في المئة من مجمل القرارات الصادرة بقوانين مُنذ فترة الانقسام سواء في غزة أو الضفة، وذلك بحسب دراسة لمركز “مواطن” في رام عام 2019″، مشددة على أنً السبب يعود إلى غياب الإرادة السياسية بخلاف التذرع بالضغط العشائري والتيارات الإسلامية المتشددة داخل المجتمع الفلسطيني.

وحملت مسؤولية عدم توفر الوعي بأهمية القانون وشرح أهدافه للحكومة وتلفزيونها الرسمي وأذرعها الإعلامية؛ لأن الحكومة وافقت على القانون عام 2006 ومن واجبها إفراد مساحات توعية للمواطنين بأهمية القانون؛ وسألت: “المجتمع المدني متجذر في المجتمع الفلسطيني قبل نشأة السلطة الفلسطينية؛ ولكن، كم يبلغ عددنا مقابل إمكانات الدولة لتوعية المواطنين؟”.

“زوجها بعد إلقاء القبض عليه أكد ضربها ببربيش مجدول بالحديد أحضره من الشارع؛ لضربها لاعتراضها على زواج اختها فلسطين من أخيه، ما أدى إلى مقتلها على الفور”.

الحرب تقتل نساء غزة مرات عدة

منسقة “مركز حياة لحماية وتمكين النساء والعائلات لدى مركز شؤون المرأة في غزة”، تؤكد أنه بعد كل الأزمات التي يتعرض لها قطاع غزة، ترتفع نسب العنف تجاه النساء خصوصاً، لافتةً إلى أن مركز حياة استقبل 15 امرأة، بعد الحرب الرابعة مباشرة.

ومع تعرض هؤلاء النساء للعنف الأسري من أزواجهن؛ توجهن لطلب خدمة الإيواء، إذ تشير المنسقة إلى زيادة الطلب على خدمة الدعم النفسي؛ بخاصة في ظل زيادة الضغوط النفسية والمشاحنات الزوجية نتيجة العدوان الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية نتيجة تشديد الحصار الإسرائيلي، إضافة إلى وجود الكثير من الحالات التي تطلب الطلاق مباشرة؛ نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة.

وفي ما يتعلق بحالات قتل النساء؛ نتيجة سكوتهن عن العنف الأسرى ضدهن، قالت قاسم، إن “سكوت المرأة عن العنف الذي تتعرض له وعدم القدرة على التعامل مع العنف، يأتي في ظل حاضنة ترفض دفاع النساء عن حقوقهن”.

ونوهت إلى وجود حالات عنف جسدي يومياً ضد النساء؛ ولكن، هناك حالات تصل لحد القتل أو دخول المستشفى بسبب العنف الأسري، وفق تقارير طبية، لافتةً إلى أنه مُنذ بداية العام حتى اليوم هناك 10 حالات قتل نتيجة العنف الأسري و5 حالات انتحار، عند البحث عن أسبابها نجد أنها ترتبط بتعرضهن للعنف الأسري، ما يدفعهن للتفكير بالانتحار.

ويقدم “مركز حياة” الدعم النفسي والاجتماعي والإيواء للنساء المعنفات وهو مُلتقى لمشاهدة الأطفال الذين في فترة الحضانة، وكذلك تقديم إدارة صحية للحالة.

ولفتت إلى وجود قصص نجاح كبيرة، لنساء تعرضن للعنف الأسري بعد تقديم الدعم والتمكين الاقتصادي لهن، فانتقلن من دائرة العنف وقلة الحيلة إلى حل مشكلاتهن بمساعدة أزواجهم الذين يتم تأهيلهم أيضاً.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.